أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شمس الدين الكيلاني - أي مصير ينتظر الحزب الشيوعي السوري؟ أزمة المعارضة السورية في مواجهة الإصلاح















المزيد.....


أي مصير ينتظر الحزب الشيوعي السوري؟ أزمة المعارضة السورية في مواجهة الإصلاح


شمس الدين الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 837 - 2004 / 5 / 17 - 05:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا بد للمتتبع للشأن السوري من أن تستأثر باهتمامه، التحولات الجارية حالياً في صفوف الحزب الشيوعي، المعروف ب>، بمناسبة عرضه <<لموضوعات>> مؤتمره السادس المقبل، بما أثارته تلك الموضوعات، من صدمة للكثيرين من أصدقائه وكادراته، وهو الحزب الذي أثار جدلاً واسعاً طوال تاريخه، وأغنى الحياة الثقافية السياسية السورية، إن كان في تمرده على الماركسية الرسمية، أو انشقاقه على الحزب الشيوعي الرسمي، أو تبنيه للفكرة العربية، أو انحيازه المبكر لمسألة الديموقراطية، وارتفاعه عن عصبيته التنظيمية بانخراطه داخل ما يعرف بالتجمع الوطني الديموقراطي، الذي شكل، ولا يزال، محور المعارضة الديموقراطية منذ عام 1980.
لذا، يحيط بتحضير <<المكتب>> لمؤتمره، جملة من التساؤلات، والشكوك حول ما ينتظره في مؤتمره القادم. يعزّز تلك الشكوك التجاذبات الداخلية العنيفة التي أحدثتها طريقة رياض الترك الفردية والفوقية، في معالجة المسائل الداخلية في الحزب، وفي التجمع، في ظروف الركود المسيطر على الساحة السياسية السورية، بعد خفوت آمال التغيير، وفي ظروف غياب الرموز القيادية <<للمكتب>>، لأسباب مختلفة، بمن فيهم عمر قشاش الذي لم تسمح له نزاهته الأخلاقية المشهودة من جهة، ولا محافظته الإيديولوجية، بالتدخل الفعال، أو الدكتور فايز الفواز الذي حافظ على مسافة بينه وبين العمل التنظيمي، ربما خوفاً من تحمُّل مسؤولية مجابهة داخل الحزب قد تؤدي إلى تفكيكه، لا سيما بعد أن تحول<<المكتب>> نفسه، في ظروف موت الحياة السياسية والحزبية السورية إلى جماعة صغيرة لا تتعدى عضويتها مئتي محازب، غير قادرة على مجابهة الهزات الداخلية الكبرى والصغرى، برغم أن المكتب قد اعتاد، طوال تاريخه، على النقاش المفتوح، والمحتدم.
تاريخ ممزق ومجدّد
فلقد تزامن أول تمزقاته مع عشية تحضيره للمؤتمر الذي سيدشن فيه انفصاله عن بكداش، حين خسر أبرز رموزه القيادية: ظهير عبد الصمد، دانيال نعمة، وإبراهيم بكري، بانتقالهم، بضغط من السوفيات، إلى صفوف بكداش، بعد أن فتحوا الطريق لولادة تيار <<المكتب>> السياسي والفكري، بتوجهه نحو الفكرة العربية، بفرعيها، الوحدة وفلسطين.
بعد هؤلاء، احتل المواقع القيادية الموجّهة رجال آخرون: رياض الترك على رأس الهرم التنظيمي الجديد، كأبرز المواجهين لخالد بكداش، والدكتور فايز فواز الذي احتل موقع دينامو الحياة الفكرية منذئذ، وعمر قشاش كوجه عمالي بارز، واحتفظ هؤلاء بالموقع الموجّه للحزب، بطريقة متعاضدة، حتى المؤتمر الخامس عام 1978، فلم تكن الحياة الحزبية ديموقراطية أبداً، فلقد أمسك رياض، وفايز كنواة صلبة، بعد اعتقال قشاش عام 1977، بالحزب متعاضدين، الأول تنظيمياً، والثاني فكرياً، واشتراك الاثنان في رسم السياسة، على أن تقع على عاتق فايز مسؤولية التأصيل النظري بتحويله <<نضال الشعب>> بحكم إشرافه عليها، إلى منبر لتغيير الوعي ولصياغة التحولات النظرية السياسية الحاسمة، ولعملية الانتقال من تربة <<مفهوم الديموقراطية الشعبية>> إلى مفهوم <<الديموقراطية>>، بكل رحابته.
وكتب فايز افتتاحية <<نضال الشعب>> عام 1976، التي عبر فيها الحزب، عن معارضته للتدخل السوري في لبنان، مدشناً بذلك مرحلة انتقال<<المكتب>> إلى المعارضة ثم مهَّد من خلال سلسلة مقالاته في <<نضال الشعب>>، لتهيئة الأذهان للتحول الديموقراطي، في المؤتمر الخامس عام 1978، والذي صاغ (موضوعاته) فايز نفسه، حيث انتقل فيها المكتب إلى التربة الديموقراطية، وكان بالتوازي مع ذلك، قد شَرَعَ، بمساندة من رياض، في إدارة حوارٍ كثيف وواسع مع الدكتور جمال أتاسي زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، حتى توصلا إلى صياغة برنامج <<التجمع الوطني الديموقراطي>> المعارض، الذي جعل الديموقراطية الخيار النهائي للقوى المنضوية فيه، وأسس منذ ذلك الحين إطاراً تنظيمياً لعمل المعارضة الديموقراطية في سوريا.
وقد انحسرت خلال ذلك عضوية (المكتب)، على أساس خطه المعارض الجديد، ثم انفضت كتلة مهمة عنه عقب المؤتمر الخامس بمن فيهم يوسف نمر ونبيه جلاحج وصبحي انطون، لم تكن كلها غير مقتنعة بالخط الديموقراطي، فهناك من ترك احتجاجاً على أسلوب رياض الفردي في إدارة التنظيم، أو لرغبته في التصعيد، ولم يكن الذين بقوا في الحزب أكثر اقتناعاً بالخط الديموقراطي الجديد من الذين خرجوا. فلقد وضعت <<الموضوعات>> التي صاغها فايز المكتب في تربة فكرية سياسية جديدة، أدخلته في تناقضات بنيوية عميقة ما بين ذلك النهج الفكري الديموقراطي الجديد من جهة، وبين الإيديولوجية الماركسية الشمولية، ومعها البنية التنظيمية اللينينية الاستبدادية، التي أتاحت للنواة الحزبية الصلبة المتمثلة برياض فايز، من دفع الحزب إلى المعارضة الديموقراطية، دون قناعة فعلية حتى من الصف القيادي الأول، الذي إذا استثنينا منه فايز، فإنه اعتمد على ثقافة شفوية، وتعامل أغلبيته مع الديموقراطية، سلاحاً في معارضة السلطة، وهذا ينطبق على رياض نفسه، ولم يتمثل تلك الأُطروحات أو يساندها إلا المنتسبون الجدد، ولاقت التأييد من المثقفين المستقلين، أمثال ميشال كيلو، وهيثم حقي، وسمير ذكرى، ومحمد ملص، ونبيل سليمان، وبوعلي ياسين.
لقد عمقت موضوعات المؤتمر الخامس، التناقضات الفكرية السياسية داخل الحزب، بعد أن وضعته على أرض فكرية مفتوحة، يمكن أن يتصالح فيها مع الإسلام، بعد أن تصالح مع الفكرة العربية، ومع مفهوم <<الشعب>>، ويمكن أن يهدد فيها بالمقابل شرعية التنظيم اللينيني، والإيديولوجية الماركسية، فلم يكن يوحّد <<المكتب>> سوى خيط رفيع يرتبط بمعارضة السلطة وحسب، ووراء ذلك ركام من الخلافات.
على خلفية هذا الوضع الممتزج بالقوة والضعف، واجه <<المكتب>> ما يُعرف بالرزنامة السورية ب<<أزمة الثمانينات>>، والتي طغى عليها العنف فقدم <<التجمع>> برنامجه الذي صاغه فايز والأتاسي، كخيار ديموقراطي استراتيجي ثالث، بين العنف الأُخواني، وحل السلطة الأمني، ومنذ ذلك التاريخ، حدث التجاذب داخل <<المكتب>> حول العلاقة بالتجمع، فالإصلاحيون الديموقراطيون، بمن فيهم فايز، نظروا إليه كإطار يمكن أن يتحول حركة ديموقراطية تحتمل التعددية، وتنصهر فيه <<الدكاكين>> الحزبية، أما المحافظون الإيديولوجيون بمن فيهم رياض فرأوا فيه تحالفاً مؤقتاً لاختزان القوة، ثم ما لبث أن تفجر في المكتب تجاذب آخر، بعد آذار 1980، حول تحديد الموقف من <<العنف الأُخواني>>.
كان من الطبيعي بالنسبة للمكتب بعد أن تبنى النهج الديموقراطي، أن ينبذ العنف، إلا أنه لم يظهر في أدبياته ما يدل على هذه الإدانة الصريحة للعمليات الاعتراضية الأخوانية إلى جانب إدانته للسلطة، لكن مع الأيام، صارت تتضح أكثر فأكثر خطورة هذا الصمت، فظهر الانقسام في النسق القيادي ما بين رأيين أصرَّ فيه الأول وعلى رأسه رياض على الاستمرار في تجنّب الإدانة، من منطلق أن العنف مشتق من السلطة، ومن المنظور التقليدي للسياسة، عدو عدوك صديقك، وإضعاف الخصم الرئيسي، بينما شدّد الآخر ممثلاً بفايز على أنه من الضروري، على الرغم من تحميل السلطة المسؤولية الأولى، أن تشمل الإدانة أيضاً العنف الأخواني، على ضوء تراجع الحركة الشعبية، ولخطورة تفشي ظاهرة العنف، وانسجاماً مع النهج الديموقراطي نفسه، من دون أن ينال هذا من دور الإسلاميين الوطني الديموقراطي.
تفاقم الخلاف بين رياض وفايز. نوقش الأمر بين الكادر وساندت أحزاب التجمع رأي فايز. فلم ينس رياض هذا التأييد أبداً، إلا أن هذه التطورات بتفاعلاتها، وخلافاتها قطعتها حملات الاعتقال التي شملت المئات في جميع مراتب الحزب التنظيمية.
فوَّت هذا الاعتقال على المكتب حسم النقاش من مسألة (العنف)، ومن التفكير أوسع في ظاهرة ما يعرف ب<<الصحوة الإسلامية>>، وأيضاً معالجة التناقض بين خطه الديموقراطي وبين التنظيم والإيديولوجية.
فانتقلت تلك التناقضات برمتها إلى داخل المعتقلات، بين الإصلاحيين الديموقراطيين، والمحافظين أصحاب مفاهيم الصراع الطبقي، والحنين للسوفيات، ولمفاهيم الديموقراطية الشعبية، وكان يلاحظ تزايد دائرة المحافظين كلما ارتقينا في السلم التنظيمي.
لم يتبق خارج المعتقل سوى نقاط ارتكاز تنظيمية، ما كان لها أن تستمر لولا احتضان التجمع بقيادة الأتاسي لها، ومساندته مادياً ومعنوياً ولوجستياً. استطاعت قيادته الجديدة الشابة ترتيب أوضاعه التنظيمية، ثم ارتقت مع الأيام العلاقات داخل (التجمّع)، حتى صار له صحيفة مركزية (الموقف الديموقراطي) واحدة، وأثمرت النقاشات بين أطرافه، التي لعب فيها الدكتور جمال الأتاسي، دوراً رئيسياً مع الكادرات القيادية <<للمكتب>>، في الوصول إلى<<وثيقة برنامجية>> فكرية وسياسية لهذه الحركة.
غير أن خروج (رياض) من الاعتقال أيار 1998 أوقف هذا التحول، بعد أن غدا أكثر محافظة، فلقد صرح أنه لن يناضل إلا تحت راية الشيوعية، علماً أن حزبه في المعتقل منذ عشرين سنة تحت راية الديموقراطية و(التجمع)، وبادر بعد استعادة موقعه في قيادة المكتب في شن حملة منسقة على التجمع، وعلى وثيقة البرنامج، ففوت فرصة وجود الأتاسي على رأس التجمع لتسهيل عملية ذلك التحول، وأعقب ذلك في حملة تشهير منسقة ضد الكادر الذي قاد المكتب، خلال فترة الاعتقالات، وحوّل توافق هذه القيادة مع التجمع إلى تهمة!! مستقوياً بأصحاب <<صراع الطبقات>> وبالهالة التي أحاطت عذابات المعتقلين من <<المكتب>> وصلابتهم، والتي غدا هو بالنهاية لدى الوسط السياسي رمزاً لها.
كان لحملات التشهير هذه، وقعها الخطير على حركة <<المكتب>> الداخلية، حيث كان في وضع لا يحتمل أي هزات داخلية، فوضعت حملات التشهير تلك، الصف القيادي والكادر المحيط به، بحالة إرباك، فاكتفت قيادة المكتب بإعلام التجمع، بأن رياض في تصريحاته لا يعبر عن رأي المكتب، وحاولوا إلزامه بمراعاة التزامه تجاه الحزب والتجمع، إلا أن هذا لم يرق له فقاطع الاجتماعات في الهيئات القيادية، مظهراً حرده، لكنه استمر في الضغط على الحزب، بواسطة كادرات منقادة لزعامته، ممارساً بقوة نشاطاً تكتلياً، إلا أن هذا لم يمنع النسق القيادي والإصلاحي من التعاون معه، فساعده العديد منهم في إعداد محاضرته التي ألقاها في آب عام 2001 في <<منتدى جمال الأتاسي>>، التي تعكس من حيث الجوهر خط التجمع الديموقراطي، وكان مجرد إفساح المجال له، كزعيم لحزب معارض، لإلقاء محاضرة في دمشق، يعتبر قياساً على إيقاع الحياة السياسية السورية، إشارة مهمة لإمكانية تعزيز الانفراج السياسي، إلا أنه بعد شهر من هذا التاريخ تمّ اعتقاله مع النشطاء العشرة وفي مقدمتهم عارف دليله، والنائب رياض سيف، بعد أن استعمل في لقاء تلفزيوني، عبارات خشنة ضد الرئيس الراحل.
أثناء وجوده في المعتقل نشر <<التجمع>> بطريقة علنية في تشرين الثاني 2001، من مكتب حسن عبد العظيم، برنامج التجمع الديموقراطي الجديد، الذي حظي بموافقة قيادة المكتب السياسي بوجود رياض نفسه قبل اعتقاله، وأضيفت إلى مهامه القديمة، مهمة الدفاع عن النشطاء العشرة، وفي مقدمتهم رياض، الذي راقت للكثيرين تصريحاته الخشنة، وقد استثمر رياض<<الرأسمال الرمزي>>، الذي كسبه في اعتقاله، إثر خروجه من المعتقل، في تجديد هجومه المنسق، ضد التجمع وقيادته الممثلة بحسن عبد العظيم، ووعد المتحلقين حوله بأنه إذا تعذر انعقاد مؤتمر للحزب، سيعيّن قيادة، أي سيفرضها كأمر واقع، فيضع الجميع أمام خيار الرضوخ، أو المواجهة التي تعني التفكك.
الموضوعات بين الجديد والقديم
تسيطر على الموضوعات روح (الصفقة)، مراعاة لأغلبية <<المكتب>> من جهة ولما استقر عليه رأي رياض من جهة أخرى، لم يهتم رياض، بجانب العرض التاريخي للموضوعات، الذي يحتوي الغث والسمين، بل اهتم بذلك الجانب الذي يظهر منه تخليه عن الفكرة العربية، وتحتوي الموضوعات على مسائل، وأفكار كثيرة فيها الصحيح والخاطئ، وإن غلبة <<الصفقات>> والضغوط جعلت الكثير من المقدمات لا تتفق مع نتائجها، واحتوت على تناثرات من الأطروحات، حتى أنها لم تنس ذكر إيجابيات الانتداب الفرنسي! لذا سنكتفي هنا بالتركيز على رؤوس الموضوعات، وأبرزها في الأهمية.
1 الانتساب للإيديولوجيا أم لقضايا المجتمع الملموسة
هناك مفهومان للحزب يتصارعان، بعد سقوط الشيوعية، وفكرتها، بعد أن بيّن القرن العشرين أن قوة الدولة وشمولها الاستبدادي يزدادان طرداً مع تعاظم ملكية الدولة على حساب الملكية الخاصة، وأن الإيديولوجية الشمولية هي الطقم الفكري المناسب للتوتاليتارية، فهناك مفهوم يدافع عنه رياض والمتحلقون حوله يتمسك بالمفهوم القديم للحزب، صاحب الإيديولوجية التي تملك مفاتيح الكون من الذّرة إلى المجرة، وهي هنا <<الماركسية>>، مع التساهل بإسقاط (اللينينية)، ويعادلون بين <<الماركسية>> أحيانا وما يسمونه <<المنهج>>، ويقصدون به الديالكتيك، الذي يملك أعم قوانين ظواهر المجتمع والطبيعة والفكر، وهو يعني في حقيقته أمر: <<المعرفة بالغيب>>، وهذا فوق طاقة العلم، والفكر المعاصر نفسه، والمفهوم الآخر يدافع عنه الإصلاحيون، ينظرون إلى الحزب كإطار للعمل الاجتماعي، يملك موقفاً استراتيجياً، من تطور بلده، ومطالب ملموسة انتخابية، لأنه بالأساس حزب ديموقراطي، ويهيئ نفسه للعبة الديموقراطية، وله موقف أخلاقي وقيمي من القضايا الإنسانية والمجتمعية، كفكرة العدالة الاشتراكية، وحقوق الإنسان، التي تندرج في هذا الموقف: الإستراتيجية، فيكفي الحزب أن يعبر عن هويته <<الإيديولوجية>> الضمنية الاشتراكية الديموقراطية ونزعته العربية، في سياق اندراجه في الحداثة والعقلانية المنفتحة، والتعامل مع مساهمات ماركس وتلاميذه، كإحدى مساهمات الفكر الإنساني، دون إظهار الانتساب المذهبي لها، وإلاّ تحول الحزب إلى طائفة جديدة تحمل مشروعاً لحكم العالم مع الادعاء بمعرفة كل شيء فيه.
تضمنت الموضوعات، على طريق الصفقة، مقدمة تتعارض مع النتائج، فبعد أن تؤكد على ميلها إلى النزعة الاشتراكية الديموقراطية، وعلى ضرورة تجنّب فخ الإيديولوجية، والخروج <<من شبكة الاعتناق إلى فضاء المعرفة>>، ترجع الموضوعات فتتحدث عن <<الماركسية>> بطريقة مذهبية، أو الانتساب إلى المنهجية وكلا المفهومين يتعارض مع المقدمات، ومع تأسيس حزب ديموقراطي خال من الأوهام، ولقد كان بالإمكان حل هذه المسألة بجعل الانتساب إلى الماركسية مسألة فردية لا شرطاً للانتماء الحزبي.
ولقد أُقحمت <<العلمانية>>، إقحاماً على الموضوعات، بحجة التلازم الوهمي بين الديموقراطية والعلمانية، رغم أن المثال الساطع لتجربة المعسكر الشيوعي، وتجربة الفاشية، والكمالية، والبورقيبية، والنظم التقدمية العربية، قد برهن عن توافق بين العلمانية والاستبداد، بالإضافة إلى ذلك فإن سوريا، التي تتوجه الموضوعات إليها، مثلها في ذلك مثل أغلب الدول العربية، هي علمانية بامتياز، طالما تستقي قوانينها من المدونة الحديثة باستثناء الأحوال الشخصية، وتنصّ على عدم التمييز بين المواطنين في الدين، فإذا كان هناك تمييز فلا يعالج إلا بالديموقراطية، فلا مبرّر لمطلب <<العلمانية>> هنا، إلا إذا كان يعني النيل من الوعي الديني، والحال إن ما ينقصنا جرعة من الديموقراطية، وليس المزيد من العلمانية.
ثم ألا يكفي الحديث عن الديموقراطية والعقلانية المنفتحة بدلاً من العلمانية، الصادمة والملتبسة، وهي هنا فائضة عن الحاجة، حيث غدت الدولة دهرية شاملة، ألا يكفي الحديث عن نظام دستوري يرسم فيه المجتمع قانونه الخاص؟
2. من اليقظة القومية إلى العدمية القومية
بعد دورة واسعة في الزمان، انتقل أصحاب الموضوعات من أشد المدافعين عن الوحدة، وتصحيح الموقف من وحدة 1958، ومن دور عبد الناصر، إلى النقيض، أي إلى أشد القاطعين مع الفكرة العربية، ومع حقبة عبد الناصر، لا ندري إن كان لهذا علاقة بازدياد عداء رياض غير المفهوم، للتجمع، وللتيار الناصري فيه، فيستخدم الموضوعات هنا لتمزيق التجمع نفسه!.
وهذا الموقف العدمي القومي يتجلى في العديد من المحاور:
في سياق الحديث الموضوعات على العولمة، تصف بعض ظواهرها <<طور من الرأسمالية العالمية، قفزة في التكنولوجيا، وثورة المعلومات، ومفاعيلها، زيادة الترابط لتصل إلى ما تسميه <<تناقص أهمية الانتماء القومي>>، وتآكل الخصوصية الثقافية، لصالح اقتصاد السوق، وما يرتبط بها من مفاهيم الديموقراطية.
وأهم من ذلك تتجاهل الموضوعات، التعرض إلى ما يمكن أن يقوم بين العرب لتحسين موقعهم في تيارات العولمة، وتكتفي في الحديث العام عن ضرورة <<التعامل معها كحقيقة واقعة، والتعامل على تحسين شروطها>>، وتتجاهل ما يجمع عليه الباحثون، ناهيك عن السياسيين، من ضرورة أن ينخرط العرب في تجمع اقتصادي عربي، في إطار الجامعة العربية، لمواجهة استحقاقات العولمة، وليد خلوها من موقع المؤثر.
 وبعد أن تصف الموضوعات تجربة عبد الناصر العربية، ب<<محاولة النهضة الثانية>> للعرب، لبناء الدولة الأمة العربية، وبعد الحديث عن وحدة 1958، على أنها تتويج لنضال الشعبين في مصر وسوريا، لا تلبث الموضوعات، أن تستعيد ما كان يردّده الشيوعيين في عزّ نزوعهم الانفصالي أيام المرحوم بكداش، السيطرة المصرية، الاستبداد، ليصلوا إلى القدريات،<<كان لا بد أن تفشل>> الوحدة! والحال لا شيء يدعم هذا الاستنتاج، فالانفصال لم يأت بالديموقراطية، بل جلب الاستبداد، وكان وراء هزيمة 1967، وظلّت أكثرية الشعب السوري متمسكة بشعار استعادة الوحدة، وظلّ التيار الطامح للوحدة المحرك الرئيسي للأحداث حتى عام 1970، كما أن عبد الناصر بمشروعه <<القومي التقدمي>>، كان متوافقاً مع موجة تعاقب الأفكار، حيث هيمن الفكر التقدمي الراديكالي، ونقد الليبرالية على الفكر العالمي، حتى في أوروبا نفسها، وتنافست كل النخب العربية، باستثناء تيار ليبرالي معزول، تحت سقف مفهوم <<الديموقراطية الشعبية>>، أو<<سلطة الشعب العامل>>، ولم يواجه هذا الفكر أزمته إلا في سبعينيات القرن الماضي، فكانت بداية تفكك التجربة الشيوعية، ونمط النظام التقدمي.
أما حديث الموضوعات عن المستقبل، فهي تتجاهل الحديث عن الوحدة، وتتجنب تقديم أي تصور جديد لها، فتكتفي بالحديث الغامض عن <<الجهد القومي في مواجهة العدوان الإسرائيلي>> و<<التفاعل مع المحيط الأقرب... وعلى المجال العربي>>. ثم تختتمها بالحكمة القائلة <<الوحدة ليست مسألة راهنة>>.
فهذا هو جوهر الموقف العربي الجديد، والحال أن الوحدة بمعنى الضرورة والأهمية، هي دائماً راهنة، وهي راهنة بمعنى ضرورة العمل لها دائماً، الآن، وغداً، لكن لا بمعنى تلك الصيغة التي راجت في المرحلة التقدمية، أي الوحدة الاندماجية، التي تقوم بها <<الطليعة التقدمية>> بعد استيلائها على السلطة في أقطارها، لتلتحق في الإقليم القاعدي، الذي كانته آنئذ مصر الناصرية، وكان لهذه الصيغة وزنها، وشعبيتها العارمة المليونية أيام عبد الناصر، حيث اخترقت شعبيته المليونية الأطر القطرية، إلا أن هذه الحقبة انطوت واستنزفت طرائقها في بناء الدولة، والتنمية، والوحدة، ودارت الأفكار دورتها، ومعها، أساليب العمل والمنهج، وبقيت هذه المسائل تنتظر الإنجاز، فصار من الضروري للعرب أن يصلوا ما انقطع مع المفكرين العرب في بداية القرن العشرين، الذين دعوا إلى الوحدة بين دول ديموقراطية ودستورية، وعلى أساس تعاقدي، وتوجوا جهودهم ببناء الجامعة العربية، التي وضعت الأسس لبناء تجمع عربي تعاقدي فعّال، قبل الاتحاد الأوروبي، ثم أتت المرحلة التقدمية لتضحي بدورها، والآن ومع استنفاذ هذه المرحلة لطاقاتها، لا بد للعرب أن يرجعوا لهذه المؤسسة التي أهملوها طويلاً، ليوجهوا طاقاتهم باتجاه تطويرها في كل اتجاه، وهي صيغة تنطلق من واقع الدولة القطرية، والطرق الدستورية التعاقدية، ولا تقف عائقا أمام إرادة المؤسسات الديموقراطية في بلدين لتعميق علاقاتهما الوحدوية.
 أما في ما يخص القضية الفلسطينية، فالموضوعات تتبنى التصورات الرائجة عن التسوية، تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا موقف لا بأس فيه، يراعي ميزان القوى الراهن، ولكن لماذا تتجاهل الموضوعات وثائق الحزب الماضية (تحرير فلسطين)، وإعدام ذاكرة الماضي، دون أن تقدم استشرافا تاريخيا لمستقبل اسرائيل في المنطقة العربية؟ وهي بدلاً من ذلك تقدّم الحكم المتعالمة للشعب الفلسطيني، ممزوجاً باحتقار تضحيات هذا الشعب، حيث تسمي ثقافة الجهاد، والاستشهاد بثقافة الموت، وتنصح <<بوقف تعميم ثقافة الموت .... (يقصدون الاستشهاد) باستبدالها بتعميم ثقافة الحياة>> فمن المؤسف أن يكون البرلمانيون البريطانيون أكثر فهماً لواقع العمليات الاستشهادية، من أصحاب الموضوعات، فبدل أن تناقش العمليات تلك من زاوية سياسية، وهذا موقف مفهوم، أخذت منها موقفاً إيديولوجياً تحقيرياً!.
التحول الديموقراطي
لا تقدم الموضوعات أي إضافات جدّية لجوهر توجهات <<التجمع>>، الداعي إلى انتقال سوريا إلى نسق ديموقراطي دستوري تعددي للحكم، ويقتصر الجديد فيها على نوع من التصعيد <<الكلاملوجي>> الذي لا معنى له، في السياسة، تتحدث على أنه <<ليس من مخرج مشرف لسوريا غير الانتقال السلمي المتدرج، نحو نظام تعددي دستوري>>، وتختار الطريق السلمي، الديموقراطي، وتنبذ العنف، وتقبل فكرة التدرج في الإصلاح، وهي صيغ لا تختلف عن صيغ التجمع، ولولا الإضافة التي لا معنى لها، حيث يشرحون تدرجهم الخاص، بالقول: <<التدرج في بناء النظام الديموقراطي الجديد، وليس في تفكيك النظام الديكتاتوري القديم، التدرج في الأسلوب وليس في المبدأ>>، وهي صيغ ليس لها من معنى.
أما الحديث عن الطائفية بالطريقة التي تعرضها الموضوعات، فلعلها تستثير المشاعر من جهة، والتشويش من جهة أخرى، فكان يكفي ذكر أن الاستبداد هو الأرضية المناسبة لنشوء التمييز الطائفي، والتحول الديموقراطي هو الكفيل بالقضاء على هذا التمييز.
التنكر للتجمع
أبرز ما في الموضوعات هو تجاهلها للقضايا العربية من جهة، وللتجمع الوطني، ولماضي الحزب، وكأن الموضوعات لا ذاكرة لها، فهي تفاخر بتبنيها الديموقراطية، وتشدد على ضرورة الحوار ليشمل الأطراف كافة، وتتحدث عن <<الكتلة التاريخية>> المزمع إنشاؤها، وعلى أنها تتكون من القوى التي قاومت الاستبداد، على ألاّ تقتصر عليها،.. فلا تأتي على ذكر <<التجمع>> الذي أطر عمل <<المكتب>> قرابة خمس وعشرين سنة، وجمعهم معه ميثاق مشترك لم يجف حبره بعد، وعذابات مشتركة، ولولا رعاية التجمع لربما اختفت ظاهرة <<المكتب>> نفسه.
وتتحدث الموضوعات أيضاً عن أن<<المهمة الحيوية تتحدّد في البحث عن مداخل واقعية، تتيح تأسيس حركة سياسية معارضة ديموقراطية>>، دون أي ذكر للتجمع، وكأن هذه الحركة عليها أن تكون على أنقاض التجمع، أو بدونه!! وهو ما يعني تنكراً لتاريخ من العلاقات امتد أكثر من عقدين، وقد كان وعي المكتب عام 1978، أكثر انفتاحاً وأقل عصبوية عمّا عليه حاله الآن، فقد أمضى رياض جهداً مهماً خلال الأربع سنوات الأخيرة، تمهيداً لضرب التجمع، أو لتفكيكه، أو الانسحاب منه، واضعاً نفسه فوق الجميع، ولقد صرح في مدينة الرقة أنه أكبر من حزبه ومن التجمع، فأجبر المجتمعين معه على الرد عليه بقسوة! فتبدوا الأفعال على تناقض مع الأقوال، تناقض الدعوة لتحالفات واسعة (كتلة تاريخية)، مع ضرب التحالفات المستقرة والعميقة القائمة!! وهو تناقض، ومفارقة، تحيّر من كان في داخل <<المكتب>>، ومن في خارجه.
ديموقراطية رجل واحد
من المفارقات، أن الموضوعات تختم، فقراتها، بالتأكيد على الحياة الديموقراطية في الحزب، ومنح الأقلية الحق في التعبير عن نفسها، وتجاوز صيغة<<المركزية الديموقراطية>>، وهذا يتناقض مع الحالة التنظيمية التي يعيشها المكتب، فكل ما يجري الآن في الحزب، هو من تدبير رجل واحد، ولن يتمخض المؤتمر، إلا عن تشديد قبضة الرجل الواحد، حيث لن يتبقى فى الحزب بعد المؤتمر سوى جماعة رياض الترك، الذي ستتم مبايعته، ربما حتى نهاية العمر، كصورة مصغرة لأنظمة الاستبداد المشخصنة!
() كاتب سوري



#شمس_الدين_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات حول برنامج -التجمع الوطني الديموقراطي- في سوريا


المزيد.....




- مزاعم روسية بالسيطرة على قرية بشرق أوكرانيا.. وزيلينسكي: ننت ...
- شغف الراحل الشيخ زايد بالصقارة يستمر في تعاون جديد بين الإما ...
- حمير وحشية هاربة تتجول على طريق سريع بين السيارات.. شاهد رد ...
- وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين هو الطريق الوحيد المعقول ...
- صحفيون وصناع محتوى عرب يزورون روسيا
- شي جين بينغ يزور أوروبا في مايو-أيار ويلتقي ماكرون في باريس ...
- بدء أول محاكمة لجماعة يمينية متطرفة تسعى لإطاحة الدولة الألم ...
- مصنعو سيارات: الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن
- انتخابات البرلمان الأوروبي: ماذا أنجز المشرعون منذ 2019؟
- باكستان.. فيضانات وسيول عارمة تودي بحياة عشرات الأشخاص


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شمس الدين الكيلاني - أي مصير ينتظر الحزب الشيوعي السوري؟ أزمة المعارضة السورية في مواجهة الإصلاح