داود ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 837 - 2004 / 5 / 17 - 03:14
المحور:
القضية الفلسطينية
في كتاب عالم الصدفة للمنظر الفيزيائي باول ديفز يستخلص المؤلف إن هذا الكون لم يأت بالصدفة...وان هناك توافقا عجيبا بين حالات التكون الكاربوني على سبيل المثال في الشمس والتي لو لاها لما كانت هناك حياة كاربونية على الأرض..وكذلك الامتداد الزمني لعمر الكون يظهر إن من غير الممكن أن تكون هناك حياة على هذا الكوكب إلا في حقبة تقل عن 1% من عمر الكون الذي قدر العلماء بدايته ونهايته..فهل من الصدفة أن يحيا الإنسان والحياة في هذه الحقبة القصيرة؟؟
وهل من الصدفة أن تحتل فلسطين في هذه الحقبة الهامة من التاريخ البشري؟ عصر التكنولوجيا والأنظمة العالمية..عصر التوحد الدولي في ظل العولمة؟؟
وهل من الصدفة أن يتم احتلال العراق مرتين بنفس الطريقة بين العام 1914 والعام 2003 ؟
لو تأملنا التاريخ بإمعان كما يتأمل الباحث التاريخي اللغوي في الكتابة المسمارية اوالهيروغليفية لوجدنا أن هناك لغة تاريخية لعاقل مجهول نظم هذا الكون ...أو على الأصح..لاكتشفنا إن الكون عاقل وما يجري فيه من أحداث عبارة عن سلسلة من حلقات حتمية الحدوث تصل في النهاية إلى الحقيقة..فأين هي ؟؟
لولا فلسطين لــتأمرك العرب أجمعين...لولا احتلال القدس لأصبح العرب الآن كاليهود..!!
ولعل البيت الأبيض أدرك أخيرا أن التعنت والانحياز لصالح إسرائيل قد أخر مشاريع الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط مئة سنة ..فلو لا احتلال الأقصى لكان من السهل جدا مسح الإسلام والتقاليد الإسلامية ..ومن يعود لتأمل التاريخ يجد الدليل على هذا الكلام ، فهناك انقلابات جذرية في الفكر العربي واكبت عصر النهضة في أوربا ..ولكن فجأة تظهر الصحوة الإسلامية...ردة الفعل تلك على ما جرى ويجري بالأمس واليوم في فلسطين خصوصا ..واليوم تعود الكرة في العراق وتظن الإدارة الأمريكية مرة أخرى إنها قادرة على هندسة السلوك العربي كما تريد ..ولربما جاء قصر النظر هذا من محاولة الاستعجال لاحتواء النفوذ الأوربي وتحقيق المركز المتقدم في مضمار السباق في عالم المستقبل ..الذي سيشهد على ما يبدو تصادم القوى الإنتاجية من جديد ...
إن التاريخ دولة وعبر ..واحتلال فلسطين جاء بعد جهود امتدت لمئات السنين ، ولهذا فان حل القضية في تلك البقعة من العالم يتطلب جهدا استثنائيا وفكرا مناظرا لحيثيات عالم اليوم..والا فلن تنفع الأساليب الحالية في المقاومة الفلسطينية لاستعادت الحقوق ...إن العرب بحاجة إلى استراتيجيات مستقبلية وتخطيط طويل النفس بعيد مديات المرمى كي يوازوا أعدائهم في قوتهم اومن اعتبروهم كذلك ...الأجيال القادمة بحاجة إلى نظرية فكرية عربية ..قادرة على اختراق الحواجز وتتمكن من خلق الوحدة العربية بنمط عصري حضاري لا فلسفة ثورية تراثية تقوم على الاستبداد كما هو واقع القوميين العرب اليوم باختلاف ألوانهم ، إن واقع الحياة اليوم يفرض الابتعاد عن نفس القومية والطائفية والدين..وما يحدث في فلسطين والعراق ليس مأساة تعيشها الأمة ..إن ذلك هو أروع ما في تاريخ الأمة من تكشف للحقائق وإدراك الصورة الحقيقية للتاريخ والإنسان..ونعول كثيرا على هذا الجيل الذي جاء بموعده مع القدر كما قال عبد الناصر ، جاء ليرى تاريخه وحضارته عاجزة كل العجز عن الوقوف بوجه التكنولوجيا والتمدن الحديث ...ولد ليجد نفسه بين كل هذه التناقضات ..وبالتأكيد سيبحث عن الحل لمشاكله..ومن يدري , فقد تشرق شمس الحضارة العربية من جديد بثوب جديد يتجاوز أخطاء الماضي والتي نوجزها بالاتي:
الاستبداد وعدم احترام الإنسان وحقوقه وحريته و الشعور بالمرأة كعبء ثقيل في المجتمع,ولن تقوم للعرب قائمة مالم يتجنبوا التشبه بـالرموز التاريخية والشخصيات الإمبراطورية كصدام حسين مثلا ، ولن تقوم لهم حتى يؤمنوا أن لا مقدسات على هذه الأرض إلا الإنسان وقيم الإنسان..عليهم أن يدركوا إن عصر الإماء والعبيد قد ولى إلى غير رجعة وان بناء الاستراتيجية الوحدوية العربية المستقبلية على أسس اقتصادية هو أولى واجبات الالتزام الأخلاقي تجاه هذا الجيل والأجيال القادمة ..
لن تقوم للأمة قائمة مالم تظهر فيها خطوط استراتيجية علمية ..وبرأيي الشخصي فان استراتيجية التعليم والثقافة العربية يجب أن تأخذ بعدا علميا خاصا يمكن الأجيال من النهوض بواقع حياتهم ..هذا الجيل بحاجة إلى مناهج إبداعية خلاقة قادرة على تخريج مثقفين علميين تكون اتجاهاتهم الاجتماعية علمية- أخلاقية انطلاقا من الواقع التاريخي للأمة ومتطلبات النهوض ..ليس لمواكبة التطور العالمي...وإنما لولادة حضارة عربية معاصرة قادرة على راب الصدع بين الواقع والتاريخ الذي يعشقه العربي بجنون غير مسبوق..ولعل أهم الأخطاء التي يقع فيها الاستراتيجيون العرب هو تحديد أهداف مؤتمراتهم وندواتهم تحت عنوان مواكبة التطور، إن الأمة لن تستطيع مواكبة التطور
،إن امتنا صعبة المراس من قرون عديدة..إنها بحاجة إلى أن تنهض من جديد ، فهي وبصريح العبارة:
بحاجة إلى فكر يشبه فكر محمد كيفا..ويتفوق عليه كما..أما السلف الصالح فان محمدا لو بعث إلى الحياة من جديد لقض أركان الفكر السلفي من الجذور كون الذين حاربوه في عصره هم دعاة السلف !!
لم يتغير شيء سوى أنهم نعتوا السلفية المعاصرة بالصلاح..فعصر الجاهلية كانت فيه من المروءة والقيم ما تضاهي ما عند السلفيين اليوم..والفرق أن اؤلئك كانوا يعملون للكرامة والعزة والمرؤة والشهامة ، أما دعاة اليوم فهم يذبحون الإنسان في سبيل الله ..يدمرون هذه الحياة في سبيل الله، وللأسف فان القضية الفلسطينية هي التي أظهرتهم بهذه القوة في الساحة الفكرية والسياسية العربية ..ومع ذلك فان غضهم الطرف عن الواقع الحقيقي الذي أدى إلى انبثاق الإسلام هو الحرج الكبير الذي يعانونه..لان الإسلام لم يأت بالإرادة الإلهية أولا: لقد جاء الإسلام لان المجتمع العربي كان بحاجة إليه ولم يكن للإرادة الإلهية أي معنى في أورشليم التي شهدت صلب المسيح ابن الله ، المبدع دائما هو الإنسان والتدخل الإلهي هو تدخل تدعيمي ليس إلا.. وقضيتنا في فلسطين تحتاج إلى إبداع عربي، يباركه الله لكنه ينبثق أولا من الإنسان وينتهي بالإنسان لا ينبثق من واقع إن الله يريد كذا ولا يريد كذا..! فهذا هو السخف الذي ضيع الأمة ، لن تقوم الأمم بحول الله ما لم يكن لها حول أبدا ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...
وبالتالي فما الذي نتوصل إليه عن سبب إبداع الخالق للقضية الفلسطينية في عصرنا الراهن؟؟
لولا القضية الفلسطينية فلن يكون للعروبة معنى ..ولا للحضارة العربية معنى..احتلال فلسطين كان خطة إلهية مدبرة كي تبقى للحضارة العربية بذور تحت تراب الذل والهوان..فإذا ما واتت هذه البذور الفرصة انتفضت لتبزغ شمس الحضارة الفضية.
#داود_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟