أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فليحة حسن - قصة















المزيد.....

قصة


فليحة حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2743 - 2009 / 8 / 19 - 07:48
المحور: الادب والفن
    



• ثقيلة كورقة
لم اعد أتذكر الوقت الذي أرسلت به خاطرتي على إنها قصة قصيرة إلى مجلة كانت تعدُّ من أهم المجلات الثقافية آنذاك ،وكنت حينها جالسة على مقعد خشبي أتابع تعليقات المعلمة على كتابة ابن عمي الصغير الذي التحق قريباً في الصف الأول الابتدائي، فعبارة أحسنت يا بطل لم تكن مناسبة للمسامير التي خربشها قلمه على وجه ورقته على إنها أول حروف الأبجدية، ربما مراهقتي هي التي منعتني من وضع تلك الكلمات في خانة التشجيع وأزاحتها الى جانب النفاق الاجتماعي،
دخل مهرولاً وبيده مجلة اُنتزع منها غلافها الملون ليقول وهو يضعها بين يدي بعد أن سحب دفتره منها
- بها صورة عبد الحليم ؛
استلمتُ لفرحة اكتشافي بان أبناء عمي يعلمون أيضاً بإعجابي بهذا الفنان
صرت اقلب الأوراق بحثاً عن الصورة التي وجدتها بحجم الورقة وأخذت أسافر بين طيات ملامحها مستغرقة بنشوى حلم يقظة قطعه صوت ابنة عمي الصارخ بي
- أريدها
استهجنتُ دخولها المفاجئ وطلبها المجلة على هذه الشاكلة فصغر سنها لم يبرر لها ما تفعله الآن واصررها على إصدارها هذا الصوت الذي يحمل طلبا غير منطقي جعلني اقلب أوراق المجلة بسرعة كانت ردة فعل عنيدة مني أكثر من كونها بحثاً عن شيء مفقود،
كادت روحي تخرج من مكامن جسدها وأنا أرى اسمي وقد دوّن تحت بريد القراء بملاحظة
" الأخت المرسلة أحلام محمد علي ما ينقص خاطرتك لتكون قصة قصيرة هي الحبكة والفعل الدرامي وتنامي الحدث أمنياتنا بالتوفيق"
حينها لم أع كيف ومن قام بانتزاع الورقة من المجلة، كل الذي أعيه إنني وجدت الورقة الزرقاء بيدي بينما استولتْ الصغيرة على بقية المجلة وأسرعتْ راكضة باتجاه أخيها، لم أتذكر للان إنني شعرت بسعادة توازي حجم سعادتي وأنا أتفاجأ بحضور اسمي مقروءً ،إذن لم تعد كتاباتي بعد الآن شخبطات قاحلة بل إن أحداً ما - لست معنية أبداً بجنسه- قد شاركني الدخول في دهاليزها ،
لمرات عدة حاولت استنطاق ما وراء الحروف وصولاً للمعاني المخبوءة بين طياتها غير إن كلمات مثل " حبكة، فعل درامي، تنامي حدث " لم تكن أبداً بحجم مقاس ذهني وصار عليّ أن أجد شخصاً يتولى مسؤولية هدايتي الى أسرارها ، لكن هيهات؛ أسرتي بعيدة كل البعد عن الحرف وإشكالات رسمه؛ هل أقول إن تعليق معلمة ابن عمي هو ما جعلني أتذكرها، مدرّسة اللغة العربية والتي دأبت على صوغ عبارات كبيرة تحت جملي الإنشائية التي دوماً أتباهى بها بين طالبات صفي نحو" رائع" ، " أنا فخورة بك" ، " عفاك الله" ، " ممتاز جدا"، أنار توهج اسمها في ذاكرتي عتمة حيرتي وصار لقائي بها حتمياً لكسر طوق جهلي بالقادم من أحلام، وهي المطلعة كما يبدو من حديثها معنا نحن الطالبات على اغلب القصص والروايات العربية والمترجمة إذن الست فردوس هي من ستقودني الى فردوسي ،و تمنحني الإشارات الأولى للارتقاء ؛
عقبة واحدة تجلتْ أمامي وأنا انصّبها ملكة لفك طلاسمي ،
الوصول، هذه الكلمة انتصبتْ كقلعة محصنة بوجهي فكيف يمكن لي أن أصل إليها الآن رغم علمي بان بيتها ليس بعيداً عنا؟
وكيف لي أن أعود الى بيتنا الآن مع وجود اتفاق مبرم بين أبي وعمي في إبقائي عشرة أيام العطلة لديهم؟؟
جدتي وحدها سندي الأوحد في همومي وهي الى الآن تفعل ذلك – حتى بعد تلفعها بالموت – تناومتُ ظهيرة ذلك اليوم وحين سمعتُ جلبة استيقاظهم من قيلولة اعتادوها، سحبتُ جسدي الى المطبخ لأتابع زوجة عمي وهي تعدُّ شاي العصر
- خيراً ؛
قالت كلمتها تلك وهي ترى ترددي بين البوح وعدمه ،
قلت : - أريد العودة الى البيت؛
تجمدتْ يدها في الهواء وهي ترفع قدح الشاي الفارغ، ولم تعده الى المنضدة إلا وهي تنصتُ الى تبرير قرار العودة المبكر والمفاجأ معاً
- حلمتُ حلماً سيئاً بجدتي؛
- حلم الظهيرة لا يتحقق،
قالت جملتها وأزاحتني عن طريقها بإشارة من يدها الأخرى الفارغة من صينية الشاي ؛ وخرجتْ،الكثير من الأحاديث دارتْ بينهما وأنا اجلس صامته غير معنية بالدائر حولي، تيقنتُ تماماً من إن مشروع رؤية الست فردوس لابد أن يتأجل الى أيام عشرة قادمة، التفعتُ بخيبتي وحاولت التغلب على حزني باللعب مع ابن عمي الذي وجدته الآن مصدر سعادة غير موصوفة لي، تعدد خساراتي أمامه في لعبة (الناكَود) وأضجره توالي القبل على وجهه كمكافئة على ذلك الفوز المتكرر، وفي الليل ربطتُ أجفاني بضياء نجوم بدتْ لي غير آفلة ولم يفلح استسلامي لمحاولات النوم في شيء بل على العكس من ذلك ما أن دخلتْ زوجة عمي الى الغرفة صباح اليوم التالي حتى وجدتني بلا اثر نوم في عيوني
- صباح الخير، بعد الفطور سيوصلك عمك الى البيت ؛
أشعلت بمغادرتها الغرفة حضوراً كبيراً لفرحي واستنفدتُ كلّ أنواع خجلي طلباً للهدوء أمام عيون عائلة عمي التي أحاطت بي عند الإفطار ، قبّلتُ الجميع بحرارة الخلاص من أول عقبة توصلني الى مبتغاي وخرجتُ اتبع أثره ، وعرفاناً بمزاجيتي المعهودة لم تسألني أمي عن سبب العودة بينما استسلمتْ جدتي لنوبة ضحك وهي تهمس لها
- ها ماذا قلنا ؛
بسرعة لم أعدها فيّ خلعتُ الحذاء والعباءة ووضعتُ رأسي في حجر جدتي وشرعتُ أقص عليها ما حدث فعلاً بينما راحت أناملها تسري بين طيات شعري لتسلحني بجملة كنتُ احتاجها بشدة
- اليوم جمعه، زوري مدرّستك عصراً
في الرابعة عصراً بالتحديد استيقظتُ لم أع مرور الوقت ولا استبدال حجر جدتي بوسادتي الخاصة،
- غدائك هناك؛
وأشارتْ الى الثلاجة
- لستُ بجائعة
أجبتُ أمي وأنا أتوجه الى الحمام ، بعدها استبدلتُ ثيابي وارتديتُ عباءتي وخرجتُ وأنا اخبر الجميع
- سأذهب الى ست فردوس
لم اسمع شيئاً غير وجيب قلبي المتصاعد كلّما اقتربتُ من دارها وبأكثر من تردد وقفتُ بمحاذاة الباب المنغلقة بوجهي، لم تكن يدي هي التي قرعتْ الباب بل السؤال الذي يطلب إجابة عنه،
بصوت لم أضع له في مخيلتي مثيلاً صاح بعد ثلاث دقات متوالية
- مَنْ ؟
- أنا
أجبته وكأنه معنيّ بالعلم بقدومي
- َمنْ؟
سمعتها ثانية والباب ينفتح عن رجل شبه عارٍ، تزامنتْ ردتا فعلانا بالسرعة نفسها وانعكستا باتجاهين متباينين هو أغلق الباب وأنا أطرقتْ بنظري أرضاً
- ست فردوس موجودة ؟
قلت بصوت لا علاقة لحنجرتي به،
- نعم انتظري لحظة؛
قالها بصوت اقرب الى نفس يتباين صعوداً وهبوطاً منه الى الكلام،
اللحظة التي طلب مني الرجل انتظارها قادتني الى عمق حيرة ،وصرت أتأرجح بين العودة والانتظار وكدتُ أن التفت بجسدي الى الوراء عائدة، لولا إن نفس الصوت عاد ليطلب مني الدخول،لملمتُ الاثنين معاً شتات ذاتي وأطراف عباءتي وتركتُ حيرتي على عتبة الباب ودخلتُ، كان ممراً ضيقاً شبه مظلم ما يفضي الى غرفة الاستقبال التي تدل نظافتها وترتيبها والصمت المغلفة به على افتقار البيت الى عبث طفولي، تركتُ خطوتي تقودني الى كرسي يتوسط أمثاله ويحيطون بطاولة مستطيلة تم تغطيتها بقطعة من الستان المذهب، ينتصب عليها حوض صغير لأسماك زينة ملونة، وزهريتان متماثلتان بالشكل والحجم ونوع الزهور الموضوعة بهما، منظر الطاولة سرب الى روحي راحة كنت افتقدها قبل الدخول ،
- أهلاً وسهلاً
جاء صوت مدرستي المحبب لديّ كحلوى الآذن ؛ انتشيتُ بحضورها، وبفرح المكتشف رحتُ أتقصاها جزءً جزءً ،ابتداءً من ثوب النوم الوردي الشفيف الملتصق على تفاصيل ثنايا جسدها المكتنز بالبياض وشعرها الفاحم المنسدل على أكتافها وانتهاء بالشفاه المصبوغة بالأحمر القاني ،
نعم إنها هي ،أكد تلك الحقيقة صوتها، وان جاءت بهيئة لم ترها غيري من الطالبات،
- أهلا بك ست، آسفة للإزعاج، لكن هناك شيء جعلني آتي الآن إليك؛
كلّ تلك الكلمات قلتها ويدي تبحث عن الورقة التي خبأتها في جيب التنورة بارتباك،
- لا....تفضلي اجلسي
ردت على ارتباكي ،
- أهلا وسهلا
هذه المرة جاء صوته حاملاً خشونة واضحة، وهو يدخل الغرفة مرتدياً ثيابه الكاملة ويجلس قبالتي ،أخرجتُ الورقة ومددتها الى يدّ مدرستي التي تفحصتها بملامح تتبدل بين لحظة وأخرى لتنعكس على هيئة أسئلة دارتْ في رأسي وتدفقتْ من شفتي متسارعة،
- ست ما معنى بؤرة الحكي، الدراما، تنامي الحدث ؟
- سأعود حالا
قالتها وخرجتْ تحمل ورقتي التي تلتف على كلّ فتوحات أحلامي القادمات كخارطة كنز حجزه القدر من اجلي فقط ؛
بطريقة آلية تعودناها داخل الصف لحظة خروج المدرسة منه، وقفتُ
غير إن الجالس قبالتي أشار بحركة من يده اليمنى قائلاً
- ارتاحي
- شكراً أنا مرتاحة
أجبته، وأنا انظر إليه بانشداه وفرح متمازجين ،اطرق الى الأرض متنهداً لتخرج من بين شفتيه
- (هنيالج ؛ )




#فليحة_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرفض في بيت الطاعة
- ليس من حقك أن أتلاشى
- احتراقات


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فليحة حسن - قصة