|
هل الخطاب الديني انعكاس لازمة الاخلاق
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وجود الله، حسب ديكارت، دليل على وجود العالم وحجّة على إمكانية معرفة هذا العالم وإدراك قوانينه، وهذا الاستدلال هو جوهر المقاربة العقلانية لمسألة وجود الله، أمّا اليوم، مع ظهور أصوليات ما بعد العقلانية، فقد أمسى وجود الله دليلاً على زيف العالم وعدم جدوى معرفته، تماماً مثلما كان اعتقاد الاتجاهات الصوفية القديمة.
يعدّ الخطاب الديني اليوم، خطاباً عدمياً، وتمنحه العدمية القدرة على الاضطلاع بالوظيفة التبريرية على أفضل وجه ممكن، ذلك أن العدمية وحدها من تقدر على تبرير الشيء ونقيضه في نفس الآن، وهل يتقن الخطاب الديني عملاً آخر، عدا أن يبرّر القضية لمن يرغب في تبريرها، ويبرّر نقيضها لمن يرجو ذلك؟
لقد ساندت الكنيسة الكاثوليكية، في الثلاثينات والأربعينات النظام النازي في ألمانيا، منحته جميع المبرِّرات؛ الممكنة وغير الممكنة، وفي كلّ الأحوال كانت العدمية الأخلاقية للخطاب الدينيّ، والمسنودة بالقيم النفعية التي تحبل بها كتب الفقه، من قبيل أن الغاية تبرّر الوسيلة، والحاجة إلى دفع مفسدة كبرى تبرّر المفسدة الصغرى، كان مثل هذا الخطاب كافياً لتسويغ تعاون الفاتكان مع الزعيم النّازي هتلر، وذلك بدعوى أنّ الشيوعية هي الشرّ الأعظم على أوروبّا وعلى البشرية.
لقد ساندت الكنائس الكاثوليكية الرّومانية، وكذلك الكنائس اللوثرية، النظام النازيّ الذي أنشأه هتلر، وأشرفت بنفسها، على تشييد بعض معسكرات الاعتقال والإبادة، لكنها سرعان ما انقلبت على النظام النازي، عقب هزيمته في نهاية الحرب العالمية الثانية، وصارت في طليعة الشاجبين والمندّدين بالنازية.
ساندت الكنيسة الكاثوليكية الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية خلال الستينات والسبعينات والثمانينات، دون أن تجد في نفسها حرجاً وهي تتخلّى عنها بعد أن تساقطت كأوراق الخريف.
ومن دون شك، فإنّ الخطاب الديني يمنح للمرء القدرة على تبرير القيام بالفعل وبنقيضه في نفس الآن، ليس ذلك بسبب أنّ النصوص المقدّسة والتعاليم الإلهية، تظلّ بحكم صياغتها الأدبية، حمّالة لآلاف الأوجه، وإنّما أيضاً، بسبب أنّ الانفعالات والغرائز التي يؤجّجها الخطاب الديني، قادرة على إنتاج مواقف غير متوقعة.
تُخبرنا المرجعيات الدينية عن قدرتها على إنتاج الموقف وإنتاج نقيضه أيضاً، فالديانة الهندوسية التي أنتجت أحد أعظم رجال النضال السلمي من أجل السلام العالمي، المهاتما غاندي، هي نفسها التي أنجبت رموز التعصّب والتّطرّف الهندوسي، ومن بينهم قتلة غاندي. ولا تكفّ النصوص الدينية للديانات السماوية عن الدعوة إلى حبّ الخير للجميع، وإزاحة الأذى عن الطريق، لكنّها تخبرنا في المقابل، كيف أنّ صاحب موسى قتل الغلام لمجرّد الخشية من الفتنة حين يكبر، علماً بأنّ الغلام لم يكن قد كبر بعد، وهذا الموقف يستشهد به اليوم عتاة التطرف الديني في أكثر من مكان ومناسبة، على أنه، وفي مُقابل ذلك، فقد قُذِف بامرأة في النار لمجرّد قطة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشائش الأرض، وهذا الموقف أيضاً يثيره خطباء آخرون، أو يعلنه نفس الخطباء، حين تتغير المناسبة، بحسب المواقف الانفعالية المرغوب إثارتها لذا جمهور معيّن في زمن محدّد، وتبعاً لمعايير الصورة المطلوب تسويقها عن الدين؛ إن كانت حرب ومقاومة، فهي آيات للسيف والجهاد، وإن كان سلام وصلح، فهي آيات للعفو والرّحمة.
فهل يمكن للحضارة المعاصرة أن تجد في الأديان فرصة للخلاص من العدمية الأخلاقية ومن أزمة القيم، تلك الأزمة التي يسمّيها الرّئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي بالتصحّر الرّوحي، ويصطلح عليها كل من بابا الفاتكان ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر، وآخرون كثيرون، بالنسبية الأخلاقية؟
يقدّم بعض رجال الدين الغربيين، الديانتين المسيحية واليهودية، وكأنّهما تحملان بديلاً أخلاقياً عن النزعة "الانتحارية" الكامنة في الإسلام، ولعلّ مثل هذه المواقف تتناسى بأنّ النّصوص المقدّسة داخل كل من المسيحية واليهودية، لم تتردّد في إضفاء طابع القداسة البطولية على أوّل عملية انتحارية في تاريخ البشرية، وذلك حين عمد النبيّ شمشون إلى هدم المبنى على رأسه وعلى رؤوس الجميع، هؤلاء "الجميع" الذين لم يكونوا وقتها سوى الفلسطينيين أنفسهم!
يُضاف إلى كلّ ذلك، أنماط العنف الأسري المجاني داخل بيوت الأنبياء العبرانيين: قابيل يقتل أخاه هابيل لمجرّد غيرة خرقاء، يوسف يرميه إخوته في البئر لمجرّد حقد أجوف، إبراهيم حمل السكين وهمّ بذبح ابنه لحلم رآه…
أفلا يكون الخطاب الديني مجرّد تعبير عن العدمية الأخلاقية وعن أزمة الأخلاق؟؟
#ادم_عربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة عند الاغريق
-
هل هناك علاقه للثراء بالتطور
-
الإلحاد في اللغة العربیة
المزيد.....
-
تزامنا مع جلسة الحكومة اللبنانية حول نزع سلاح حزب الله... هل
...
-
بعد فشل المفاوضات في غزة، مصر بين -كامب ديفيد- ومخطط التهجير
...
-
البرازيل تضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية
-
ثمانية أطعمة تسبب الغازات، بعضها قد يفاجئك!
-
إسرائيل -ستسمح بدخول البضائع تدريجياً- إلى غزة
-
خلافات على السطح.. هل تصبح خطة احتلال غزة المسمارَ الجديد في
...
-
إدارة ترامب تربط تمويل الكوارث للولايات والمدن بموقفها من مق
...
-
موسكو تحتج على تشكيك ألماني في سيادتها على جزر كوريل الجنوبي
...
-
رئيس -النواب- الأميركي يزور مستوطنة بالضفة الغربية وفلسطين ت
...
-
الصين تتذكر التاريخ جيداً وستدافع عن الإنصاف والعدالة
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|