أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الرزاق عيد - نفد العفل الفقهي 3 - الإسراء والمعراج / معراج البدن أم إسراء الروح















المزيد.....



نفد العفل الفقهي 3 - الإسراء والمعراج / معراج البدن أم إسراء الروح


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 05:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يخالجنا أي شك في أن الإسراء والمعراج الذي يتداول باسم ابن عباس هو نتاج تأليف جماعي ، كان يعاد إنتاج صياغته وفق أسئلة الثقافة الدينية والاجتماعية والأخلاقية لهذه المرحلة التاريخية أو تلك ، وتلبية لحاجة الإعلاء والتسامي القارّة في اللاوعي الجمعي للبشر طلبا للنشوة سواء بإله أو دون إله ، كما تتوصل الدراسات المعاصرة لمسألة المقدس في الغرب *
ومن هنا فإنه من نافل القول أن يأتينا الدكتور البوطي ليؤكد لنا أن كتاب الإسراء والمعراج لعبد الله بن عباس " يحوي طائفة من الخرافات والأكاذيب تلقفها خبيث متقصد من بطون الإسرائيليات وزاد عليها ما صاغه خياله ووهمه ، ثم ألصقها مجتمعة بابن عباس ، وينعى على الدكتور لويس عوض إطراءه وإشارته بأهمية معراج ابن عباس وخطورته ، ومقارنته له بالكوميديا الإلهية لدانتي "
في حين أن هذا الكتاب لا تتداوله إلا أيدي الجهلة من عوام الناس "
وهو يضيف في سياق آخر ، في صيغة متعالمة تتحرى الدقة ، متسائلا " ولكن هل ترك عبد الله بن عباس وراءه أي مؤلف ، أو كتاب ؟ بل هل كان في تلك الفترة من التاريخ العربي أي معنى للتأليف والتصنيف " !؟
هذا الحديث " العلمي " كان يدور مع شاب لحق به الإلحاد بسبب معراج ابن عباس ، فإذا بالشيخ يقنعه أنه ليس لابن عباس ، فتكون هذه أول خطوة على طريق تحرير الشاب من إلحاده !
أما الخطوة الثانية على طريق تحريره الكامل من الإلحاد و " الانقلاب إلى متحمس غيور على إظهار حقائق الدين " فهي تتمثل بألمعية الشيخ عندما فند للشاب الملحد سبب إلحاده الذي عبر عنه الشاب بأنه لا يؤمن بدين يقول بأن القمر والشمس في السماء الرابعة وأن السماوات من معدن أو ذهب (2)
فبعد أن يؤنب الشاب أنه لم يطلع على " قانون الإسلام " ، وأنه لم يراجع من في متناول يدهم وفكرهم هذا ( القانون ) ! وعندما يسأله عن هذا القانون بسخرية ، يرد على سخريته بإجابة تدعو لسخرية أشد ، حيث يقوم الشيخ – كعادته أو عادة سدنة هياكل الوهم الفقهي – بأن يسفّلو ( المتعالي ) ويوضعِنوا (المتسامي) ، وذلك عندما يتنـزّل بالقرآن من تعاليه وتساميه المتصل بعالم الغيب ، ليخلطه بالعالم السفلي ، الطبيعة ، الفيزياء ، الرياضيات ... الخ
فيقول : إن قانون الإسلام قوله تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين "
ويمضي متأولا ، محاججا ، أن الشمس والقمر ليس في السماء الرابعة أو الخامسة ! لماذا ؟ لأنهما الأقرب إلى الأرض ، بالنسبة للنجوم التي تبعد ملايين السنين الضوئية وهي مع ذلك ثابتة في السماء الدنيا ، فكيف للشمس والقمر أن يكونا في السماء الرابعة أو الخامسة ، فإذا -والأمر كذلك- فإن السماء الرابعة والخامسة أبعد من ذلك بكثير ! فالمشكلة إذن ليست مشكلة وجود السماوات الرابعة والخامسة بذاتها ،بل مشكلة بعدهما أو قربهما !؟
أي هذر هذا ؟ هل يعقل أن يتنـزّل القرآن إلى مستوى حديث (الجدات) للتساؤل في أي سماء توجد الشمس والقمر ؟ هل من المعقول أن يصل الإسفاف هذا الحد من الجهل في معرفة البعد الدلالي المجازي ، الإيحائي ، التعبيري ، التمثيلي في خطاب القرآن ، ليفسر بظاهره الذي يبدو للعقل الساذج أن ثمة سماوات تتراتب وتتراكب فوق بعضها بعضا ، وأن النقاش العلمي يدور فقط حول توضع الشمس والقمر في أي سماء منها !
بل ويبلغ التضليل أو الجهل مداه ، عندما لا نجد في معراج ابن عباس ، أي حديث عن وجود الشمس والقمر لا في السماء الرابعة ولا الخامسة ولا أية سماء أخرى ، ففي السماء الرابعة يوجد عزرائيل وأجمل حكاية "ميثية" عن الموت ، وفي السماء الخامسة مالك خازن النار وأجمل الصور التعبيرية الشائقة عن جهنم ، هذه الصور ، ربما هي التي أغرت لويس عوض إلى القيام بهذه المقارنة مع جحيم دانتي في الكوميديا الإلهية .
فالشيخ ينخرط في تفنيد ودحض أطروحة غير موجودة بالأصل ، فإما أن هذا الشاب ( الملحد اللعين ) قد غرر به ، وإما أن الشيخ العالم الأريب فاته أنه ليس في معراج ابن عباس ، لا بل في كل روايات المعراج في كتب التفسير ، ليس ثمة حديث عن الشمس والقمر وفي أية سماء يوجدان، سوى بعض التفاسير التي تنسب إلى ابن عباس من النوع العامي الرديء المليء بالأخطاء اللغوية والنحوية الملقاة على أرصفة الطرق .
لا نظن أن الجهل يبلغ بالشيخ هذا الحد ، ومع ذلك فهو مقبول أكثر من أن يكون الدافع تجاهلا ، بهدف التضليل ، والبحث عن موضوع للتفنيد بهدف الوصول إلى السوق ، بغض النظر عن وجود هذا الموضوع ، فتختلقه مخيلة الشيخ ، ليضع أهدافا سهلة للتصويب بهدف إطلاق صواريخ على عصفور ، ومع ذلك فإن تصويبه ليس أكثر دقة من تصويب دون كيشوت وهو يحارب طواحين الهواء ، لكنا – والحق يقال – لا يخامرنا أي شك في دوافع دون كيشوت النبيلة إذ يخطئ دائما أهدافه ! ، لكن الأمر مختلف مع سدنة العقل الفقهي ، عندما يسفون في تضليلهم حد ، اعتبار أن شابا يلحد لمجرد انه قرأ عبارة في المعراج أوفي هذا الكتاب أو ذاك ، ثم ينتقل بقدرة سحرية على يد الشيخ الفقيه إلى الإيمان المتحمس الغيور بمجرد تأويل زائف لآية قرآنية من قبل عقل فقهي وعظي ينزلق فوق ظاهر النص ، دون أية قدرة على النفاذ إلى الباطن حيث المغزى الدلالي الكامن وراء الظاهر .
هذه القراءة التي تنـزلق فوق سطح النص ، هي التي حجبت ، وستحجب ، عن العقل الإسلامي الفقهي طرح الأسئلة العقلانية النفاذة إلى عمق نواة بنية الإشكالية المطروحة .
فالشيخ إذ يتعالم ويتحدث عن القوانين ، لا يشغل باله أبدا السؤال عن حقيقة الإسراء والمعراج ذاته ، لأن العقل الفقهي عقل يستقيل هم الأسئلة الكبرى ، فينظر إلى كل ما خلفه السلف بوصفه بداهات إلهية ، يعتاش على صمديتها ، والبداهة مقدس بالضرورة ، لأنها لا تحيل إلا إلى ذاتها القدسية ، إلى يقينها المطلق ، فليس هناك نسبية ، ولا سببية ، ولا صيرورة ، بل الثبات والديمومة وسكون وصمت الأبدية ، فالبداهة أبدية البديهية ، حيث الاستنفاع والامتثال والإذعان والتسليم ، لكل ما يأتي من السلف ، من النص الذي قال كل شيء ولا داعي للتفكير فيه من جديد ،فقد سبقنا من فكر عنا ، الذي هو الوحيد الذي يمتلك حق الكلام ، وفق المنهج ( العلمي ) الذي يدعونا عليه السدنة / الكهنة .
ينطلق فقيهنا من بداهة صحة المعراج إلى السماء كواقعة ، ويختلف حول التفاصيل التي تشكلت منها رحلة الإسراء والمعراج رغم عشرات القراءات لهذه الوقائع وفي صيغ متعددة ومتنوعة ، فلقد استخلص أحد الباحثين حوالي سبع عشر رواية للإسراء والمعراج من تفسير الحافظ ابن كثير : منهم من ساقه بطوله ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، ومنها رواية ابن عباس لكن ليس في طول الصيغة التي انطوى عليها كتاب الإسراء والمعراج الموسوم باسم ابن عباس .
هذه الروايات لا تتطابق في الحوادث التي يتضمنها المتن الحكائي لقصة الإسراء والمعراج ، بل هذه تضيف ، وتلك تنقص ، وتلك تقدم رواية مختلفة كل الاختلاف ، لكن ما يعنينا نحن بالدرجة الأولى على مستوى المنظور المنهجي هو الاحتكام إلى مرجعية العقل ، وليس النقل الذي قلما اتفق على رأي واحد أو خبر واحد كما قدمنا في تعدد القراءات لتاريخ وفاة النبي ، والاختلاف في عمره ، ليس على مستوى الأيام ، بل والشهور والسنوات ، وكذلك بالنسبة للخليفة عمر بن الخطاب ، هذه الأحداث الضخمة والمؤثرة والفاعلة في التاريخ ، تقدمها لنا علوم النقل - التي يفترض أنها قائمة على التواتر والخبر الصحيح سيما وأنها لا تستند إلى خبر الفرد والجماعة فحسب بل إلى شهادة جموع حشود المسلمين لوفاة النبي أو عمر- فهي تقدمها لنا مع ذلك متضاربة مختلفة في رواياتها أشد الاختلاف والاضطراب .
ولهذا فإن المرتجى هو الحد الأدنى للمعقولية التي دعا إليها ابن الأثير ، القائلة : بتجنب المرويات التي لا تتناسب مع العقل ، مادام ثمة مرويات تتفق مع منطق هذا العقل في أزمانهم و أزماننا ، الزمن الثقافي المحلي والعالمي ، لأن مرجعية العقل ينبغي أن تكون قابلة للتحقق في كل العوالم الممكنة والأزمنة الممكنة .
ما هي هذه القراءات المختلفة والمسندة والمتواترة والتي تتطابق مع منطق العقل ؟
لقد اختلف الناس – حسب ابن كثير – هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام أم بروحه ؟ فقال الكثيرون ببدنه وروحه يقظة وجاء مناما ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناما ثم رآه بعد يقظة .
- هل سرى النبي بجسده أم بروحه ؟
لكن كان هناك آخرون قالوا : بل أسري برسول الله بروحه لا بجسده ، كالسيدة عائشة ، وهي لها الأولوية عقلا ، نظرا لقربها من النبي أكثر من الجميع ، فقد كانت تقول " ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أسري بروحه "
ويضيف ابن كثير وهو وارد عند الطبري أيضا في تفسيره على القرص الليزري لسورة الإسراء – قائلا : قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كانت رؤيا من الله صادقة "
لا بد لنا من الانتباه ، إلى أن معاوية كان من كتبة الوحي ، أي الذين كانوا يحيطون بالنبي ، والمقربين إليه ، ولا بد من الانتباه إلى أن معاوية الذي عاش أكثر من عقدين في بلاد الشام ، حيث عايش ثقافات مدينية متنوعة أغنت عقله وتجربته ، ارتقت به عن هذه التصورات الحسية الميثية البدوية الساذجة ، باتجاه تعبير( ميثي) أكثر التقاء مع التجريد والتنزية والسمو والمتعالي المطلق ، ولهذا كانت قراءته العقلية ، أكثر التقاء وتطابقا لرواية عائشة النقلية والعقلية معا ، والتي هي أولى بدورها من ينقل عن النبي أخص خصوصيات حياته وسيرته ،
سيما وأن هذه القراءة منزهة عن الأغراض والتوظيف السياسي الذي أسس له بنو أمية من خلال تجرؤ فقهائهم حتى على القرآن الكريم ، كما كنا قد بينا في تفسير " ليلة القدر خير من ألف شهر " وذلك عندما يذهب العقل الفقهي السلطاني ليشرع لحكم بني أمية بأنه قضاء الله وقدره ، ولذلك فإن الألف شهر هي فترة الحكم التي سيحكمها بنو أمية ، وهي مسجلة باللوح المحفوظ !
وثمة قراءة ثالثة –ونحن حتى الآن نستخدم أدوات النقل - تعزز إسراء النبي روحيا ، وهي القراءة التي تقدمها زوجته أم هانئ قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلس وأنا على فراشي ، فقال : شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام فأتاني جبريل عليه السلام فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين فركبته فكان يضع حافره مد بصره ... الخ "
وتكمل أم هانئ باقي الحكاية لكن بإيجاز فيما يخص المعراج ، وبتوسع أكبر في ردة فعل قريش على حديثه لهم .
ما يلفت الانتباه في رواية أم هانئ ، أن النبي يخبرها بإسرائه لكن بصيغة " شعورية " إذ يقول : " شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام " .
كما أن القرآن الكريم يعزز هذه الروايات الثلاث القائلة : ( بـ "الإسراء الروحي" حسب عائشة، و"الرؤية الصادقة" حسب معاوية ، "والإسراء الشعوري" حسب أم هانئ ) .
وذلك عندما يقول تعالى : " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن " والرؤيا غير الرؤية ، فالأولى الرؤيا تحيل إلى الحلم ، الداخل ، الروح ، بينما الثانية فهي تحيل إلى المشاهدة العينية ، الخارج ، البصر الخارجي . **
فالرؤيا إذن تومئ إلى الدلالة الشعورية والروحية ، ولعل معاوية استند إلى ملفوظ الآية الكريمة ( الرؤيا ) ليقول عن مسرى النبي : كانت رؤيا من الله صادقة ، ولهذا كانت فتنة للناس ، حيث أرتد الكثيرون عن الإسلام بعد أن حدثهم النبي عن رؤياه ، بل إن القرآن الكريم يؤكد معنى المعراج " معراج الروح " وذلك في سورة المعراج – آيات 1-4 رغم أن هذه السورة لا علاقة لها بمعراج الرسول ، لكنها تنطوي على ما يشير إلى قدرة الروح على الصعود إلى الملأ الأعلى ، وذلك في قوله تعالى : " يسأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " .
لا بد أن العقل الفقهي المشيخي سيثور على انحيازنا للمعقولية المؤسسة على اختيار الروايات التي يلتقي منقولها مع معقولها ، أي المعادلة التي كان يطمح لها ابن تيمية – كما أشرنا – في عنوان كتابه " موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول " .
سيواجهونا فورا باسم أهل السنة والجماعة ليدافعوا عن هيكل يتداعى من هياكل أوهامهم ، لأن مديري المقدس والذائدين عن حياضه ، سيخسرون موقعا استراتيجيا في فضاءات الرمز السحري التي يستمدون منها هالتهم الطقسية ، وسلطانهم المؤسس على سلطة امتلاك حق التفسير ، وامتلاك مفاتيح عالم الغيب باعتبار القرآن مفتاح عالم الغيب ،وباعتبار أن القرآن منظور له بوصفه ملكية خصوصية لهم ، فإنهم يتصرفون به كما يشاؤون ويرغبون فيحولوه إلى طلسمات مغلقة على مغيوبها ، في حين أن هذا القرآن عربي في لغته وبلاغته ومجازاته ، وكان يتوجه إلى الناس كافة ، لكي لا يكون للناس على الله حجة ، فهو ليس كتابا للخاصة يستدعي تخصصا واختصاصين ، ولهذا فإن سدنة هياكل الفقه عندما يجعلون من الفضاء الدلالي القرآني المتجه إلى كل البشر كافة ، مجموعة أسرار غيبية سحرية ، فهم في الآن ذاته يجعلون من مساجد الله التي هي أرض الله المفتوحة كنيسة قروسطية تراتبية إقطاعية !
هذه الخصيصة التي تميز العقل الفقهي بالكهنوتية ، تكمن كثابت بنيوي في هيكلة رؤيتهم ،هي التي تؤطر توجههم لجعل القرآن كتابا مقدسا لا يحل ألغازه وأسراره سوى كهنة مختصين ، من هنا كانت تجربة مدرسة محمد عبده الإصلاحية وتلاميذه من أولى المحاولات لكسر احتكار معرفة النص الديني ( القرآن ) من قبل طبقة المفسرين ، فكانت أُولى المحاولات في العصر الحديث منذ طرد المعتزلة من ساحة الثقافة والفكر العربي والإسلامي .
ولعل من العوامل التي حرضتنا على هذه الوقفة الخاصة عند الإسراء والمعراج ، ليس علاقة ابن عباس به فحسب ، ولا المنظور الفقهي المشيخي البديهي المتوقع من الدكتور البوطي فقط ، بل إن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي تقدمه الفضائيات اليوم بوصفه حَبر الإسلام المعاصر ، وترجمان ضمير الأمة العربية الإسلامية الديني ، لا يتردد باسم الإسلام ، أن يدافع عن القدس الشريف بوصفه مسرى نبينا إلى السماء ، وذلك في وجه الغرب وأمريكا وإسرائيل الذين يتجاهلون حقنا في القدس !
لنتصور كيف يمكن للعالم الخارجي أن يتلقى هذه الحجة ، حجة حقنا في القدس ، إذ تتمثل بأنها مسرى نبينا إلى السماء !
لكل الشعوب مخزونها الثقافي الرمزي ( الفلكلوري – السحري – الطقسي – الميثي ) لكن أن يقوم شعب بتقديم رموزه الميثية وميراثه الأدبي والفني ، كوثائق لإثبات حقوقه القانونية والتاريخية في أرض ما ، فذلك هو عين الفوات الحضاري ، بل هو فوات الفوات !
هل تقدم إسرائيل للعالم أساطيرها التوراتية كبرهان على حقوقها ، أم أنها تطلقها في وجوه المسلمين الذين يؤمنون بها أكثر من الشعب الإسرائيلي ذي الأغلبية الإلحادية !؟
هل تبرهن إسرائيل على حقها من خلال الوعود لبني إسرائيل في العهد القديم في ( يشوع ) الإصحاح الأول : " كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى . من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات . جميع أراضي الحثيين وإلى البحر الكبير نحو الشمس يكون تخمكم " ... ف " تشدد وتشجع لأنك أنت الذي تقسم لهذا الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيها " .
هل يوجه الإعلام الإسرائيلي هذا الخطاب للغرب الأوربي أم أن هذا الخطاب توجهه لنا لإرهابنا ، استنادا إلى أن أفق انتظارنا الثقافي لا يصدمه هذا الخطاب ، بل نحن بتكويننا الديني الأكثر استعدادا لاستهلاك هذا الخطاب ، على اعتبار أننا نؤمن برموزهم الأسطورية أكثر مما هم يؤمنون ، بعد أن غدا العقل الإسرائيلي عقلا غربيا حداثيا ما بعد ديني ، فحسب إحصائياتهم فإن 85 % من الشعب الإسرائيلي ، لا يؤمن بالله .! **
- هل إسراء ومعراج ابن عباس نتاج الشطح الصوفي أم نتاج الإسرائيليات ؟
لقد ذكرنا أننا لا يخامرنا أي وهم حول ممكنات أن يكون نص الإسراء والمعراج المنسوب إلى ابن عباس ، هو من تأليفه فعلا ، لا لاستحالة أن يكون هناك نص مكتوب في زمن ابن عباس فحسب ، بل لأن البنية التأليفية للنص ، تشف عن تناصّه مع نصوص جديدة على الثقافة العربية ، وهي نصوص مضمخة بعبق صوفي يشيع في النص فضاءات طقسية ميثية عارمة بالنشوة ، والخيال ، والرحمة الإلهية التي تبلغ حدا من التسامح والحلم ، أن تتحول صور العذاب في جهنم السماء الخامسة ، إلى ينابيع للعذوبة في السماء السادسة ، وفق تأويل محي الدين بن عربي ، للعذاب بأنه آت من العذوبة ، فإذا نحن تجاه تسامح وغفران ووجد رباني لا متناهي ، وإذا التوبة إلى الله بلا نهاية ، فالله يتوب عن الإنسان حتى عند غرغرة الموت ، فقال : يا رب زدني فحسالي ثلاث حسوات وقال لي خذ وخذ ، قلت يا رب وما تفسيرها ، قال : عفوي وحلمي ورحمتي .
في مناخات الوجد والعطاء الإلهي هذا ، تفرض عليه الصلاة ، من وفى بها دخل الجنة ، لكن من لم يوفها " فإن شئت غفرت له ، وإن شئت عذبته " فوفق هذه القراءة الصوفية للعذوبة الإلهية ، فإن تارك الصلاة التي توضع كركن أول من أركان الإسلام ، يمكن أن يغفر له ، وعلى هذا فإن ابن عباس تم اختياره لتلك الرواية الحافلة بالعجيب الغرائبي والمدهش ، نظرا لأهميته وقيمة حضوره الباهر في مجال التفسير والحديث والفقه هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بسبب ميوله التأليفية الإبداعية ، وخياله الخصب الغني بأساطير وثقافات الأمم السابقة ،واختيار الأمم لأحد مبدعيها لتنسب له إبداعاتها الجماعية أمر معروف ومتداول في تاريخ الثقافات الإنسانية ، فهوميروس اليونان تنسب إليه الإلياذة والأوديسة ، رغم أن الدراسات والأبحاث في تاريخ الأدب اليوناني تشك بنسبتها إليه في الصورة المتداولة اليوم ، وتعتبرها ملاحم صنعها المخيال الجمعي الشعبي ، و من ثم نسبت إلى مبدع اسمه (هوميروس) ، وكذلك الأمر بالنسبة للمعراج فهناك أكثر من أربعين رواية ، بيد أن المخيال الثقافي الشعبي في مرحلة ازدهار الصوفية العرفانية الرفيعة ، وليست صوفية الزوايا والمحاريب والطرق ، إذ لجأت هذه الصوفية الرفيعة لإعادة إنتاج المعراج بما يتلاءم ورؤياها ، سيما وأن هناك عددا من المتصوفة الذين كتبوا معراجهم الخاص ، ليعبروا عن رؤياهم في مسالك الوصول إلى الله ، فكان لنا " رؤيا البسطامي " ومعراج محي الدين بن عربي ،" و"منطق الطير " لفريد الدين العطار ، الذي حذا حذو البسطامي وابن عربي في الاستفادة من قصص المعراج وتقاليده الصوفية .
- الإسرائيليات :
في سياق فرض الصلاة ، تتسلل الإسرائيليات إلى نص المعراج في كل الروايات الأربعين ، وذلك عندما يتدخل موسى ، لينصح محمدا أن يسأل الله التخفيف في عدد الصلوات ، لأن الفريضة الأولى كانت خمسين صلاة ، ويبرر موسى طلب التخفيف بقوله " أسأله التخفيف يا محمد ، أمتك يأتون آخر الزمان ، جسدهم ضعيف ، وعمرهم قصير ، لا يطيقون ذلك "
ولم يزل يسأل ربه التخفيف بتشجيع من موسى ، حتى يستحي من ربه ، فيناديه الرب " يا محمد قد جعلناها خمسا في العمل وخمسين في الميزان كل صلاة بعشرة ، ما يبدل القول ، لدى الحسنة بعشر أمثالها "
إن كل روايات الإسراء والمعراج تتفق حول فرض الصلاة والحوار الإلهي / البشري حول الصلاة بين النبي وربه ، وموسى هو المحفز أو المحرض أو المساند للنبي أن يعود في كل مرة للتخفيف من عددها ، من الخمسين حتى الخمسة ، وهذا الموضوع لا يتأثر إن كان الإسراء بالبدن أو بالروح لكن الروايات تختلف في صيغ الحوار بين النبي محمد وموسى ، واختلاف الصيغ هي التي تتيح للقراءة الدلالية أن تشتم رائحة الإسرائيليات ، التي يتهم الدكتور ( البوطي ) بها المعراج ، في حين نزعم أن المعراج المتداول باسم ابن عباس هو أكثر روايات المعراج ليس نشوة وعذوبة صوفية فحسب ، بل بعدا عن الإسرائيليات ، ودفاعا عن الذاتية الثقافية للأمة ليس الإسلامية فحسب ، بل والعربية أيضا .
لنبدأ بالرواية الأولى التي يسوقها ابن كثير – وهي رواية أنس بن مالك :
لقد أشرنا إلى الحوار الرباني البشري حول مسألة الصلاة والانتهاء إلى تخفيفها إلى خمس بحضّ وتشجيع من موسى .
تقول رواية أنس بن مالك " ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يرده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس .
لنلاحظ الآن كيف يخاطب موسى محمدا (ص) وكيف يصف أتباعه من المسلمين يقول موسى :"" والله لقد راودت قومي بني إسرائيل على أدنى من هذا ، أي الخمسين صلاة – فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع ليخفف عنك ربك"، ،نتساءل هل هناك هجاء وشتم واحتقار لأمة محمد أكثر مما يقوله موسى ؟ ومن ثم يتقبله محمد طائعا مقرا بحق موسى بممارسة هذا الاستعلاء العنصري الكريه ،الذي يتسلل إلى ثقافتنا دون أن يستشعر العقل الفقهي البعد الكارثي لأثر قبول احتقار ومهانة الأمة لدى أفرادها وبتغطية لاهوتية، تتيح لموسى كل هذا الحق اليهودي في احتقارنا كأمة لسنا " أضعف أجسادا" من اليهود فحسب بل و"قلوبا وأبصارا وأسماعا " !؟
وفي رواية أنس نفسها ، سنطالع بصيغ أخرى ، إذ يقول موسى للنبي " لا تستطيع أن تقوم بها لا أنت ولا أمتك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرا " ولنلاحظ هنا صيغة التفوق التي تتيح لموسى أن يأمر النبي ، إذ تقول الرواية " ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع فرجعت فخفف عني عشرا "
وفي رواية أبي سعيد الخدرري : أن موسى طلب منه أن يعود إلى ربه ليطلب التخفيف لأن أمته لا تطيق ، ومتى لا تطيق تكفر . والتسلل الإسرائيلي اليهودي هنا يبلغ أوجه ، عندما يوضع التفوق الإسرائيلي على العرب على لسان النبي ، وكأنه إقرار منه بهذا التفوق ، وبذلك الضعف العربي ، حيث العرب ليسوا أضعف من اليهود فحسب ، بل أضعف من جميع الأمم ، إذ تقول الرواية على لسان النبي : رجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم "
وتتكرر الصيغة ذاتها إذ يعود النبي لربه طلبا للتخفيف .
وهاهي رواية عبد الله بن مسعود تعطي موسى أهمية استثنائية ، تضعه في موقع من يرفع صوته على ربه ، فعندما يصعد النبي جبريل إلى السماء حيث موسى ، يسأل النبي جبريل عن موسى قائلا : ومن يعاتب ، قال جبريل : يعاتب ربه فيك ، قلت : ويرفع صوته على ربه ، قال : إن الله عرف له حدته "
وتبلغ الإسرائيليات سطوتها في مجموع المعاريج حد أن قدح العرب وذمهم يأتي ليس على لسان موسى فحسب ، بل وعلى لسان إبراهيم ، إذ يقول للنبي : " يا بني إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلّها في أمتك فافعل " .
فإذن إن رأي إبراهيم بأمة ابنه محمد ، أنها ليست أضعف الأمم فحسب ، بل وآخرها .
وفي رواية أبي هريرة ، التي يصفها ابن كثير أنها مطولة جدا وفيها غرابة ، وتردد الصيغة ذاتها " أمتك أضعف الأمم " .
إن العقل الفقهي يمر على هذه القراءات منذ قرون وقرون دون أن تستوقفه هذه الإهانات و الإساءات الموجهة إلى الأمة من قبل اليهود مباشرة وهم يسربون صيغة هنا ، وعبارة هناك تحقر العرب والمسلمين ، وبشكل غير مباشر إذ هم يهربون موروثهم الثقافي المعادي ليتناسج في بنية الخطاب الإسلامي ذاته ، وهو يستشعر الدونية تجاه الاستعلاء اليهودي ، فيقبل أساطيرهم الدينية بوصفها حقائق إلهية ، تماما مثل الأحاديث التي يروونها هكذا دون أي إعمال للعقل " لا تخيروني على موسى ، ولا تفضلوني على الأنبياء " والأنبياء هم – في كل الأحوال – هم أنبياء بني إسرائيل ، ليس هناك إعمال للعقل ، على مستويين :
المستوى الأول ، قبول الحديث اعتمادا على النقل دون العقل ، والمستوى الثاني ، تعطيل إعمال العقل في طرح السؤال حول السياق الذي قيل فيه هذا الحديث ، هل في مكة مرحلة الدعوة التي كان شاغل النبي فيها إثبات الوجود أمام التحديات الدينية اليهودية والنصرانية ، أم في المدينة ، حيث بداية المواجهات ، ومن ثم طرد اليهود ، ولو كان لموسى هذا الفضل ، ولأنبياء إسرائيل هذه القيمة في نفس النبي ، لما طرد أقوامهم شر طردة من المدينة ، وحاربهم وأسرهم وسباهم كقوم كافرين !
وعلى هذا فإن التزيّد على لسان النبي في المعراج ، إنما يمكن إمساك جذوره في كون حدث المعراج تم في مكة وقبل الهجرة بسنة أو سنتين ، وسورة النجم هي من السور المكية المبكرة التي تأولها المتصوفة كابن عربي وبعض المفسرين فاختصوها بالمعراج ، في حين أنها لدى الأكثرين ، إنما تصف نزول الوحي إلى الرسول لا صعوده إلى ربه .
ففي هذه المرحلة المكية اقتضت الحكمة النبوية أن ترى في رسالتها استمرارا لرسالات الأنبياء ، الذين ارتضى لنفسه أن يكون في موقع نبوي واحد معهم ، قبل أن تتطور الدعوة وتأخذ مسارات تقتضي أن يجّب الإسلام ما قبله ، وأن يكون الرسول خاتم الرسل وسيد العالمين .إن الفني والإبداعي في إسراء ومعراج ابن عباس ،يسقط كل الافتراءات الإسرائيلية التي تسربت إلى روايات المعراج الأخرى، إذ لم يعد النبي يقول أمرني موسى ، ولم يعد النبي يقوّل خطابا يعلي من شأن بني إسرائيل ويقر بضعف أمته أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا .
وإذ أخذنا بعين الاعتبار ، أن مفردة القلب في السياق القرآني ، إنما تستخدم كدلالة على العقل والتفكير والبصيرة الداخلية ، وكأنه يحل وظيفيا موقع الدماغ ، فعندها علينا أن نتصور مدى القدح والاحتقار الذي تدسه الإسرائيليات في نسيج خطابنا ، و يتداوله سدنة هياكل الفقه دون أي شعور بالمهانة الدينية والقومية ، فلا يجدون سوى بعض ما تسرب من الفلكلور الشعبي حول الشمس والقمر في بعض نسخ ما ينسب إلى ابن عباس باسم الإسراء والمعراج ليسا جل –العقل الفقهي- المتخيل الشعبي ، بآيات الذكر الحكيم ، متهما هذه النسخ بأنها إسرائيليات ، في حين أن أشد مظاهر حضور هذه الإسرائيليات فهي في رواية أنس بن مالك ، وكل القراءات الأربعين للإسراء التي أحصاها ابن كثير ، لنسمع الرواية المنسوبة لابن عباس ، كيف ترد على الاستعلاء اليهودي ونفوذ الإسرائيليات ، يقول النبي ( ص ) راويا لقاءه بموسى " فلما دنوت منه نظر إلي وجعل يقول : - أي موسى – يزعم بنو إسرائيل أني أكرم الخلق على الله ، وهذا – مشيرا إلى محمد – أكرم مني على ربه ، هذا النبي القرشي الهاشمي العربي الأبطحي ، هذا الحبيب الكريم ، هذا العظيم ، هذا محمد الأمين ابن عبد الله بن عبد المطلب ..." . إن الوعي الاجتماعي بالهوية ، والأنا الثقافية للأمة ، جعلها تستنكر هذه الاستهانة بهويتها و أناها الحضارية التي تعج بها روايات الإسراء والمعراج .
إذن فعندما عبر اللاشعور الثقافي عن ذاته في صيغة فنية جمالية أدبية تخييلية ، قام بالرد على هذه الإسرائيليات ، بالتباهي ليس بأفضلية النبي محمد الدينية بأنه الحبيب الكريم إلى الله ، بل القبلية ( القرشي ) والعائلية ( الهاشمي بن عبد المطلب ) ليرد هذا الخطاب المعراجي على مزاعم بني إسرائيل قائلا لهم : محمد أكرم من موسى دينا ، وأكرم منه نسبا : قبيلة وعائلة !
لقد كان الإسراء والمعراج في صيغته المنسوبة إلى ابن عباس ، مسربلا بالأحلام ، والرؤى الصوفية في مرحلة من أعلى مراحل تطور العقل العربي في صيغته " العرفانية " الفلسفية ****
وذلك في بحر القرن الثالث والرابع الهجري ، حيث الشوق والظمأ لعروج الروح من العالم السفلي لبلوغ الكمال الإلهي ، ليحقق الإنسان تلك الوحدة المنشودة في داخل نفسه المتصدعة والممزقة بين صورة الله وصورة العالم ، حيث التطلع البشري للاتحاد بالمطلق ، انطلاقا من أشواق محي الدين بن عربي للامساك بالحق ، وهو حق حقيقة أن وجودنا ما هو إلا تحقيق وجود الله ، باعتبار البشر هم صفاته .!
هذه العرفانية الفلسفية الصوفية التي تستنكرها بعض الدراسات والأبحاث الرامية إلى عقلنة التراث وحدثنته ، أو ترثنة العقل وأصلنته ، هي –أي العرفانية الصوفية- التي راحت تؤكد فردانية الذات ، ذات الأنا الفردية ، وذات الأنا الجماعية وقد تأصلت في الوجود التاريخي والثقافي والحضاري الإسلامي ، فاستطاعت أن تكشف كل هذا الزيف الميثي ، بل والسحري اليهودي التوراتي الذي كانت أقنيته تخترق العقل ( البياني العربي ) الذي سنتقصى شكل حضوره في منظومة ابن عباس المفترض أنه أهم صناع هذا العقل البياني تفسيرا وحديثا ونصا ، لكنه في الآن ذاته أهم صناع العقل الميثي الناقل لأساطير الأولين بوصفها حقائق بيانية ، وعلى هذا يمكن القول :إن الرواية الأولى لمعراج ابن عباس المعروضة في تفسير ابن كثير هي ثمرة الملحمية الدينية للإسرائيليات وتسربها إلى الفضاء الثقافي العربي الإسلامي ، قبل أن يشتد عود إحساسه بذاته الحضارية والثقافية ، بينما المعراج المنسوب لابن عباس باسمه المستقل ، إنما هو ثمرة إبداع شطحات الحدس الصوفي ، كما سيتضح لنا .

هوامش:
- د. محمد سعيد رمضان البوطي– من الفكر والقلب – مكتبة الفارابي– دمشق – 1994 ص 20 – 21 .

- د. محمد سعيد رمضان البوطي – تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث – مكتبة الفارابي – دمشق – 1990 – راجع هذه الحكاية الطريفة من ص 111-115
- لنتصور أية تخرصات تلك التي تزعم أن قراءة معراج ابن عباس قادت إلى إلحاد الشاب ، رغم أن مئات ملايين المسلمين يقرؤونه في احتفاليات جماعية طقسية ويحقق لهم نشوة ومتعة وجدانية ، وإلا ما كانوا ليقرؤوه مرات في السنة ، لا سيما في يوم 27 من رجب باعتباره تاريخ ليلة الإسراء، يشار في هذا السياق إلى أن إلقاءه يتم كل ليلة أول جمعة من الشهر السابع في التقويم الهجري ، وهي ليلة الرغائب ، التي زعم جماعة أن الإسراء والمعراج حدثا في تلك الليلة ، وأنه إذا قرأ في تلك الليلة يقبل فيها الله دعوات القارئ المؤمن وأمنياته ، ولا أساس لذلك كما بينه ابن كثير في البداية ص 109 ، وحسب المناسبات الدينية الأخرى ، لولا تلك الشحنة الميثية الصوفية التي يمنحهم إياها ، وإلا لو كان معراج ابن عباس سببا للإلحاد ، لما بقي مسلم على دينه ، ولتحول المسلمون جميعا إلى ملاحدة !؟

- الإسراء والمعراج من تفسير الحافظ بن كثير – جرده ورتبه وأضاف إليه بعض التعليقات إسماعيل الأنصاري – الناشر مكتبة الرياض الحديثة – البطحاء – الرياض – سنة 1393 هجري – ص 94 .

- المصدر السابق نفسه – ص 94
كما ذكره الطبري في تفسير " سورة الإسراء والمعراج " ونحن نعتمد تفسير الطبري المسجل على القرص الليزري ( CD ).
ويضيف ، وقد يقول قائل : رأى في المنام أنه أسرى بجسده على البراق ، لكنه يروي على لسان ابن عباس ، وهو من القائلين كعادته في ميله الفانتازي ، أن النبي قال : " رأيت ربي عز وجل " وشريكه الملحمي الآخر ( أبو هريرة ) يدعي أنه سأل النبي – لنلاحظ كيف يعطي أبو هريرة لنفسه مكانة السؤال في خاص النبوة ذاتها – فيقول له : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور إني أراه " " أو رأيت نورا ؟ "لنلاحظ الصيغة الأولى في تقديم الفاعل على الفعل ، وهي صيغة يتداولها الكتاب المقدس اليهودي !
مع ذلك لا سبيل لنا إلا أن نستنتج أن الرؤيا كانت قلبية وليست رؤية مشاهدة والنبي يصرح في ذلك في ص24 من الإسراء والمعراج لابن عباس يقول لربه " لكني أراك بقلبي .

- المصدر السابق نفسه – ص 95 – والقرص الليزري نفسه – في تفسير سورة الإسراء .
* *- يحدثنا الطبري في تفسيره –في القرص الليزري – عن الشجرة الملعونة في القرآن ، أنها شجرة الزقوم ، فرد أبو جهل قائلا : هاتوا لنا تمرا وزبدا ، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول : تزقموا ، فلا نعلم الزقوم غير هذا .
ولعل ما يلفت الانتباه أن التفاسير ، إذا كانت تشكل الهامش على متن القرآن ، فإنها كانت تنتج هامشه البشري والتاريخي ، فتقدم بذلك صورة حية عن المجتمع بأهوائه وصراعاته ، حيث لم يكن القرآن قد تناءى – بعد – في تساميه وتعاليه ، وذلك من خلال الابتعاد التدريجي عن لحظة الوحي الأولى ، ولهذا كان يمكن للأهواء والرغبات المعاشة أن تنعكس في الهامش بوصفها مدنسا أرضيا ، مع المتن بوصفه مقدسا سماويا .
ولذا لم يتحرج المفسرون من أن يوردوا صدى الصراعات السياسية في عصرهم ، حيث يوردون آراء بعض من يوظفون القرآن بالضد من بني أمية ، بعد أن فتح الأمويون الأبواب لمثل هذا التوظيف الإيديولوجي والسياسي النفعي للقرآن ، ولذلك وجد من خصومهم من يؤول الشجرة الملعونة قائلا : المراد بالشجرة الملعونة بنو أمية ، كما تأول الشيعة أسماء كثيرة في القرآن بأنها أسماء أشخاص ، فقالوا إن البقرة التي أمر قوم موسى بذبحها هي عائشة – سورة البقرة آية 67 – وإن الجبت والطاغوت – في سورة النساء آية 51 ، 60 – هما معاوية وعمرو بن العاص – راجع آدم متز – حضارة الإسلام في القرن الرابع الهجري – ج1 ص 366 .
لمجموع هذه الأسباب كان دعاة الإصلاح الإسلامي التنويري والليبرالي كطه حسين يدعون إلى العلمانية بوصفها المدخل لإنقاذ المقدس من المدنس ، وتحرير القرآن من طبقة المفسرين الذين يضعونه في خدمة السلطان ومصالحه الدنيوية ،بل وحتى التبرير والتشريع لنزعاته الدموية.
وكنا قد أشرنا من قبل إلى توظيف بني أمية لآية " ليلة القدر خير من ألف شهر " أن الألف شهر هي الفترة التي قضى الله بحكمهم منذ الأزل ، بل إن الحجاج بن يوسف الثقفي لا يتردد في توظيف القرآن لإضفاء المشروعية على مجازره ضد ناسه وأهله ، فكان عندما يصعد المنبر ، يقول أن رسول الله صلى اتلله عليه وسلم قد قطع أيدي قوم وأرجلهم – ويقال سمل عيونهم – وألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا بحال ذود من الإبل ، أي أن العقوبة كانت بسبب مجرد سرقة إبل ؟
وهو في ذلك إنما يعتمد تفسيرا للقرآن ليخدم دمويته ، دون أي استشعار لقدسية النص الإلهي ، وذلك في تفسيره لآية " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو يدفنوا في الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " سورة المائدة – الآية 32 – راجع تفسير ابن كثير –ج2 – سبق ذكره – ص 42 .
أليس من الحكمة العقلية – والأمر كذلك – في تناظر المدنس الهامش ، بالمقدس المتن ، أن نستند إلى مرجعية العقل في قبول رواية السيدة عائشة القائلة : بأن النبي سرى بروحه ولم يعرج ببدنه !.

** - يسخر روجيه غارودي ، من الأساطير المؤسسة للصهيونية ، عندما يتساءل كيف ل 85 % (وهي نسبة الملحدين في اسرائيل ) من الإسرائيليين يوظفون صدق إيمان المسلمين المتدينين في خدمة أساطيرهم ، إذ يعتمدون على إيمان المسلمين بنصهم القرآني الذي ينص على " تفضيل بني إسرائيل على العالمين" ، ويؤمنون بكل أنبياء اليهود وبكل حكاياتهم وقصصهم وأساطيرهم ، فالمسلمون يعتبرون أن احترام أنبياء بني إسرائيل وأبنائهم من إبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداوود سليمان ، والإيمان بنبوتهم فرض ... حتى يبلغ عددهم خمسة وعشرين نبيا كما يقول الدكتور البوطي ، مشترطا على المسلم لكي يكتمل إسلامه ودينه بأن يعتقد " بأن النبوة حقيقة واحدة لا تفاوت فيها فلا يجوز التفريق بين نبوة نبي وآخر " ( فلا تفاوت مثلا بين النبي محمد والنبي اسحق أو يعقوب أو هارون أو داوود وسليمان ) – القوس من عندنا – ولا بد للمسلم – كما يضيف البوطي – " من الإيمان بالكتب المنزلة على الأنبياء ، كما علينا أن نؤمن بها تفصيلا بالنسبة لما ورد تفصيل في شأنه كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف التي أنزلت على بعض الرسل كإبراهيم عليه الصلاة والسلام " .
والأخطر من ذلك كله بالنسبة لصانعي عقل العامة ووعيهم الديني الشعبي الوطني ، أن يسوق لهم الفقيه البوطي حديثا على لسان النبي وهو مرفوض عقلا ، ولذا نحن غير معنيين به نقلا، وهذا النص المزعوم ( لا تخيروني على موسى ، ولا تفضلوني على الأنبياء ) . راجع كتاب البوطي اليقينيات الكبرى ص 199
وهكذا فإن الصهيونية تمكنت من " قومنة " دينها اليهودي وأساطيره ، لتجعل منه هوية بغض النظر عن الإيمان باليهودية وأنبيائها وإلهها !
بينما صناع المقدس الديني الإسلامي من أصحاب العقل الفقهي ، ينتزعون من عقول شعوبهم " المقدسات الوطنية والقومية " لصالح مقدسات أعدائهم التاريخيين ، وعلى هذا يصادر حق العربي المسيحي ، أو المسلم القومي أو العلماني الذي لا تستثيره الرؤية الميثية الأسطورية للعالم ، من حقه في الإعجاب برسالة النبي محمد التاريخية ( الثقافية و الحضارية) والإنتماء إليها وتفضيلها على اليهودية ، في حين أن (القومي- العلماني) يفضل –وبالضرورة- من منظوره التاريخي والحضاري ( النبي محمد ) ليس على (موسى) فحسب ، بل على كل أنبياء بني إسرائيل ، هذا إن لم يكن لا يكنّ لهؤلاء أنبياء اليهود أي تقدير ، بل لا يكنّ لهم سوى العداء المستطير ، انطلاقا من الصراع الحضاري والتاريخي والقومي مع اليهود .
وعلى هذا فوفق المنظور المشيخي التكفيري للعقل الفقهي ، يكون المسلم الذي يعجب بمحمد ويفضله على موسى كافرا !
وعلى ذلك فإننا نأمل أن لا يكفرنا الشيخ البوطي لأننا معجبون بـ(محمد) أكثر من (موسى)،أو إذا قلنا بأننا لسنا معجبين البتة بـ(موسى) وعلى الإطلاق، بل نحن أشد إعجابا وتقديرا وتثمينا وتعظيما لحضارة أعداء موسى (المصريين –الفراعنة) من موسى وقومه ،وإنّا لهم ولأنبيائهم لكارهون ...!!طبعا لأسباب قومية ووطنية وديموقراطية، لكن ليس لأسباب دينية أو إنسانية !



- الإسراء والمعراج للإمام ابن عباس رضي الله عنهما – مطبوعات مكتبة الحضارة – حلبي – دمشق – عصرونية – ص 31 .

- المصدر نفسه – ص 27 .

- المصدر نفسه – ص 28.
مما يلفت الانتباه أن الفقهاء يعلنون أنه ليس لدينا مصدر آخر لعدد الصلوات سوى ما أتى في الإسراء والمعراج ، ونحن لا نعرف لماذا كان عدد صلوات الفجر أو الظهر أو المغرب ... الخ بهذا العدد المتداول وليس أكثر أو أقل ، ولذا يُعمد إلى الإتباع في القبول بهذا الأمر ، انطلاقا من أن الأمور التعبدية هي أمور إيمانية ليس لها أي تفسير سببي ، تماما كما لا يمكن أن نسأل لماذا الصيام في رمضان ، إذ نحن لا نعرف ، فهو أمر تعبدي . هل لأنه نزل فيه القرآن ؟ لا ندري ، وإلا فإن السؤال سيطل من جديد في صيغة أخرى ، إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا نزل القرآن في رمضان ؟ فنحن لا ندري أيضا ، ولذا فإن هذه الأسئلة تدرج في إطار ( غير المفكّر فيه ) لأنه أمر تعبدي إيماني !

- الإسراء والمعراج من تفسير الحافظ بن كثير – سبق ذكره – ص 8 .

- المصدر السابق –ص 19

- المصدر السابق – ص 51

- المصدر السابق – ص 63

- المصدر السابق – ص 63

- المصدر السابق –ص 79-80.

- الإسراء والمعراج – المنسوب لابن عباس – سبق ذكره – ص 17 .

**** - العرفانية هي حجر الزاوية الثالثة المشكلة لمثلث بنية العقل العربي ، إلى جانب ( البيان ) و(البرهان ) ، حسب ترسيمة محمد عابد الجابري في مشروعه عن نقد العقل العربي .






#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النصر المدني يهزم ادعاءات النصر الإلهي: هزيمة التحالف الشمول ...
- حزب الله خط الدفاع الأول عن النظامين الشموليين الإيرانو – سو ...
- العجائبي والخارق في مخيال ابن عباس/ ابن عباس كنز الميثولوجيا ...
- رغم كل ما جرى فثمة مثقفون لبنانيون-نموذج مجلة الآداب- يحجون ...
- سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ...
- رغم كل ما جرى فثمة مثقفون لبنانيون يحجون الى دمشق ...!؟ الحل ...
- سدنة هياكل الوهم- بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي ...
- مصر: الخط الأحمر أمام الزحف الإيراني
- عوامل قوة النظام السوري : العسكر – الطائفية – المخابرات
- ألم يئن الأوان لوقف الزحف الإيراني...؟
- خيارات النظام السوري: بين توافق الطائف أو الحرب الأهلية أو ا ...
- (ممثلو شعوب ) في خدمة الاستبداد -البشير و بشار- ...!؟
- النظام السوري : عطالة البنية واستحالة الإصلاح (2)
- النظام السوري : عطالة البنية واستحالة الإصلاح (1)
- سوريا أولا
- الأخوان المسلمون يكتشفون-فجأة- فلسطين بعد غزة !
- المسيرة الأسدية نحو المحكمة الدولية
- المحور السوري-الإيراني: صراخ في الشوارع وهمسات في المخادع
- بيان الأخوان المسلمين السوريين المفاجئ..(2)
- بيان الأخوان المسلمين السوريين المفاجئ


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الرزاق عيد - نفد العفل الفقهي 3 - الإسراء والمعراج / معراج البدن أم إسراء الروح