أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - ضبابية المواقف... من زمن الولاء المطلق الى زمن الولاء المبطن















المزيد.....

ضبابية المواقف... من زمن الولاء المطلق الى زمن الولاء المبطن


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 817 - 2004 / 4 / 27 - 10:57
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تأثرت شخصية الفرد العراقي، وطبيعة المجتمع تأثراً نوعياً كبيراً في الحقبة المعتمة، الثلاث عقود والنصف، في ظل سلطة النظام الديكتاتوري الشمولي الذي سعى لتكريس شعاره جئنا لنبقى، مسترشداً بمنهج (الأمير) لميكافيللي، الغاية تبرر الوسيلة، وظل سائراًً على نفس النهج، بعد انحسار سلطة الحزب وتحولها بروحية التآمر الى سلطة القائد، تكللت بإعدام الكثير من قيادات الحزب الحاكم نفسه، وتوجيه ضربة قاصمة الى كل القوى السياسية، عبر حملات القمع ومصادرة الحريات المنظمة، جرى خلالها تفريغ الساحة السياسية من الصوت المعارض وأسس الوطنية الحقة، توالت بعدها إجراءات التصعيد التدريجي لحملة سياسة تبعيث المجتمع وعسكرته، ولم تعد هنالك حريات بالمطلق، تسنى له العبث بكل مقدرات البلد بعد أن زجه في حروب عبثية لم تخرج عن أطار كونها نزوات فردية تتحكم بها أطماع وعقد نفسية.
أن خصوصية أحداث العراق أفرزت العديد من التداعيات والأزمات، كانت كوارث متلاحقة بحق، ألحقت أضرار كبيرة بكل مكونات الشعب العراقي، بعد أن لعبت أهوالها المتراكمة دور سلبي في التأثير على الفرد والمجتمع، حادت به الى ارتدادات قهقرية الى الوراء، قوضت من انصهاره البنيوي، وساعدت على تشتته، وأنعشت فيه قيم البداوة التي تخطى الكثير من مراراتها، وزاغت به بعيداً عما هو عليه من معالم حضارية، معرفية في الفكر والثقافة والأخلاق والعادات والتقاليد، أي عما تبلور من نتاج جدلي في تركيبته الاجتماعية.
ليس في الأمر أي مبالغة حين توصف تلك الحقبة بالمظلمة، بعد أن سعت عبر منظومة من الأجهزة والآليات الى استحكام الهيمنة المطلقة على البلد، وارتهان العراقيين بدهاليز وأنفاق خططها ومشاريعها الفئوية في عسكرة الحياة، تنشد تشكيل ماهية العراقي التي تريد، ذلك هو بدايات الشرخ الي نشأ في بنى الدولة والمجتمع، توسع بمرور الزمن، وصار الخلل واضحاً، بعدما تنوعت أساليبها، إيغالا في التهميش والإلغاء والبطش لكل شيء لا يتواءم مع السلطة، عبر انتهاج أسلوب الترهيب والترغيب، الذي لم يدخر وسعاً في استخدام كل أشكال القهر، والظلم، والجور، والإذلال، والقتل، والتشريد، والإبعاد، في الوصول الى غاية التشبث بالحكم، ودرء المخاطر التي تحيق به.
الفكر والثقافة واحد من تلك المجالات التي أفرغت من محتواها ودورها الحقيقي، عبر العديد من مكائن الاستلاب والقهر، بعد أن حدد لها سقف المناورة، واجتيازه بعني التهلكة، تعمق الجدب بهجرة المفكرين والمثقفين الى الخارج، وفرض العزلة والانقطاع عن كل ما يمت بالصلة للثقافة في العالم الخارجي، ساد نتاج أدب الارتزاق والتكسب، وثقافة الحروب والموت، وتواصل استعار حملات التزييف في سعيها الدءوب لتشويه ذاكرة العراقيين، بأدوات التخرص السوقية، لتأخذ أبعاد التغريب مدياتها في ذهنية الفرد والوعي الجمعي.
أن من ديدن الأنظمة الاستبدادية سحب إيقاعات الحياة الى مسارات محددة، يسهل إخضاعها والسيطرة عليها، ومن صلب أهدافها خلق العداوات والمنازعات لإفساح المجال أمام الممارسات التي تساعد على تشرذم المجتمع الى مجموعات وشرائح متعددة ذات طموحات مختلفة، لا تتورع عن بث مفاهيم تحاول حماية مشروعها السياسي مبنية على تغذية تلك الفوارق والاختلافات.
تزامن نمو واستفحال الخراب البنيوي مع افرازات ما انتهج من سياسات خارجية، كانت في جلها بهرجة بالشعارات، تمخضت عن حروب عبثية، وحصار قاسي، ساعدت على تهيئة أجواء ومناخات، تستشري فيها آليات تفريخ الآفات والصفات المرضية، تلك العثة التي سأختصر تعدادها ووصفها بكلمة (دونية)، التي كانت سبباً في ما آل اليه المجتمع من تهدج كارثي، وهي من دون شك، صارت بعد أن تفاقمت من أسباب هزيمة النظام نفسه.
سعى النظام المقبور الى استخدام القسوة المفرطة لفرض طوق الولاء المطلق على أعناق العراقيين كافة، بحيث لم يعد بإمكان العراقي التعامل مع مفردات الحياة، أو بالاحرى استحالة العيش دون أن يقدم طقوس الإذعان لهذا المنطق على الأقل بأضعف الإيمان، الابتسامة وهزة الرأس الصامتة، والسير بجانب الحائط، ومعظم الأصوات التي تخرج الآن، تهلل الى بطولات سابقة تتنصل أو تبتعد عن هذا السياق، هو إمعان واستمرار في فعل الرياء المقترن بازدواجية العراقي، تلك الميزة التي أخذت الكثير من وقت وجهد الدكتور علي الوردي في الأبحاث والدراسات المستفيضة، وعدها رأس النظام البائد مثلبة عليه، في واحدة من طرق وأساليب الدماغوجية الذي اتبعها في استمالة العراقيين بداية جلوسه على الكرسي الأول في سدة الحكم، ولم تكن أكثر من محاولة رخيصة بدرت منه للوصول الى مبتغاه في الشروع بمشاريع التدجين بعد تهيئة مستلزماتها، داخل الوطن، القفص الكبير.
ظل هاجس السلطة في بسط الولاء المطلق يلعب دوره في تهافت الضعفاء وتخريب النفوس، وصارت الوشاية سوطاً يتحكم في مسار الحياة، ويبتز البشر، واستوطن الخوف في كل مكان، وتكورت الرهبة من شدة تعاظمها ناقوس في الجدران التي عد في الخيال والأمثال لها آذان، عندها استحال الصمت من خلال تراكم خبرة الحس الأمني الى واحد من نواميس البقاء، تكاثر الزيف، ونمت واستشرت في وسطه أثيرة الوردي، ازدواجية العراقي، العلة والدواء في آن واحد.
أمخرت سفينة الحياة في لجة الحروب والحصار والموت، تقافز البعض منها ذلك من أسعفه الحظ وركب المغامرة، وراح البعض الآخر يتساقط الى الحضيض وراء المغانم والهبات، وظل من توطن على الهم وسط التباري في التطبيل والتهليل والتأليه والتمجيد، يلعق جراحات الأيام السود، ضحية من ضحايا أوهام الجلاد، وسطوة الولاء المطلق، يتأمل ما حوله، من نفاق وتملق ورياء وارتزاق.
عند قراءة المعطيات الرئيسية للاحتلال الأنكلو أمريكي للعراق، هزيمة النظام وانهيار مؤسسات الدولة، ذلك المنعطف الحاد والانقلاب الجذري الذي نتج عنه الفراغ السياسي والغياب الكامل للسلطة والقانون، وهو الذي سيبقى من دون شك الى فترة غير معلومة، تتحكم في طول أمدها صعوبات تهيئة البدائل وإرساء مقومات الدولة الجديدة، تلك مرتسمات الواقع وسماته الخصوصية التي نشأت بسبب الحرب والاحتلال، من البديهي أن يفضي كل ذلك الى تأثيرات منظورة على طبيعة المجتمع العراقي، زادت الوتيرة السريعة للتغيرات المفصلية في ظل رهبة الحرب وتداعياتها من اتساع نطاقها وثقل مؤثراتها، على الفرد والمجتمع.
ليس غريب أن يتموضع ذلك الأثر في الاهتزاز العنيف الذي حصل في منظومة القيم الاجتماعية السائدة ولا حتي في اختلالها، وقد بان ذلك واضحاً بعد أن تراءى للجميع هول الانعطافة، وما بدر من فعل جمعي، هو النكوص العام بعينه، تسبب في سرعة انتشار الفوضى واستعار الاضطرابات، وشيوع أعمال النهب والسلب والحرائق، المقرونة بالعنف والصراع المسلح.
أن الدولة هوية حضارية، ومظهرها دلالة على رقي المجتمع، وهي بحد ذاتها مؤشر واضح يمكن بواسطته قياس معالم وطبيعة النظام الاجتماعي، وانفراط مقوماتها يعني فقدان واحد من الشروط الضرورية لتقدم المجتمع، ومأزق انهيارها الحالي بالتأكيد يولد حالة من الارتداد الى الوراء عن كل القيم التي تسود داخل بنية المجتمع ومكوناته، تلك التي تشكلت وتبلورت منذ قيام الدولة وخلال مراحل تطورها فيما بعد، وبنسق معين مع تطور المجتمع.
لا أحد يستطيع تحديد مديات التراجع القهقري، وما ستؤل اليه حالة افتراش ثقافة الجدب المغلفة باليأس والتغييب والتغريب زمن طويل، وتفاعلاتها مع جديد المرحلة الحالية، القيم البالية والمفاهيم المتهالكة التي كانت تمثل لبنات أولى لمراحل سابقة وربما بدائية في تكوين المجتمع العراقي، لأن استمرار عمق التدهور أمر وارد في مثل هذه الأوقات، وهو يعتمد على كثير من الظروف الموضوعية والذاتية التي سوف تشكل معالم التصحر الراهن، والانحسار الى قيم البداوة، وبنفس الوقت سوف يصعب استجلاء أمد الانكفاء في هذه الوقفة، مادام اعمار البلد واقتصاده في السنة المنصرمة لم يستطع الخروج بدور مؤثر بسبب قصر نظر أجندة قوات الاحتلال، وفقدان الأمن والأمان، وبالتالي سيطول من فترة تخطي هذه الرجعة التي تحاول تداعياتها أن تفرض التمزق الاجتماعي، واللاتجانس بين الفئات والجماعات التي يتكون منها المجتمع، ويرتفع الولاء للجماعة القبيلة، والطائفة، والمنطقة، بدلا من الولاء للدولة والوطن الذي أهتز نوعما بظل عثرات السنين الماضية.
في ظل هكذا واقع وظرف استثنائي بحت، انبرى الحال يعلن عن تفتت الولاء المطلق المليوني، بين ليلة وضحاها، أمام الأنظار، لأنه لم يكن سوى مظهر يدلل على عمق التدجين في زمن الدكتاتورية، تم حبكه بحرفنة القسوة العالية على امتداد وقت التسلط الطويل، مناظر مبهرجة لمن يريد أن يصدقها، ويتفاخر بها، خبرنا هشاشتها في أربعة عشر محافظة، قبل أعوام أبان الانتفاضة الشعبانية، فهي لا تعبر عن الواقع الحقيقي إطلاقا، لأن الهوة شاسعة بين النظام والشعب، مطمورة لم تخبو نارها، لكنها لم تكن بائنة على السطح لأسباب كثيرة يقف في مقدمتها إرهاب السلطة و شدة عنفها في مواجهة حالات عدم الانصياع والتذمر والاستياء، التي لا تقتصر على الشخص نفسه بل تمتد لتطال عائلته وأقربائه.
مجمل العوامل والظروف الأنفة الذكر التي طحنت الفرد والمجتمع العراقي، ألقت بظلالها على الساحة السياسية في الزمن الجديد، بعد أن حفلت بظهور كم كبير من الاحزاب والقوى والحركات السياسية، يكتنف بعضها الكثير من الغموض، ويضعها الوقت أمام الامتحان الصعب، تشترك في افتراش الساحة السياسية في هذا الظرف، مع من تصدى للعمل السياسي، في ظل حاجات الاحتلال والفراغ السياسي أيضاً، بعد أن توفرت فرص سانحة أمام شخصيات وتشكيلات سياسية ومهنية ودينية، قديمة وجديدة، مما أسفر عن انبثاق بعض من القوى والإصطفافات المرحلية، التي تحكمها الظروف الراهنة.
غير أن الابهام وعدم وضوح الرؤية، سمة مميزة وواضحة يتوشح بها معظم الخطاب السياسي المطروح على الساحة، بل يتمادى في تقوقعه داخل أطر المحددة سلفاً، و بذلك يبتعد عن الثوابت الوطنية في أحيان كثيرة، ذلك ما يزيد من أمد الاحتلال، ويضعف المشروع الوطني العراقي، الذي بان من أوله مشتتاً، يستنفر الكوامن الأنوية، أرث السنين الخوالي، في القفص والمنفى ، يؤسس جدلا عنيفاً تحكمه استقطابات المصالح الضيقة، تعتلي أفقه ضبابية الرأي والموقف، يعكس جلياً تبدل زمن الولاء المطلق الى زمن الولاء المبطن.


العراق



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة... حاجة أم إسقاط فرض
- زيف محاولات المزاوجة ما بين المشروع الأمريكي في الاحتلال وال ...
- إرهاصات... لحظة الخروج من الزمن المهدور
- إنَّ مَنْ يأخذ دوره في البناء وسط الخراب.. ذلك هو الذي قلبه ...
- تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صار ...
- قمة تونس تنفض قبل إنعقادها، يشهر العرب فيها سلاح الانبطاح
- قمة تونس تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر
- التاسع من نيسان يوم أمريكي محض وقدرنا أنه حدث في العراق
- صدام محطة مريرة لفظها العراقيون من ذاكرتهم ودفعوا ثمنها غالي ...
- بغداد .. أي ذاكرة هذه التي تتوقد بعد كل هذه السنين
- الدم ينتصر على السيف


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - ضبابية المواقف... من زمن الولاء المطلق الى زمن الولاء المبطن