أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أدونيس - حجاب الحاضر، حجابٌ على المستقبل














المزيد.....

حجاب الحاضر، حجابٌ على المستقبل


أدونيس

الحوار المتمدن-العدد: 2646 - 2009 / 5 / 14 - 09:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



- 1 -

أمضيتُ في تورينو بإيطاليا ثلاثة أيام (17-20 كانون الثاني/ يناير 2008) لمناسبة مَنْحي الجائزة الإيطالية: «غرينزاني كافور». في الأسبوع ذاته، صادف أن رفض الطلاب والأساتذة في جامعة روما، استقبال البابا لإلقاء محاضرة فيها. وقد أحدث هذا الرفض ضجة كبيرة، ثقافية وسياسية، شاءت بعض وسائل الإعلام الإيطالي، المرئية والمكتوبة، أن تعرف وجهة نظري فيها. ترددتُ، لأنني لم أشأ أن أتحدّث من خارج عن مسألة داخلية. غير أنني تراجعتُ عن هذا التردد، تلبية لرغبة قوية وملحة عند من سألوني. وكان جوابي قائماً على مبدأين:
الأول، ضرورة الحوار في المجتمع بين الفئات والأطراف مهما كانت آراؤها متباعدة ومتناقضة. فالحوار خصوصية إنسانية عالية، نتعلَّمُ فيه الإصغاء الى الآخر، والانفتاح عليه، كشفاً عن الحقيقة.
الثاني، ضرورة الاعتراف المتبادل بين هذه الأطراف والفئات. وإلا، انقلب المجتمع الى قبائل كلٌ منها تنغلقُ على نفسها، وتنبذُ الأخرى، وتحاربها. هكذا ينتفي الحوار. ويسودُ التبشير، وهو قبرٌ بائسٌ للمعرفة وللحقيقة معاً. ذلك أن التبشير يتضمن الاستتباع أو الإخضاع.
وقلتُ، لكي أوضح ما أذهب إليه، لا بد من أن كون البابا مستعداً لكي يستقبل في الفاتيكان وجامعاته عقلانيين ومُلحدين ولا دينيين لكي يحاضروا فيها، ولكي يناقشوا مشكلات الوحي والإيمان والإلحاد بحرية كاملة. وذلك مقابل استعداد الجامعات العلمانية لاستقبال البابا ورجال الدين بعامة لكي يقولوا آراءهم في هذه المشكلات، بحرية كاملة.

- 2 -

ذكّرتني هذه المسألة بما حدث معي مرة في الكويت، في أثناء المؤتمر الشهير حول أزمة الحضارة العربية. فقد احتج بعض المتدينين على مداخلتي في المؤتمر، وطلبوا إخراجي من الكويت. وطلب بعضهم من أعضاء جمعية دينية تُصدر مجلة تنطق باسمها أن يتحاوروا معي حول ما قلته في هذا المؤتمر، بخاصة، وحول ما تنشره مجلة «مواقف» آنذاك، في شكل عام. لبّيت هذا الطلب بفرح، ودعوتهم الى اللقاء في الفندق الذي أقيم فيه. جاؤوا في الوقت الذي اتفقنا عليه، وكانوا حوالى عشرة أشخاص. ناقشنا أموراً كثيرة.

وطال نقاشنا دون جدوى، فقلت لرئيس تحرير مجلتهم:
لديّ اقتراحٌ عمليّ، من أجل التأسيس لحوار بين الأضداد تحتاج إليه الثقافة العربية على نحو ضروري وملحّ. فأنا رئيسٌ لتحرير مجلة «مواقف»، وأدعوك الى كتابة مقالة تُناقش فيها بحرية كاملة، الآراء والأفكار التي تنشرها، والتي ترفضها أو لا تُقرّها، وسأنشرها في الصفحات الأولى من هذه المجلة، في عددها المقبل. لكن، مقابل ذلك، أطلب منك أن تنشر لي، أو لغيري من الأصدقاء الذين يشرفون معي على المجلة، في الصفحات الأولى من مجلتك، مقالة في نقد آرائكم وأفكاركم، وبخاصة الدينية. لكنه سرعان ما صرخ قائلاً:

- أعوذ بالله. معاذ الله.

قلت له: هل جئتم للحوار حقاً؟ وما يكون، إذاً، معنى هذا اللقاء؟ أنتم لا تريدون أن تُصغوا الى الآخر، المختلف. فهو، سلفاً، ضالٌّ، بالنسبة إليكم. أنتم تريدون «هدايته». تريدون أن يتبنى أفكاركم. أنتم لا تحاورون، بل تبشّرون. وهذا نوعُ من الإكراه والقَسْر. نوعٌ من الاستعباد.
وهكذا انتهى اللقاء.

- 3 -

استطراداً:
المجتمع العربي في وعي المتدينين الأصوليين هو، أساسياً، «مؤمنون»، و «كافرون»، والثقافة فيه هي، أساسياً، ثقافة إيمانٍ، وثقافة كُفر. وفي مثل هذا الوعي لا معنى للحرية، إطلاقاً. لكن، هل للإنسان نفسه معنى في مجتمع يسوده مثل هذا الوعي؟

- 4 -

لنسأل، في هذا الإطار، ذلك السؤال المكرر: ما دورُ المفكّر أو الكاتب في مثل هذا المجتمع؟ ونعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى، أنه سؤالٌ لم يعد من الممكن فصله عن سؤال الاستطاعة: ماذا يستطيع المفكّر أو الكاتب أن يفعل، اليوم، في مثل هذا المجتمع؟ خصوصاً أن «الكُفر» و «الإيمان» فيه، صفتان لم تعودا تُطلقان على الفرد بفضل «الدين»، وحده، وإنما تطلقان عليه كذلك بفضل ذلك»الدّين» الآخر: الحكم.
ماذا يستطيع الشاعر، تحديداً؟

- 5 -

الشاعر، بفعل إبداعه ذاته، تلميذٌ للزمان والمكان: يتتلمذُ على العالم وأشيائه. وهو، إذاً، بفعل إبداعه ذاته، لا يعلّم، بل يتعلّم.
لا يُرشد، لا يَهدي، لا يُبرهن، لا يُقْنع. وهو لذلك لا يُداهِن، لا يتملّق، لا يزخرف، لا يُجمّل، لا يُدغدغ، لا يبشّر.
إنه المتتلمذُ – رائياً، وشاهِداً. يشهد، أولاً، على نفسه وعذاباتها وصبواتها ونشواتها. ويشهد ثانياً على العالم. وهو في ذلك رفيقٌ لقارئه، وليس قائداً. وبوصفه رفيقاً يقول له ما يقوله لنفسه: يقولُ ما لا يُقال – المكبوت، الممنوع، المحترم، المرفوض.
ولا «جمهور» له. ذلك أنه يكتب في معزل كامل عن الانحيازات الأيديولوجية – السياسية، لكي يقدر أن يخترق السائد المهيمن، بوصفه حجاباً على الواقع – أي على الحاضر.
كل حجابٍ على الحاضر إنما هو حجابٌ على المستقبل.

- 6 -

أعود الى تورينو، الى جائزة «غرينزاني كافور».
قلتُ في الكلمة التي شكرتُ بها أعضاء لجنتها: «عليَّ أن أذكِّر هنا برؤية العرب، منذ ما قبل الإسلام، الى الشعر، بوصفه بيت الحقيقة. وصحيحٌ أنه كان للاهوت دائماً بعدٌ سياسيٌّ في حياة المجتمع. لكن، كان يواجهه دائماً نقدٌ يقوم به شعراء ومفكرون، كلٌّ بطريقته الخاصة. واليوم، يصل هذا البُعد الى حدود لم يعد كافياً نقدها، على الصعيد السياسي وحده. فالاتساع المتزايد لهذه الحدود في الغرب وعند العرب والمسلمين يدعونا في قراءة عالمنا اليوم، الى الذهاب أبعد من السياسة، لكي نُحسن فهم المشكلات التي نجابهها: قراءة تعمل على وضع أسسٍ جديدة لا تتحدّد فيها هوية الإنسان بانتمائه الى عِرقٍ أو دينٍ، وإنما بانتمائه الى الكينونة الإنسانية، وبوصفه كائناً إنسانياً لا إمام له إلا العقل، كما يعبّر الشاعر العربي الكبير أبو العلاء المعري...».

الحياة



#أدونيس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أثارت زيارتي إلى إقليم كردستان العراق (14 - 24 نيسان - ...
- عشرون قصيدة ليانيس ريتسوس
- سبع قصائد ليانيس ريتسوس
- انظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ ل ...


المزيد.....




- مايا دياب -تُشعل أظافرها- في إحدى أكثر إطلالاتها غرابة
- بعد تحذير ترامب.. سكان طهران يفرون شمالا مع دخول الصراع يومه ...
- مسؤول عسكري إسرائيلي يكشف سبب تراجع عدد الصواريخ التي تطلقها ...
- أثناء توجهه إلى الملجأ.. نفتالي بينيت لـCNN عن إيران: هناك ص ...
- إيران تعلن عن خطة -البدلاء العشرة- لضمان استمرارية القيادة ف ...
- ما هي أسوأ السيناريوهات المحتملة في الصراع بين إيران وإسرائي ...
- هل يصبّ سقوط النظام الإيراني في مصلحة الأنظمة العربية؟
- بريطانيا تدرج 10 أشخاص و20 سفينة وإدارة بوزارة الدفاع الروسي ...
- الحرس الثوري الإيراني يكشف عن مسيرة انتحارية جديدة (فيديو)
- -فاتح-.. أحدث صاروخ إيراني فرط صوتي يدخل على خط الحرب مع إسر ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أدونيس - حجاب الحاضر، حجابٌ على المستقبل