أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - حميد باجو - مرجعية اليسار في مستقبله















المزيد.....

مرجعية اليسار في مستقبله


حميد باجو

الحوار المتمدن-العدد: 2639 - 2009 / 5 / 7 - 08:57
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    



1
نظم فضاء الدار البيضاء للحوار اليساري مؤخرا، ورشة فكرية تحت عنوان: اليسار والمرجعيات الفكرية؟؟؟، ضمت شلة من المثقفين والمناضلين اليساريين وساهم في تنشيطها كل من الاستاذين: محمد عياد وعز الدين العلام وتسيير الصحافي محمد جليد من "الأحداث المغربية".
ليس غرضي هنا أن أقدم ملخصا أو تقريرا أمينا عما دار من نقاش، فذلك كان أغنى وأعمق من أن يشمله تقرير واحد، ولكن لأدلو ببعض انطباعاتي وملاحظاتي الخاصة في الموضوع.
أكثر ما انطبع في ذهني من النقاش، ذلك السؤال المستفز الذي طرحه العلام: هل اليسار هو أصلا في حاجة لمرجعية فكرية؟ وهذا ما قد يضمر تساؤلا آخر، إن كان التشبث بمنطق الوفاء للمرجعيات لا يسقط أصحابه، في نوع آخر من الأصولية لا يختلف عن أصولية الإسلاميين إلا من حيث التحديد الزمني لتلك المرجعية. يحددها الإسلاميون في القرن السابع ميلادي مع النبي محمد ويحددها اليساريون في القرن التاسع عشر مع ماركس؟؟؟ وقد قاد هذا المتدخل إلا التساؤل أيضا، إن كان هناك من مرجعية أكثر مصداقية من مرجعية الواقع نفسه أو ما يستطيع اليسار تحقيقه عمليا على الأرض؟
غير أن محمد عياد كان له رأي آخر، وهو أن المشكل ليس في المرجعية اليسارية نفسها، التي أرجعها في الأخير إلى الماركسية، ولكن السؤال هو: هل استطاع اليساريون المغاربة يوما استيعاب هذه الأخيرة، أم أن تعاملهم معها بقي دائما سطحيا أو تجزيئيا؟ ولتبرير هذا التساؤل أوضح المتدخل كيف دخل الفكر اليساري إلى المغرب، وذلك عبر بوابتين رئيسيتين: بوابة السياسة، أو ما اقتبسه اليساريون بشكل عام من مختلف الثورات والتجارب السياسية الاشتراكية وحركات التحرر الوطني في العالم، ثم بوابة الفكر الاقتصادي، أو ما قدمه أساتذة الاقتصاد من اجتهادات في هذا المجال في اقتباس عن نظريات النمو والتخلف التي كانت منتشرة آنذاك في عدد من بلدان العالم الثالث. والدليل على هذه السطحية يضيف المتدخل، أنه بمجرد انهيار المعسكر الاشتراكي وغياب النموذج اليساري الذي يمكن الاحتذاء به، تراجع الفكر اليساري بقوة وسارع العديد من اليساريين إلى التبرؤ من كل ما له علاقة بالماركسية أو المواقف اليسارية بشكل عام.
إن الخلل في نظر عياد في تعاطي اليساريين مع الماركسية، هو أنهم غيبوا البعد الفلسفي في هذا الأخيرة، ولم يبدؤوا قراءتها من حيث كان يجب أن يبدؤوا، أي من الفلسفة الهيجيلية أولا. وحتى حين أراد البعض منهم التعمق في الماركسية، قام بالقفز عن هيجل والسقوط مباشرة في فخ البنيوية عن طريق ألتوسير، هذه النزعة الأخيرة التي غيبت دور الفاعل الإرادي في التاريخ وأخضعت كل شيئ للبنيات الجافة والمتعالية على الأفراد الذاتيين. وبسبب هذا الخلل الأصلي في طريقة تعامل اليساريين المغاربة مع الماركسية، عوض أن يبرز إلى الواجهة ذلك المثقف اليساري العضوي الذي يجمع بين الممارسة والتنظير، طغى بدله نموذج اليساري التكنقراطي الذي لا يعرف غير التعامل مع الملفات والأرقام، أو ممارسة التدبير، وليس قيادة المشروع المجتمعي. لذا يصل عياد إلى الاستنتاج، أن المشكل لم يكن في الماركسية نفسها، ولكن في طريقة تعاطينا معها، وهي كإطار نظري لا زالت صالحة لتوفير البوصلة لليسار.

هذا التشبث بالماركسية عند محمد عياد، قاد بعض المتدخلين إلى التساؤل عما بقي حقا صالحا من الماركسية، وهل يمكن فعلا الاستمرار في وصف الاشتراكية بالعلمية؟ وهذا ما نفاه مثلا عبد الرحمان نودا بشدة، وبين كيف أن للعلم قواعده الخاصة من حيث لا يمكن أن يختلف على نتائجه إثنان، عكس الأفكار الاشتراكية التي هي دائما عرضة للاختلاف. من جهته أحال مصطفى بوعزيز في تدخله، إلى فكرة الإطار أو الباراديغم المعرفي، الذي يرسم لأية نظرية الحدود المعرفية التي لا يمكن أن تتخطاها. ووضح كيف أن الماركسية كنظرية ليست في الأخير سوى ابنة الباراديغم أو الإطار المعرفي الذي تكون في القرن التاسع عشر، مستشهدا في ذلك بما كتبه فيلسوف العلوم الفرنسي، إدغار موران والمناضل السابق في الحزب الشيوعي، في أحد كتبه: التقد الذاتي. نفس الإحالة أكد عليها محمد حمزة، مبينا كيف أن الباراديغم المعرفي للقرن التاسع عشر الذي نشأت الماركسية في أحضانه، قد أصبح متجاوزا بعد ثورات الفيزياء اللاحقة والتحول في مفهم الحقيقة نفسه.
2

انطلاقا إذن من هذه الملاحظات، يطرح السؤال كيف يمكن أن نتعامل مع هذه المواقف المتفاوتة من الماركسية؟ هل نساير مثلا محمد عياد وعددا آخر من اليساريين، في قولهم باستمرارية صلاحية الماركسية ولو كإطار نظري عام لتوجيه الممارسة اليسارية، أم أن هذه الأخيرة بحسب وجهة نظر العلام، لم تعد لنا حاجة بها، وأن ما يهم هو ما يمارس في الواقع، حتى ولو تم ذلك بدون أية مرجعية نظرية أو ما يعبر عنه بالبراغماتية؟
قد أتفق من جهتي، مع فكرة أن الماركسية كعمق فلسفي، لم تستطع أبدا أن تتجذر في الواقع الثقافي المغربي، بل والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، طالما أنه لم يسبق أن تم التمهيد لها من قبل، بهضم واستيعاب جيد للفلسفة الهيجيلية ومعها كل التقليد العقلاني الذي أنتجه الغرب قبله. غير أني أتساءل هنا إن كان السبب في ذلك هو فقط عدم نضج وتأهل البنية الطبقية للمجتمع المغربي لاحتضان ذلك، كما ذهب إلى ذلك محمد عياد، أم هناك عوائق من نوع آخر ؟ فنحن لو افترضنا هذا الأمر وربطنا تطور البنية الفوقية الفكرية بشرط نضج البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، نكون قد سقطنا في النزعة الميكانيكية والاقتصادية التي ينتقدها المتدخل نفسه عند البنيويين. على عكس ذلك، أعتقد أن للبنى الثقافية وللأفكار أزمنتها وشروطها الخاصة، المستقلة نسبيا عما يجري في الاقتصاد، بحيث قد يسمح هذا التفاوت بين المستويين أن ينضج الفكر أحيانا قبل أن يتطور ما يقابله من اقتصاد واجتماع، أو بالعكس، قد يتأخر في تطوره حتى وإن كانت الشروط الاقتصادية والاجتماعية قد نضجت. وهذا التفاوت يبدو بالخصوص أكثر تجليا في ظل شروط العولمة، أو أكثر تحديدا منذ بداية تدويل الرأسمالية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين سمح التطور الهائل للإعلام ووسائل التواصل، أن تنتقل الأفكار والثقافات بسهولة وحتى تسبق أحيانا تنقل البضائع وعلاقات الإنتاج الرأسمالية. وقد نجد في مقارنة كيفية استقبال مؤثرات الثقافة الغربية في المجتمعات الأسيوية مع مثيلها في المجتمعات العربية والإسلامية ما يدعم قولنا هذا.
إن تعثر انغراس الماركسية والتقليد العقلاني بشكل عام، أو ما يطلق عليه التحديث الثقافي، إنما يمكن أن نبحث عن أسبابه أيضا، في نوعية ومكونات "الباراديغم" المعرفي المهيمن، الذي واجهته هذه الأخيرة حين احتكاكها بالواقع الثقافي في مجتمعاتنا، وهو المتمثل بالخصوص في الرؤية الإسلامية الأشعرية للعالم. هاته الرؤية التي منعت منذ القرن الرابع هجري، كل تطور في الفكر الإسلامي، بعد أن قضت على الإرهاصات الجنينية للتفكير العقلاني عند المعتزلة أو ابن رشد، وحالت حتى دون أن يتطور هذا الأخير على الأقل، إلى نوع من "الدين الطبيعي" الذي يدمج كما في نموذج سبينوزا، الله في الطبيعة. علما أن فكرة هذا الأخير عن "الله الطبيعي" هي التي استوحاها هيجل ليعيد صياغتها في شكل مفهوم جديد، هو الفكرة المطلقة الحاضرة والمحركة للتاريخ وغير المتعالية عليه. على هذا المستوى نحن نتساءل مثلا، إذا كان العمل الذي يقوم به عابد الجابري أو غيره من المفكرين الذين يشتغلون من داخل التراث الإسلامي محطة ضرورية يجب أن تسبق أو تصاحب كل محاولة لترسيخ الفكر الليبرالي في تربتنا الثقافية، أو بتعبير آخر، ألسنا في حاجة أولا إلى سبينوزا عربي، قبل أن يتسنى لهيجل العربي أن يجد مكانه بيننا، وأن لا يبقى عبد الله العروي وأمثاله من الليبراليين والحداثيين العرب غرباء في أوطانهم؟
لكن مع ذلك، مهما كانت قيمة الاجتهادات الفكرية والفلسفية التي يمكن إنتاجها في الفضاء العربي والإسلامي، فلا أعتقد أن يكون لذلك أي أثر في واقع هذه المجتمعات، إذا لم يوجد من يحمل هذه الاجتهادات من قوى اجتماعية متجذرة في المجتمع، ويترجمها إلى إيديولوجية أو إيديولوجيات للعمل السياسي تتبناها أحزاب وحركات اجتماعية ذات تأثير في أوطانها. بل وحتى تلك الاجتهادات من داخل الإسلام التنويري نفسه، التي افترضنا أنها يجب أن تسبق التأسيس للعقلانية في مجتمعاتنا، سيبقى أصحابها مطاردين خارج بلادهم إن لم تتوفر حركات اجتماعية إصلاحية تحتضنهم، على نموذج الحركات الإصلاحية الدينية سابقا في أوروبا، أو حركات لاهوت التحرير حاليا في أمريكا اللاتينية.
وبالعودة من حيث انطلقنا، نعيد طرح السؤال: لماذا فشل اليسار المغربي في حمل مثل هذا المشروع الفكري؟ لماذا أفلت الماركسية من فضاءنا الثقافي، ولماذا انعزل المثقفون في أبراجهم الأكاديمية العاجية في مقابل انغماس السياسيين في سياستهم السياسوية التدبيرية؟ ثم ما صحة ما يدعونا إليه عز الدين العلام من الاكتفاء بالممارسة السياسية البراغماتية؟
شخصيا لا أتفق مع هذا الطرح الأخير، ولا أتخيل ممارسة سياسية يسارية حقا، من دون وجود بوصلة نظرية قادرة على توجيهنا، لكن فقط نتساءل: ما هي طبيعة هذه البوصلة؟
قد تكون النظرية الماركسية كما عرفناها لحد الآن متجاوزة بالفعل، ولا معنى لما بقي يسمى بالاشتراكية العلمية. وفي هذا الإطار، أن ما ذهب إليه أحد المتدخلين في النقاش، بتعريفه لعلمية هذه الأخيرة في كونها تستخدم منهج "علمي" هو المتمثل في نظره، في المادية الجدلية والمادية التاريخية لتحليل الواقع، أو ما قد يعبر عنه بصيغة لينين: التحليل الملموس للواقع الملموس، نحن نعتبره مجرد ادعاء ليس هناك ما يثبته، لأن السؤال يذهب أبعد من ذلك، هو إن كانت هذه المادية التاريخية أو الجدلية نفسها، التي لا زال عدد من الماركسيين يعظمون من شأنها، تمثل حقا منهجا علميا يخضع لقواعد العلم المتعارف عليها، أو ذلك مجرد تعدي على المفهوم الحقيقي للعلم؟ أليس المشكل مع هؤلاء هو نفسه المشكل الذي طرح مثلا مع الأصوليين سابقا حين كانوا يلوحون بمنهجهم القديم المعروف بالقياس؟
3
لكن هل هذا يعني أنه يجب غسل يدينا من كل ما له علاقة بالماركسية؟
لقد أثرت في مداخلتي خلال النقاش، أن الثابت الحقيقي في هذه الأخيرة، لم يكن لا المنهج الذي ابتدعته لتحليل الواقع، أي المادية التاريخية والجدلية، باعتبار أن المناهج نفسها هي عرضة للتطور والتجاوز، ولا أيضا النتائج المتوصل إليها من خلال تطبيق هذه المادية، ولكن بالأساس تلك النزعة الإنسانية النبيلة، الرافضة والمتمردة على كل أشكال الظلم الاجتماعي، والطامحة لتحقيق مجتمع العدل والسعادة لكل أفراد البشرية. وكما هو معروف أن هذه النزعة لم تكن من إبداع الماركسية أو مقتصرة عليها، ولكن هي نزعة قديمة قدم المجتمعات البشرية نفسها ومصاحبة لها في مختلف مراحل تطورها، بحيث كانت قد اتخذت في السابق شكل ديانات جديدة أو حركات إصلاحية اجتماعية.
غير أن ما أبدعه ماركس وأضافه لهذه النزعة، هو نجاحه في ربطها من جهة، بعلوم عصره وقمة ما وصلت إليه المعارف آنذاك، ومن جهة أخرى، بالقوة الاجتماعية الأكثر حراكا في عصره المتمثلة في البروليتاريا. وهو بهذا الإبداع عمل على تحرير تلك النزعة أخيرا من قبضة الإطار اللاهوتي الذي كثيرا ما هيمن عليها في السابق، وفي نفس الوقت كان يعمل على تكبيلها، وقام بإعادة صياغتها في شكل مشروع اشتراكي ظهر لملايين البشر كيوتوبيا أو حلم قابل للتحقق.
إن قوة الماركسية إذن أو إبداعها الأساسي، إنما كانت في هذه اليوتوبيا الاشتراكية بالذات، وليس في شيء آخر. ولهذا فالسؤال الذي يطرح هنا: هل تسقط هذه اليوتوبيا هي أيضا في نفس الخلل الذي قضى كل اليوتوبيات الإنسانية القديمة، أي أن تجد نفسها بعد مدة، وقد أصبحت أسيرة لظروف نشأتها الأولى أو "الأصول" التي تأسست عليها، وغير قادرة على مسايرة ركب التاريخ؟ فاليوتوبيا الإسلامية مثلا كمشروع تحرري متقدم في عصره، سرعان ما أفرغت من طابعها الإنساني المتميز بعد مرحلتها التأسيسية، وأصبحت متجاوزة بسبب الأحداث التاريخية الرهيبة التي طرأت لاحقا.
وإذن أليس التشبث الدغمائي بالماركسية كما لا يزال يقوم بذلك عدد من الماركسيين، هو الخطر الأكبر الذي يهدد اليوتوبيا أو المشروع الاشتراكي الذي نحلم به في عصرنا؟ ألا يقوم هؤلاء بتكرار نفس الخطأ الذي قام به فقهاء الإسلام سابقا، حين كانوا بدفاعهم عن الإسلام النقي أو إسلام السلف الصالح، يتوهمون أنهم يخدمونه فإذا بهم يقتلونه؟
في الحقيقة ما أثارني لأن أكتب هذه الملاحظة بالذات، هو تصرفات بعض المجموعات المحسوبة على الماركسية، وهي تتعامل مع النصوص الماركسية المؤسسة، تماما بنفس الطريقة التقديسية التي تعاملت بها الطوائف الإسلامية القديمة من شيعة وخوارج وسنة مع نصوص الإسلام المؤسسة.
ففي اعتقادي أن نكون ماركسيين حقا في القرن الواحد والعشرين، ليس أن نتشبث بما كتبه ماركس من نصوص، ولكن أن نستعيد ذلك الإبداع الكبير الذي تميز به، وهو إعادة ربط اليوتوبيا الاشتراكية بعلوم ومعارف ومناهج عصرنا من جهة، ثم بالقوى الاجتماعية الجديدة الأكثر فعالية ونشاطا في المرحلة التاريخية الراهنة من جهة ثانية.
على هذا المستوى، أعود لأحد التساؤلات التي طرحها عياد في آخر النقاش: هل غيرت التطورات العالمية الكبرى شيئا من صلاحية الإطار النظري العام للماركسية؟ وأجيبه أن هناك فعلا أشياء حاسمة يجب أن تتغير داخل هذه النظرية، إن كنا حقا لا نريد لها أن تتحول إلى مجرد أصولية جامدة من بين أصوليات أخرى، وأكتفي هنا بمثال واحد، هو تصورها الحتمي والغائي للتاريخ، الذي أخذه ماركس عن هيجل، و مفاده أن هذا الأخير يسير حتما نحو تحقيق المجتمع الاشتراكي الخالي من الاستغلال، وعند هيجل نحو تحقيق الفكرة المطلقة. فقد أثبتت الثورات العلمية الحديثة في الفيزياء والبيولوجيا والذكاء الاصطناعي ...ألخ، أن ليس هناك من مسار معروف أو يمكن التنبؤ به مسبقا لتطور التاريخ مستقبلا، بل وثبت علميا أن ذلك من المستحيل لأحد أن يقوم به. لذلك فلم يعد من معنى للقول بحتمية تحقق المجتمع الاشتراكي، بل أن هذا التحقق يبقى مجرد سيناريو أو احتمال من بين احتمالات أخرى متعددة في مسار التاريخ، أو أن تحقيقه يبقى مرتهنا فقط بمدى قدرة وإرادة الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في ذلك.
من هذه الخلاصة، أعود إلى عنوان المقالة، للتأكيد على أن مشروعنا الاشتراكي الذي نحلم ونناضل من أجله، ليس معطى حتمي تفرضه علينا قوة متعالية أو غاية ما يسير نحوها التاريخ، ولكنه فقط اختيار لنا نحن، الذين فضلناه على خيارات أخرى كلها ممكنة، وذلك بنفس مستوى خيارات ومشاريع مجتمعية أخرى انحاز لها آخرون. وقد جاء خيارنا لهذا المشروع فقط لأنه الأقرب في نظرنا والأكثر تأهيلا لأن يكون في المرحلة الرأسمالية الراهنة، هو الحامل لتلك النزعة الإنسانية النبيلة المتجذرة في جزء من البشرية نفسها.
فنحن الذين نختار كيساريين، أن ندافع عن المشروع الاشتراكي، ونجعله كحلم وأفق لنضالنا السياسي والاجتماعي، وكان ممكنا مثلا ألا يوجد في بلادنا أي يساري أو قوة يسارية لتحمل هذا المشروع، كما هو حادث في عدة مجتمعات مشابهة.
لهذا السبب نحن نعتبر أن المرجعية الحقيقية لليسار ليس في ماضيه وحسب، ولكن في مستقبله، أي في ذلك الحلم الذي ربطنا به نضالنا السياسي، وجعلناه البوصلة التي نهتدي بها في ممارساتنا، وذلك حتى لا نضيع في متاهة البراغماتية أو ما يسمى بالواقعية السياسية من جهة، على حسب دعوة العلام، وأن لا نبقى مكبلين داخل أصولية ماركسية من جهة ثانية، حسب ما قد تفيد به أطروحة محمد عياد.



#حميد_باجو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء البيضاء للحوار اليساري والحركة الشبابية . توصيات وتقاري ...
- على هامش رد محمد الحاضي في تعريف معنى اليسار
- في الذكرى الخمسين لتأسيس الحركة الاتحادي بالمغربة
- اليسار والحاجة إلى التجديد المعرفي
- فتوى المغراوي وسؤال الإصلاح الديني في المغرب
- من أجل إعادة التأسيس المعرفي لفكرة اليسار
- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية : من يسار للدولة إلى يسار ل ...
- اليسار المغربي نداء بوزنيقة للعمل اليساري المشترك.
- تيار الاشتراكيون الجدد : مسؤولياتنا
- -رحيل اليازغي عن الاتحاد الاشتراكي... نهاية الأزمة أم بدايته ...
- تجربة -الاشتراكيون الجدد-
- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تيار -الاشتراكيون الجدد-
- التصورات حول العالم والإنسان في الديانات والمعتقدات القديمة
- أي مستقبل لليسار المغربي؟
- اليسار المغربي في الحاجة إلى إعادة التأسيس
- مشروع أرضية لتيار الاشتراكيون الجدد داخل الاتحاد الاشتراكي ل ...
- عن مآل الاشتراكية


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - حميد باجو - مرجعية اليسار في مستقبله