أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد درير - على هامش يوميات منسي، السيد حافظ بين سندان الثقافة ومطرقة الواقع - مقال بقلم: سعاد درير















المزيد.....

على هامش يوميات منسي، السيد حافظ بين سندان الثقافة ومطرقة الواقع - مقال بقلم: سعاد درير


سعاد درير
كاتبة وشاعرة وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28 - 05:26
المحور: الادب والفن
    



من مصر إلى الإمارات إلى مصر مرة أخرى... ثم إلى أين؟!
هذا قدر السيد حافظ. وهذه رحلته مع الاغتراب الذي سبقه إليه عابرون آخرون سقطوا سهوا من حقيبة أوطانهم، فأطالوا النشيج، لكن ما من يد انتشلتهم.

ونحن نتابع في صمت مشهدا باردا على مسرح حياة السيد حافظ، نقف هنا عند بلاك أوت فاصل بين هذا المشهد وذاك المشهد القريب منه نسبيا الذي شكلت أحداثه مسرحا للثقافة التي جرّ عربتها بدر شاكر السياب فجرّته إلى الهاوية.

فمن يتأمل تجربة السيد حافظ على أرض الإمارات يجد أنها لا تختلف كثيرا عن تجربة السياب على أرض الكويت التي رسمت الخطوط العريضة لقصيدته : "غريب على الخليج":
جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده!
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون!
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟

صحيح أن السياق يختلف من تجربة إلى أخرى في حالتي حافظ والسياب، إلا أن الدافع واحد في جوهره.

فبغض النظر عن فرار السياب بسبب الإضرابات التي كان له فيها دور هام في العراق، تبقى الظروف واحدة عند حافظ والسياب. والقاسم المشترك بينهما هو محاولة التملص من شروط ظروف جاثمة لا تسمح باختلاس النفس إن ظل صاحبها رابضا في أرض تضيق به. لكن متى كانت الأرض تضيق بأبنائها؟

إن لوحة العذاب والغربة القاسية التي رسمها السياب في قصيدته لا يوازيها إلا عذاب حافظ، وغربته المضاعفة كونها تجثم على أنفاسه في الأرضين: الوطن الأم والوطن البديل.

لكن إذا كان احتمال اغتراب الإنسان في أوطان الغير قائما، فهل من المستساغ والمتوقع أن يتبلل الإنسان بماء الغربة بين أحضان الأرض الأم؟! وهل يطيب لأم أن يتجرع طفلها كأس الحرمان، ويعيش حالة يتم، ويعاني احتراقات الولادة المؤجلة؟!

إن الحب نفسه الذي كان يكنّه السياب للوطن وفجّر حدوده في قصيدته: "غريب على الخليج" – مثلا - سبق أن أخرجه حافظ من غمد مسرحياته وامتشقه، وظل يشهره في وجه كل حاقد وناقم على الوطن.

لكن إذا كان الوطن هو نفسه حضن الأم، وكان السيد حافظ هو نفسه الولد البارّ بأمه، فإن منى هذا الولد وحلمه هو أن تطوقه هذه الأم وتحتضنه وتمتص آلامه وتضخّ الحياة في شرايين آماله المنكسرة. والحق أن مثقفا بإنسانية السيد حافظ لا ينتظر أكثر من رد الاعتبار لإنسانيته التي مرّغها الرحيل والترحال بحثا عما يحفظ ماء وجه كبريائه وماء وجه حياة أسرته الصغيرة التي تفرقت بين راحل وطريح وران إلى الأفق بعين الوله، وبينه هو المبعثر على مدن النسيان.

ورغم كل ما مر به حافظ من ظروف قاسية وقاهرة، فإنه لا يطمع في أكثر من فرصة عمل بليق بمؤهلاته وخبراته ورصيده من الفكر والمعرفة، ليحافظ على ما تبقى من أسرته، ويسد ديونه تدريجيا إلى أن تسقط الديون تباعا.

الحقيقة أن ما يتخبط فيه الرجل من مشاكل من جراء الأبواب التي توصد دونه يذكرنا بشخصية "فاضل" في مسرحيته "وسام من الرئيس". فما جناه حافظ – جنـى عليه – من الثقافة لا يعادله إلا الوسام الذي جناه "فاضل" من مشاركته الباسلة في حرب التحرير التي حفظت ماء وجه الوطن وما حفظت ماء وجه كرامته هو الإنسان.

والغريب أن هذه المسرحية التي كتبها حافظ منذ وقت بعيد – بداية سنوات التسعين – لا يعادل مصير بطلها "فاضل" إلا المصير الذي رسمه القدر لكاتبها حافظ. على أن الكاتب وبطله كلاهما مازال يبحث عن هذه الفضيلة التي شتتتها صراعات الإنسانية في سبيل تأكيد مقولة: البقاء للأقوى، وإن كانت مقاييس الحكم نفسها - فيما يتعلق بهذه القوة - لا تحترم المقاييس.

وحتى الوعود التي تناثرت حول "فاضل" في المسرحية نفسها هي نفسها الوعود التي تناثرت حول حافظ وأُخلِفَت. وكذلك الحلم الذي زرعه الآخرون في ذات "فاضل" بلقاء ما يلزمه من دعم خارج الوطن (البلاد المحررة – الخليج) هو نفسه الحلم الذي حاول حافظ أن يصدقه وهو يبحث عن يد بيضاء في الإمارات.

لكن هل من المعقول أن تكون أمهات الغير أرحم بنا من أمهاتنا؟! مؤكد أن الجواب لا قطعا. ولهذا يكون واهما كل من يظن أن حضنا آخر سيكون أدفأ وأحنّ عليه من حضن أمه.

ومن هنا نأمل بصدق أن يجد السيد حافظ حضن أمه رحبا وواسعا لاستيعاب آهاته واحتواء حشرجاته وترطيب نهاراته، لأنه في الأول وفي الأخير ليس له إلا حضن أمه. ولن يشعر حافظ بالدفء الذي يتوق إليه في أي حضن آخر ماعدا حضن أمه، وإلا ما سكب الزمن حكمته في القول المأثور: "ما حك جلدك مثل ظفرك".

مازال سيد نفسه ينتعل الخوف والترقب وهو ماض في طريق لم يختره، أو بالأحرى وهو ماض في طريق ما حسب أن نهايته ستكون سديمية وقاتمة إلى هذا الحد.

ولا يكف هذا المثقف – الذي صدمه قارب الثقافة وهو يصطدم بصخرة الواقع– يتساءل كما تساءل آخرون لقوا المصير نفسه:
أهكذا تُكَرَّم رموز الثقافة العربية؟!

لكن السؤال الذي يستلّه المتفرج على مأساة السيد حافظ هو: هل كان من الضروري أن يسقط محمد السيد حافظ وأم محمد تباعا ليرى السيد حافظ وجه المثقف العربي في مرآة الواقع؟!

يوما بعد يوم تحتضر رموز الثقافة العربية على مرأى ومسمع، وتحتضر الثقافة. فهل يسارع الوطن قبل فوات الأوان إلى إنقاذ بنيه الذين لم يبخلوا عليه بجدهم واجتهادهم لتعظيم مكانته؟ أم تظل سيرة الإنسان ومسار الفنان طي النسيان ما لم يصل في الوقت المناسب "غودو" هذا الأشبه بالفانوس السحري أو مصباح علاء الدين...؟!

كم قصي "غودو" هذا الذي ينتظره السيد حافظ عند رصيف الغياب!
كم مائلة هي هذه الأرض التي يقف فوقها السيد حافظ مكبل القدمين واليدين!
وكم بعيدة هي هذه الشمس التي لا تشرق إلا على الآخرين!

صدقت نبوءتك يا السيد حافظ.
ها اكتمل الطريق على ضفاف الحلم بمدائن الفضيلة والإنسانية، وتحول الإنسان إلى تفاهة. فأي كبرياء هذا الذي تطالب به التفاهة؟!

ومازال متفرج السيد حافظ يطمع في كرم أخلاق بلاد الـمعنـى علّ تتظافر جهودها وتتحد جهاتها لرد الاعتبار لسيدها البارّ.



#سعاد_درير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد حافظ رسالة إلى المثقف العربي الناشئ
- أحضان
- المرأة والعنف


المزيد.....




- انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السي ...
- محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوي ...
- بعد 35 عاما من أول ترشّح.. توم كروز يُمنح جائزة الأوسكار أخي ...
- موقع إيطالي: هذه المؤسسة الفكرية الأميركية تضغط على إدارة تر ...
- وفاة الفنانة الروسية ناتاليا تينياكوفا نجمة فيلم -الحب والحم ...
- من بينهم توم كروز.. الأكاديمية تكرم 4 فنانين -أسطوريين- بجوا ...
- بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة ...
- تكريما لمسيرته... الممثل الأمريكي توم كروز سيتلقى جائزة أوسك ...
- جو بايدن يقتحم موقع تصوير مسلسل شهير أثناء مطاردة الشرطة (صو ...
- باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد درير - على هامش يوميات منسي، السيد حافظ بين سندان الثقافة ومطرقة الواقع - مقال بقلم: سعاد درير