أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام آدم - الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية















المزيد.....

الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28 - 05:25
المحور: الادب والفن
    



http://www.hishamadamme.blogspot.com/
اللغة -أي لغة- بحر واسع من المصطلحات والمعاني والدلالات القريبة والبعيدة. إن اختراع الإنسان للغة كان بدافع الحوجة للتعبير عن المدركات والمشعورات. وعلى هذا فإن قولنا بأن لغة أفضل من أخرى هو قول غير صحيح على الإطلاق؛ إذ أن كلّ لغة تولد معتمدة على احتياجات الناطقين بها في كل المجالات. وتطور اللغة بعيداً عن محور هذه الحوجة هو أمر طبيعي في نظري؛ فالطفل يحتاج إلى المشي كي يستطيع الوصول إلى الأشياء التي تشده، أو تغريه مجاراة الأطفال من حوله ليشاركهم في اللعب، فتبدأ الرغبة في محاولات تكوّن «الحركة» ابتداءً من الرفس إلى الزحف إلى الحبو إلى التهادي ثم المشي ثم الجري. والجري لم يكن في حد ذاته حوجة؛ إنما هو ترف حركي أو سلوكي للقادرين عليها، أو بالأصح لمن تجاوزوا المراحل السابقة، وهذا الترف ينشأ عن ميزة الإنسان في الاكتشاف والتجديد الدائب والمستمر؛ إنها الصيرورة التي ترهقنا دون توقف. والجري يغري بالقفز والتفنن في أداء بعض الحركات التي تشترط القدرة على أداء مهارات أساسية محددة مثل الوقوف والتوازن وغيرها.

وهكذا اللغة. بدأت بحوجة محاكاة أصوات الحيوانات والطيور والكائنات التي كان الإنسان الأول يشاهدها فيما حوله، ثم تطور الأمر إلى رغبة في التعبير، ثم رغبة ملحة في خلق التميز والتفرد، كما تتفرد كل الكائنات بأصوات متباينة ومتفاوتة ما بين الحدة والخشونة. والبحث عن «التميّز» هو ما يفسر لنا سعي الإنسان الدائم لخلق أدوات جديدة تأخذ فكرتها من الطبيعة، ويصبغ عليها الإنسان لمساته الخاصة؛ تماماً كفكرة استخدام الحربة كبديل عن النياب والمخالب لدى الحيوانات، والانتقال من الأكل الأرضي إلى الأكل في أوعية ، وفكرة تسخين اللحوم النية بعد اكتشاف النار والتي تعتبر ثورة ونقلة نوعية في حياة الإنسان عبر تاريخه والذي شهد ثورات ونقلات نوعية كبرى على مر العصور والأزمان كاكتشاف الزراعة.

عندما تمكن الإنسان من تكوين أول جملة صوتية مستفيداً من جهازه الصوتي الذي لم يكن مستغلاً من قبل -أو ربما تطور هو الآخر بتطور الإنسان والبيئة المحيطة به؛ ومن نافلة القول أن الجهاز الصوتي للإنسان متطور أكثر من غيره من الكائنات الحيّة- نجد أنه بدأ في تركيب بعض الأصوات والترميز لها بما حوله، وهكذا حتى نشأت اللغة. ثم تطورت حتى أصبحت لغات ولهجات وألسن؛ إذن فهي حركة تغيير وتطور مستمرة.

الوصول إلى نقطة الغرور المعرفي «الجري» هو ما يغري بالمزيد من الأداء، فإذا كانت اللغة سواءً المكتوبة أو المسموعة نتجت بدافع الحوجة عن التعبير، فلماذا جاء الترميز؟ عن أي شيء يبحث الإنسان من خلال اللغة المشفرة؟ وما هي دلالات هذا التشفير أو الاقتباس البيئي؟

في رأيي أن النزوع إلى الترميز أو تشفير المعاني واستحداث مفردات جديدة في أي لغة ينشأ عند وجود معضلة ثقافية محددة هي ما تجعلنا نشعر بأن اللغة المستخدمة لا تستطيع خدمة المعاني بشكلها المطلوب تماماً، ورغم محاولات اللغويين إلا أن قطاعاً كبيراً جداً من المُحدثين ينزعون دائماً إلى استخدام غريب اللغة، وهذا التفسير -رغم سطحيته- إلا أن له دلالات كبيرة وهي واسعة الانتشار لدرجة ألا سبيل لحصرها.

وعلى عكس ذلك فإنني أفسر ظاهرة «التقهقر اللغوي» إلى عدم قدرة اللغة المستخدمة على إشباع غريزة تحديد المعنى من جهة، وإشباع ملكات الكاتب الذاتية من جهة أخرى، وهذا يفسر تلك الظاهرة التي دعت بعض الشعراء –مثلاً- إلى اختيار غريب اللغة أوالمدروس منها، ربما لأن اللغة هي «رختر» الحركة الاجتماعية والثقافة المتكونة من وعي الإنسان مرتبطاً ببيئته، أو ربما هي نزعة نحو الإنفرادية والتميز الذي يجعل الكاتب يستعرض قاموسه اللغوي كنوع من التعويض عن ملكات مفقودة له. وأنا هنا إنما أتكلم عن عصر نزع فيه غالبية الكُتاب إلى المجاراة، أي متابعة نمط الكتابة؛ إضافة إلى أن المفردة اللغوية ذات الدلالات المتعددة تساعد في الاستفادة من ملكة الخيال، لاسيما في أغراض التشبيه والصيغ البلاغية، إذ أن الحس التخيلي مرهون باللغة وبحيويتها.

وفي رأيي أن كل لغة «كائن حي» لا يعيش إلا في أوساطه التي نشأ فيها، ولا أعتبر عملية تطور اللغة إلا استكمالاً لدورة حياة هذا الكائن الحي، يمر خلالها بأطوار نحو الكمال ثم الانحطاط بعد ذلك؛ تماماً كما في بقية الكائنات الحية التي تصل في طور من أطوارها إلى قمة الاكتمال والنمو، ثم تبدأ بالانحدار إلى القاع وهو ما أسميه بشيخوخة اللغة، أي عندما تكون اللغة عاجزة عن القيام بوظيفتها الحيوية في التعبير عن المتخيّل والمستشعر والملموس.

كما يمكن أن نطلق عبارة «شيخوخة اللغة» على اللغة عندما تصبح عاجزة عن تطوير نفسها لمواكبة متطلبات المجتمع اللغوية، والمرتبطة هي الأخرى بنشاط البشر الاقتصادي والسياسي والثقافي والصناعي وأي نشاط بشري آخر؛ فكما أن الإنسان يطور أدواته في دورته التطورية التاريخية فلابد للغة أن تساير هذا التطور، هذا إن لم تكن اللغة قادرة على السبق أصلاً.

كما أن القهر السياسي أحد أهم العوامل التي ساعدت على تكوين التيار الرمزي. والقهر السياسي الذي عرفه الإنسان على مختلف أطواره ومراحله التاريخية أثر -ليس فقط على اللغة وحسب- إنما على مستواه السلوكي أيضاً، وامتد حتى شمل رقعة واسعة من نشاطاته الاجتماعية والاقتصادية والنشاطات الحيوية الأخرى؛ فالرمز المستخدم في الصراع ضد السلطة، وذلك الآخر المستخدم في التعبير عن أحلام قطاعات المستهلكين والمنتجين للغة كان النواة الأولى التي خلق هذا التيار الذي تطور أيضاً تقادمياً في الوسط المتخيل ليشمل جميع أنواع الفنون الأخرى؛ فالسريالية والتجريدية والتكعيبية هي إنما عدوى هذا الوباء السياسي، ربما أضيفت إليه بعض العوامل الأخرى التي لا تكاد تنفصل عنها والكامنة في رغبة الإنسان -كما قلت- إلى التغيير والتطوير والتميز والإبداع بلا شك.

للغة الإبداعية مستودعها الذي تُخزن فيه ما تشاء من سقط المعاني المبهمة، وهذا المستودع ما هو إلا وعينا الذي يرفض التصريح ويميل إلى الرمز على اعتباره بوابات للهروب من النقد والمسائلة، ولا أريد أن أقول أن الرمز القائم على الخيال هو أمر سيئ على الإطلاق، بل هو أفضل ما يكون –في إطار الكتابة الإبداعية- إن تم توظيفه في إطار أدبي وفني؛ على ألا تستهدف النخب فقط، فالتعاطي مع اللغة لا يمكن أبداً أن يتم من خلال مفهوم طبقي أبداً؛ إنما اللغة يجب أن تتحد مع الخيال، وتصاغ في رمز جيد حتى تحسن من مستوى فهمنا وقراءتنا للنصوص والأعمال الفنية؛ وإلا فليترك الناس الشعر والفن، ويلتفتوا إلى خطب المنابر وأحاديث المجالس.




#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروح


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام آدم - الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية