أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قصي الشيخ عسكر - الشاعر جعفر كمال الشعر ومعاناة الاغتراب















المزيد.....


الشاعر جعفر كمال الشعر ومعاناة الاغتراب


قصي الشيخ عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 2628 - 2009 / 4 / 26 - 10:15
المحور: الادب والفن
    


مدخل
الشاعر جعفر كمال صديق طفولة جمعتنا الحارة والمدرسة دخلنا مدرسة التنومة الإبتدائية معا،وربما يغيب عن ذهن القاريء أن هناك ملامح مازالت ساطعة في ذهني تخص الأدب والأدباء من تلك الملامح الصف الثالث الابتدائي حيث اجتمعنا أنا والشاعر والرسام متعدد المواهب أحمد مطر والأمر الثاني عندما كنا نجلس أنا والشاعر جعفر كمال في باحة المدرسة الواسعة تحت ظل شجرة أثل أو يوكالبتوس نتحدث عن المعلمين ونصنفهم وفق انتماءاتهم السياسية فهذا بعثي وذاك شيوعي والآخر متدين وفي تلك الفترة أيضا كنا نتبادل الكتب ومنها رواية الأم للكاتب مكسيم غوركي وبائعة الخبز وعشاق فينيسيا وغيرها من الروايات والقصص التي كنا مغرمين بقراءتها ومفتونين بكتابها الكبار.
بعد الابتدائية تفرقنا في مدارس عدة، ثم انصرم زمان طول زمان فالتقينا في دمشق في منزل شقيقه الكاتب والسياسي السيد عبد الباقي شنان الذي كان يعمل في الصحافة وكان الشاعر جعفركمال الذي اتخذ من بيروت مقرا له يأتي لزيارة أخيه في دمشق هناك حيث نلتقي فتنصب معظم أحاديثنا في حقلي الأدب والسياسة..
ثم افترقنا وانقطعت أخبارنا بعد أن هاجرت أنا إلى الدنمارك وعدنا التقينا من جديد بعد أن استقر بي المقام في بريطانيا وكان في تلك الفترة لايفتأ يواصل إبداعه الأدبي من خلال ماينشره في الصحف العربية ومنها الصحف والمجلات اللبنانية والعراقية وهنا في هذا المقام أذكر على سبيل المثال قصيدته " دوار الرافدين " التي أقتطف منها المقطع التالي:
الجنة ثديا تحلبه الأرجل
أطروحة الغيب السائد
في هذا الليل العالي
يأتي اللوم...
من كل حدب
وحزن الأمهات
كطير جلجامش يسكن طنين الرأس
ياموسى
لمن أصلي؟
وقبلتي ليس لها وطن
فأنا هنا حين أقدم لهذا الشاعر أدرك أني أقدم لحقبة زمنية عشتها ومازلت أعيشها بكل أحاسيسي وعواطفي، معاناتي وفرحي فيخيل إلي أن الشاعر جعفرا ماهو إلا عبارة عن التنومة بكاملها أعني أناس التنومة الذين سروا وهاجرواوظلوا يهاجرون. إن التنومةحطت الرحال في العالم بالتالي حط العالم رحله فيها فنحن أهل التنومة بصفتنا عراقيين أصلاء نجد أن اية قرية من قرانا لاتقل عظمة عن أية عاصمة من عواصم العالم الكبرى مثل موسكو وواشنطن ولندن وبكين وطوكيو وذلك متأت من أصالتنا ومن شموخ النخيل فينا.

شعر جعفر كمال
أود أن أبين للقاريء الكريم أني من خلال مقدمتي هذه أقف عند محطات من شعر جعفر كمال إذ أني أكتب مقدمة بالدرجة الأولى وليس بحثا موسعا لذلك انتخبت بعض القصائد من ديوانه ووقفت عندها وقصدي من ذلك أن أترك للمتلقي مساحة واسعة للحكم على شعر الشاعر وهو يقارن بين رأيي بصفتي ناقدا ومتابعا لتلك المختارات من ديوانه هذا وبين رأي القاريء في مجموع شعر الديوان كله، فكانت محطات التأمل تلك تتمثل بالآتي:
وقفة عند العناوين.
مسألة اللون.
الزمان والمكان والزمنكان.
وقفة عند القصيدة والعنوان
يلاحظ القاريء لمجموعة الشاعر جعفر كمال أنه يختار لقصائده عنوانات وفق الشكل التالي:
قصائد عنوانها كلمة واحدة مثل قصيدة التنومة وقصيدة عصا.
قصائد عنوانها كلمتان مثل ليلة ما وقصيدة زمن الواحدة
قصائد عنوانها ثلاث كلمات مثل قصيدة الصغيرة وأختها الصغرى
المجموعة الأولى:
تدلنا القصائد ذات العنوان المفرد على أنها هي الأوسع انتشارا فمعظم قصائد الديوان ذات كلمة واحدة و أن العنوان نفسه هو المفردة الأساسية أو هو الثيمة كما يطلق عليه في اللغة الإنكليزية ‘ فيكون العنوان هو المحرك للسطر الذي يليه مباشرة:
عصا
عصا تنقل الخطوات
إلى شعراء النوايا الحسنة
والرقيب يقف على مرتفع
عيونه كاميرات الشوارع
ثم يختمها بكلمة واحدة
إن هناك موازنة من خلال الكلمات وامتداداتها بين الشاعر والرقيب فهو تصوير واقعي ابتعد فيه الشاعر عن المباشرة.
و الشاعر ينتقل من العنوان الكلمة إلى سطر بثلاث كلمات ثم بسطر ذي أربعة كلمات ثم يستمر الكلام بأربع كلمات واخيرا يعود في النهاية إلى الكلمة الواحدة كأن العصا رحلت وعادت إلى مكانها:
بين عرين النوايا الحسنة
وبين أحمق متخاذل
مثل هذا التوجه نجده أيضا في قصيدة مفردات حيث يصور الشاعر المفردات كونها تحرك الأحداث ، فهي الأساس في رسم الصورة وهي عمودها الأول وبهذا المنظور تتوزع على الأسطر:
مفردات
تمر المفردات غير آبهة بي
تأخذ ماتشتهي مني وتمضي
فوح التراب لحظة المطر
وهناك قصيدة يبدأ عنوانها بكلمة واحدة ثم تنتشر أكثر من كلمة على السطور لتنشطر الكلمة البداية أو كلمة العنوان إلى اسطر ذات كلمات متعدة في الختام كما في قصيدة " التنومة" التي يتحدث فيها الشاعر عن شرطي استوقفه شاكا في كونه غير عراقي جاء من بلد مجاور:
التنومة
على بوابة جسر التنومة
إن الكلمة الواحدة سارت باتجاه وصف ذي أكثر من كلمة وبهذه الصورة تتجه القصيدة حتى تنشطر في النهاية إلى سطرين هما سطرا الختام

تلك النخلات محروقة الرؤوس


ملعب طفولتي رياض الهوى


المجموعة الثانية:
وهي الأقل انتشارا تلك التي جاءت عناوينها بكلمتين وهي إما أن يكون فيها العنوان كلمتين منفصلتين مثل " ليلة ما " أو" زمن الواحدة " او كلمة مركبة تركيب إضافة مثل " اصابعك "، ويخيل إلي أن قصيدة أصابعك التي تركب عنوانها تركيبا إضافيا هو عنوان أقرب للكلمة الواحدة ففي اللغة العربية يكون المضاف في بعض الحالات جزءا من المضاف إليه، والأصابع جزء من المخاطب لكن الأصابع تبدو هي المحرك الأساس للقصيدة كما سنبين ذلك فيما بعد، أما قصيدة " ليلة ما" فقد جاءت الكلمة الثانية فيها التي هي " ما" صفة لكلمة ليلة بوصفها ليلة عظيمة تجري فيها أحداث أو هي عبارة عن أحداث ووقائع، وهذا الاسلوب مألوف في اللغة العربية، يقول تعالى " إن الله لايستحي أن يضرب مثلا ما "- البقرة آية 26- فالكلمة ليلة تتكون من أربعة أحرف مؤنث دلت على القوة والظلام تم وصفها بكلمة أقرب للمذكر تتألف من كلمتين هي" ما " إن ذلك يندرج ضمن وصف العظيم الأكبر بالأصغر أو الأقل زيادة في تفخيم العظيم مثلما تم تفخيم الليلة بالإبهام لأن الصغير إذا كان مبهما دل على العظمة ايضا، وهنا في هذه القصيدة يوازن الشاعر بين العنوان وأسطر القصيدة فتتوزع كلمات السطر الواحد بتدرج يحافظ على توازن القصيدة:
ليلة ما
أنتظر ليلة ما
تنزع ظلمتها
تأتي على اطراف اصابعها
حيث بركة شمس
تمرح رجفة غصن مرت بوجهي
السطر عدد الكلمات 2
السطر عدد الكلمات 2 لكن في الحقيقة هو يتألف من ثلاث حيث أدمج ضمير المفعول :
تنزع ظلمة + ها
السطر يتالف من 4 كلمات أو 5 + ها
السطر ذو 3 كلمات السطر 5 أو ست كلمات + وجهي
ثم يعود الشاعر في السطر إلى الكلمة الواحدة حيث يقول:
ترمي ثقلها
ثلج
ثلج
ثلج

المفردة
ث ل ج

ثلج ثلج ثلج
طبيعة برد منطقة الشمال عامل نفسي لون بياض
اغتراب مقياس جمالي
علامة ضعف
ثلاث كلمات هي نفسها انتشرت عموديا وليس أفقيا لتصوير حال البرود، فالبرود يعني الوقت والضجر والملل وكلها معان تتغلغل في أعماق النفس وتنتشر عموديا بسرعة وتنبسط افقيا ببطء فكان على الشاعر أن يسطرها مفردة بتكرار جاء ثلاث مرات ليحقق الأبعاد الثلاثة الأفق والعمود والعمق الداخلي غير المنظور.
وهناك أيضا قصيدة " زمن الواحدة" وهي أشبه بالقصة أو المشهد التمثيلي الذي تتمثل شخصياته في اثنين هما الشاعر وامرأه وتكاد القصيدة بكثافتها الزمنية تتحول إلى قصة قصيرة :
في تمام الواحده
قالت سيدتي
أنلتقي
قرب شمس الظهيرة
بعد انتها ء الواحده
تلكأت الظنون
فأغرقتها الأشرعة
فأنا حين أحول القصيدة بتوهج كلماتها إلى قصيدة قصيرة جدا أجعلها تكتب بالطريقة التالية:
في تمام الواحدة قالت سيدتي:
أنلتقي قرب شمس الظهيرة
بعد انتهاء الواحدة تلكأت الظنون فأغرقتها الأشرعة
وهكذا تستمر الحكاية القصصية بتسطير جديد والجدير ذكره أن بعض قصائد الشاعر تصلح حين نغير تسطيرها الشعري أن تصبح قصصا قصيرة أو قصيرة جدا وهذه ميزة مهمة تسجل لقصيدة النثر التي تسجل حضورها الأدبي في هذه المرحلة.
المجموعة الثالثة:
هي التي احتوت عناوينها على أكثر من كلمتين مثل قصيدة بكائية للحزن الآتي، وقصيدة " الصغيرة وأختها الأصغر"، وفي هذه القصيدة يتحدث عن طفلتين هما ابنتا أحد صدقائه،وهم الشار في هذه القصيدة أن يصور ثلاثة محاور هي البراءة والجمال وعاطفة الحب أو الأبوة التي يراها مرتسمة في طفلتي صديقه.
تمضي القصيدة في الحديث عن الطفلة الأولى، وجهها وفمها وحركتها، جديلتها ومشيتها:
عصفورتان في عش
فم وردي
ينقر حبات سكر
وجديلة على الخد
خطوة ناعمة
تمشي على وتر
الوصف المخصص للطفلة الكبرى ينتهي ليطالعنا بعده وصف مركز للأخت الصغرى التي نعرف من الوصف السابق أن مواصفاتها هي مواصفات الأخت الكبرى:
وأختها الصغرى
كالفرح المفتوح
في البدء كان الوصف ماديا الفم ذو اللون الوردي والجديلة الجميلة والخد الجميل لكنه تحول الآن إلى وصف معنوي فالأخت الصغرى هي فرح لامتناه فرح واسع الأبعاد يعبر عنه الفعل التالي:
ترفرف...
هنا يترك الشاعر السطر لكلمة واحدة فقط فالفعل يرفرف وهو تكرار لحرفين هما رف وهو فعل صوتي لم يضيق عليه الشاعر ليردف خلفه كلمة أخرى بل ترك المساحة بعده مفتوحة كي يتابع القاريء الحالة بـِنَفـَسِه الصوتي أو بنظره في حين جاء السطر التالي محتشدا بالكلمات :
فوق رياض من عنبر
فوق كلمة تدل على الأفق وهي من الكلمات التي تعني الارتفاع
رياض كلمة تدل على الانبساط والحركة
عنبر صورة تعتمد على الحاسة حين نسمع الكلمة يتبادر إلى اذهاننا حاسة الشم مباشرة والانتشار الواسع فتجتمع الرلائحة بالمكان والحركة من خلال حركة الطفولة وبراءتها التي تعني براءة الرياض والطبيعة ونقاءها وحركتها وعطرها.
اللون
هناك ملاحظة مهمة يجب ألا نغفل عنها في فهم شعر جعفر كمال هي أن الشاعر رسام وهو من الرسامين الجيدين وقد شارك في عدة معارض في بعض الدول العربية وبريطانيا وقد رأيت كثيرا من لوحاته وتأملت فيها ومن بعض لوحاته عرفت أنه يستطيع أن يوظف الألوان في شعره وسوف استشهد بمثل واحد أقتبسه من قصيدة " أصابعك " ثم أترك حرية التعمق في لون الشاعر للقاريء بعد أن أبين وجهة نظري في هذه اللوحة:
ورد أحمر
يبدأ الشاعر باللون الأحمر، والحمرة تدلّ في الموروث الفكري الإنساني على المعاني التالية: الأحمر من الألوان الحارة.
الشهوة والرغبة 1-
2- الدم3- الجريمة 4- الفكر الشيوعي 5- التوتر
6- الخطر كما في إشارات المرور
7- الموت 8- الفرح كما في
ارتداء الملابس الحمراء عند الأعراس " راجع حول مدلول الألوان كتاب
Symbolism of colour; biren"
ومن حقنا أن نسأل أي الألوان أراد الشاعر لقصيدته أن تتحقق فيها؟ من الطيبيعي أنه يقصد معظم المعاني المذكورة أعلاه لكنه يركز في الأساس على الشهوة بدليل قوله:
تسكنه الشهوات
هذا اللون يجعله الشاعر صفة من صفات الأصابع فهو يختار له اليد
كم عاشق صنعت هذه الأصابع
ترسمه الصور
اللون هو ميزة الأظافر وهي أقسى جزء من اليد فهي مخلب الإنسان والحيوان ، واليد علامة القوة" راجع عن معاني اليد في الفكر العالمي موسوعة يوكوبيديا"، فاليد ذات اللون الأحمر تتحكم بالقوة وتخلق الشهوة والجريمة، هناك تطابق إذاً بين الأداتين اليد من جهة والحمرة من جهة أخرى:
اليد = قوة الحمرة = شهوة
اليد = شهوة الحمرة = اليد
إذاً اليد هي الحمرة والشهوة والقوة وهي الأساس في عالم التدمير لذلك قال الشاعر:
جذلى تعوم هذه الأصابع
تنسخ زائرها الألف
المكان
لعل المكان يساوي أي مكان آخر فيحل محله وهي نظرة كونية شاملة يصبح فيها مكان المغترب الأصلي هو المحور والأماكن الأخرى تدور حوله أو تساويه:
وفي قصيدة " لم " يقول:
في أسفل المدينة
على صفحات الكرنفال
التقيت امرأة
طعم الرطب
شفتاها
وحين شممتها
شبعت
من رائحة الفستق
النخل هو سمة البصرة ووقت الرطب يعني فورة الحر ونضج عملية النمو حتى إن الرطب يعادل نضج الفتاة الجنسي، وإذا كانت النخلة تعني النمو والحياة والحر ونضج التمر في تموز فإن الفستق أو شجر الفستق لاينمو في منطقة حارة مثل البصرة وهو مثل اللوز يزهر مبكرا ويـُقطف متأخرا إن الشاعر يتحدث عن الجنوب والشمال من خلال نبتتين هما الفستق والنخل:
البصرة الجنوب = النخلة، الرطب، الشمال = الفستق
إنه تقابل بين مدينة حارة في الجنوب ومدينة باردة في الشمال فأي رطب أو أي فستق هذا؟ بل هو المعنى الإجمالي ويعني الهجرة وذلك حين تنتقل البصرة إلى مكان آخر فيكون للتمر طعم الفستق ففي المشهد تداخل مكاني وهذا المعنى هو محطتنا التالية.
المكان والزمان " الزمنكان"
هناك قصائد تبدأ بالمكان ، وهناك قصائد تبدأ بالزمان، وأود أن أشير إلى أن القصائد التي تبدأ بالمكان تنصهر فيما بعد في بوتقة الزمان لترجع بنا إلى الماضي، وفي هذه النقطة بالذات أود أن أذكر بمسألة الزمن في شعرنا العربي القديم، يقول امرؤ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ط راجع ديوانه ، المعلقة"
الشاعر بدأ بالمكان ساكنا لاحراك فيه لكن الشاعر زهير بن أبي سلمى بدأ بالشكل التالي:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم
بها العين والآرام يمشين خلفة ط راجع ديوانه ، المعلقة"
الشاعر زهير أضفى حركة على المكان الساكن بالفعلين يمشين وينهضن،ولاأدري وأنا أقرؤ عن التنومة لم تعود بي الذاكرة إلى شعرنا القديم فليس هناك انقطاع بين قصيدة النثر والتراث لقد خُيِل إلى أن الشاعر حين زار التنومة بعد سقوط النظام السابق وجدها أطلالا وإن كانت تعج بالناس، فكل مافي تلك المدينة المنكوبة بالحرب غريب عنه حتى لم يعد المكان نفسه بدليل أن الزمن الذي لعب بدور الماضين ووقف عنده امرؤ القيس وزهير عاد من جديد ليتحكم في المكان ويفرض سطوته عليه ولافرق بين أن يكون المكان نفسه مقفرا موحشا أو يتحرك فيه الآخرون وتشخص فوقه المباني. إن الشاعر يعكس اغترابه الذي عايشه في شمال أوروبا على واقع المدينة:
على بوابة جسر التنومة
استوقفني الشرطي
يسألني أعراقي أنت؟
الشرطي يظنه متسللا قدم من دولة مجاورة وعند هذه النقطة ينقطع الحضور المكاني ليستعيد الزمن قسوته وسطوته بقوة فتتحول القصيدة إلى ارتداد نحو الماضي وبعض من الذكرى:
Flashback
عبد الباقي شنان المقيم في آخر الغربة
أخي
وعبد النبي شنان الذي مات وحيدا
بلا جسد
أخي
وتلك النخلات محروقة الرؤوس
كانت ملعب طفولتي
والحوامد كان رياض لهوي
القصيدة بدأت بمكان ثم اتجهت نحو الزمن ثم عادت إلى المكان المتمثل بالنخل المحترق بسبب الحرب ونهر الحوامد الذي كان يلعب عنده الشاعر وهو طفل فالزمان هو حلقة الوصل بين المكان الكلي الذي هو التنومة والجزئي المتمثل بالنخل والنهر,
وقد يبدؤ الشاعر قصيدته بالزمن فيتجه بها اتجاها مكانيا:
في تمام الواحدة
الشاعر في السطر أعلاه بدأ بداية زمانية بحتة وقد اختار نقطة مركز الزمن الساعة الواحدة، وهو وقت يدل على معان متعددة يمكن أن نلخصها بالآتي:
أولا: القوة والفتوة والحيوية فمنتصف الظهيرة تدل على قوة الشيء.
ثانيا: العنف والعنفوان، والخصب ونصف عمر الإنسان هو مرحلة النضج الحقيقيّ
ثالثا: السكون والهدوء إضافة إلى العنف والذي سيعيش في العراق يدرك عمق الساعة الواحدة بخاصة في الصيف فهي أحر الساعات واعنفها في الوقت نفسه هي أهدؤها وألطفها وأكثرها سكونا ، وبهذا المعنى يتحقق جمع المتناقضات.
الزمان أعلاه يسير باتجاه زمني آخر أقرب إلى المكان إنه يريد أن يقول لنا إن التقاء نقطتين زمنيتين يمكن أن يخلق لنا مكانا ما يستطيع أن يتخيله القاريء أو المتلقي في ذهنه:
أنلتقي قرب شمس الظهيرة
بعد هذا اللقاء الزماني تنشطر القصيدة إلى محمولين هما: الظنون والأشرعة، والظنون ليست معنا حسيا بل هي معنى ضمني ، والأشرعة مكان دلالتها البحر والقلق والهجرة فنقطة التقاء الزمان بالزمان تحقق مكانا ما لكنها تتحرك باتجاه الهجرة والقلق بدلالة مادية هي الأشرعة تلك التي استندت إلى الكلمة ذات المدلول المعنوي :
تلكأت الظنون
فأغرقتها الأشرعة
وفي قصيدة " زمن الواحدة " يتحرك الشاعر عبر الزمن المتناقض فهو في البداية ينطلق من الليل لكنه ليل منير يمكن أن يوحي لنا بالبصر والرؤية أو الرؤيا:
أنتظر ليلة ما
تنزع ظلمتها
إنه الليل الذي يسير نحو النهاية أو زمن يتحرك نحو زمن كلاهما معروف ليل غير مظلم يتجه إلى الشمس:
حيث بركة شمس
البركة عمق عمودي غور يحتاج إلى سبر والشمس عمق عمودي في الأعلى بركة الشمس تعني مكانين واحد على الأرض الماء والثاني في السماء وهو الشمس من حيث الظاهر هما مكانان لكن من حيث المدلول الباطني هما زمان ليل ونهار، فالزمان تحرك نحو الزمان ليخلق مكانا هو:
ثلج...
لقاء الزمان بالزمان نتج عنه مكان يخص الهجرة والاغتراب مكان داخلي يوحي بالبرودة على الرغم من كونه يدل على الرؤيا والبصر فهو معتم واضح جليّ وغامض في الوقت نفسه.
الخاتمة:
بعد الاستعراض السابق أعود لأقول مرة أخرى إني لم اقف عند جميع قصائد الديوان لأنني وددت أن أترك باب النقاش مفتوحا على مصراعيه حول شعر هذا الشاعر الذي أود أن أقرأ له فهو يحمل في شعره النابع من ذاته الصافية نبل العراق وطيبة البصرة وعذوبة التنومة وشطها العظيم.




#قصي_الشيخ_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب في لغة الدكتور صدام فهد الأسدي الشعرية
- مفهوم الحيوان والطير في شعرالدكتورصدام فهد الاسدي
- مفهوم الحيوان والطير في شعر الشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي ( ...
- ظاهرة التكرارفي شعر الدكتور صدام فهد الاسدي


المزيد.....




- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قصي الشيخ عسكر - الشاعر جعفر كمال الشعر ومعاناة الاغتراب