أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مرعي أبازيد - الترجمة أمانة لا خيانة،















المزيد.....

الترجمة أمانة لا خيانة،


مرعي أبازيد

الحوار المتمدن-العدد: 2610 - 2009 / 4 / 8 - 10:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تعتبر الترجمة نوعا من أنواع الفنون لما تحتاجه من ذوق وحس وتفاعل. المترجم هو فنان بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأنه حينما ينتهي من ترجمة قطعة أو مقالة معينة وخاصة إذا كانت أدبية يكون قد سكب فيها عصارَة جهده بالإضافة إلى انه يعيدُ ويكرِّرُ قراءتها عدة مرات، يتمعّنُ في تركيبة جملها وكلماتها، ينسقها ويصقلها كما يصقل الصائغُ جوهرةً ثمينة أو كما يدقق الموسيقي نوتته الموسيقية، ويمعن فيها النظرَ كما لو كانت لوحة رسمها بريشته فنان، ولا يتركها من يده حتى يرتاح لجمالها وأصالتها. وما دامَ المترجم فنانًُا فلا بدّ إذا أن تكون لديه موهبة مغروسة في أعماقه حيث لا يمكنه بدون هذه الموهبة أن يبدأ مسيرته الفنية.
من الجدير ذكره أنه لا ينتج أي مترجم دونما الكثير و الكثير من التراجم العملية القائمة على أساس الممارسة، وهذا لا ينفي أن الترجمة أيضاً علم لا يستهان به وقد لا يستمر دون دراسة أكاديمية وأسس و نظريات علمية تدعمه. و لا تعني مقدرة البعض و طول باعه في مجال الترجمة أن هذا العلم من الممكن تعلمه دون دراسة أكاديمية .قد يجيد البعض الترجمة كعلم لكنه يخفق في ممارستها كفن والعكس صحيح. وعليه فإن الترجمة علم نظري قائم على أساس الممارسة العملية التي تصقل القدرة اللغوية. ينحدر من هذا العلم الكثير من الفروع كالترجمة القانونية و السياسية و التجارية والعلمية والصحفية والقائمة تطول في هذا المجال..
فالترجمة إذا هي علم وفن ومهارة لها نظرياتها وإستراتيجياتها وأصولها لابد من الممارسة لإتقانها وهذا يعني أن الترجمة علم نظري قائم على فن الممارسة العملية.
ليس بمستغرب أن يدعي مترجم متمرس أو غير متمرس بأن هناك نظريات للترجمة لكن لا يمكن تطبيقها وصحيح أن هناك الكثير من المترجمين المتمرسين الذين يقولون أنهم لم يدرسوا تلك النظريات و لا حاجة لهم بها، لكن مهنة الترجمة بتطورها أصبحت تتطلب الكثير من الدراسة قبل الخوض في غمار العمل المهني مباشرة. ويعتبر الحس والنظرية أدوات الفهم التي يجب على ممارس الترجمة معرفتها لغرض التحليل والتوضيح لإيصال الفكرة صحيحة وغير مغلوطة و الترجمة بشكل عام هي جملة من التعقيدات ينطوي بداخلها قرار صعب يتم اتخاذه لتحويل جميع مكونات النص الأصلي إلى اللغة الهدف بكل أمانة، ويكون القرار متكاملا أو قريبا من التكامل إذا ما توفرت له هذه الأدوات ألا وهي الحس والنظرية. مما لا شك فيه أن المهارات التراكمية إذا ما كانت مصحوبة بمعرفة واسعة لنظريات الترجمة تكِّون أسلحة الدفاع عن النص المترجم من خلال الرجوع إلى تلك الأدوات. فكيف إذن تدافع عن نص ترجمته إذا ما تعرضت إلى انتقاد؟ ألا ترتكز على قاعدة نظرية لإقناع خصمك؟ وبهذا يكون تدريس الترجمة بجوانبها النظرية و العملية يشكل حجر الأساس للإبداع المهني.
يجب أن لا ننكر بأن المترجم الجيد هو ذلك الإنسان الذي تتوفر لدية الرغبة والاندفاع للعمل في هذا الحقل، وهذه الفكرة تنطبق على جميع المهن والمهارات، فالمترجم الكفء هو من يجمع بين الخبرة العملية والنظرية والحس الفائق بالكلمة. ولتطوير المهارات النظرية والحس الفائق لابد من تطوير المهارات التدريبية بالكم والنوع ليكتسب المترجم قدرات الفهم والإدراك العام للترجمة كفن و كعلم، لأن إناء العلم كلما سكبت فيه كلما اتسع وطلب المزيد. بالطبع أن كل شيء يتعلمه الإنسان لا يفيد دون الممارسة، بل إنه يضيع أو يصبح مجرداً.هنا يجدر القول أن الدراسة لا تصنع مترجماً بل تؤسسه كي يكون مترجماً مبدعاً عبر مرحلة الممارسة المستندة إلى القواعد النظرية الأساسية. قديما قيل: "أن كل شيء ينقص بالإنفاق إلا العلم فإنه يزيد بالإنفاق"، والترجمة هي علم يكبر كلما أنفقت عليه.
لا بد للترجمة أن تنفذ إلى المقصد الفعلي للنص ولا يتأتى ذلك بمعرفة قواعد الترجمة أو الممارسة العملية فحسب، حيث يؤكد أحد المترجمين من واقع خبرته العلمية والعملية بعد أن أصبح مدرسا أنه مارس الترجمة قبل الدراسة النظرية، وبعد إتمام الماجستير والدكتوراه في (اللغويات واللسانيات) أكَّد أن الطلاب الذين درَّسهم أساليب الترجمة ونظرياتها والعوامل المؤثرة فيها وغير ذلك من القضايا اللغوية بل والفلسفية تمكنوا من تطوير ترجماتهم (لغة وأسلوبا ومعنى) في مختلف النصوص التي تم تكليفهم بها أكثر من الذين لم يدرسوا الترجمة كتخصص، لأن الآخرين لم يركزوا على دراسة علم الترجمة. أما تشبيه البعض للترجمة بالسياقة أو السباحة فهو تشبيه قاصر ومغلوط لاختلاف أوجه التشبيه بين الترجمة (ذات المهارات الفكرية العالية) والفنون العضلية التي قد يقوم بها المجنون والغبي والأحمق وما شابههم. ولنعلم جميعاً أننا في عصر النهج العلمي لدراسة مختلف العمليات العقلية للإنسان فتقننت فيه كثير من الفنون حتى أصبحت علوما، وكل من يتغاضى عن هذه الحقيقة إنما يثبت عجزه عن مقارعة الفكر الإنساني المتقدم وعن اقتحام عالم النظر العقلي الذي يحدد العائم ويطور الراكد ويفتح نوافذ التجديد على التقليد.
مع ذلك، ورغم أني شخصيًا لم أدرس الترجمَة، فإني أميل إلى دراسة فن الترجمة وأصولها أسوةً بدراسة أي علم آخر لأن ذلك يضيف الكثير إلى قدرات المترجم ويكفيه شرَّ الوقوع في مطبّات قد يقع فيها كلّ مترجمٍ، خصوصًا في مستهلِّ مسيرته. يقول البعض: "إن الترجمة نوعان فمنها النظرية و منها العملية، فبالنسبة للترجمة العملية فإن تدريسها غير ممكن لأنها موهبة يتم صقلها و تنميتها على مدى السنين، أما الترجمة النظرية فان تدريسها بلا فائدة، لأنها ليست سوى بعض الإرشادات التي قد يعطيها المترجم المتمرس (وليس المدرس) للشخص المبتدئ في الترجمة. إذاً الترجمة كالسباحة تماما، لا يمكن أن تدّرس بل لا بد للمرء من النزول إلى الماء و لا بد له أن يعاني من دخول الماء إلى عينيه و أذنيه و فمه. إذا فالممارسة و التطبيق و الخبرة و كثرة القراءة و الاطلاع هي التي تُدَرِّس الترجمة أما دكاترة الترجمة الأجلاء فيعطون بعض الإرشادات و يلقون بعض الأضواء على الطريق ثم يمضون و يبقى على المترجم وحده أن يشق طريقه بنفسه و يتعلم من أخطائه و تجاربه الخاصة. و أكبر دليل على صحة هذا الكلام هو أن عدد كبير من أعظم المترجمين في زماننا لم يدْرُسُوا الترجمة، أعني أن تخصصهم و شهاداتهم هي في الأدب و النقد وليس في الترجمة".
بالطبع لا يجوز الكلام عن الترجمة بهذا الشكل والأسلوب، وما الحالة العامة للترجمة في العالم العربي إلا نتاجاً لهذا الواقع الذي دفع بالكثيرين من الادباء لممارسة الترجمة مشكورين، وبقي قطاع الترجمة بلا اختصاصيين اكاديميين ممن درس الترجمة كعلم وقدم عطاء متميزاً. وإذا فرضنا جدلا كما يقول البعض أن هناك تشابه مع السباحة فان السباحة أيضاً تدَرَّس حسب الأصول في الجامعات والمعاهد الرياضية لكن الإنسان يتعلمها وهو في سن مبكرة ولا يمكن أن يصبح سباحا محترفا وبطلا دون أن يدرس في المعاهد الرياضية هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا سلَّمنا بأن الترجمة كالسباحة من حيث أن الممارسة و الخبرة هي الشيء المعتبر و المعول عليه فإن هذه الخبرة لا يمكن أن تأتي بدون دراسة أكاديمية، لأن الأستاذ الجامعي يعطي لطلابه نصائح مفيدة وإرشادات رائعة و تمرينات جيدة وأننا بحاجة إلى ذلك كله، فلهذا تبقى الحاجة الأهم هي للجانب العلمي وينبغي على "مدرس الترجمة" أن يدرس طلابه الاعتماد على النفس و السير على أقدامهم بمفردهم لا أن يتركهم.
في عصرنا الحاضر، كل شيء اصبح قابلا للتعليم والتدريس وتمنح فيه الشهادات. فالموهوبون في الموسيقى مثلا، لا يكتفون بموهبتهم، بل يذهبون إلى معاهد الموسيقى ليتعلموا ويحصلوا على شهادات أكاديمية، وكذلك الرسامون والرياضيون وغيرهم. وهذا ينطبق على المترجمين. لقد ولى العصر الذي يمارس فيه الناس الترجمة وغيرها هكذا بالبركة كأي مهنة.
أنواع الترجمة:
الترجمة نوعان: أولاً – الترجمة التتابعية أو الفورية، ثانياً – الترجمة الكتابية أو التحريرية.
بالنسبة للترجمة التتابعية فيعتمد فيها المترجم على حسن الإصغاء(التركيز و المعلومات السابقة و الاستعداد النفسي) ثم تدوين الملاحظات وتلك مهارة تكوينية أساسية) ثم أخيراً حسن الصياغة ... والنقطة الهامة جدا هي قوة الذاكرة مع الإشارة إلى أن قوة الذاكرة ليست أساسية ولو كان ذلك لترك الكثير من المترجمين مهنتهم واختاروا عملا آخر!! وفي التتابعية يقوم المترجم الشفوي بمتابعة حديث المتحدث ويستوعب فقرة طويلة قد تطول إلى حوالي ثلاثمائة كلمة ثم يقدمها كاملة الجوهر ودقيقة التركيب وتلكم هي طبيعة الترجمة التتابعية. هنا أود أن أضيف إلى هذا الباب بعض الإضافات حيث أن الذاكرة تلعب دورا هاما في الترجمة التتابعية، والذاكرة تنقسم إلى نوعين في هذا المجال: الذاكرة قصيرة الأمد، والتي يمحى مخزونها حال الانتهاء من استخدامها، وهذا النوع هو الذي يعتمد عليه في الترجمة التتابعية وثانيا الذاكرة طويلة الأمد والتي يبقى مخزونها مدة أطول تبعا لمدى تأثيرها. فمن المفيد ذكره هنا هو أن المترجم الفوري وهو يعتمد على الذاكرة قصيرة الأمد عليه رسم صور ذهنية لما يقال ليخزنها في ذاكرته، ثم يستدرك تلك الصور التي ربما تكون خالية من أية كلمات، ويستحضرها ليحولها إلى اللغة الهدف كاملة المقصد مترابطة التركيب. وأن عملية التحويل في هذا النوع من الترجمة يكون كالتالي: " اللغة1ــ صورة ذهنية ــ اللغة2 " فكلما خزَّنت صوراً واضحة في الذاكرة كلما أنتجْت ترجمة عالية الكفاءة وبالغة المقصد.
يحدث في الترجمة التتابعية ذات الموضوع المتكرر بأن تضيف للمترجم مهارة خزن عالية للصور الذهنية المتكررة، فترى المترجم يتنبأ بما سيقال وما سيحدث لاحقا وهذه تكسبه سرعة ودقة في ترجمة الحوارات ... ولكن هل يمكن تعليم الترجمة التتابعية لأي شخص "غاوي" ترجمة فورية مثلاً؟. هذا السؤال يحتاج إلى نقاش طويل حول شخصية المترجم الفوري .. إذن فمن هو الطالب؟... و كذلك من هو المعلم الذي سيتولى التعليم وتدريب هذا الطالب؟!
ملاحظة: إن العمل في مجالات تستدعي فترات طويلة من الترجمة الفورية مثل المحاكم و المدارس و المصانع، حيث يتم ترجمة أحاديث أو خطب أمام جمع غفير من الحاضرين يمكن أن تساعد في تنمية قدرات المترجم الفوري.
العوامل التي تؤثر على عمل المترجم الفوري.
يلعب المترجم الفوري في المؤتمرات دورا هاما وأساسيا على الرغم من أنه يجلس في غرفة صغيرة أبعادها تتراوح بين المتر المربع الواحد إلى المتر ونصف أو أكثر بقليل، علماً أن هذا النوع من الترجمة يحتاج تركيزاً عاليا ودقة في التواصل مع سرعة المتحدثين الذين غالبا لا يعيرون اهتماما لذلك المترجم. في مثل هذه الظروف ماهي المدة المثالية التي يستطيع أن يبقى المترجم مستمراً في ترجمة حوارات المؤتمر مع بقائه محافظا على تركيزه ودقة ترجمته؟ في العادة يعمل المترجم ما بين ربع إلى ثلث ساعة وذلك يتوقف على "الموضوع" و اعتياد المترجم عليه، بالاضافة الى عوامل أخرى مثل: وضوح الصوت و سرعة المتحدث واللكنة والتراكيب اللغوية التي يستخدمها المتحدث والراحة الذهنية و المزاج الشخصي للمترجم يوم المؤتمر. وهناك عامل آخر في غاية الأهمية لا يخضع لسيطرة المترجم ألا وهـو "المترجم الآخر"!! فهل هذا الشخص زميل أم عدو؟ مساند أم منافس؟ حلو المعشر أم مغرور!
إذاً لدينا نوعان من الترجمة، أولاً - الترجمة الفورية أو التتابعية والترجمة التحريرية! فأيهما إذا أصعب؟
يقول أحد المتخصصين بالترجمة التحريرية أن الترجمة التحريرية اصعب بكثير من الترجمة الفورية ...فالترجمة الفورية تقتصر على الحوارات و اغلبها السياسي والتي لا يجد فيها الجميع صعوبة كبيرة لسهولة مصطلحاتها إلى حد ما..وكثرة تداولها من قبل المترجمين والمطلعين على اللغات و كثرة تداول وسائل الإعلام لها ..حيث يصبح القارئ النهم للأخبار باللغة الأجنبية بعد فترة ليست بالطويلة .... ليس ضليعا فيها وإنما سهلة الفهم عليه ...ناهيك عن المترجم المحترف! وان الحوارات في الترجمة الفورية التتابعية اغلبها معروف ومتداول ..ابتداءً من تقديم الضيف للبلد والمفاوضات و النقاش حول أمور قد تم الاتفاق على حدودها مسبقا ...ولا يتم الاسترسال إلى ابعد منها ...فأما الترجمة التحريرية فهي الأصعب .. إذا ما أخذنا ترجمة الكتب القانونية والطبية البحتة ومقارنتها بترجمة الحوارات وان كانت في مؤتمرات عالية المستوى فهي لا ترقى في صعوبتها إلى ترجمة الكتب القانونية مثلا أو القطع الأدبية للأدباء العظام ..فهل يستطيع مترجم فوري أن يترجم (فوريا) إلى الإنكليزية قطعة نثرية لنجيب محفوظ أو قصيدة لنزار قباني؟
لكن بالمقابل قال مترجم يعمل في مجال الترجمة الفورية مناقضا بأن الترجمة الفورية تستلزم أن يكون المترجم حاضر الذهن دائما ..سريع البديهة ....لا يمهل نفسه وقتا للإجابة ..وليس له أن يعتذر كثيرا لعدم فهمه مثلا شعبيا قاله ضيفه و أن يكون مستغنيا عما لا يستغني عنه المترجم التحريري و هو القاموس.
بالتأكيد إن لكل نوع من أنواع الترجمة ضروراته، همومه ومشاكله، لكن الأم الترجمة لا تفرق بين أبناءها... والحق يقال أن أي مترجم يدخل في دوامة هذا السؤال ...أيهما اصعب؟؟؟؟؟
للتتابعية مهارات إضافية أخرى تتأتى من خلال الخبرة والعمل في هذا المضمار، والخبرة لوحدها لن تكون كفيلة في صقل موهبة المترجم الفوري بل بدراسة نظريات الترجمة وفنونها. ومن هذه المهارات أن يتكلم المترجم بلسان حال المتكلم، لا أن ينقل عنه كالببغاء كما يحدث عند البعض أحيانا، أي أن يستخدم الحوار المباشر ويتجنب الحوار غير المباشر كأن يقول (قال أو يقول كذا وكذا). فالمترجم ناقل أمين لما يقال بتركيبته النحوية وبمعناه الكامل. ويُفترض به أيضا أن يستخدم طبيعة نبرة صوت المتحدث، فان كان حزينا عليه أن يترجم بنبرة حزينة لا أن يترجم وهو مبتسم فإن للحركات والإيماءات وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت لغة إضافية معبرة، فترى المترجم وخاصة في قاعات المحاكم يؤدي أدوارا تمثيلية، فتارة تراه يتقمص دور المتهم ومرة أخرى دور محامي الدفاع أو محامي الإدعاء وتارة أخرى شاهدا أو مدعيا عاما أو مدعيا. وبطبيعة الحال لكل منهم نبرة صوت مختلفة وتقاسيم وجه متناقضة ويجب عدم إغفال طريقة وسرعة توجيه الأسئلة في مثل هذه المحاكمات من أجل عدم إتاحة الفرصة لمن يوجه له السؤال بالتفكير والتي يجب على المترجم استخدام الأسلوب والسرعة المماثلة. وبما أن اللغة وقواعدها تختلف باختلاف نوع جلسة المحكمة (الاستماع) ينبغي أن يكون المترجم على دراية باستخدام الطريقة والأسلوب المشابه عندما يترجم إلى اللغة العربية أو العكس. وعند طرح نوع من الأسئلة في جلسات المحكمة غير مطابق قواعديا لنوع الأسئلة التي يفترض أن تكون مطابقة لنوع الجلسة يعترض القاضي على تلك الأسئلة ويطالب بتبديلها. فمثلا هناك طريقتان للاستماع في المحاكم الإنجليزية ولكل واحدة من هذه الطرق أغراض مختلفة تريد المحكمة تحقيقها، وطبقا لهذه الأغراض تختلف طبيعة الأسئلة الموجهة قواعديا ومن المستحسن أن يكون المترجم التتابعي حريصا على المعرفة المسبقة للغة المستخدمة من خلال الحضور الميداني إلى جلسات المحكمة المختلفة ليكون ملماً بالمهارات اللغوية المستخدمة في هذه الجلسات.

نعم، فالترجمة أمانة لا خيانة،
إذاً فالمترجم هو الذي يسبر غور النص الأول فيعايشه، فيحب أن ينقله للآخر، لعل فيه فائدة له أو تعريفًا بما يحب هذا المترجم أن يرسله للجهة الأخرى، أو أداء وظيفي يحاول من خلاله أن ينقل نصًا بدون إخلال، حيث أن المترجم يعرف في قرارة نفسه أن الإبداع في الترجمة فن يجب عليه أن يستخرجه حتى يُعجِب ويُرضي الطرف المتلقي، وهي قدرة ومهارة وتذوق معًا. ولا بد أن نعلم أوليات الترجمة، ولا بد من دورات مكثفة، وجهد، ومتابعة، فالتعلم يتم فقط بالمتابعة والتمرس بعد الدراسة الأكاديمية. والترجمة مسؤولية، وقد تكون كلمة ذات مفعول سحري أو مفعول غضَبيّ، فالحيادية أمانة، ولكن هل هذا يتيسر دائمًا؟؟!! (أنا) الإنسان متواصلة مع تجليات نصوصه، واللبيب من كبح جماح هواه، ووضع نفسه أقرب إلى الموضوعية. فترجمة الشعر هي الأصعب، لأن في الشعر رموزًا وأبعاداً وظلالاً للكلمة الواحدة، وتحتوي على معان مركزية ومعان هامشية، وتلبس الاستعارات حللاً فيها شفافية أحيانًا وفيها غموض أحيانًا أخرى، وفي كلتا الحالتين "يعلِّق" المترجم.
في النهاية يجب على المترجمين الشباب بشكل خاص والشباب العربيّ بشكل عام أن يؤمنوا بأنه ما من شيء أثمن من الوعي في هذه الحياة، ومن أنّ قيمة المرء في هذه الحياة نفسها تكمن فيما يُحسن وفيما يقدم للإنسانية بما يعود بالنفع على الجماعة التي ينتمي إليها، بل على الوطن الذي ينتمي إليه بالدرجة الأولى.



#مرعي_أبازيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة الترجمة في العصر الذهبي للحضارة العربية
- الأدباء الروس واللغة العربية
- لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا ...
- قصة نساء حفرن أسماءهن على جبين الإنسانية


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مرعي أبازيد - الترجمة أمانة لا خيانة،