مراد مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 795 - 2004 / 4 / 5 - 09:19
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
مع الجريمة البشعة في الفلوجة يجري تصعيد يلفت النظر لاستفزازات مقتدى الصدر في خطبه واستعراضات "جيشه" في بغداد من الشبان الجهلة من ذوي الأجساد العامرة المستعدين لاقتراف ما يؤمرون به من عنف. ومنذ سقوط نظام صدام انضم لمقتدى الصدر العشرات من الصداميين اللابسين العمائم وهو ما فضحه في حينه السيد السيستاني. ومع أن لإيران الدور الأكبر في تمويل مشروع الصدر الابن ودعمه، فإن المعلومات التي نشرت سابقا أشارت إلى أن إيران ليست الجهة الإقليمية الوحيدة في تبني الموما إليه. فثمة كما نشر أموال من مصادر وهابية خليجية أيضا. ومع أنني لا أملك بينات ملموسة ودلائل مؤكدة فإن الاحتمال يبقى واردا. وكان بعض رجال الدين السنة في بغداد قد أعلنوا قبل شهور أنه كان لهم اتفاق مع مقتدى ولكنه خالفه بعد زيارتيه لإيران.
إن برابرة الفلوجة يتسترون وراء اسم الشيخ الفلسطيني ياسين لتبرير همجيتهم البشعة التي كانت استعراضا أو مهرجانا للتنكيل الوحشي الذي يندى له الجبين والدال على كل الخسة والحقارة وانعدام الخلق والدين. ورغم تصريحات بعض أئمة جوامع الفلوجة بتحريم التنكيل بالجثث فإنهم لم يدينوا كل الجريمة بل حاولوا تبريرها بما زعموا عن "جرائم أمريكية" ضد مدينتهم. وتحضرني بالمناسبة ما نشروه في الأسابيع الأولى التي تلت سقوط الجزار الفاشي، راعي الفلوجة الجبان، من أن الطيارين الأمريكان يحومون حول بيوتهم مزودين بنظارات خاصة تكشف ما تحت ملابس نسائهم على السطوح، وكأن الشبان الأمريكان جاءوا من الأدغال وليس من بلد الحسناوات من كل لون وطيف وعلى البلاجات وفي المدينة. ومما يلفت يلفت النظر ان جوامع الفلوجة وضعت بالمناسبة صور الشيخ ياسين على جدرانها مؤكدة بذلك محاولة تبرير الجريمة كما فعلت منظمتهم المجهولة باسم الشيخ المتوفى. إنها لمحاولة بائسة لربط جرائم أعوان صدام [الذين لا هدف لهم غير عودة نظامه] بالقضية الفلسطينية. وكان سيدهم الدموي قد تستر هو الآخر باسم فلسطين والقدس وأجبر الناس على دخول ما سماه بجيش القدس في حين كان هدفه هو الدعاية الكسيحة واختيار قتلة العراقيين من بين أفراد تلك التشكيلة. وهذا هو مقتدى الصدر يتستر هو الآخر باسم الشيخ ياسين وباسم حماس التي دمرت القضية الفلسطينية وأعطت في كل مرة حججا للفاشي شارون وكأن ثمة اتفاقا عمليا بين الطرفين. ويدعي مقتدى في خطبته الأخيرة أنه يستجيب لنداء حسن نصر الله بدعم حماس ويعلن أنه و"جيش المهدي" ذراعا حماس في العراق. ونعرف أن نصر الله موال لإيران وأن الأخيرة تدعم منظمة حماس، ولولا إيران وسوريا لما استطاع حزب الله وحماس مواصلة هذا النشاط.
إن جريمة البرابرة في الفلوجة والاستفزازات المتعمدة لمقتدى الصدر و"جيش المهدي" تتزامنان عن سابق تخطيط مع اقتراب موعد نهاية حزيران لنقل السلطة، وإمعانا في نشر الفوضى والرعب بين العراقيين وحتى ساستهم ومجلس الحكم. ومن المخجل حقا أنه حتى الصحف العراقية ومع استثناء نادر لم تدن بقوة جريمة الفلوجة ولم نسمع نداء من الأحزاب ومجلس الحكم إلى الشعب العراقي لإعلان الغضب والإدانة أمام العالم على برابرة أساءوا لسمعة العراق وشعبه. ولم نسمع من قادة مؤتمر أربيل مطالبة بوجوب القصاص العادل من القتلة ومن الراقصين على الأجسام المحروقة وتأديب كافة من احتفلوا في الفلوجة بوقوع الجريمة. أما استفزازات الصدر، التي بدأت فور سقوط صدام وتتصاعد اليوم، فثمة صمت ملحوظ عنها حتى ممن هم ضد مقتدى وأعماله ومشروعه سواء في مجلس الحكم او المرجعية الدينية الشيعية. ويقال إن الجميع يخافون من أعوانه المسلحين الهائجين فيفضلون السكوت!
أجل ليست هذه الجرائم والاستفزازات محض صدفة ونحن نعرف مدى كراهية دول المنطقة ورعبها لأفق الديمقراطية في العراق، ولا سيما سوريا وإيران. وجدير بالذكر أنه في الوقت نفسه يفضح المسؤول الإيراني السابق عن الملف العراقي في إيران والذي هرب مؤخرا في حديثه للشرق الأوسط عدد أمس [3 أبريل]، أن المخابرات الإيرانية بتنظيماتها المتعددة قد أنشأت في العراق 18 مكتبا تحت واجهات خيرية لمساعدة الفقراء وتوزيع المال والأدوية. وقال المصدر إن مخصصات المكاتب الأمنية العلنية والسرية في العراق تزيد على سبعين مليون دولار وهناك 5 ملايين توزع على رجال دين، وهناك ما يزيد على 2700 وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في كربلاء والنجف جرى تأجيرها من قبل متعاونين محليين لإسكان عملاء الاستخبارات الإيرانية و"فيلق القدس"المخابراتي. كما أكد المصدر المعلومات المؤكدة المنشورة سابقا عن محاولات إيران تشجيع يعض قادة التركمان من الشيعة على إثارة الفتن ضد الأكراد.
وفيما يتفاقم نشاط أعوان صدام الحاقدون والمسلحون جيدا والمزودون بالمليارات المنهوبة ومعهم الإرهابيون العرب من شبكات القاعدة، وفيما يتكالب عدد من دول الجوار وبالأخص إيران لعرقلة تقدم العراق نحو الاستقرار والديمقراطية، فإن مجلس الحكم والأحزاب الديمقراطية تكشف عن ضعف شديد في معالجة الخطر المتزايد كل يوم. أما إجراءات قوات التحالف فإنها دون الحد المطلوب وحتى الحد الأدنى. فالخطر لا يواجه بغير الحزم والصرامة والقوة، [استفتاءات العراق تؤكد أن 70 بالمائة يرون أن القضية الأمنية هي الهم الأول والرئيسي لهم] ـ إلى جانب المضي في عملية البناء وتحسين الأوضاع المعيشية ونشر القيم الديمقراطية حيث أن جبهة الإعلام هزيلة في حين أن إيران وحدها تخصص العديد من الإذاعات ومحطات التلفزيون بالعربية الموجهة للعراقيين لدفعهم للعنف والصدام، ولهذه الشبكات والصحف الإيرانية أكثر من 300 مراسل في العراق وبينهم عشرات من المخابراتيين.
إن على إدارة التحالف وقوات التحالف أن تقف بحزم ضد استفزازات مقتدى الصدر وأن تعتقل حالا قتلة المدنيين الأمريكان الأربعة، وتعتقل حتى الأولاد الذين كانوا يرقصون لدى الجسر أمام الجثث المحروقة المعلقة، وعليها تقديم الجميع لمحاكم عراقية برعاية وزارة الداخلية ومجلس الحكم.
إن من غير المقبول أبدا أن تصبح الجريمة والعنف المسلح ظاهرة في العراق حيث صرنا نرى مظاهرات للعاطلين في النجف والبصرة تحمل السلاح وتهاجم الشرطة وقوات التحالف، بينما ثمة صمت مؤلم لرجال مجلس الحكم والأحزاب الذين يجب أن يدركوا أن من أهداف الجريمة الهمجية في الفلوجة واستفزازات الصدر وأعوانه المسلحين هو بث الرعب في مجلس الحكم والأحزاب والصحفيين ليسرحوا كما يريدون ويقترفوا مزيدا من الجرائم وأعمال العنف لعرقلة المسار الديمقراطي.
إن الصمت عن الجرائم هو تشجيع لها، وإن التاريخ سوف يحاسب المواقف المتخاذلة أمام أعداء شعبنا من صداميين وقاعديين وصدريين وغيرهم.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟