تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//ماهو السجن ؟

بلكميمي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2586 - 2009 / 3 / 15 - 08:53
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    

يقول الفقيد عبد السلام المؤذن ، ان السجن يعني قطع صلات الانسان بالعالم الخارجي .. تجريد الانسان من هويته الانسانية والنضالية .. تدمير مقومات الرغبة لدى الانسان في الحياة والفعل .. اقناعه بضعفه امام جهاز المؤسسة السجنية الضاغطة .. وضعه امام الخيار الصعب : اما الانتحار واما الجنون .. هذا هو السجن .
لقد صمم السجن بطريقة منهجية لخدمة تلك الاهداف / كل شيئ في السجن يصب في تلك الاهداف : الموقع ، هندسة البناء ، شكل الزنازن ، لونها ، اضاءتها ، تهويتها ، حجمها ، وفوق هذا وذاك النظام السجني القمعي ، الذي يضغط على جسد وروح السجين كالاخطبوط .
من هنا فان اول مهمة تفرض فرضا على كل معتقل ينزل بالسجن ، هي النضال من اجل اعطاء طابع انساني للسجن . وبالنسبة لمجموعة الرفيق الفقيد عبد السلام المؤذن ، كان ذلك النضال عبارة عن حرب فعلية خلفت القتلى والجرحى والمعطوبين في صفوف المعتقلين ، لقد تمكنت مجموعته يقول الفقيد بفضل تلك الحرب ، وبفضل الدعم والتعاطف اللذين ابداهما انصار الديمقراطية داخل وطننا وخارجه من اعطاء وجه انساني للسجن .
قال ارسطو، ومن بعده ابن خلدون وهيجل وماركس بان الانسان في بداية وجوده ، كان يقضي كل وقته بحثا عن طعامه ووسائل عيشه . وفقط حينما اصبح قادرا على توفير وقت فارغ ، بحكم التطور النسبي لقوى الانتاج ، اصبح بمقدوره ايضا تخصيص ذلك الوقت الفارغ للنشاط الفكري والفني .
ان مفهوم الوقت الفارغ ينطبق بشكل مثالي على شروط السجن ، في السجن يجد الاسير نفسه امام بحر متلاطم الامواج من الوقت الفارغ ، الذي يجب ملؤه ، وكل سجين يحاول ملءه بطريقته الخاصة انطلاقا من طبيعة اهتماماته وهواياته والتزاماته .
بالنسبة لتجربة الفقيد عبد السلام المؤذن الشخصية انطلق في التفكير في ملء الوقت الفارغ من التفكير في وضعه السياسي الشخصي ، ووضع الحركة السياسية التي ينتمي اليها بوجه عام .
ان تفكيرا طويلا في المسالة قاده الى القناعة التالية : ان السبب الجوهري لتعطل حركتنا السياسية من وجهة نظر الفقيد عبد السلام ، على الصعيد الذاتي ، يكمن في كون مواقفنا وبرامجنا السياسية ، توجد بدون اساس فلسفي .. وفي غياب الاساس الفلسفي يصبح البرنامج السياسي مجرد ركام من الافكار المجردة الذاتية والانطباعية .
ومن هنا طرح على نفسه مهمة تكوين نفسه تكوينا صلبا ، وذلك بدراسته لعلم المنطق الجدلي .
لقد قرا كل ما كتبه ماركس وانجلز ولينين في مجال علم المنطق . ولدى دراسته لكتاب " راس المال " يقول الفقيد ، اعترضته اشكاليات نظرية ومنطقية بالغة التعقيد . لقد بذل جهدا كبيرا لفهمها وحلها ، بوسائله الخاصة ، لكنه لم يفلح ، الامر الذي دفعه الى التفرغ لدراسة منطق هيجل ، ومع هيجل بدات رحلة العذاب ، لكن بشيء من الصبر والمثابرة احرز بعض التقدم في فهم هيجل . وكلما تقدم في فك الاسرار الهيجلية ، الا واعترضت سبيله اشكالية منطقية جديدة ، ان ابرز اشكالية كانت اشكالية الترجمة . لقد لاحظ بان المترجمين الفرنسيين غير متفقين مع بعضهم في طريقة نقل وترجمة المفاهيم الهيجلية . فكل مترجم كان يترجم افكار هيجل حسب فهمه الخاص واجتهاده الخاص .
امام هذه الحيرة التي واجهته في احتكاكه مع المترجمين الفرنسيين ، اتخذ قرار تعلم اللغة الالمانية .
في الواقع لم يكن ذلك القرار نابعا من مشكلة الترجمة وحدها . فحبه الشديد لماركس وهيجل ، لقد حفزه لتعلم اللغة التي يكتبان بها ويفكران بها ، ثم هناك شيء اخر : كان يريد ان يتراسل مع صديقته الالمانية باللغة الالمانية .
خلال تلك المسيرة الفكرية الطويلة والشاقة ، ارهق دماغه ارهاقا شديدا ، وفرض عليه ايقاعا في العمل يفوق طاقة تحمله ، مما قاده توا الى انهيار عصبي حاد جعله يقف على عتبة الجنون ، لكن الاهم ان الفقيد بلغ كل اهدافه : لقد اصبح في مقدوره قراءة هيجل وماركس وجوته في لغتهم الاصلية ، ولقد تمكن الفقيد تصور فلسفي للتاريخ والمجتمع ، قادر على الصعود في وجه رياح الزمن العاتية .
الفقيد عبد السلام المؤذن طرح السؤال التالي : متى كان سيخرج من السجن ؟
ان علم ذلك عند اصحاب الامر والنهي .
وبصفته بشرا فانه ككل البشر المسجونين ، مشتاق بشوق كل العشاق ، الى تلك اللحظة التاريخية التي يتوحد فيها مع المراة والجبل والبحر .
اما ما يعلمه شخصيا ، فهو ان في قلبه وصدره خزان من الطاقة الهائلة ، التي تمكنه من الصمود سنين طويلة اخرى اذا لزم الامر .

#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل