أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - الترادف ؛ غنى أم ثرثرة ؟















المزيد.....

الترادف ؛ غنى أم ثرثرة ؟


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 2576 - 2009 / 3 / 5 - 01:43
المحور: الادب والفن
    


يفخر كثيرون منّا بغنى اللغة العربية، مشيرين إلى عشرات الأسماء في اللغة للمسمّى الواحد، كأسماء السيف والرمح والفرس والناقة وغيرها. فهل الترادف
المذكور يثري اللغة ويرتقي بها فعلا، أم هو انتفاخ وترهّل يثقلان كاهلها، ويعيقان حركاتها في هذا العصر العاصف ؟
لا بدّ أوّلا من السؤال: هل يمكن أن يكون الترادف، بمعنى قيام أكثر من لفظ لدلالة واحدة، من سمات اللغة في منشئها الأول؟ هل يعقل أن تكون اللغة في مراحلها البدئية ابتكرت أكثر من كلمة لتؤدّي جميعها معنى واحدا، أم هو ظاهرة لغوية متأخرة نشأت خلال قرون طويلة من تداول اللغة وتسخيرها في تلبية حاجات أسلوبية وبلاغية طارئة؟ في" استطراد بديع" للشدياق، يرى"جبار القرن التاسع عشر" بحقّ أن الترادف ليس أصيلا في اللغة، ولكنها ألفاظ كانت متقاربة الدلالة ذهب تداولها على مر العصور بالفوارق الدقيقة بينها، فبدت لنا نحن المتأخرين مترادفة :" على أني لا أذهب إلى ان الألفاظ المترادفة هي بمعنى واحد وإلا لسمّوها المتساوية، وإنما هي مترادفة بمعنى أن بعضها قد يقوم مقام بعض [...] فخصّت العرب كل نوع منها باسم، ولبعد عهدهم عنا تظنّيناها بمعنى واحد". ( الساق على الساق، بيروت، 1966، ص 80).
من هذا الباب، مثلا، النسَب والحسَب. نستخدم هذين اللفظين اليوم بدلالة واحدة، كما لو كانا مترادفين، ونعني بكليها: الآباء والأجداد الذين ينتسب إليهم المرء، وفي الغالب بالدلالة الإيجابية، أي كرم الأصل والمحتد. وفي لغتنا المحكية أيضا نقول: ابن الحسب والنسب، بالدلالة الإيجابية ذاتها. إلا أن هذين اللفظين، في معناهما الأوّلي، يحملان دلالتين مختلفتين، وإن كانتا متقاربتين. فالنسب، والجمع أنساب، هو مصدر الفعل نسب، ويعني طبعا من تنتسب إليه، أو الأصل. أما الحسب، والجمع أحساب أيضا، فهو مصدر الفعل حسب، ومعناه الأصلي العدد والقدر، وفي السياق هنا الفعال الصالح ( لسان العرب). بكلمة أخرى: النسب شرف الأصل، والحسب هو المكانة التي يحقّقها المرء بنفسه لا بآبائه وأجداده. إلا أن تداول اللفظين مقترنين على مرّ العصور ذهب بالاختلاف بينهما ، كما ذكرنا، فصارا مترادفين، بدلالة واحدة هي شرف الأصل. هذا هو التطوّر الدلالي المؤدي إلى الترادف الذي أشار إليه الشدياق، بأسلوبه هو. ومثل النسب والحسب: الأصل والفصل، والحزم والعزم؛ نفس التطوّر الدلالي ونفس الترادف.
يمكن القول، أيضا، إن الأسلوب " الأدبي " ، الشعر والمقامة بوجه خاص، كان من الأسباب الحاسمة في هذا "التضخّم " في الترادف في العصور الكلاسيكية. فكم من موضع في القصيدة يتطلب السياق فيه لفظا معينا، إلا أن ضرورة الوزن أو القافية تملي على الشاعراستخدام صفة اللفظ المطلوب، أو لفظا آخر قريبا منه في دلالته، ليقوم مقام ذلك اللفظ، ثم يغدو أخيرا في الاستعمال مرادفا له. في المقامة بالذات غالبا ما يأتي الكاتب بالمعنى الواحد في جملتين متماثلتين معنى ومبنى مختلفتين لفظا. بل إن بعضهم يأتي أحيانا بثلاث جمل أو أكثر لتؤدي المعنى ذاته بألفاظ مغايرة، رغبة في أظهار الإلمام باللغة وإثراء الإيقاع. أليس هذا " التبذير" اللفظي عند أكثر كتّاب المقامة سببا آخر في تحوّل المتقارب إلى مترادف لدى المتأخرين، كما أفادنا الشدياق العظيم؟
في مقالة للأستاذ خليل السكاكيني، يتناول فيها بالتفصيل أنواع الترادف، يشير هذا المفكّر التنويري إلى وضع لغتنا العربية قائلا: " اللغات ألفاظ ومعان؛ لكل لفظ معنى ولكلّ معنى لفظ بلا زيادة أو نقصان. ولكن إذا نظرنا في اللغة العربية وجدنا من الجانب الواحد أن هناك كلّ يوم معاني جديدة تحتاج إلى ألفاظ تدلّ عليها[...] ووجدنا من الجانب الآخر أن هناك مجموعات من الألفاظ كلّ مجموعة تدلّ على المعنى الواحد. وتسمّى هذه المجموعات مترادفات؛ وهي تتألّف من لفظين فثلاثة إلى ألوف، مثل كلمة سيف؛ فقد قيل إن مرادفاتها تبلغ الألف أو تزيد" ( مجلة مجمع اللغة العربية، 8/124).
يبدو أن السكاكيني، بثقافته الغربية الواسعة ونهجه العلمي الدقيق، عانى كثيرا من من الألفاظ المترادفة والجمل المترادفة أو المتساوقة، كما يتجلّى ذلك في أسلوب المقامات عامّة، وعند الحريري وتابعيه بوجه خاص. لم يهضم هذا المفكّر المجدّد إيراد المعنى الواحد في جملتين أو أكثر، ونحن نعيش في عصر السرعة والاقتصاد في كلّ شيء، وفي وقت الكاتب والقارئ بوجه خاصّ . لذا نجده يعود في موضع آخر إلى ترادف الألفاظ والجمل مرّة أخرى : " ممّا أولع به أصحاب المذهب القديم إلى يومنا هذا تكرار الكلام في غير مواطن التكرار، والإسراف في استعمال الترادفات على غير حاجة إليها ولا فائدة منها. فهم لا يأتون بكلمة إلا أتبعوها بمرادفتها، فإذا قالوا تمادى الرجل في ضلاله قالوا ولجّ في غوايته، وعمه في طغيانه، ومضى على غلوائه. وإذا قالوا أحزنني هذا الأمر قالوا وشجاني وأمضّني وأرمضني وأقلقني وأقضّ مضجعي. وإذا قالوا سرّني أمر كذا قالوا وأفرحني وحبرني وأبهجني وأبلجني وأثلج صدري. " (خليل السكاكيني: مطالعات في اللغة والأدب، القدس، 1025) .
في أيّامنا هذه أيضا، ما زال كثيرون يلهثون بحثا عن الترادف، حتى في الأسلوب العلمي في أحيان كثيرة. فما أكثر ما نقرأ هذه الأزواج المترادفة ومثيلاتها، حتى في المقالات الموضوعية والأساليب الصحافية البسيطة: هاشّا باشّا، الجلبة والضوضاء، الأهوال والأوجال، عناء ومشقّة، على كره ومضض... إذا كانت هذه التراكيب ترضي غرور تلميذ يكتب " الإنشاء " ، فإنها من عيوب الأساليب العربية المعاصرة ، والعلمية منها بوجه خاصّ. نعيش اليوم عصرعلم وسرعة وإيجاز، فما أحرانا بتجنب هذا اللهو اللفظي، والأخذ بالأسلوب الموضوعي الدقيق، لترتقي بذلك لغتنا الحديثة إلى مستوى اللغات العصرية الراقية. من واجبنا إذ نكتب في هذه الأيام تبسيط اللغة المعاصرة "بتحديد معاني الألفاظ تحديدا منطقيا، فلا نسرف في اصطناع المترادف الذي يجعل الألفاظ غير مفصّلة على قدور المعاني" ( محمود تيمور: مشكلات اللغة العربية، القاهرة، 1956، ص15).
لا يجوز لنا، في الأساليب الموضوعية بوجه خاصّ، التلهّي بالجمل المتساوقة والتكرار والترادف، كما كان دأب الكتّاب في "عصر الانحطاط". هذا "اللهو البديعي" قد يثري الإيقاع ، إلا أنه من ناحية أخرى "ينفخ" النصّ، ويضفي عليه الابتذال والسطحية. " فاللغة الحسنة تتوقّّى المترادفات، لأنها ثرثرة صبيانية يضيع بها الوقت. والكاتب الذكيّ يحيل المترادفات من التوحيد إلى التنويع. فنحن نميّز الآن بين الذهن والعقل، وبين الروح والنفس، وبين الحكومة والدولة، وبين المثقّف والمتعلّم، وهذا حسن، وكذلك نتّبع الأسلوب التلغرافي ونتخيّر الكلمة التي تحمل العبرة فضلا عن المعنى" (سلامة موسى، البلاغة العصرية، القاهرة، 1964، ص15).

بروفسور سليمان جبران – ناقد وباحث ادبي معروف ، أشغل منصب استاذ الادب العربي الحديث في جامعة تل أبيب ، وكان رئيسا لقسم اللغة العربية وأدابها في الجامعة بين ( 1998 – 2002 )
sulaiman jubran



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية لمحمود؟
- مجمع الأضداد / دراسة في سيرة الجواهري وشعره


المزيد.....




- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - الترادف ؛ غنى أم ثرثرة ؟