أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد حسين يونس - حفيدتى التى لم توجد بعد - ماعت -















المزيد.....

حفيدتى التى لم توجد بعد - ماعت -


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 03:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اخترت لك هذا الاسم رغم معرفتى بأن السيدة والدتك سوف تؤثر على السيد والدك ويختاران لك اسما على " الموضة " وأننى لن أكون متواجدا يوم تشريف سيادتك للعالم لأرشحه لهما فالعمر اقترب من محطة النهاية بعد أن غالبت قسوة الحياة لسبعين عاما . أرجو الا تعانى مثلها وأن يستطيع جيلك أن يحقق ما فشل فى تحقيقه جيل جدك .
" ماعت " التى اخترت لك اسمها هى ربة العدالة والاستقامة والحق عند أجدادك القدماء وهى التى كانت تقود مركب " رع " رب الشمس عبر السموات حتى لا يضل طريقه أو يعطله أو يغويه كائن شرير .
و " ماعت " هذه رمز لها أجدادك " بالريشة " التى توضع فى مقابل " قلب " الميت على ميزان حساب الآخرة فمن خفت موازينه ذهب الى النعيم ومن ثقلت موازينه أصبح طعمة لكائن القصاص الذى يفنيه .. فاذا ما كان لكل منا جزء من صفات اسمه فإن الجد يرجو أن تكونى فى عدالة واستقامة " ماعت " شعلة الضوء التى تهدى جيلك الى سواء السبيل .
حفيدتى العزيزة
كما كان الأجداد يزرعون دائما شجر معمر مثمر مثل النخيل والزيتون وهم يعلمون أنهم لن يتذوقوا ثمره فاننى أزرع لك " شجرتى " هذه والتى أعرف أننى لن أرى أثرها أبدا وقد لا تهتم بإيصالها لك السيدة والدتك فتذهب الى الفناء الذى يحتوي العديد من محاولات أجداد آخرون قضوا قبل أن تبلغ كلمتهم قصدها.
بعد سبعين عاما من الحياة على أرض هذا البلد التعس وبعد دراسة متأنية لتاريخه أعتقد أن بصيصا من الضوء يشبه شعاع الشمعة قد جعلنى أرى أن انكسار هذا الشعب صاحب دائما سيطرة كهنته على عقله والمرتزقة على أسباب حياته , ففي نهاية حكم الملوك العظام بناة الأهرامات سيطر كهنة " رع " على الفراعنة المتاخرين فى الدولة القديمة وطمعوا فى كرسي الفرعون فاستعانوا بالمرتزقة من البدو المتحلقين حول الوادى ليصبحوا جنود الدرك والجيش ويتحكموا بواسطتهم فى أسباب الرزق فتنهار الامبراطورية العظيمة وتتحلل الى دويلات – إقطاعيات – صغيرة متناثرة متحاربة وتنتهى بأن يحتل بدو – الهكسوس – الدلتا عام 2600 ق م ويعيثون فيها فسادا يقهرون الشعب صانع الحضارة الأولى .
والد الملك أحمس و أخوه خاضا حروبا طويلة انتهت بانتصار الابن الأصغر " أحمس "على الغزاة وطردهم ومطاردتهم ورفع كلمة ربه " آمون " الرب الشاب الذى استطاع عباده بعد ذلك تكوين أول امبراطورية فى التاريخ القديم بقيادة " تحتمس الثالث " ليرتفع قدر مصر والمصريون الى مكان لم يصله أى شعب قبلهم وتستطيعين أن تري بعينيك ما أسسه سكان الوادي فى ذلك الزمن من انشاءات عملاقة إذا زرت الأقصر وتجولت في معابد الأقصر والكرنك والرامسيوم والدير البحرى أو فى وادى الملوك والملكات بالضفة الغربية .
استمر مجد الدولة الحديثة حتى رزقت بملك كاهن أراد أن يفرض ربه على أرباب ذلك الزمن فلم ينجح أن يكون ملكا يحافظ على امبراطورية أجداده ولم يستطع أن يفرض عبادة " آتون " ربه ومن هنا بدأ الانهيار للامبراطورية العظيمة بعد أن انقلب كهنة " آمون " على النبى الجديد ثم توحشت سلطاتهم حتى طمعوا فى النهاية في كرسي الفرعون الذى صاحبه العودة لاستخدام المرتزقة لأغراض الأمن .
مرتزقة ذلك الزمن كانوا من الإغريق الذين أتى بهم الكهنة لتأمين ملكهم فقهروا الشعب وأذلوه وانتهوا بغزو الفرس لمصر عام 525 ق م واحتلالهم لها .
الفرس ثم الاسكندر الأكبر حاولوا تطويع مصر بنهبها من قبل الفرس وأغرقتها – من إغريق – بواسطة الاسكندر ففقدت مصر حروفها وتحولت الى الحروف اليونانية وفقدت بعض آلهتها بعد دمجها بالآلهة القادمة عبر البحر الأبيض وإن ظلت شعلة مصر تضوى من الاسكندرية خلال حكم البطالسة بعد أن أصبحت عاصمة العلم والمعرفة والفن والفلسفة , إن الشعب المصرى – فى ذلك الزمن – لم يستسلم وقام بانشاء أضخم معابده ومدنه ومسارحه ومكتباته التى يمكنك رؤيتها فى مدن الصعيد , إدفو وقنا بالاضافة للاسكندرية .
عندما غزا الرومان مصر 30 ق م كان المصريون لازالوا ينتجون أكلهم وصناعاتهم وفنهم وينشئون معابدهم ومدارسهم ومنازلهم ومسارحهم ويقيمون أعيادهم وطقوسهم بنفس أسلوبهم القديم , الغزاة رغم انبهارهم فقد قاموا بتحويل مصر بكاملها الى مزرعة لروما والمصريون الى أقنان يعملون لصالح أباطرة روما .
المصريون فى ذلك الزمن كانوا يعبدون أنواعا عديدة من الآلهة وإن كان من الممكن تصنيفها فى مجموعتين كبيرتين .. الأولى تضم أرباب السماء الذين يعيشون بين النجوم والكواكب وكبيرهم شمس مانحة للحياة والضوء والدفء .
المجموعةالاخرى هى أرباب التجدد والخصب مثلما يفيض النيل سنويا جالبا للخير وتنبت المزروعات فى الموسم الجديد وتثمر النخيل وشجر الزيتون , تتجدد الحياة أيضا وتعود الروح الى الجسد الميت .
آلهة السما كان الرب الأكبر بينها هو الاله " آمون " الذى حكم معظم العالم القديم لآلاف السنين وكان الرب المفضل لدى الملوك والفراعنة والحكام لأنه كان يسمح للأبرار منهم بأن يتحولوا الى نجوم تطوف معه مضيئة الى الأبد بعد وفاته .
أرباب التجدد والخصوبة الذين كانوا واسعى النفوذ والانتشار بين شعوب المنطقة – أى الجانب الشرقى من البحر الأبيض – كان الزعيم فيما بينهم هو " أزوريس " الذى قطَعه أخوه " ست " وجهدت زوجته " إيزيس " وأخته " نفتيس " فى إعادته للحياة ليحكم العالم السفلى ويوكل لابنه " حورس " حكم عالم النور.
الاله " آمون " والاله " أوزوريس " جعل كل منهما من " ماعت " دليله .. " آمون " جعلها تقود مركبة الشمس عبر السماء يوميا من الشروق الى الغروب و " أوزوريس " جعلها دليله لمعرفة هؤلاء الذين يستحقون الخلود فى جناته .
الرومان عندما احتلوا مصر لم يتدخلوا فى ديانات المصريين – ديانات القادة أو ديانات الشعب – الا عندما تحول عبدة " أوزوريس " الى دين الناصرة الجديد وبدأ معتنقيه فى مهاجمة كهنة " آمون " ومعابدهم ومدارسهم بعد أن شكلوا المركز الرئيسى للمسيحية البازغة وأكسبوها الأداء المصرى الذى عرف عنها بعد ذلك .
صراع الرومان ضد مسيحيى مصر وظهور الكنيسة القبطية كان صراعا طويلا كلف المصريون ملايين الشهداء والضحايا وتسبب فى الزوال الكامل لديانة " آمون " وللفلسفة الاغريقية السكندرية .
المسيحية القبطية رغم أنها لم تحكم أبدا الا أنها كانت – شأنها فى ذلك شأن الأوزيريسية – دينا للشعب امتص أغلب المخزون من تراثه الحضارى الذى أنتجه المصرى عبر التاريخ بما فى ذلك الديموطيقية لغة الشعب التى تحولت الى القبطية حديثا وكتابة , والعادات والتقاليد والطقوس والتراتيل والموسقى والفنون , وبناء الكنائس وأساليب زخرفتها ومراسم الدفن واحتفالات سبوع الطفل والاحتفالات عموما وخصوصا ما يتصل بالموالد والأعياد .
القبطية التى دعمها المصريون فى مواجهة المسيحية الغربية كانت دين الشعب الذى كان يواجه به دين الحكام الرومان وخاض فى سبيله صراعا ضاريا عانى فيه الشعب من شتى أنواع القهر والظلم والسجن والقتل والتشريد , وضحى بملايين الشهداء فى سبيلها .
عندما غزا العرب مصر 600 ميلادية تحت رايات دين جديد لم يتحسن الوضع عن سابقه فالمصريون ظلوا يعملون وينتجون ويزرعون ويعيشون بنفس الأسلوب الذى اختاروه لأنفسهم بغض النظر عن أن ظلم الرومان الذى استمر لمدة ستمائة عام قد تم استبداله بظلم الولاة العرب , وناتج جباية روما انتقل الى الحجاز فدمشق فبغداد فاسطنبول مع تعدل القوى فى الامبراطورية العربية أو العثمانية .
عندما فترت فورة الاندفاع التى صاحبت ظهور الدين الجديد وبدأت الرفاهية والكسل تنخر فى الامبراطورية العربية التى أسسها الأسلاف , طمع الكهنة الجدد فى الحكم واستعانوا بالمرتزقة الذين جلبوهم من شمال شرق آسيا , أكرادا وأتراكا ومغول وتتار ليتعاون الحكام الجدد على طمس ما تبقى من أسباب الحضارة الموروثة وليعيش المصريون أكثر فترات تاريخهم ظلاما وانحطاطا وتخلفا , تحكمهم قوى القهر من مماليك وعسس الولاة , ويدمر الكهنة الجدد كل ما هو إيجابى فى حضارتهم , تحالف قوى الظلام هذا استمر يا بنيتى لستمائة عام كانت الأكثر قسوة وتأثيرا فى انهيار الأمة حيث تم خلالها فقد اللغة المصرية تماما واغترب أهلها عن أصولهم اغترابا كاملا , وضاعت الهوية واستسلم المصرى للتخلف والقهر الذى أتقنه المرتزقة والكهنة عبر العصور .
غزو نابليون لمصر فى آخر سنين القرن الثامن عشر , أتاح للقرن التاسع عشر أن يشهد نهضة مصرية سببها الاتصال بالحضارة الغربية التى كانت قد تطورت بشكل واسع فى أوروبا , وطبقت أفضل الأفكار الخاصة بالليبرالية وحقوق انسان وديموقراطية الحكم .. ثورة 1919 التى خاضها المصريون فى مواجهة الاحتلال البريطانى خاضوها أيضا للتخلص من التخلف والجهل , وكانت بداية الوعى الذى استمرت آثاره تقرب المصرى من مكانته الطبيعية بين شعوب العالم الاكثر تحضرا حتى جاء زمن الهزيمة الأكثر قسوة فى تاريخ مصر المعاصر عام 1967 , عندها تحالفت قوى التخلف لتضر بالنهضة الوليدة أبلغ الضرر ووقع المصريون أسرى مرتزقة الأمن وجهل كهنة الوهابية لتعود مصر الى ما قبل زمن النهضة الشاملة عندما كانت السيطرة لتحالف المماليك والكهنة مانعة لولوج أى بصيص من ضوء المعرفة , مروجة لأكثر الأفكار معاداة لمصر والمصريين .
حفيدتى " ماعت "
لا أعرف ماذا حدث فى بلادنا منذ زمن تحرير هذا الخطاب وحتى قراءتك وفهمك له , وإن كنت أرجو ألا تكون الأيام قد قادتنا وقادتكم لأن يبسط الكهنة سيطرتهم على عقل وروح الشعب كما حدث فى زمن سابق على أرض أفغانستان عندما سيطرت حركة " طالبان " , أو كما حدث فى العراق عندما خاضت تنظيمات " القاعدة " الارهابية سلسلة من الهجمات أدت الى وفاة العديد من الأبرياء , أو كما حدث فى الجزائر والسودان وفلسطين وإيران ولبنان .
أرجو أن يكون باستطاعتك الذهاب للنادى والسباحة ولعب " التنس " والتجول فى الشارع حاسرة الرأس آمنة دون " محرم " .
كما أرجو أن تكون الأجيال قد استوعبت دروس الهزيمة وقرأت التاريخ جيدا وتعلمت أن الشعوب التى يحكمها الأمن والجواسيس لا تنتج ولا تعمل ولا تبتكر ولا تتقدم .
وأن الحضارة صناعة الأحرار الذين يأمنون على حياتهم ومستقبلهم والقادرون على اختيار ومحاسبة وتغيير قادتهم , دون انتظار لقضاء الله .
أرجو يا " ماعت " وهذا أكثر كوابيسى رعبا ألا يكون قد تكرر فى زمنكم ما حدث فى عام 1952 عندما بدأت مأساة حياتى بسيطرة المنقلبون على الحكم وإتلاف نصف قرن كامل من حياة المصريين كان من الممكن أن يكون بداية الانطلاق والتحرر من ظلام نفق تحكم الكهنة والمرتزقة وجهل العصور الوسطى.
مع تحيات جدك لك ولجيلك وتمنياتى أن تكونى قادرة على القراءة ولم يضطرك ظالم مضطرب العقل ألا تذهبى للمدرسة أو تشاهدى التليفزيون أو تستخدمى الكمبيوتر , أو تنقطعى عن منجزات الانسان فى القرن الواحد والعشرون .
محمد حسين يونس
مارس 2009



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حفل -ميت غالا- 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمر ...
- خارجية الصين تدعو إسرائيل إلى وقف الهجوم على رفح: نشعر بقلق ...
- أول تعليق من خارجية مصر بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطي ...
- -سأعمل كل ما بوسعي للدفاع عن الوطن بكل إخلاص-.. مراسم تنصيب ...
- ذروة النشاط الشمسي تنتج شفقا غير مسبوق على الكوكب الأحمر
- مينسك تعرب عن قلقها إزاء خطاب الغرب العدائي
- وسائل إعلام: زوارق مسيرة أوكرانية تسلّح بصواريخ -جو – جو- (ف ...
- الأمن الروسي: إسقاط ما يقرب من 500 طائرة مسيرة أوكرانية في د ...
- أنطونوف: روسيا تضطر للرد على سياسات الغرب الوقحة بإجراء مناو ...
- قتلى وجرحى خلال هجوم طعن جنوب غرب الصين


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد حسين يونس - حفيدتى التى لم توجد بعد - ماعت -