محمد كليبي
الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 00:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
خاض الشعب الاسرائيلي مؤخرا معركة انتخابية " حامية الوطيس " .
انتخابات ديمقراطية .
انتخابات حقيقية , غير صورية .
لاختيار أعضاء الكنيست الثامن عشر في تاريخ اسرائيل المعاصر , الذي بدأ عام ( 1948 ) , العام الذي تمكن بنو اسرائيل من اعادة تأسيس دولتهم الحرة المستقلة على أرضهم التاريخية , أرض آبائهم واجدادهم , أرض اسرائيل .
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات - التي أسفرت عن فوز اليمين القومي العلماني - فان هذه الانتخابات , وغيرها من مظاهر الحياة الديمقراطية الحقيقية التي تسود المجتمع الاسرائيلي , تدفعني باستمرار الى اجراء عملية / عمليات مقارنة / مقارنات بين اسرائيل , دولة وشعبا ونظاما سياسيا واسلوب حياة , وبين العرب , مجتمعين وفرادا .
ودافعي الدائم والمستمر من وراء هذه المقارنات هو أن أضع القاريء العربي أمام نفسه , ليعرف نفسه وذاته من خلال النظر الى غيره , وان يعرف حقيقة وضعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي المتردي قياسا الى غيره من أبناء الشعوب والامم الاخرى .
أما لماذا اسرائيل ؟
فلأنها البلد الأقرب , جغرافيا وتااريخيا ! , الى العالم العربي . ولأن العرب يخوضون معها صراعا سياسيا وعسكريا طويلا , نتج عنه مظاهر العداء والكراهية العربية للأمة الاسرائيلية ولكل ما هو اسرائيلي ولكل ما له علاقة او صلة باسرائيل , حتى وصل الامر الى كراهية الديمقراطية والحرية التي يتمتع بها الانسان الاسرائيلي .
ولماذا سوريا تحديد, كانموذج للاستبداد العربي ؟
فذلك لاسباب شخصية تتعلق بمعرفتي القوية بهذا البلد العربي , وبالمعاناة التي يعيشها الشعب السوري في ظل النظام الدكتاتوري البعثي .
اذا ما اخذنا مسألة الديمقراطية , وسلطنا الضوء حولها في كلا الطرفين , العربي والاسرائيلي ,متخذين من سوريا انموذجا عربيا فريدا ومتميزا , يعبر أصدق تعبير عن الحالة العربية على كافة الاصعدة والمستويات .
واذا ما بدأنا بين البلدين والشعبين - ديمقراطيا - بالعام 1970 مثلا ( وهو العام الذي استولى فيه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد على السلطة , في انقلاب عسكري أطلق عليه زورا وبهتانا " الحركة التصحيحية " كما هو شأن العرب دائما وأبدا في قلب الحقائق وتسميتها بغير اسمائها الحقيقية والضحك على الشعوب التي تصدق ذلك وتقبل به نتيجة لجهلها وتخلفها ) .
سوريا :
منذ العام 1970 الى اليوم , يحكم سوريا ويتحكم بها رجل واحد ووحيد ( توريث الحكم في النظام الجمهوري لا يعتبر تغييرا لشخص الحاكم ) . حيث ظل الأسد الأب حاكما ومتحكما في الشعب السوري , وبالحديد والنار , لثلاثين عاما متواصلة !؟!؟ , حتى موته عام 2000 , ليرثه ابنه بشار في الحكم , لتتحول سوريا الى ما يشبه الملكية الخاصة لأسرة الأسد وطائفته الشيعية العلوية .
ويحكم هذا الرجل الواحد الوحيد سوريا عن طريق الحزب الواحد - حزب البعث العربي الاشتراكي - , الذي يهيمن على الحياة العامة والخاصة , السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في سوريا , حتى انه يطلق علية في الدستور السوري " الحزب القائد !!! ؟؟؟ " , على الرغم من سماحه بوجود أحزاب (( صورية )) يهيمن عليها جميعها في ما يسمى " الجبهة الوطنية التقدمية " , وهي شكل من أشكال الاستبداد السياسي الرسمي , بحيث أن الاحزاب الاخرى - غير البعث - لا يحق لها العمل التنظيمي داخل مؤسستي القوات المسلح والامن و الطلاب !!!؟؟؟
كما أن الانتخابات البرلمانية السورية - اذا ما اعتبرناها انتخابات - (( صورية أيضا )) , معدة ومعروفة نتائجها سلفا , حيث تقسم المقاعد البرلمانية بين حزب البعث والاحزاب الأخرى المنضوية في الجبهة التقدمية , بحيث " تعطى " بعض المقاعد لتلك الاحزاب , في برلمان لا دور له ولا عمل سوى (( التصفيق )) للقائد والحزب .
وحتى الانتخابات (( الصورية )) التي تتم داخل حزب البعث فان نتائجها مرسومة مسبقا , وصدرت بها توجيهات و أوامر !!؟؟
وقبل ذلك , والاهم من ذلك , أن الحريات العامة والحريات الفردية وحقوق الانسان , والتي تعد المباديء الاساسية للديمقراطية الحقيقية , غائبة ومغيبة في سوريا , حيث يعيش الشعب السوري - - الشعوب العربية الاخرى - في ظل الاستبداد والقمع .
اسرائيل :
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الادارة السياسية ( وليس السلطة , لان السلطة مفهوم دكتاتوري ) في اسرائيل يتم تداولها سلميا وديمقراطيا , بين القوى والاحزاب السياسية المختلفة . ففي اسرائيل تجري وبانتظام انتخابات برلمانية كل أربع سنوات - مع بعض الاستثناءات الناتجة عن قصر عمر بعض الحكومات لاسباب سياسية - , حيث يتم انتخاب أعضاء الكنيست , والذي يحدد بدوره الطرف السياسي الفائز بتشكيل الحكومة التالية . ففي اسرائيل , ومنذ العام 1969 , تم تداول الادارة السياسية للدولة بين ( 9 ) رؤساء حكومة , ينتمون الى أحزاب سياسية مختلفة , هي حزب العمل وحزب الليكود وحزب كاديما , وذلك في ( 13 ) حكومة منذ ذلك التاريخ .
( الديمقراطية الاسرائيلية تقوم على النظام البرلماني الذي يكون فيه رئيس الوزراء هو رأس الادارة السياسية للدولة , كما هو الحال في بريطانيا العظمى وألمانيا والنمسا والهند واليابان وغيرها ) .
فقد تداول على الادارة الاسرائيلية كل من :
1- جولدا مائير من عام 1969 الى عام 1974
2- اسحاق رابين من عام 1974 الى عام 1977
3- مناحيم بيغن من عام 1977 الى عام 1983
4- اسحاق شامير من عام 1983 الى عام 1984
5- شمعون بيريز من عام 1984 الى عام 1986
6- اسحق شامير ( مجددا ) من عام 1986 الى عام 1992
7- اسحاق رابين ( مجددا ) من عام 1992 الى عام 1995
8- شمعون بيريز ( مجددا ) من عام 1995 الى عام 1996
9- بنيامين نتنياهو من عام 1996 الى عام 1999
10- ايهود باراك من عام 1999 الى عام 2001
11- ايريل شارون من عام 2001 الى عام 2006
12- ايهود أولمرت من عام 2006 الى عام 2009
13- بنيامين نتنياهو ( المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ) من 2009 الى .....
وكذلك فان الديمقراطية الحزبية في اسرائيل تتميز بالشفافية والتنافس الحقيقي الحر , بحيث تجري وباستمرار الانتخابات الحزبية التي تفرز دوما قادات حزبية وسياسية جديدة . وقد شهدنا مؤخرا انتخابات زعامة حزب كاديما التي فازت بها السيدة تسيبي ليفني , في صراع مرير مع " رجال " الحزب الكبار أمثال شاؤول موفاز .
مايدعو الى الاعجاب بالديمقراطية في اسرائيل أن الانتخابات البرلمانية الاخيرة تمت عقب الحرب الحمساوية على اسرائيل . بمعنى أن اسرائيل أجرت الاستحقاق الديمقراطي على الرغم من خروجها الحديث من الحرب . وهو ما لم يكن بالامكان تصوره في اي دولة عربية , حيث سيتحجج نظامها بتلك الحرب ونتائجها وتداعياتها للتملص والتخلص من الاستحقاق الديمقراطي . هذا ان سلمنا بوجود ديمقراطية عربية ......
ان أحد أسرار تميز وتقدم وتفوق اسرائيل هو في ديمقراطيتها الحقيقية , تلك الديمقراطية التي تدفع بها الى التغيير , الى الأمام .
#محمد_كليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟