أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس ولد القابلة - محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية















المزيد.....


محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:35
المحور: مقابلات و حوارات
    


محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية
الجيش الذي يريده الملك محمد السادس

محمد الغماري، من المغاربة الأوائل الذين اهتموا بالدارسات الاستراتيجية، حاصل على الدكتوراه من جامعة باريس 2 في بداية السبعينات، صادف صعوبات جمة، رغم أنه لا انتماء سياسي له، في أبحاثه ومحاولاته لتنشيط خلية تهتم بالدراسات الاستراتيجية بالمغرب، أجرينا معه هذا الحوار لتسليط الضوء، بعيون خبير مختص، على مجموعة من القضايا والإشكاليات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، على رأسها: أي جيش يريد الملك وأي جيش يريده الشعب؟

إدريس ولد القابلة
الجيش الذي نريده

- ما الجيش الذي يريده الملك محمد السادس؟
+ إن الملك محمد السادس يريد جيش دفاع فقط، إذ لا يفكر قط في أية مواجهة من أي نوع كانت، مغربيا ولا مغاربيا، ولا أيضا على مستوى الوطن العربي،.. وإسبانيا على يقين تام أن المغرب لم يكن يتحرك عسكريا بخصوص سبتة ومليلية، ورغم ذلك اتخذ الجيش الاسباني كل الاحتياطات اللازمة.
أتذكر أن بعض الاسبان حضروا ندوة سنة 1988 بمدينة "تولوز" الفرنسية، التي شارك فيها العديد من مستشاري الحلف الأطلسي وأساتذة باحثون ناشطون بمراكز الدراسات الاستشارية، وقد قال أحد الضباط الاسبان إن جيشهم مستعد للحرب في أي وقت، وأضاف لو تحرك المغرب عسكريا من أجل سبتة ومليلية سنحتل طنجة وتطوان، الخطة جاهزة.
هذا ما أكده لي كذلك أستاذ فرنسي للدراسات الاستراتيجية، إذ صرح لي "لو تحرك المغرب عسكريا ستقوم الحرب، سيما أن القوات البرية الاسبانية متشددة بهذا الخصوص، وهي التي فرضت زيارة الملك الاسباني للمدينتين المحتلتين لإظهار أنه لا نقاش حول تحرير المدينتين السليبتين، وبالنسبة لهم (الجيش البري) تمثل كل من سبتة ومليلية نصف السيادة الاسبانية.
وهذه أمور نحن ساكتون عنها رغم أن اسبانيا تقتني أسلحة قوية منذ سنتين أو ثلاثة، هناك 8 أو 9 صواريخ بالجزيرة الخضراء موجهة نحو المغرب، هذا على المستوى الظاهر أما الخفي فلا يعلمه إلا الله.
الملك محمد السادس يريد جيشا يضمن الأمن والاستقرار ويحارب ما يسمى بـ "الإرهاب" استنادا إلى المفهوم الأمريكي والأوروبي، وأن لا يدفعه (الجيش) للحروب ويترك جميع القضايا الخارجية للدبلوماسية.

- ما هو الجيش الذي يريده الشعب المغربي؟
+ الشعب المغربي يريد جيشا نشطا يرفع التحديات، يحرر سبتة ومليلية، ويساهم على مستوى الوطن العربي، يكون جيشا بناءا وابتكاريا، يشترك في التنمية ويحترم الشعب، وإذا كان كذلك، سيكون جيشا محبوبا لدى الشعب كما كان الأمر في بداية الاستقلال قبل تدخل القوات المسلحة في قمع المظاهرات وإفشال الإضرابات حيث صار يتألق في هذه القضايا أكثر ما يظهر في الدفاع عن الوطن.

- هل المغاربة غاضبون على قادة الجيش، سيما الضباط الكبار؟
+ فعلا المجتمع غاضب على الضباط، قادة الجيش المغربي، وأسباب الغضب كثيرة ومشروعة، فالكثير من هؤلاء الضباط استفادوا ولازالوا يستفيدون من امتيازات، لا تعد ولا تحصى، ليست لها مبررات واضحة ومقنعة..
فلا المغرب تحرر من آثار الاستعمار، ولا الجيش له علاقات احترام وتقدير بالنسبة للشعب، وكلما خرج الجيش للشعب ظهر بحقده عليه. كما أن الجيش لم يساهم في قضايا الأمة العربية، سيما بعد الذي وقع في العراق والشرق الأوسط وفلسطين..
ماذا يفعل جيشنا؟ لا أحد سيفيد المغاربة بهذا الخصوص. الشيء الذي نسمعه عن الجيش بكثرة هو الامتيازات المتزايدة، هذا في وقت تعيش فيه البلاد ركودا يكاد يكون قاتلا، كل الطبقات والفئات الاجتماعية تعاني، إلا فئة الضباط الكبار، الذين يعيشون في بحبوحة حتى في ظل أسوأ الأزمات الخانقة، وهذا أمر يخلق شعورا من "التقزز الاجتماعي".

الخلف

- هل نقول إن خَلف الجنرالات المتقاعدين في مستوى تعويضهم، سيما و أن أغلبهم لهم تتح له فرصة خوض حروب ميدانية؟
+ رغم أن تعليم الجنرالات الكبار الذين بلغوا سن التقاعد جد متواضع، إلا أنهم يتوفرون على تجربة، في حين أن الضباط الشباب يتوفرون على تكوين لا بأس به لكن تنقصهم التجربة. التجربة الوحيدة التي كانت في السنوات الأخيرة، أي منذ 30 عاما، هي حرب الصحراء التي لم يشارك فيها كل الضباط، وهي بحد ذاتها ليست تجربة كبيرة. ذلك لأن الجيش المغربي كان في وضع متناقض، ذهب إلى الصحراء بتكوينه الكلاسيكي التقليدي لمواجهة حرب غير تقليدية وغير كلاسيكية، إذ كانت حربا ثورية وحرب عصابات، وبالتالي لم يطبق ضباطنا ما في جعبتهم من خبرة، ولم يكن جيشنا قادرا على أن يطورها ولا أن يسيطر أو يستوعب ما كان يقوم به الخصم في البداية. لهذا صادف عناصر القوات المسلحة الملكية صعوبات جمّة، لهذا السبب ولأسباب أخرى، ظلت تجربة حرب الصحراء ناقصة وضعيفة، سواء من الناحية الاستراتيجية العسكرية أو من حيث التنظير، وأيضا من ناحية استيعاب تقنيات الخصم، وبالتالي برزت فراغات كثيرة جدا.
في الواقع لو كانت القيادة واعية، لكان من الممكن ملء هذه الفراغات قبل أن ينصرف كبار الجنرالات، وذلك بالانفتاح على البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية، وعلى الجامعات وتنظيم لقاءات مع ضباط كبار متقاعدين من دول أخرى والذين استمروا في عطاءاتهم رغم تقاعدهم، في المؤسسات والأكاديميات العسكرية ومراكز البحث، وبالتالي فإنهم ظلوا يؤطرون ولو أنهم نزعوا البذلة العسكرية، وهذا أمر غير موجود في المغرب.
لذلك تبدو القطيعة بين الأجيال خطيرة عندنا في المغرب بخصوص الخلف، وأعتقد أن المرحلة الانتقالية ستكون صعبة بالنسبة للجيش المغربي.

- هل الجيش يتوفر على ضباط قادرين على تعويض الشيوخ؟
+ أعتقد أن مشكل الخلف مطروح بالمغرب في مختلف الميادين، هل هو قادر على تعويض من هم أكثر تجربة ومراسا منه، علما أنه لا وجود لأجهزة تنسيقية فكرت مسبقا في إعداد هذا الخلف كما هو الحال في بلدان أخرى.
علما أيضا أن المؤسسة العسكرية تتوفر على أطر مكونة تكوينا جيدا في الداخل والخارج، كما تطرح إشكالية تنافر العقليات بين الجيل القديم الذي لا يعترف إلا بالرتبة العسكرية والجيل الجديد الذي يولي أهمية أكثر للتكوين العلمي. هذا في ظل سيادة سلوك وجو قمعيين، غير أن هؤلاء لا تأثير لهم ولا يمكن أن يساهموا في أي تغيير باعتبار أن كل تغيير داخل المؤسسة يجب أن يقرر من طرف الملك وحده دون سواه.

الثالوت الذهبي

- من أين أتت فكرة نعت الثالوث، بنسليمان وبناني وعروب، بـ "المثلث الذهبي"؟
+ نظرا للنفوذ الكبير الذي يحظون به وسط الجيش، واستمرار قربهم من الملك، وهم الذين على اضطلاع دائم بمختلف الأسرار، إنهم رجال ثقة الملك، إذ لا يوجد من ينافسهم بهذا الخصوص، سيما من بين الضباط السامين الآخرين، ومن سوّلت له نفسه القيام بذلك، سيفشل لا محالة، وقد يتوقف مشواره على حين غرّة من حيث لا يدري، يكفي أن يفكر في الأمر لتظهر النتيجة.

- تناسلت أخبار وأقوال تفيد أن الملك محمد السادس غاضب على الجنرال حسني بنسليمان، حيث ينتظر الفرصة السانحة للتخلص منه، لكن حصل العكس، أي أن الجنرال القوّي ظل رجل ثقة الملك الذي يتشبث به، لماذا في نظركم؟
+ لازال الجنرال حسني بنسليمان رجل ثقة الملك محمد السادس، والتأويلات المعاكسة للواقع كانت سريعة ولم تعمّر طويلا، وقبل ثلاث سنوات كنت قد أدليت برأي بيّنت فيه أن الجنرال حسني بنسليمان قوّي جدا، لأنه، أوّلا، يمتاز بخلفية علاقات عائلية صلبة ومتينة، وأغلب أفراد أسرته لهم نفوذ قوي، يحتلون مواقع مهمة.
ثانيا، ظل هذا الجنرال دائما رجل ثقة، لأن الدرك يلعب دورا حيويا ببلادنا، ولا يمكن أن يترك زمامه بيد ضابط مشكوك فيه أو غامض، علما أن الملك الراحل الحسن الثاني، هو الذي رسخه في مكانه ووصّى عليه.
ولربما إن ما أوهم الكثير من الناس، بروز انتقادات متعددة ومختلفة في فترة زمنية وجيزة، لكن قوّته اتسعت خلافا لما كان منتظرا من طرف العامّة، حيث ظن هؤلاء أن الملك غضب على الجنرال بفعل تلك الانتقادات، في حين حدث العكس، وقد ظل الجنرال حسني بنسليمان رجل النظام الأول، لأن الملك في حاجة للدرك وحسني بنسليمان يعرف الدرك جيدا، ويحيط به مجموعة من الضباط يصلون باسمه.
كذلك هناك ضباط آخرون خارج الدرك، منهم على الأقل عشرة، وصلوا إلى رتبة كولونيل ماجور وكولونيل بفضل الجنرال حسني بنسليمان، فكيف للملك أن يتخلى عنه والحالة هذه؟
أما كون الجنرال تجاوز سن التقاعد، فهذا أمر ليس ذا أهمية في الشؤون السياسية التي هي غير ملزمة بالمقتضيات والمساطر الإدارية.

- في هذا الصدد، يقول رأي إن استمرار بعض الضباط السامين في مواقعهم جاء لضرورة تمتيعهم بحصانة الموقع تجنبا لأية مساءلة بعد الإحالة على التقاعد، فما رأيكم في هذا؟
+ المشكل مطروح بالنسبة للجنرال حسني بنسليمان بالذات أكثر من غيره، وأرى أنه لذلك تشبّت به الملك، وقد أخطأ من اعتقد أن تورطه النسبي في جملة من القضايا الشائكة سبب يدفع الملك للتخلص منه، وإنما العكس هو الصحيح.
إذن لا يمكن التخلص من الجنرال حسني بنسليمان، لأن الملك، والنظام السياسي عموما سيضر نفسه بنفسه في هذه الحالة، وهذا ما غاب عن الكثيرين الذين ركزوا على الشجرة ولم يأبهوا للغابة.

- لكن ألا تعتقدون أن استمرار بعض الجنرالات بمواقعهم سيسيئون للمغرب والمغاربة؟
+ فعلا إنهم سيسيئون للبلاد لأنهم أضحوا رجال أعمال، سيما الذين حظوا منهم بنفوذ في الصحراء، لقد أصبحوا أثرياء كبار، فهؤلاء – عندما أوقف المغرب اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي – كانوا يتوفرون على الحرية الكاملة لبيع السمك في أعالي البحار للأوروبيين.
فالنظام السياسي دأب على منح الامتيازات الكثيرة للضباط السامين لفصل روابطهم مع الشعب ومع الوطن، فهم يعتبرون أنفسهم ضباط الملك، لا غير، وقد بيّن التاريخ أنهم يباعون ويشترون لأنهم يقومون بأعمال تتنافى كليا مع مهامهم العسكرية. فمن الناحية القانونية يمنع على الضباط أن يزاولوا نشاطا تجاريا أو وظيفة أخرى، علما أن هؤلاء الضباط هم الذين يعوّل عليهم النظام، لأن لهم نفوذا وسط الشعب، وعلما أيضا أن النظام يخاف من الضباط الذين يحظون باحترام الشعب، هؤلاء يمكنهم أن يفكّروا في الإصلاح والتغيير، أما المرتشون فلا خوف منهم إطلاقا. أفتح قوسا، في هذا الصدد لأقول، قبل الإنقلاب العسكري الأول، لم يكن الكولونيل اعبابو من المقربين للملك ولم يكن يتفاهم مع الجنرالات، وكان قد احتل فيلا في ملكية أحد الفرنسيين بشاطئ شمال المغرب، وعند عودته اشتكى الفرنسي للملك، فقال له: كم ثمن الفيلا؟ فمنحه شيكا بأربعين مليون وقتئذ، وبعد ذلك علّق صاحب الفيلا قائلا : "لا يمكن للمغرب أن يعرف انقلابا لأن ضباطه مرتشون"، ومع ذلك ظل عبابو حالة خاصة.

- يقال إن الجنرال عبد الحق القادري، رغم أنه أحيل على التقاعد ظلت كلمته مسموعة لدى الملك و"المثلث الذهبي"، ما تعليقكم بهذا الخصوص؟
+ للحقيقة والتاريخ وجب الاعتراف أن عبد الحق القادري، هو الوحيد، الذي رغب في انفتاح المؤسسة العسكرية على البحث والدراسات العليا وعلى الجامعات. وفعلا شرع في السير على هذا الدرب، لكن المشروع أجهض مبكرا وكانت مفاجأة لأنه كان ضمن المخابرات العسكرية في البداية، وقد شجع الضباط على متابعة دراستهم في الجامعات، وفي عهده وصل المسجلون في السلك الثالث إلى أكثر من 1500 طالب من الضباط، وقد أطرت مجموعة منهم في جامعة فاس، وكان ضمنهم ابن أخت عبد الحق القادري. وقد رغب هذا الأخير في إنشاء خلية للبحث في القضايا الإستراتيجية تضم الضباط الباحثين وأساتذة وباحثين مدنيين، وفعلا وضعت اللائحة وكنت على رأس القائمة المقترحة، فإذا بالجنرال عبد الحق القادري يحال على التقاعد.
وأظن أن ضباطا سامين رفضوا هذا الاقتراح وحاربوه وقالوا للملك إن هذا المسار سيؤدي بنا إلى ما قد لا يحمد عقباه.

الخبرة و التجربة والتكوين

- ظل التكوين العسكري عندنا قائما على تلقين العداء للمدنيين، وهذا ما كرسته مقولة "السيفيل الكلب"، والحالة هذه، ألا تعتبرون أنه حان الوقت لإدراج تربية حقوق الإنسان وحقوق المواطنة واحترامها ضمن برامج التكوين العسكري؟.
+ لقد أضحى ذلك ضروريا، حيث يجب الإقرار بالتربية على حقوق الإنسان واحترامها في صفوف الجيش، سيما في مرحلة التكوين. خصوصا وأن انتهاكات حقوق الإنسان بالمؤسسة العسكرية أضحت ممارسة عادية، بل قد يبدو لغير العسكري أن النظام العسكري قائم على الدوس على تلك الحقوق ومفهومها وفلسفتها، ويمكن ملاحظة أن الجندي أو الضابط عندما يتكلم عبر الهاتف مع ضابط أكبر منه تظهر عليه علامات الخضوع والانبطاح، ناهيك لو كان يكلمه مباشرة، كأن حياته بيده، وهذا أمر لا يشرف الجيش رغم كل تبريرات الطاعة والصرامة والانصياع للأوامر.
يجب إدماج التربية على حقوق الإنسان في جميع مراحل التكوين وعلى كل المستويات بخصوص ضباط الصف والضباط ومؤسسات التكوين العليا. وهذا أمر يستوجب رجة كبيرة، حيث يبدو أنه كلما صعدت في سلم الرتب العسكرية زاد عدم احترام حقوق الإنسان، وازداد أيضا الارتباط بالعقلية القديمة.

- إلى أي حد يمكن اعتبار المناورات فرصة للتكوين ولتراكم التجربة؟
+ مهما يكن من أمر تبقى المناورات غير كافية لتكوين الجيش، لأن جيشنا جيش دولة نامية متواضعة، وعناصره تشارك في مناورات مع جيش يمتلك تكنولوجيا "آخر تقليعة" لا نملكها، حتى لو فهمنا ما يقوم به وعاينا تصرفاته وطريقته في التخطيط والإعداد، فليست لنا الوسائل لكي نكرر التجربة بالاعتماد على النفس.

- ماذا يستفيد الجيش المغربي من تدخلاته خارج الحدود، سواء بافريقيا أو غيرها، وتحضرني الآن حالة كوسوفو ومالي والكونغو وغيرها؟
+ في الواقع إن تدخلات من هذا القبيل لا دور لها في التكوين الفعلي، إنها تساهم فقط في تلميع سمعة النظام السياسي وصورته بالخارج. التجربة الفعلية تكون بالمساهمة في الحروب وعلى أرض المعركة.
على سبيل المثال لا الحصر، التقيت بعض الضباط الذين شاركوا في التجريدة المغربية التي قاتلت بالجولان وصرحوا لي أنهم لا يعرفون ما الحرب رغم توفرهم على أقدمية تفوق 10 سنوات وقتئذ.

- هل هناك صراع بين الضباط الذين خضعوا للتكوين الفرانكوفوني وآخرين تكوّنوا في المدرسة الأنكلوساكسونية؟
+ الضباط الجدد تلقوا تكوينهم بالولايات المتحدة الأمريكية، علما أن الملك شجع ذلك نتيجة مليه لأمريكا، كيف ذلك؟ لأن من قضى 6 أشهر في أمريكا يحصل على ترقية تساوي تكوين مدّته سنتين في بلد آخر. علما أن أمريكا تحترم المكوّنين أقل من الدول الأخرى.
إلا أنه ليس هناك صراع بين الفئتين، وإنما هناك ائتلاف كل مجموعة على حدة.

الإصلاح والتغيير

- هل أضحى من الضروري حاليا إحداث تغييرات وإصلاحات في المؤسسة العسكرية؟
+ ظل جيشنا بمثابة صندوق أسود لا نعرف عما ينطوي، يبدو لنا شكله من الخارج متينا لكننا لا نعرف شيئا عن محتواه، علما أن المؤسسة العسكرية بدورها تحرص على أن لا نعلم عنها شيئا، وكلما عرضت هذه الجهة أو تلك معرفة المزيد عن هذه المؤسسة "البكماء" يؤول هذا المطلب كأنه تدخل سافر وجرأة وقحة، لأن في نظر القيمين على جيشنا من الضرورة أن يظل كل ما هو يتعلق به سريا، وهذا أمر لم يعد معقولا البتة، إذ كيف لجهاز يتطلب أكبر المصاريف المقتطعة من أموال الشعب، تسلم إليه على طبق من ذهب، دون مراقبة برلمانية ولقاداته امتيازات قد لا يتصورها المرء ولا يستسيغها عقل سليم، لا يستفيد من مثلها باقي المغاربة؟ كيف لهذه المؤسسة أن تبقى سرا مكنونا لا نعرف عنه شيئا؟ ماذا تفعل؟ وفي ما يفكر القيمون عليها؟ وكيف يتصور هؤلاء، المغاربة ويتعاملون معهم؟ وهل الجيش معنا كشعب أم ضدنا؟ خصوصا وان قضية الصحراء ما زالت قائمة وسبتة ومليلية مازالتا تحت وطأة الاستعمار.
حتى إن لم تكن هناك حرب، علينا دائما الاستعداد لوضع خطة استراتيجية لتحرير تلك المناطق حتى لا نفاجأ كما حدث سنة 1975 بخصوص الصحراء عندما وقع جيشنا في حيص بيص، وكان آنذاك الراحل الحسن الثاني قد استدعى سريا أميرالا فرنسيا هو مدير مدرسة عسكرية لإلقاء محاضرات في كيفية مواجهة حرب العصابات، وقد علمت بهذا عندما كنت بالديار الفرنسية. فمن باستطاعته التأكيد الآن أن إسبانيا لا تستعد للحرب؟ في الواقع إنها تستعد ليس لمواجهة المغرب فقط، وإنما المغرب العربي، وهذا ما ينادي به الحزب "الشعبي" اليميني الذي يقول إن على اسبانيا التحكم في القوة العسكرية لمواجهة المغرب العربي حتى يتم تأسيسه فعليا، وبالتالي الرجوع إلى اعتماد الخطة الملكية العتيقة المبلورة في القرن الخامس عشر والقائلة بوجوب طرد المسلمين وتتبع خطاهم إلى حد التحكم في شمال إفريقيا، هذه كانت وصية الملكة "اليزابيت الكاتوليكية" إذ قالت :"[...] إذا لم يعمل أحفادي بفحوى هذه الوصية فأنا بريئة منهم ولا يستحقون الحكم".
وهنا يبدو الخلل الكبير الذي مازالت المؤسسة العسكرية تعيشه عندنا، وهذا ما يؤكد أيضا أنها في حاجة إلى تغيير وإصلاح جديين.

- هل تعتبرون أن من بين المشاكل المطروحة داخل المؤسسة العسكرية تصارع العقليات بين الأجيال؟
+ لابد أن هناك صراعات وتشنجات من هذا القبيل، غير أن عقلية الجيش بالنسبة للمجتمع المدني مختلفة كليا، فضباطه الكبار وقادته يؤمنون إيمانا راسخا، بأن المؤسسة العسكرية تعتبر أهم جهاز بالبلاد، لأنها الركيزة الأساسية للنظام السياسي، وعليه يعتمد هذا الأخير، وهي ضامنة استقلال المغرب.. هذه العقلية راسخة في صفوف الجيش الذي لا يقبل أن تقارن به أية شريحة في المجتمع، فالجيش فوق الكل والجميع، إنه تابع للملك ومع الملك فقط، وبالتالي لا مسؤولية له أمام أي كان إلا الملك.

كثرة الجنرالات

- يقال إنه كلما كثر عدد الجنرالات، كلما تعددت وتناسلت المشاكل؟
+ إن المجموعة التي تتكوّن من الضباط السامين (جنرال، كولونيل ماجور، كولونيل) كثيرة العناصر بالمغرب بالنسبة لحجم بلادنا وكذلك بالنسبة لدور المؤسسة العسكرية. ففي الدول التي عرفت حروبا كبيرة، كان عدد هؤلاء الضباط مهما آنذاك، نظرا للدور الذي كان يلعبه هؤلاء، كانت الترقية تسير بوتيرة سريعة، أما في وقت السلم، فإن الدول العظمى قلصت هذا العدد من الجنرالات، رغم أنها تتوفر على عدّة مدارس ومعاهد عليا للتكوين العسكري، حيث إن أغلب الضباط يحالون على التقاعد قبل الوصول إلى رتبة جنرال، علما أن الذين حظوا بها وصلوا إليها في آخر مشوارهم وليس في سنّ مبكّر.
وكثرة هؤلاء الضباط تؤدي إلى بروز صراعات ومجموعات متناقضة فيما بينها، رغم ظهور نوع من الانسجام في المؤسسة العسكرية عند الطوارئ أو الأزمات السياسية والاجتماعية، كما هو معروف لدى مختلف الجيوش بصفة عامة، ولكن مع كثرة الضباط السامين تبرز خلافات ونزاعات منذ مدّة في صفوف الجيش المغربي، بل منذ نشأته في منتصف الخمسينات.

- لماذا يتميز جيشنا بكثرة الضباط السامين؟
+ السبب واضح جدا، فالنظام السياسي يهمه أن يتوفر على فئة قوّية ضمن الجيش تدعمه، وبالتالي فكلما تبرع بجملة من الترقيات على مجموعة من الضباط، كلما ظهرت فئة أخرى لها نفوذها، وبالتالي يستمع لمن لهم أكبر نفوذ. غير أن بعضهم يشعرون بنوع من الميز، فقبل سنتين تمت ترقية مجموعة من الضباط، وظهرت لجميع المتتبعين أنها ترقية سريعة جدا، ولربما متسرعة، في نفس الوقت كان ضباط آخرون، أقدم من هؤلاء المستفيدين من الترقية المتسرعة لكنهم لم يحصلوا عليها. في مثل هذه الحالات يلجأ النظام، بعد حين، إلى نوع من التعويض لإسكات الغاضبين وذلك باللجوء إلى منح المزيد من الامتيازات. لكن هناك فئة من الضباط تستفيد دائما من الترقيات بفضل روابطهم العائلية أو جهات تدعهم دائما في الخفاء.
كما أن هناك مناصب في المؤسسة العسكرية توزع كذلك على المحظوظين وذوي النفوذ، في حين يظل باقي الضباط السامين في الثكنات أو في مناصب هامشية.
ومن المعروف أن عناصر من المثلث الذهبي والضباط السامين الوازنين، كل منهم يدعم مجموعته. فالجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني لهما نفوذ قوّي ويدعمان، كل واحد منهما على حدة، جماعة من الضباط الشبّان، وهؤلاء هم الذين يصلون إلى درجة كولونيل ماجور بسرعة، وأحيانا كثيرة قبل أشخاص ولوجوا سلك الجندية قبلهم بسبع سنوات أو أكثر، وهناك حالات متعددة من هذا القبيل.
أصبح الجيش المغربي مكوّنا حاليا من فئات، فئة لها علاقة بالملك، وفئات أقل قربا منه، علما أن الأسرة الملكية تخترق المؤسسة العسكرية، كما أن هناك مجموعة من الأمراء لهم رتب عالية بالجيش، ثم إن الملك محمد السادس، حينما كان وليا للعهد خلف الجنرال مولاي حفيظ العلوي واضطلع بالتنسيق بين مكاتب ومصالح القوات المسلحة، وفي هذه الفترة ربط علاقات مع بعض الضباط، منهم حميدو العنيكري، وغيرهم ممن كانوا غير معروفين.
إن النزاعات بين مختلف هذه الفئات داخل الجيش، ليست نزاعات سياسية أو مرتبطة بتصورات ورؤى استراتيجية، وإنما تظل مجرد صراعات شخصية ونزاعات نفوذ لتحسين وضعيتها، وبالتالي نصيبها من كعكة الامتيازات.
وفي البداية، كانت النزعة القبلية، إلى حد ما تلعب دورها في هذه النزاعات.

- إذن، في هذا الصدد تلعب لجنة الترقية دورا أساسيا، علما أن عمودها الفقري مكوّن من الثالوت: بنسليمان – بناني – عروب، أليس كذلك؟
+ فعلا، القرار بهذا الخصوص يظل بيد الملك لكنه يسمع كثيرا لهذا الثلاثي.

استمرار تحمل الشعب امتيازات الجنرالات دون الاستفادة منهم

- هل ظل الجنرالات والضباط السامون مستفيدين من كل الامتيازات رغم إحالتهم على التقاعد؟
+ نعم، هناك جملة من الأشياء تبقى بين أيديهم، علما أن معاشهم يصل بالنسبة للجنرال 10 ملايين سنتيم، فحتى الذين لم ير فيهم الملك فائدة كبيرة منحت لهم ضيعات كبيرة تتجاوز مساحتها 100 هكتار، وفيلات يقطنون بها كأنهم محتاجون.
واستفاد المحبوبون منهم من مقالع الرمال التي تذر عليهم بين 40 إلى 50 مليون شهريا.
يظل الضباط السامون يتمتعون بكل الامتيازات، خلافا لباقي موظفي الدولة.

- في الدول الأخرى تظل الاستفادة من الضباط السامين بعد إحالتهم على ا لتقاعد كأساتذة أو باحثين أو مستشارين، فماذا بالنسبة لضباط المغرب بهذا الخصوص؟
+ الضباط السامون المغاربة الذين أحيلوا على التقاعد يتم الاستغناء عن خدماتهم فيما بعد، ليتفرعوا للتجارة وتسيير الأعمال، لا اهتمام لهم بالثقافة والبحث وتقديم الاقتراحات، ولا أحد منهم تستفيد منه الدولة أو البلاد، خلافا لما يقع في الدول الأخرى، ففي لبنان مثلا أعرف بعض الجنرالات الذين أحيلوا على التقاعد، ومع ذلك يواصلون أبحاثهم، نجدهم في مختلف الندوات، بل منهم بعض الكتاب الكبار، وكذلك الشأن بالدول الأوروبية.
إدريس ولد القابلة



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الملك هو الذي يحكم- نقطة إلى السطر
- محمد السادس في الرتبة 89 و-أوباما- على رأس القائمة
- إلى متى سنترك الحكومة تفعل بنا ما تريد؟
- المغرب بعيون التقارير الدولية
- رفض نتائج التقارير الدولية مثل حجب الشمس بالغربال
- -تامسنا- المدينة الملكية الموعودة
- الوجه الآخر للملك خارج المغرب
- جور اجتماعي كرّسه المخزن ( النظام المغربي)
- الملك الحسن الثاني عاش مخدوعا
- -الميزانية الملكيةّ بالمغرب
- سباق التسلح بين المغرب والجزائر لماذا وإلى أين؟
- الهرولة نحو التسلح هدفها أن كل بلد يحاول إركاع الآخر
- الحرب بين الجارتين ستطيح بالنظام الجزائري وتعصف بالبوليساريو
- أخطر يوم في حياة الحسن الثاني
- المسكوت عنه في انقلاب الصخيرات
- أسوأ أيام الملك الحسن الثاني
- ياسين المنصوري سحب الدعوة القضائية ضد البوليساريو
- حين فكر الملك الحسن الثاني التخلي عن العرش
- مسار حقوقنا ما زال معوقا
- ماذا جرى بعد استقلال المغرب؟


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس ولد القابلة - محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية