|
هل حقا يريدون الإصلاح ؟
عمر شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 2545 - 2009 / 2 / 2 - 08:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتحدث د. رحيل الغرايبة في مبادرة "الملكية الدستورية" عن التمسك بحق العودة بشكله الكامل، الذي لا يقبل التفويض أو التوكيل أو التعويض، في سياق الحديث عن العلاقة بين الشعبين الشقيقين، وهي بحاجة إلى إعادة صياغة حسب زعمه.
ويتناغم معه ناهض حتر ويتحدث عن العودة الحرة للوطن، فالهوية الحالية للشعب الأردني بمكوناته هي مصطنعة كوسموبوليتية، ويا ليته قال عربية على الأقل... وأن قسما من فلسطينيي الأردن يعد بمئات الآلاف فقط قد اندمج في المجتمع الأردني، والباقي للعودة الحرة، في وقت لا عودة فيه. الأول إسلامي التوجه، والثاني يساري الهوى، تقاطعت دروبهما على ضرورة عودة أكثر من مليوني أردني من أصل فلسطيني، واختلفا، أو هكذا يبدو، على بضعة مئات الآلاف. وهذه الشروط لحق العودة، من شأن تطبيقها محو إسرائيل من الوجود. نفس الحيلة القديمة، بالاختباء وراء شعار كبير فلماذا؟ تثير هذه الطروحات التساؤل لدى القوى الوطنية، فهل هي بديل لشعار الوطن البديل الذي تطرحه إسرائيل، أو لفهمها لحق العودة، بأنه يشمل بضعة مئات أو ألاف من الأسر. وهو يختلف عن الفهم الدولي المعروف لإتاحة حق العودة أو التعويض. يبدو أن المقصود من المبادرة، ترحيل كل من هم من أصل فلسطيني إلى فلسطين. ولاستحالة تحقيق ذلك في المنظور القريب والمتوسط، فيتعين ترحيلهم السياسي، أو دفعهم خارج العمل السياسي.
ويربط أصحاب المبادرة وعددهم يبلغ المائة، مشروعهم بأطروحات قومية ووطنية،عالية السقف، للتغطية على الطرح الإقليمي الانعزالي. الفكرة واضحة فهم يهدفون إلى "نقاء" الدولة الأردنية. والإصلاح حسب فهمهم سيؤدي إلى حرمان أكثر من مليوني مواطن من حقوقهم الدستورية والسياسية. في الجانب المقابل يروج بعض السياسيين المؤيدين لفتح لشعارات تنطلق من نفس العقلية، بصورة مقلوبة، ترمي لعدم انتماء المواطنين من أصل فلسطيني للأردن، أي السحب خارج العمل السياسي. وما يلفت الانتباه أكثر هو التناغم في عمليتي الدفع - والسحب لقوى سياسية متنابذة، كفتح والإخوان المسلمين، وانضمام ناهض حتر، رغم النصائح المتكررة.
لقد أشارت إحدى الدراسات إلى احتمال عودة 18-20% من الفلسطينيين فيما لو أتيح هذا الحق في الوقت الراهن. والمصيبة الكبرى أن فتح وحماس قد وافقتا فعليا على حل بسقف أدنى من القرار 242 . الاختلاف أن فتح وافقت على المفهوم الإسرائيلي لحق العودة، وحماس وافقت ضمنا، بتأجيل الحل النهائي لمائة عام، فكم تتوقع حماس بلوغ نسبة الراغبين في العودة آنذاك؟ فنتيجة مزايدة حماس تساوي نتيجة تفريط فتح.
إن كل من يحترف العمل السياسي يعلم أن إزالة دولة إسرائيل هو شعار للمزايدات، تخلت عنه فتح وحماس، رغم بعض التباينات الانتخابية والصراع على السلطة في دولة أو دويلة قيد التكوين. لكن لا أحد يجرؤ على مصارحة الجماهير بذلك. وأن الحل المتاح هو ما سبق ذكره. بعض الفصائل ما تزال تتمنع وتزايد لأنها ليست في موقع القرار بسبب وزنها. ولم يصدق أحد الجماهير سوى الشيوعيين. وكان سقفهم المتمثل بقبول قرار التقسيم لفلسطين، مع الإبقاء على الوحدة الاقتصادية لها، مما قد يمهد لوحدة لاحقة، وهو الأفضل من بين الحلول. وكان القبول به صحيحا رغم الإجحاف، وكان موقفا عقلانيا يخلو من المزايدات والكسب الرخيص للجماهير. وكانت الدولة متاحة لولا المؤامرات التي نفذتها الدول العربية آنذاك.
وفي ظل هذه الظروف، فماذا بقي على الجانب الأردني، غير الضغوطات للقبول بالهوان والتعويض تحت تهديد الوطن البديل؟ بيد أن التعويض مرتبط بضرورة الاستحقاق الديمقراطي السياسي، الذي طالما تهرب منه الأردن لثمانين عاما خلت. وهذا الأمر هو ما يزعج الأوساط الرجعية.
وللتخلص من الاستحقاق الديمقراطي، والترويج لسياسة التعويض فقط، تلجأ الأوسط الرجعية إلى الإفادة من الطرح المشوه لأصحاب المبادرة بما يخيف مكونات الشعب الأردني، فالمبالغة في مسألة الوطن البديل تستخدم كفزاعة للمكون الأردني، مع أن الأردن بجيشه ووحدة شعبه لقادر على أن يزمجر في وجهة كل من يريد ابتزازنا كما حصل في معركة الكرامة.
ويتم طرح الإصلاح المزعوم على حساب الأردنيين من أصل فلسطيني، فهم من سيكون خارج اللعبة أو دون حق المواطنة، مما سيؤدي إلى إثارة النعرات الإقليمية، التي هيجها أصحاب المبادرة لإخافة الجمهور. وهذا سيقوي من الزعم باستحالة الإصلاح، بسبب المؤامرات والصعوبات، وأن الشعب لم ينضج بعد للديمقراطية التي ستقود إلى الفوضى، بدليل ما طرحه أصحاب المبادرة. والنتيجة موافقة الجميع على تكريس الوضع الراهن. ونحن نقول لولا هذه المؤامرات والتحديات لما فكر أحد في الإصلاح السياسي، الذي لا يتطلب تعديل الدستور بل تطبيقه فحسب، لمواجهة التحديات.
ومع التذكير بأن الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، فلا نريد في الوقت الحاضر، على أمل أن يعود المتحمسون إلى صوابهم، توجيه أصابع الاتهام. لكن يجب أن يعلموا أن ما يطالبوا به هو تمييز بين المواطنين على أساس الأصل والميلاد، وهو مخالف للمادة 2 من لائحة حقوق الإنسان، وكذلك المواد 7 و 21و 15 إضافة لمخالفة الدستور والقانون والميثاق الوطني. فلا أحد، كائنا من كان، يستطيع سحب جنسية أحد، أو حرمان غيره من العمل السياسي.
ولكن من هو المسؤول عن هذا الوضع؟ وهنا لا يستطيع المرء أن يتجاوز هذا السؤال. الإقليمية هي مشروع عشائري كبير. فمن زرع العشائرية وتغنى بها يحصد الإقليمية. وهو من يتحمل المسؤولية. فيكاد لا يخلو الخطاب السياسي للمسؤولين، وحتى لكتاب يساريين أمثال ناهض حتر في أي مناسبة من الترويج للعشيرة والعشائر، رغم أن العشائر ذاتها طالبت بإلغاء القانون العشائري. إلا أن الحكومات المتعاقبة حافظت عليه وروجت له. ونفذت سياسات اقتصادية واجتماعية لإحياء العشائرية، وتتحمل الأحزاب الوطنية واليسارية المسؤولية بنفس القدر، فهي كانت أكثر من مهادنة لهذا الطرح.
من الضروري نقاش تلك المسائل بانفتاح ودون التهرب من الحوار، بهدف حل المشاكل. وبسبب العقود الطويلة من كم الأفواه والحرمان من الحياة الحزبية، فيأخذ الإصلاح السياسي شكل مشروع ديني أو عشائري أو إقليمي. أما الأوساط الرجعية من شتى الأصول فقد لعبت دائما على هذه الأوتار خاصة الإقليمي منها، وغذتها وذلك لطرح نموذج قذر للإصلاح السياسي، يخيف المواطن ويمجد الوضع الراهن، الذي يكرس سيطرة الرجعية على مقدرات البلاد.
إن الانتهاء من هذه الظواهر السلبية يتأتى بالمزيد من الديمقراطية والحوار والانفتاح، والمزيد من انخراط الجماهير في الأحزاب والعمل السياسي، وتعميق وتجذير الإصلاح السياسي والإسراع به، مما سيزيد من وحدة وتلاحم كافة مكونات الشعب الأردني حول الثوابت الوطنية، بما فيها حق العودة ومقاومة الوطن البديل.
#عمر_شاهين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأوهام القومية, بين الركابي والبستاني
-
معارضة في جيب الموالاة
المزيد.....
-
سوريا.. دوي انفجار بمنطقة المزة في دمشق
-
-لبنان في مرحلة تأسيسية-..جعجع: خطاب نعيم قاسم يشكل تهديدا
...
-
قبل توسيع العملية العسكرية.. إسرائيل تستأنف إمداد غزة بالخيا
...
-
مقتل شرطي في اشتباك مع مسلحين جنوب شرق إيران و-جيش العدل- يت
...
-
أمريكا تغلق أبوابها أمام سكان غزة .. هل وقف التاشيرات قرار م
...
-
مقتل 9 سوادنيين بنيران طائرة مسيرة -للدعم السريع- غربي البلا
...
-
نيويورك تايمز: 6 خلاصات من قمة ترامب وبوتين
-
تهديدات جيوسياسية وأمنية.. لماذا تعارض إيران ممر زنغزور؟
-
أهالي رامز يحتجّون على تهديد حقّهم في المياه جرّاء تحويل منا
...
-
فشل بفحص الرصانة.. رائحة كحول تفضح طيارًا قبيل إقلاعه في الل
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|