أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - كفن الحرير الهندي ... قصة قصيرة















المزيد.....

كفن الحرير الهندي ... قصة قصيرة


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 2542 - 2009 / 1 / 30 - 07:16
المحور: الادب والفن
    



بأطراف أنامله الرقيقة كالزبدة الطرية ’ برقة مسح شاربيه المصبوغين صبغة رأسه المفروق ’ مد الأخرى ليشعل سيكارا طويلا ’ ثم تفحص المسدس المسجي أمامه على طاولة فاخرة ’ رست عليه مزايدتها في استعراض استفزاري أغاض به بعض الخصوم ’ اطمأن على أنه محشو بلا أمان ’ جاهز للإطلاق

أسند الرأس على كرسيه الدوار محركا إياه في كل الاتجاهات

إنها نشوة مشوبة بقلق مفتعل ’ فغدا حفل افتتاح هذا القصر ’ قلعة خص بها نصف الثروة تلك التي هبطت عليه من السماء ’ كما يردد دائما : مصائب قوم عند قوم فوائد ’ وكل ما يكسب من غزو حلال ’ وإن كان المغزو جارا ’ لم يحسب لغدر جاره أدنى حساب

لقد راعى في تصميمه وتأثيثه كل الأذواق والاتجاهات ’ فقاعة الاستقبال الأولى تتصدرها صورته على امتداد الجدار ’ مرتديا الزي الشعبي ’ شاهرا سيفا مطعما غمده بفاخر الأحجار ’ شاخصا برأسه قليلا إلى الخلف ’ في الجانب الآخر مثلها لوالده

بالعقال المقصب الأميري ’ والعباءة المذهبة الحواشي ’ تلاصقه أمه كاشفة خواتمها الثمينة ’ واضعة كفا على كف بشكل مقصود

استدار قليلا نحو الجدار الآخر ’ أمعن النظر طويلا في صور


ودعها أصحابها منذ عقود ’ أحاطتها أكاليل زهور ’ وعبارات

تحكي أنهم شهداء القضية والنضال من أجل المبادئ ’ إنهم أبناء عمومته الذين اتهمهم بالغباء لأنهم لم يساوموا فقالوا : لا للسفاح ’ وغادروا

تاركين له ميراث التشدق بالمآثر والبطولات عند استضافته للسياسيين رفاقهم أو بعض من وسائل إعلام يلتقي بها بالسر

القاعة الثانية أعدها لاستقبال رجال الدين ’ فهو بحاجة لدعمهم باستمرار ’ على جدرانها لوحات تناسب أجواء الدين ’ في الزاوية اليمنى رف مفروش بقماش فاخر استقر عليه كتاب مقدس ديني ’ وفي مواجهة الداخل للقاعة مكتبة من خشب الصاج الراقي ’ رتبت على رفوفها كتب توزعت عناوينها في الدين ’ والتأريخ ’ والأنساب ’ والسياسة التي يكرهها مثل كرهه لأي مثقف أو عالم أو فنان ’ وعلى الشماعة علق الثوب الأبيض

وبعض مستلزمات طقوس ’ بها يوهم الزائر أنه عابد ناسك ’ في عبادته يوصل الليل بالنهار ’ وكسوة رجال الدين جاهزة والهدايا محضرة لكل عيد ’ ليكثروا له بالشكر والدعاء أنى يرحلون

حسنا كان الصنيع إذ أفرد باب القاعة الثالثة من ممر خلفي ’ فهي مستودع الأسرار ’ فيها البار بما لذ وطاب ’ والمسرح الصغير المعد لهز الخصور ’ واستعراض لأجساد نحيفة ’ أجبرها خوى البطون على بيع أثمن ما يملكه الإنسان ’ والضيوف - طبعا - هم أمثاله ممن يسميهم علية القوم ’ لعقد الممنوع والمسموح من الصفقات ’ تلك التي أدرجها في باب ذكاء رجال الأعمال ’ واستياء الزوجة قابل للمساومة ’ فهي مثله تعشق المال ’ من أي مصدر جاء ’ وليطلق عنانها بالسياحة ’ والسفر ’ أو اقتناء نوادر الجواهر والأطيان

غادر الكرسي مطلقا زفرة طويلة ’ أمسك فردة الشباك المفتوح ’ استدار إلى الخلف ’ لابد أن أمرا مقلقا قد أثار لديه رغبة في التجول مرة أخرى في ثنايا القصر ’ ارتقى السلالم المفروشة ’ أطل من الشرفات وقد بدا عليه أنه قد وجد الحل المناسب لما أقلقه ’ زيارة أبناء العشيرة ’ ثقال الدم المتزمتين ’ القادمين من مدن الجنوب ترافقهم زنابيلهم ’ بتمرها ’ والزبد ’ والسمك المجفف ’ أوطحين الرز ’ فهم لا يأكلون إلا الساخن ’ ولا يملون من أحاديث الغابرين ’ والروايات ’ وهذا سهل فلهم أفرد غرفة خارج الدار ’ يجاورها حوض ماء وبعض الطيور الداجنة ’ وابن عمه صيهود الثرثار جاهز لاستضافتهم نيابة عن ابن عمه الكريم عبود

ركل قضبان الشرفة واستدار ليقطع السلالم مثنى وثلاث ’ لابد أن الأمر تلك المرة أخطر من كل الأمور ’ كيف لا وانتخابات مجلس العشيرة على الأبواب ’ ومنصب رئاستها غير جائز أن يغادره إلى أي من أولئك الموظفين الذين يعلقون الوثائق على الجدران القديمة وأطفالهم لايطالون حتى خبز الحصة الأسمر المخلوط بنوى التمر ’ وما تعفن من الشعير المخزون ’ وأشياء أخرى ’ يرقعون ثيابهم نفسها كل موسم أو عيد

ليست مشكلة فهذا مقدور عليه ’ العيد قادم ’ مجموعة من الذبائح تنحر ليطعم منها الجائعون أوغير الجائعين ’ ويرسل الهدايا لبعض أرامل العشيرة - خصوصا منهن الجميلات - وقد يوظف بعض السماسرة للضغط على من لاتلين رؤوسهم من المنافسين ’ وآخر الحلول الكي ’ فهذا صديقه النقيب طارق ’ ضابط المخابرات ’ عبقريته جاهزة لتلفيق ما يختار من تهم يكيد بها الخصوم ’ فحبل المشنقة ملفوف لامحالة على عنق من يدعي أنه - جهرا أو سرا - قد شتم القائد الفذ

أشعل سيجارا ثانيا وهويراقب البستاني الموثوق به ’ شرهان ’ المؤتمن على أخطر الأسرار ’ ذلك الذي استعان به لحفر سرداب داخل غرفة النوم ’ أودع فيه ما اكتنزه العمر كله ’ وماكسبت يداه ’ حلالا كان أم حراما ’ وشرهان هذا متدين ’ فلسا فلسا يعد النقود حتى يحج البيت ’ رغم أنه يعلم بالظاهر والمستور من أعمال صاحبه ’ وولي نعمته عبود ’ لكنه اطمأن عندما استشار مشرعا أجاز له - عند الضرورة - بلع اللسان

’ فالحصار والحرب كافران لايرحمان ’ والله غفور رحيم

نفض السيجار من يده ولم يكمله بعد ’ الظاهر أنه تخلص من كل الهموم إذ لكل معضلة أوجد حلا ’ أطال النظر في المرآة معيدا ترتيب شعره وشاربيه ’ اطمأن على أنه عالي المعنويات ’ أزاح برجله المسدس ’ مد يده اليمنى إلى رزمة أتى بها إليه بالأمس ساعي البريد ’ إنها هدية ثمينة من صديق مقيم بالهند ’ كفن من الحرير الطبيعي ’ يحمي جلده الرقيق من خشونة التراب ’ بعد عمر طويل

أزاح الكفن عنه ولام نفسه بقسوة لأنها طاوعته ففكر بالموت ’ وهو عنه بعيد كما قال البارحة مازحا طبيبه الخاص : أنت عال العال ’ بإمكانك الاقتران بأربع من النساء ’ والخير وافر والحمد لله ’ والسمعة أحيانا تشترى بالمال ’ نم قرير العين ولا تقلق يا عبود ’ خلع الحذاء عن قدميه ومددهما على الكرسي المقابل ’ استرخى قليلا إلى الوراء ’ لم يأبه لوقع الخطوات الرتيبة القادمة من الصالة المجاورة ’ فليس في الدار سوى شرهان ’ وهل يخشى من نفسه الإنسان ؟ ’ أغمض جفنيه ’ وغط بنوم عميق ’ لكنه مختلف هذه المرة ’ إنه بلا شخير



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غن ...يسقط هولاكو
- ألا شلت يمينك يازيدي ... فقد أهنت الحذاءا
- والله العظيم ...لإنه استعمار
- كلا الأخوين ضر ...ولكن شهاب الدين أضر ...من أخيه رجاءنشر هذا ...
- في كل عراقي..وجدت مندائيا


المزيد.....




- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - كفن الحرير الهندي ... قصة قصيرة