أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد زيدان - الحرّيّات الفرديّة 1















المزيد.....

الحرّيّات الفرديّة 1


أحمد زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 2537 - 2009 / 1 / 25 - 06:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحرّيّة “Liberty” هي قيمة شاملة تحوي عدّة استقلاليّات “Independences”، بداية بالإستقلاليّة الفسيولوجية التي تستهلّها رأس الجنين منذ في المهد، و لعلّ هذه الرأس بالتحديد هي التي ستنتزع آخر الإستقلاليّات لنيل حياة الحرّيّة حتّى اللحد: الإستقلاليّة الفكريّة.
فالإنسان ينمو، و ينفش ريش التبعيّة باطّراد بحاسّة غريزيّة نحو البقاء متوطّدة في كلّ عاقل: الحرّيّة. و لا غبار على ذلك لدى كلّ الكائنات.
يكتسب الفرد استقلاليّات جديدة باطّراد مع مرور الزمن، و تزيد عمق و اتّساع استقلاليّاته القديمة، الفرد المتعدّدة، بل و تحتّد رغبته فيهم و تشتّد مطلبه عن سواهم؛ ليكتسب ثاني ما يكتسب، بعد الإستقلاليّة الفسيولوجيّة، الإستقلاليّة العقليّة، أي يكون عقله كاملًا قادرًا على التمييز، لتؤهله فيما بعد لمحوريّ حياته: الإستقلاليّة الماديّة، و من ثمّ الفكريّة.
و إن كانت الحرّيّة كقيمة يُشتقّ منها تعريف الفرد نفسه “Individual” في السياق الحضاريّ الحديث، بعد انقشاع أزمنة العبوديّة بلا رجعة، فكأنّ الفرد بنيله للحرّيّة الكاملة يستعيد شجرة تطوّره الحضاريّ عبر ملايين السنين في ستّة عشر عامًا، أو أقلّ، حتى وقت بلوغه تمامًا. و علاوةً على ذلك، فإنّ الإستقلاليّة الماديّة تسبق الفكريّة و لاشك؛ لأنّ الفرد لا يجنح للفكر إلّا بعد إشباع حاجاته كاملةً، و التي توفّرها الإستقلاليّة الماديّة، و هو ليس بمعزل في هذا الصدد عن الإنسان البدائيّ الذي لم يستخدم عقله في بناء الحضارة الحديثة إلّا بعد إشباع حاجاته الأوليّة، و لهذا سبقت الحضارةَ الصناعيّةَ، الحضارةُ الزراعيّةُ و التجاريّةُ في كلّ أنحاء العالم المتحضّر.
و إنّ كان البلوغ و العقل هما الشرطان الرئيسيّان اللتان تقودان للحرّيّة كقيمة أساسيّة و نهائيّة يستكمل بها الفرد كيانه النهائيّ اصطلاحيًّا و عمليًّا، فإنّ الحرّيّة الفردية “Individual Liberties” للفرد، و لكلّ فرد على حدة، هي الشرط الرئيسيّ لتوالي الحرّيّات الإقتصاديّة و السياسيّة لمجموعة أفراد، و من هنا سوف نناقش حقوق الفرد الطبيعيّة “Natural Rights” المتمثّلة في حرّيّاته الفرديّة، و التي تنطبق على كلّ فرد بالغ و عاقل على حدة، بلا أدنى تمييز لأيّ سبب كان.

الفرد، و أسرته، هو وحدة المجتمع الرئيسيّة، و أصغر أقليّة في تركيب المجتمع التشريحيّ، و مجتمع ينبذ، أو يتجاهل، أو يميّز ضد أقليّاته هو مجتمع غير حرّ، و حتى إن بدى عكس ذلك.
نتيجة واحدة لما أسهبنا في ذكره الآن: إن استكمل الفرد استقلاليته الفسيولوجيّة، و من ثمّ العقليّة، و من ثمّ الماديّة، و من ثمّ الفكريّة، صار فردًا حرًّا، و إن لم، فهو لا يزال عبدًا، و لم يرتقِ بعد لما ارتقاه أسلافه: الحرّيّة.

الحقّ الرئيسيّ “Fundamental Right” لأيّ فرد هو حقّ الحياة “Right to Life”، و من ثمّ تملُّك ما ينتجه هذا الفرد خلال حياته من منتجات أو أفكار “Property Rights”، و لا شكّ بأنّ الحياة و المِلكيّة، الماديّة و الفكريّة، هما أساسان الحقوق الفرديّة جميعًا “Individual Rights” و اللتان تندرج تحتهما كلّ و أيّ حقّ آخر؛ لأنّ فرد لا يتحكّم في حياته، و لا يملك ما ينتجه هو عبد “Slave.”
أمّا الفرد الذي له حقّ التحكّم بحياته، و بممتلكاته هو الفرد الحرّ الذي نتطلّع إليه من خلال مقالاتنا هذه، و لتكن التزام الفرد بالحقوق الفرديّة هي حماية كافية له ضد كلّ الأفراد الأخرى.
أودّ أن أختم هذه المقدّمة بتعريف الحياة، هذه الحياة التي هي الحق الأوّل لكلّ فرد على حدة، فالحياة، بحسب الفيلسوفة الأمريكيّة آيان راند، هي عمليّة حفاظ الذاتيّ (قد تكون نفسها غريزة البقاء التي أشرنا عنها قبلذاك) و إستهلال ذاتي للأفعال*.

*الحرّيّة و المجتمع:

المجتمع ليست هذه الهالة المقدّسة التي تضفيها لفظته بديهيًا، فهو اصطلاحيًّا مجموعة أفراد يعيشون في نفس الزمان و المكان، فهي لا تحمل بين طيّاتها أي أبعاد أخرى، غير توصيف لحالة أفراد يتعايشون مع بعضهم الآخر، و الكلمة نسبيّة جدّ، فقد تصير، مع هذا، المدرسة مجتمعًا، و النادي مجتمعًا، و المصنع مجتمعًا، و المدينة مجتمعًا، و الدولة مجتمعًا، بل و مجازًا تطلق لفظة المجتمع الغربيّ أو المجتمع الدوليّ.
و المجتمع ككلمة لا تكفل، أو تمارس، في ذاتها أيّ تمييز سواء معنويّ أو ماديّ ضد الأقليّات، بل الفرد، و هي لا تنتج أو تقدّم أيّة منتجات أو خدمات، بل الفرد، و هي أيضًا لا تشكّل فكرًا و لا توجّهًا و لا ثقافة في ذاتها، بل الفرد – أي أنّها خاوية من أيّة معنى إلا ما يضفيه عليها الفرد، و لذا فالمجتمع الراقي هو ليس إلّا أفراد منتجين، و المجتمع المتخلّف ليس إلّا أفراد خاملين.
و بالتالي فقد نستخدم اللفظة مجازًا للدلالة على مجموعة أفراد، و لكن بغير الإشارة إلى ثقافة مشتركة، أو مؤثّر واحد، أو محرّك جماعي، لأنّ كلّ فرد هو مصدر ثقافة نفسه، و هو المتحكّم في مدى استجابته للمؤثّرات من حوله، و لا سيّما في ظلّ هذه الثورة التكنولوجيّة التي نعيشها حاليًا و التي تسهّل على كلّ فرد التعرّض لمؤثرات لا حصر لها قد تختلف البتّة عن فرد مقابل يحيى في نفس المجتمع، بخلاف المجتمعات البدائيّة الذي كانت السيطرة فيها على الأفكار و المعتقدات شبه مركزيّة. بل و أنّ الفرد نفسه محرّك نفسه، نظرًا لغريزة البقاء عن طريق إشباع الحاجات التي تحرّك كلّ فرد حرّ.
أودّ عرض استنتاج مهمّ من هذا المقطع الأخير: حضارة العالم تتّجه في اتجاه مجتمعات فرديّة “Individualist Societies” يكون فيها الفرد هو النواة الرئيسيّة للمجتمع، يكون الفرد فيها حرًّا داخل مجاله لبخاص**، و يمتلك الفرد فيها حياته و إنتاجه الماديّ و الفكريّ، و بحيث تتشكّل علاقاته مع الأفراد الآخرين عن طريق التبادل الحرّ المباشر “Voluntary Exchange”، برعاية قانون يساوي بين جميع الأفراد في حقوقهم الفرديّة، أو قد نطلق على هذا النوع من التبادل: التعاون عن طريق المنافسة و التبادل الإراديّ*** و التي ناقشناها في مقالات سابقة.

الحرّيّة التي ترسم بانتظام حدود العلاقة ما بين الأفراد داخل مجتمع ما، بشقيّها الإيجابي الذي يكفل لكل فرد حرّيّة مطلقة داخل مجاله الخاص**، و السلبيّ الذي يحتّم على المؤمن بالحرّيّة احترام المجال الخاصّ للفرد المقابل. فمفهوم "أنا حرّ" له ثنائيّة دلاليّة؛ ففي المعنى القريب تنطبق المفهوم عليّ شخصيًّا، و في المعنى البعيد تنطبق على شخص مقابل لي تمامًا يردّد نفس الكلمة ضمن مجتمع حرّ يتداخل فيه الفرد باختياره الحرّ “Voluntary Contract” مع أفراد آخرين، أو لا يتداخل، تمامًا كدوائر متداخلة “Overlapped Circles”، مركزها النفس “Self” و مجال تداخلها مع دوائر أخرى قد يكون لمصلحة مباشرة ماديّة أو معنويّة “Self Interest”، أو لأيّ سبب آخر تحت مسمّى أيّة قيمة نسبيّة بين الأفراد المتداخلين كالحبّ “Love” أو الصداقة “Friendship”، و أمّا عمق التداخل فهو نابع من إرادة كاملة من هؤلاء الأفراد المتداخلين “Free Will”

و لتكن العلاقة بين الأفراد في مجتمع حرّ تكتمل بهذا المفهوم: "حرّيّتك في تحريك قبضة يديك تقف تمامًا عند حدودي****،" و هو المفهوم الواسع الذي سيشكّل فيما بعد طفرة هائلة المدى على السلوك الإنسانيّ، بل و تندرج تحته كافّة القيم الأخلاقيّة للفرد الحرّ “Virtue”.
فالحرّيّة المطلقة داخل مجاله الخاصّ**، هي نسبيّة جد عند تداخل هذا الفرد مع أفراد آخرين، بمعنى آخر، فأنت حرّ، أوّل ما تكون حرًّا، على نفسك، و من ثمّ على مالك أو ممتلكاتك الشخصيّة، و من ثمّ على إبداعك الفكريّ؛ فكونك حرًّا تعني أنّه في إمكانك الإنتحار، و لكن ليس في قتل فردًا آخرًا. و كونك حرًّأ تعني أنّه في إمكانك العمل بدون أجر طواعيةً، و لكن ليس في إجبار فرد آخر، أو استعباده، للعمل بدون أجر. و كونك حرًّا تعني أيضًا أنّه في إمكانك عرض إبداعك الفكريّ بلا حظر للنسخ أو النشر، و لكن ليس في سرقة عمل إبداعيّ آخر محفوظ “Copyrighted.”
و الحرّيّة آنذاك تشمل حرّيّة الإعتقاد، التفكير، التعبير، أو الإعلان الجهريّ عن هذه الأفكار و المعتقدات، أو حتى في التبشير على مرأى و مسمع من المجتمع “Preaching”، مادامت لم تصاحبها عنف أو قسر.
و قد نستلخص ممّا مضى أنّ المجتمع ليس الذي يمنعك من ممارسة القتل أو الإعتداء على ممتلكات الغير، و لكن حق الغير في الحياة و التملّك هما اللذان يمنعانك. فحرّيّة أيّ فرد، و كلّ الأفراد مجتمعين، غير مصونة في مجتمع يتمّ الإعتداء فيه على حرّيّة فرد واحد، أو كلّ الأفراد مجتمعين. و على الفرد احترام حق الآخر في الحرّيّة إذا أراد أن يحيا هو نفسه بحرّيّة.
إذن، فالحرّيّة التي تكفل هذا النوع من الرقيّ في التعامل الإنسانيّ بدون عنف و لا إجبار، هي الحرّيّة التي تشعر معها أنّك فردًا و ليس عبدًا، و أنّك المتحكّم الأوّل في مصيرك، و ليس طرفًا خفيًّا، بإرادتك الحرّة “Free Will.”


*Life is a process of self-sustaining and self-generated action

**Within your sphere of your own rights, your freedom is absolute

***Cooperation through competition and voluntary exchange

****Your freedom to move your fist is limited to the proximity of my own chin



#أحمد_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقتصاديات التمييز 4
- إقتصاديات التمييز 3
- إقتصاديات التمييز 2
- الفصل العنصري يبدأ بحصص الدين و لا ينتهي عندها
- إقتصاديات التمييز 1
- عقل موديل 1200
- إيماناً بالمرأة


المزيد.....




- تبدو مثل القطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أد ...
- -مقيد بالسرية-: هذا الحبر لا يُمحى بأكبر انتخابات في العالم ...
- ظل عالقًا لـ4 أيام.. شاهد لحظة إنقاذ حصان حاصرته مياه الفيضا ...
- رئيس الإمارات وعبدالله بن زايد يبحثان مع وزير خارجية تركيا ت ...
- في خطوة متوقعة.. بوتين يعيد تعيين ميشوستين رئيسًا للوزراء في ...
- طلاب روس يطورون سمادا عضويا يقلل من انبعاث الغازات الدفيئة
- مستشار سابق في البنتاغون: -الناتو- أضعف من أي وقت مضى
- أمريكية تقتل زوجها وأختها قبل أن يصفّيها شقيقها في تبادل لإط ...
- ما مصير شراكة السنغال مع فرنسا؟
- لوموند: هل الهجوم على معبر رفح لعبة دبلوماسية ثلاثية؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد زيدان - الحرّيّات الفرديّة 1