أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل















المزيد.....

ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 2531 - 2009 / 1 / 19 - 08:31
المحور: الادب والفن
    




ولدت فى قرية فى وجه بحرى بها كنيسة واحدة, تقع بالقرب من منزل جدى. وكنت أسمع فى طفولتى صوت أجراسها يملأ الفضاء. وعندما كان جدى يستيقظ ويهم بالوضوء, ظننت أن الأجراس تحتفل به وتناديه للصلاة. ربما كانت, ولما لا؟

فى قرى مصر ونجوعها, تجد صوت أجراس الكنائس يمتزج فى توافق تام مع الآذان للصلاة من المساجد. دعوة لكل تائه. وشفاء لكل نفس معذبة. وتجد أهل الريف المسلمين, يقومون بوضع الكحل فى عيون أطفالهم, احتفالا بسبت النور. حتى لا يؤذيها الضوء المنبعث من قبر السيد المسيح, كما هو الإعتقاد عند إخواننا المسيحيين. ولقد رأيت بعينيى فى الخمسينات الفلاحات وهن يحملن أطفالهن, ويأتين أفواجا وزرافات إلى جدتى, لكى تضع الكحل فى عيون الأطفال. وعندما سألتها لماذا؟ أجابت" يا إبنى سبت النور". فظننت أنه عيدا إسلاميا.

ونجد الفلاحين المسلمين يحتفلون بعيد القيامة وعيد الميلاد المجيد, بتعليق سنابل القمح الجافة وسعف النخيل على الأبواب والنوافذ. هذا ما رأيته أيضا بنفسى أثناء طفولتى. وتجدهم أيضا يأكلون السمك يوم الجمعة من كل أسبوع. وهى عادة لا تزال سارية فى بلدتى حتى الآن.

البلدة كلها, أقباطها ومسلموها يأكلون السمك يوم الجمعة, وهم لا يعلمون السبب. عادة لا تزال سارية منذ أكثر من ألف سنة. إكتسبوها عندما كانت مصر, جل أهلها تدين بالمسيحية. ونحن المصريون الآن, أو إلى أن غادرت مصر فى نهاية الستينات, لازلنا نحتفل جميعا بعيد الغطاس, بشراء قصب السكر والبرتقال فى كل عام. ونجد أيضا الإخوة المسيحيين, يعملون الكحك والكنافة والقطايف طوال شهر رمضان. أليس هذا كله دليلا على أننا شعب واحد؟

عيد شم النسيم, هو فى الأصل عيد مصرى قديم, منذ أيام أجدادنا الفراعنة. كان قدماء المصريين ينتظرون إلى أن يكتمل البدر فى منتصف فصل الربيع. ويتخذون هذا اليوم عيدا للربيع. لماذا؟ لأنهم يريدون أن يختاروا أجمل أيام السنة. يوما يعتدل فيه الجو, ويغمر بنوره الكون ليلا ونهارا.

عندما يكون القمر بدرا, يشرق بعد غروب الشمس مباشرة. ويغرب قبل شروقها فى اليوم التالى مباشرة. وبذلك يكون يوم شم النسيم يوم الضياء الذى لا ينقطع, مدة 24 ساعة.

كان عيد الربيع هذا عيدا قوميا كبيرا من أعياد هذا الشعب العظيم. يحتفل به بتلوين البيض بألوان الطبيعة والحياة. وأكل السمك المملح والملانة والخص. تخرج الأسر بأطفالها إلى الحقول للتريض وشم النسيم العليل, والفسحة على الأقدام وركوب المراكب الشراعية فى النهر المقدس.

عندما دخلت المسيحية مصر, وتصادف وقوع عيد الربيع فى فترة صيام الأقباط, وحتى لا يلغى الإحتفال بالعيد القوى العظيم, كان لا بد من تأجيل ميعاده إلى ما بعد إنتهاء الصيام. لذلك تقرر أن يكون يوم الإثنين, التالى ليوم الأحد, عيد القيامة عند الأقباط. لهذا أرى أن عيد الربيع هو عيد الوحدة الوطنية, ورمزا من رموزها الحقيقية على مر التاريخ. وهو أجمل وأصدق فى رأيي من شعار الهلال والصليب.

لم نسمع فى التاريخ القديم منه والحديث, بقيام هجرات جماعية من الدول العربية أو الإسلامية إلى مصر. كما حدث ويحدث فى فلسطين وأمريكا وكندا واستراليا. يمكن أن نستدل منها على أن المصريين المسلمين, هم جنس آخر غير جنس المصريين الأقباط. فى الواقع كلمة قبطى تعنى مصرى ولا تعنى مسيحى.

القصة كما ترويها لنا كتب التاريخ, هى أن مصر كانت قبل الميلاد, تدين بعدة ديانات مختلفة فى آن واحد. مصر القديمة عرفت التسامح الدينى قبل أى شعب من شعوب الأرض. على أرض الكنانة, كانت ديانات إيزيس وآمون ورع وست ومعابدهم المختلفة وكهنتهم المخلصين, يتعايشون فى سلام ومحبة منذ فجر التاريخ.

حينما حاول إخناتون فرض ديانته الجديدة بالقوة على باقى الأديان, فشل وإنتصر التسامح الدينى. وكان المرضى الذين يدينون بديانة آمون, يذهبون إلى معبد إيزيس طلبا للبركة والشفاء العاجل. كذلك الذين يدينون بديانة إيزيس, يذهبون إلى معبد الكرنك طلبا للعفو والمغفرة. وكان الكل يطلب الخلود بالتمسك بالخلق القويم, والعمل الصالح والبعد عن الخطيئة. ويطلب الرحمة لأمواته, بزيارة القبور وتوزيع الوجبات والصدقات على أرواح موتاه. وهى عادة لا تزال قائمة بيننا إلى اليوم. وتجد الآن, آلاف المسلمين تشارك إخوانهم المسيحيين الإحتفال كل عام, بمولد القديس الرومانى مارى جرجس فى أرمنت محافظة قنا.

كان أعز أصدقاء والدى رجل قبطى إسمه "رمزى تكله". فى يوم من الأيام وأنا صغير, رآنى أركب القطار. فاقترب منى لكى يسألنى عن والدى وسبب سفرى بمفردى. ثم فجأة وجدته يطلب منى تغيير مكانى فى القطار. وكنت أجلس مستريحا بجوار النافذة. وقال لى بعد أن إنتقلت, أنه لاحظ أن الرجل الذى يجلس أمامى فى القطار مريض ودائم السعال. فخاف أن تنتقل العدوى لى. إنه كان يعتبرنى مثل إبنه تماما.

كان أحب المدرسين إلى قلبى, الأستاذ خليل القبطى مدرس الرياضيات. وكان هو السبب فى حبى لهذه المادة, التى جعلتها دراستى وتخصصى. وكان أحب مدرسى الجامعة إلى قلبى, الدكتور ملتيادى حنا. الزعيم الوطنى, وأول مصرى يحصل على درجة الماجستير فى الرياضيات, أيام الإحتلال البريطانى.

وكان أثناء المحاضرات, يذكر لنا ذكرياته وكفاحة ضد الإنجليز. إذا كانوا لا يحرصون على تقدم البلد وإزدهارها. فحينما عاد من بعثته من إنجلترا, وبدلا من أن يأخذ مكانه المناسب فى المعاهد العليا, أرسله الإنجليز للتدريس فى المدارس الإبتدائية. وأيضا الدكتور فهمى إبراهيم والدكتور حليم مقار, وغيرهم الكثير من ذوى العلم والخلق. فمن منا لم يتعلم على أيدى مدرسين أقباط. ومن منا من لم يعالج بأطباء أقباط؟

كنت فى مصر أقف أمام منزل العائلة. فجاء رجل قبطى كان يسكن فى الشارع الخلفى, ومعه خرطوم طويل جدا ملفوف من البلاستيك الشفاف. وطلب منى بأدب أن أصل الخرطوم بالصنبور حتى يستطيع ملأ خزان المياة فى داره. لأن منزله ليس به مياة. ولكى تصل مياة المجلس إلى داره, عليه أن يدفع مصاريف التوصيلة من الشارع الرئيسى. وكان هذا فى غير مقدوره.

المهم, رحبت به, وقمت بوصل بداية الخرطوم بالصنبور الأرضى بمنزلنا. ونظرت فوجدت الخرطوم طويل جدا ومتهالك وملحوم وبه العديد من الثقوب. يمتد فى الشارع, وعلى الأرض مسافة لا تقل عن 100 متر. وما أن تدفقت المياة فى الخرطوم, حتى وجدت المياة تخرج من كل مكان. ولا يمكن أن تصل إلى نهايته.

وقف الرجل حائرا لا يدرى ماذا يفعل. ووقفت حائرا بجواره. وإذا بسكان المنطقه الذين كانوا يشاهدون التجربة من البلاكونات. يهرولون بالمساعدة, يحضر بعضهم شرائط لاصقة من داره, وآخرون يحضرون حبالا وقطع قماش وأسلاكا. وقاموا فى خلال دقائق معدودة, بعلاج كل الثقوب والتمزقات التى كانت بالخرطوم.

هذه أخلاق الشعب المصرى وغريزته الموروثة التى لا تعرف قبطى ومسلم, من عهود القدم, والتى نكاد نفتقدها بغبائنا وجهلنا.

من قال أن الشعب المصرى ينقسم إلى قسمين, أقباط ومسلمين؟ وأين حدود القسمة بالضبط؟ إذا كانت موجودة, أريد أن أراها أو يدلنى عليها أحد. إذا كانت جينات الإنسان تتفق مع جينات قرود الشمبانزى إلى درجة مذهلة, فهل يمكن أن نأتى الآن ونقول أنه هناك فرق بين جينات القبطى وجينات المسلم؟ الفرق بين القبطى والمسلم لا يوجد إلا داخل عقولنا المريضة وقلوبنا السوداء.
إذا جلس مسلم مصرى بين أقباط مصريين, هل تستطيع أن تعرفه وتميزه وتقول هذا هو المسلم؟ وإذا حدث العكس, هل تستطيع أن تتبين القبطى بينهم؟

أربع رضعات, أو خمسة مشبعات من نفس الثدى, تجعل الطفلين أخوين. فما بالك بمن يأكلون من نفس الأرض ويشربون من نفس النهر جل عمرهم. أليسوا إخوة وأخوات. يا عالم فهمونى. هل بسبب حبى لمحشى الكرنب, أكفِّر اللى يحب محشى الباذنجان؟ وهل من المعقول أن يكِّفر الأهلاوى الزملكاوى؟ ومال الخلطابيطا الموجوده فى رؤوسنا وشغلانة الوطن والمواطنة؟


يا سيدى الوطن أهم من الدين. (قد يختلف كثير من السادة القراء معى فى هذا الرأى, ولكن إختلاف الرأى لا يفسد للود قضية). الوطن(Hardware) والدين (Software). الوطن حقيقة, والدين خيال. الوطن ثابت, والدين متغير. وشوف كام دين مروا بمصر منذ فجر التاريخ. لكن ظلت مصر وطنا واحدا بحمد الله. إنك تستطيع أن تعيش بدون دين, لكن لا تستطيع أن تعيش بدون وطن. إسألوا الفلسطينييين إن كنتم فى شك. الحيوانات ليس لها دين, لكن لها وطن تدافع عنه حتى الممات.

ماذا يضير المسلمين لو حول كل قبطى داره إلى كنيسة؟ ولماذا العسف فى موضوع بناء الكنائس هذا؟ أليس من حق كل واحد ممارسة دينه بحرية وأمان؟ ولكم دينكم ولى دين.

وإيه موضوع الخط الهمايونى اللى عامل الدربكة الفارغة دى؟ يا ناس عيب. وعيب التخلف الشديد ده. هذه بواقى ورواسب العصور الوسطى, وعصور الإنحطاط. المطلوب قانون واحد وبس. ينظم شئون دور العبادة, وينطبق على الجميع. صعبة دى؟ يعنى لازم نجيب جورج بوش يخبطنا على نافوخنا علشان نفهم؟

إيه لازمة خانة الدين فى البطاقة الشخصية؟ علشان وعلشان. طيب ياسيدى إعمل بطاقتين. واحدة خاصة تصلح للزواج والوفاة والمستشفيات, الخ. وأخرى عامة للوظائف والأمور المدنية. الهدف من إزاحة هذه الخانة الرديئة من البطاقة الشخصية, هو محاربة التفرقة البغيضة بسبب الدين, والتى لا نستطيع إنكارها.

لماذا الإصرار على النص فى الدستور, على أن يكون للدولة دين؟ عمرى ماشفت دولة لها دين. الدين يكون للأفراد وليس للدول. الدول لها قوانين ودساتير وميثاق وطنى وعقد إجتماعى, لتنظم العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. لكن أن يكون للدولة دين, فهذا أمر عجب. يعنى الدولة تقدر تصلى وتصوم وتحج وتقيم الشعائر زينا؟ وهل الدول العلمانية, سكانها كفرة لا دينيين؟ إيه رأيك أن الدول العلمانية, هى التى تحمى الأديان, وهى التى تمارس فيها شعائر الأديان وطقوسها بحرية وأمان.

إذا كان دين الدولة الإسلام, فما هو وضع الإخوة الأقباط وغير المسلمين؟ فى هذه الحالة, هم ليسوا مواطنين مصريين, إنما متسللين أجانب. فمن يرضى بهذا الوضع المذرى. لو كانت الأغلبية من الأقباط, فهل يقبل المسلمون أن يأتى دستور أو قانون, يصنفهم على أنهم غير مواطنين وخارج اللعبة.

ما يمنعنا من إصدار قانون يجرم التفرقة بسبب الدين, كما هو الحال فى كل بلاد الدنيا؟ تكون عقوبته رادعة لكل النفوس المريضة الغبية, التى تتسبب بغبائها فى ضياع الأوطان.

هل هناك سبب بيولوجى أو منطقى أو نفسى, يمنع أن يكون رئيس الدولة أو رئيس الوزراء قبطى, متى ثبتت كفاءته لهذا المنصب؟ الرئيس الأمريكى أوباما, أسود من أصل أفريقى. تم إنتخابه عندما تبين للشعب الأمريكى أنه الأكفأ بين المرشحين. ونحن لا نقل عن الشعب الأمريكى كأفراد, وجذورنا الحضارية أعمق وأصلب.

عندما يحدث شجار بين مسلم وقبطى, ويعتدى أحدهما على الآخر, تقوم الدنيا ولا تقعد. ويحضر البابا وشيخ الأزهر. ووزير الداخلية أو كبير الأمن. وكبار الأعيان والعائلات. الكل يدلى بدلوه ويلقى من الشعر أعذبه وأكذبه. وينتهى الهرج والمرج بالمصافحة والأحضان وكله تمام. ولا يأخذ الجانى جزاءه. ويظل المواطن القبطى يغلى بسبب إحساسه بالظلم والغبن. يا سادة هذا تهريج وفوضى. إذا إعتدى مواطن على آخر, ما دخل هذا بمنظومة القبطى والمسلم. ولماذا لا يأخذ الجانى عقابه وفقا للقانون وينتهى الأمر.

مشكلة الأقباط موجودة لأن الدولة ليست ليبرالية وعلمانية. الدول الليبرالية والعلمانية ليس فيها هذا الهراء. ومطالبة الإقباط بحقوقهم خارج نطاق هذا الإطار, هو مضيعة للوقت. ويعرض أمن الوطن للخطر. لأنه يعمق الإستقطاب بين الأقباط والمسلمين. فهل يكون الأقباط سعداء إذا أخذوا حقوقهم كاملة, وتحولت مصر إلى دولة دينية مثل إيران؟


القضية هنا أكبر من أن تقتصر على حقوق الأقباط المهضومة. بقدر ما هى حقوق المصريين المسلوبة. الدفاع عن الحقوق هنا لا يجب أن يقتصر على فئة معينة. إنما يجب أن يكون لكل المصريين. فالحق لا يتجزأ. والعدل لا يختلف بالنسبة للمسلم والقبطى. وحقوق الإنسان قضية عامة تنطبق على كل الأفراد. رجل أو إمرأة. مسلم أو قبطى. بهائى أو شيعى أو يهودى. فعلينا أن نثبت للعالم أننا شعب أرقى من صهاينة بنى إسرائيل.

تقسيم الشعب وتجزئته إلى دوائر كبيرة وصغيرة, مربعات ومثلثات, سوداء وحمراء وخضراء, يخلق مفهوم نحن وهم. فكل من بداخل الدائرة لنا. وكل من بخارجها علينا. من هنا تأتى العداوة والكره والحقد بين أفراد الشعب الواحد.

هناك نوع من الطيور ليس له عش بالمعنى المفهوم. لكنه يضع بيضه(إثنين أو ثلاثة) على الصخر. ويحيطه بدائرة من إخراجه. وعندما يفقس البيض, يقوم الفرخ الأقوى بدفع الآخرين خارج دائرة العش. وبالرغم من أن العش ما هو إلا دائرة على الصخر, مرسومة بإخراج الطائر, إلا أن الأبوين لا يعترفان إلا بمن يوجد داخل العش. أو بمعنى أصح, من بداخل الدائرة. ويظل الطاغى الصغير, ينعم بحماية وحنان الأبوين ورعايتهم له, بما يقدمانه من غذاء ودفء. ويظل أخواته الأبرياء تصرخ جوعا, وهى على بعد خطوة واحدة من العش. إلى أن تموت أو يلتهمها حيوان آخر. فهل يمكن أن نتخلص من دوائر الإخراج, التى نسجن أنفسنا داخلها؟

جهود الأقباط, وجهود الشعب المصرى, يجب أن توجه فى إتجاه علمانية الدولة وليبراليتها. لكى نرجع كما كنا قبل عام 1952م.

عندما تغرز العربة فى الوحل, يكون من الأفضل الرجوع للخلف أولا, قبل التقدم فى الطريق الصحيح. لأن الدوس على البنزين سوف يجعل العجلات تدور على الفاضى, ونظل فى مكاننا محلك سر.
قد يكون التعصب والتمييز بسبب آخر غير الدين. وأذكر فى شبابى أن تقدمت للدراسات العليا فى معهد التخطيط القومى بالدقى. وقد كان فى بداية إنشائه. وكان القبول بدون إمتحان قدرات, بشرط الحصول على بكالوريوس علوم أو هندسة بتقدير جيد. وعند إعلان أسماء المقبولين بالمعهد, وجدت جميع الطلبة المقبولين كلهم وبدون إستثناء من خريجى جامعة القاهرة. ولا واحد, وأنا منهم, من جامعة عين شمس أو الإسكندرية أو أسيوط.

قد إتضح أن إدارة المعهد كلها من جامعة القاهرة وأرادت المجاملة. ليس هنا مسلم وقبطى فى القصة, وإنما جامعة مصرية حكومية وجامعات أخرى مصرية حكومية. وهذه هى للأسف طبيعة مجتمعاتنا المتخلفة المريضة نفسيا. ونحن هنا لا نتخير عن أولاد عمومتنا العربان. فلهم باع طويل وأصل ثابت فى قضايا التفرفة والتمييز العنصرى هذه.

هناك مشاكل كثيرة مثل مساواة المرأة بالرجل, وحقوق الأقليات الأخرى الدينية. البهائيون وغيرهم. وهى قضايا هامة أيضا, تنتظر من يثيرها ويتبناها. ولقد قلت فى إجتماعات كثيرة مع الإخوة الأقباط, أن مشكلة مصر, هى ليست حقوق الأقباط أو حقوق البهائيين, بمعزل عن حقوق الشعب المصرى جميعه. كل مشاكل الأقباط والأقليات سوف تحل من نفسها, إذا أخذ الشعب المصرى حريته, وأضاءت ربوعة مبادئ التنوير والليبرالية.

مبادى التنوير هذه, ليس لها أى علاقة بساسة أوروبا وأمريكا الحاليين. فهؤلاء مخلوقات ميكافيلية تؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة. لا تعرف شيئا عن المبادئ والقيم والأخلاق. وانظر مواقفهم من قضايا الشرق الأوسط وفلسطين. فهم يحلون ويبررون السرقة والقتل. ويستبيحون نهب ثروات الشعوب الآخرى.

لكن, عندما نتحدث عن فلاسفة التنوير, فنعنى العلماء والحكماء, الذين عاشو فقراء وماتوا فقراء. لكنهم خدموا الإنسانية. وحملوا مشاعل الحرية والعدل والمساواة على أكتافهم. وأضاءوا بفكرهم الراقى ظلمات العقل على مر العصور والأزمان.

إن أعاصير السموم تهب علينا من كل واد. ولا تجد مأوى ومرتع إلا الجانب المظلم من نفوسنا. قوى الشر تحيق بنا من كل حدب وصوب. توشك أن أن تقضى على ما تبقى لنا من أمن وخير. وتأبى إلا أن ترانا فى أسوأ حال وأحط منزلة. ماذا يراد بنا بعد أن فقدنا هويتنا وأصالتنا؟ وصرنا كالعجماوات, نقلد بغير إدراك أو فهم. وماذا يبغى أعداؤنا بنا؟ بعد أن فقدنا الصدارة, ورضينا قانعين بمكان هزيل غير مريح آخر الصفوف. أليس من حقنا وواجبنا التساؤل؟



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الحجاب سبب تخلف المسلمين؟
- جورج دبليو بوش - كلمة واجبة قبل الرحيل
- الشيخ على عبد الرازق - الإسلام وأصول الحكم
- ساسة إسرائيل والعرب
- تأملات فى المسألة التعليمية
- نحن وفكر التنوير
- علم الرياضيات ورحلة البحث عن الحقيقة
- الفرق بين المرأة والرجل
- أحمد لطفى السيد - أستاذ الجيل الذى رفض عرش مصر
- أزمة العقل فى بلادنا
- نظرية التطور و نظرية الخلق
- هل الإنسان أصله قرد؟
- الحضارة الغربية ومستقبل الثقافة فى مصر
- الخرافات والتفكير العلمى
- هل نحن أحرار فى بلادنا؟
- طه حسين والشعر الجاهلى
- المدفأة - قصة قصيرة
- تأملات فى الدين والتدين
- عمرو خالد ومحنة الشباب
- عالم المخلوقات الصغيرة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل