تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2517 - 2009 / 1 / 5 - 07:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تهل علينا الذكرى الرابعة لتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام في 9 يناير2005 م ، والبلاد مازالت تراوح مكانها اذ لم يتم تنفيذ الجانب الاساسي من الاتفاقية والتى تشكل لبها وجوهرها المتمثل في التحول الديمقراطي والحل الشامل الذي يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد ويستبدل ليس الحرب بمجرد السلام ، بل ايضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الاساسية للشعب السوداني ، كما جاء في بروتوكول مشاكوس الموقع في 20 /يوليو/2007 م ، هذا اضافة لعدم حل قضية ابيي رغم الاتفاق الأخير بعد انفجار الاوضاع فيها، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وعدم الشفافية حول عائدات النفط ، وانتهاك الحقوق والحريات الاساسية وافراغ وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م من محتواها، حتى اصبحت حبرا على ورق، مما ادى الى انفجار الوضع بتجميد الحركة للشراكة في الحكومة المركزية والمناصب الدستورية عشية عيد الفطر المبارك في نهاية العام 2007م ، مما ادى لاعادة الجدولة ، رغم تلك الجدولة أو المصفوفة الجديدة ، الا أن الحكومة قدمت ميزانية العام 2009م التى لن يجنى منها شعب السودان غير المزيد من التدهور في اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتى اجازها المجلس في دورته الاخيرة، وبالتالى لم يتم شئ في جوهر الاتفاقية من زاوية التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والتنمية، رغم المصفوفة واعادة الجدولة ، فالمسكنات ماعادت تجدى ، وقضية الوطن لاتحتمل المراوغة ، بل اصبح من الضروروي لتجنيب البلاد مخاطر العودة لمربع الحرب تنفيذ الاتفاقية وعدم نقض العهود والمواثيق.
اذن استمر النظام في سياسته التقليدية كما في اجازة ميزانيتي الاعوام 2006 ، 2007 م، 2008م، 2009م والتى زادت الشعب السوداني رهقا على رهق ، اما ميزانية هذا العام ، فلا تبشر بأى انفراج في اوضاع الناس المعيشية ، بعد انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط والذي اصبح يشكل 90% من الصادر السوداني، ومايلوح في الافق من الكساد العالمي والذي يرتبط بتشريد العاملين وتخفيض اجورهم، وبالتالى تظل مفارقة لاهداف اتفاقية نيفاشا التى اوقفت الحرب وبشرت بتحسين احوال الناس المعيشية والاقتصادية والتحول الديمقراطي والعمل من اجل تحقيق الوحدة الجاذبة. ، في حين كان يتوقع الناس أن تذهب عائدات البترول لدعم القطاع الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص عمل لالاف الشباب الخريجين العاطلين عن العمل ، ودعم التعليم والصحة والخدمات .. الخ ، هذا علما بضآلة المبالغ المخصصة للصحة ، والتعليم . هذا اضافة لعجز الحكومة عن ادارة الكوارث التى احاطت بالبلاد احاطة السوار بالمعصم مثل : تدهور الاوضاع الصحية والفشل في ادارة ازمة الحمى النزفية ، والتى ادت الى خسارة كبيرة بالنسبة لمصدري الماشية والتى قدرها البعض ب300 مليون دولار ، والفساد في المال العام كما يتضح من التقارير السنوية للمراجع العام، و كوارث السيول والفيضانات ، والصراعات القبلية في دار فور وجنوب كردفان وجنوب البلاد ، اضافة الى مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وقمع المظاهرات ومصادرة حرية التعبير والنشر باستمرار الرقابة القبلية علي الصحف والاستمرار في افراغ وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي من محتواها والمقاومة الواسعة لذلك،
كما تستمر الضغوط الدولية على الحكومة حتى تقبل بالانتشار الكامل وغير المقيد للقوة الافريقية الاممية في دارفور ، وتتجه الادارة الامريكية بالتنسيق مع مجلس الامن والاتحاد الاوربي أو منفردة لفرض عقوبات مثل : الاستمرار في تطبيق العقوبات ودعم الجهود لتوحيد فصائل دارفور والتفاوض لوقف اطلاق النار ، وتطبيق وفرض منطقة حظر طيران بالتنسيق مع الناتو ، وبما في ذلك استصدار قرار من الكونغرس : ان يخول باستخدام القوة لانهاء ما تسميه واشنطن بالابادة الجماعية. واخيرا جاء قرار المدعي العام والذي وجه اتهامات لرأس الدولة بالابادة العرقية في دارفور، والذي كانت له تداعياته محليا واقيلميا وعالميا.
وبعد أن شعر المؤتمر الوطني ان الازمات احاطت به داخليا وخارجيا وبعد انفجار الازمة مع الحركة الشعبية ، سعى لفك الاختناق بالاتصال بالقوى السياسية الاخرى لامتصاص الازمة وليس حلها، اذ مامعنى الاتصال بالقوى السياسية وتكوين لجان للحوار معها مع استمرار النظام في استخدام اغلبيتيه الميكانيكية في المجلس الوطني لتمرير الميزانية؟؟! ومع استمرار المعتقلين في السجون وقمع مظاهرات طلاب جامعة الخرطوم واعتقال البعض وتقديمهم لمحاكمات لا لشئ الا انهم مارسوا حق كفله لهم الدستور؟؟!!، مما يعكس عدم جدية المؤتمر الوطني ، الذي اصبحت المراوغة ديدنه، وانطبق عليه قول الشاعر : يعطيك من ظرف اللسان حلاوة / ويروغ منك كما يروغ الثعلب ، فما عاد ذلك ينطلى على شعبنا ، فبدلا من تكوين اللجان السداسية مع كل حزب وزرع الفتن والخلافات داخله ، الاجدى المؤتمر القومي أو التفاوض الجماعي مع القوى السياسية، للانتقال من الثنائية للحل الشامل، وتنفيذ الاتفاقات التى وقعها المؤتمر الوطني مثل : اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا ، وتنفيذ اتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني وبقية الاتفاقات ،وتحسين المناخ السياسي للحوار والمصالحة الوطنية بالغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين من العسكريين والمدنيين، وارجاع ممتلكات الاحزاب وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لقضية دارفور. ان تنفيذ هذه المطالب هو المحك لجدية المؤتمر الوطني في تحقيق المصالحة الوطنية .وهي ليست مطالب مستحيلة ، فقد انجزتها بعض البلدان ( مثل البرتغال ، اسبانيا ، شيلي ، جنوب افريقيا.. الخ) التي مرت بالازمة نفسها واخرجت بلادها من ظلمات الازمة الى بر الامان، واطلقت الحريات العامة والغت القوانين المقيدة للحريات وانجزت انتخابات حرة نزيهة ازالت الاحتقان السياسي بانجاز مصالحة وطنية حقيقية رفعت المظالم والضرر، وكفلت وحدة البلاد والصراع السلمي الديمقراطي لتداول السلطة وتحسين احوال الناس المعيشية.
لقد كان توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا انجازا كبيرا اوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالى 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلة الصراع من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد على اسس طوعية ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية. ولكن مسار التنفيذ ظل خلال السنوات الماضية كما اشرنا سابقا يتعلق بالشكل لا الجوهر، اذ لم يتم شئ حول التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وتحسين اوضاع الناس المعيشية والذي يضمن استدامة السلام وعدم العودة لمربع الحرب. واستمرار المؤتمر الوطني بالعقلية الشمولية القديمة التى بدأت تهتز الارض تحت اقدامها مثل انتهاكات حقوق الانسان باطلاق النار على المظاهرات السلمية التى كفلها الدستور كما حدث في بورتسودان وامرى وكجبار وقمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وقمع موكب المفصولين والرقابة على الصحف واعتقال الصحفيين وتقديمهم لمحاكمات ، هذا اضافة لتدهور اوضاع المعيشية جراء الزيادة في الاسعار والجبايات ، وكان من نتائج ذلك الموجة الواسعة من الاضرابات. وتكوين الهيئة القومية للحريات .. الخ .
لاشك أن تراكم المقاومة لسياسات المؤتمر الوطني وافشال مخططاته في تفتيت قوى المعارضة سوف يؤدى الى تحول نوعي ، ويفتح الطريق لانتزاع التحول الديمقراطي والذي لانتوقع أن يأتى منحة من احد كما اكدت تجارب شعبنا ، وان استمرار المؤتمر الوطني في القمع وتركيز السلطة والثروة في ايدي القلة وافقار جماهير شعبنا لن يفضي لمصالحة وطنية حقيقية تفتح الطريق لحل الازمة والحل الشامل لقضايا البلاد .ولابديل امام شعبنا سوى مواصلة النضال من اجل انتزاع التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات وتحسين الاحوال المعيشية والحل الشامل لقضية دارفور، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا واتفاق القاهرة وبقية الاتفاقات.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟