أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إدريس جنداري - في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي .















المزيد.....

في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي .


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 2515 - 2009 / 1 / 3 - 03:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعرف الفكر العربي خلال هذه الألفية الثالثة ترديا ليس له مثيل في التاريخ العربي ؛ فقد استفاقت في اللاشعور العربي مجموعة من المكبوتات ؛ التي كنا نظن أنها خاضت طريق اللاعودة ؛ وعلى رأس هذه المكبوتات ؛ عودة الصراعات المذهبية و الطائفية ؛ التي أججت روح الفوضى في الشارع العربي . لكن هذه العودة لم تكن من فراغ ؛ بل هي نتيجة نمو و ترعرع الفكر الإسلاموي المتطرف؛ الذي غذته النزعة السلفية الوهابية ؛ و النزعة الخومينية ؛ و النزعة الإخوانية ؛ و كل هذه النزعات ساهمت في زرع بذور الشقاق بين العرب ؛ من الخليج إلى المحيط ؛ كما ساهت في العودة بالتاريخ العربي إلى عصور الانحطاط .
وهذا ما أصبح يهدد الكيان العربي مشرقا و مغربا ؛ بحيث بدأت تظهر على واجهة الأحداث تقسيمات تعتمد الأساس المذهبي/الطائفي ؛ في غياب أية روح قومية ؛ يمكن أن تحمي الإنسان العربي من مواجهة أخيه ؛ لكن ما هو المخرج من هذه الأزمات المتلاحقة التي بدأت تهدد كياننا العربي في العمق ؟
لقد مرت بنا نحن العرب إلى عهد قريب تجارب ناجحة ؛ في إعادة ترميم الذات و إخراجها من كبواتها ؛ و قد ساهم في ذلك السلفي إلى جانب الليبرالي و القومي ؛ من دون أي صراع ؛ لماذا ؟ لأن الهم واحد ؛ هو إنقاد الأمة العربية من التردي . و قد حصل هذا ؛ خلال مرحلة القرن التاسع عشر ؛ التي تعرض إبانها الكيان العربي إلى أزمات متتالية ؛ توجت باستعمار شامل ؛ اكتسح المشرق و المغرب ؛ و شكل للنخبة العربية تحديا كبيرا ؛ قامت لمواجهته ؛ في منأى عن أية نزعات طائفية ؛ أو مذهبية .
فقد ناضل محمد عبده السلفي إلى جانب رفاعة الطهطاوي الليبرالي ؛ من دون أي صراع ؛ بل على العكس من ذلك ؛ تحقق انسجام تاريخي بين التيارين الفكريين ؛ فظهرت حركة فكرية و إبداعية ؛ ما زلنا نحن إليها حتى اليوم . و في نفس الآن فكر المشرق إلى جانب المغرب من دون أية عقدة نقص أو تفوق . و كان علال الفاسي إلى جانب محمد عبده ؛ و محمد الحجوي إلى جانب رفاعة الطهطاوي ؛ و لم نقرأ فيما تركه لنا هؤلاء الرواد مثل ما نسمعه الآن من مهاترات كلامية ؛ لا تقوم على أبسط قواعد الاحترام المتبادل بين أبناء الأمة الواحدة .
لقد كان هؤلاء الرواد الذين صنعوا مرحلة تاريخية متميزة ؛ على اطلاع كامل على فكر الأنموار الأوربي ؛ حيث تأثروا بمبادئه السامية ؛ و سارعوا إلى تطعيم الفكر العربي بهذه القيم ؛ حتى إن العالم المتنور محمد عبده رأى فيها روح الإسلام الأولى ؛ التي قتلتها الصراعات الطائفية و المذهبية ؛ فما بقي في البلاد الإسلامية إلا المسلمون ؛ أما الإسلام فتجسده القيم الحضارية الأوربية ؛ و قد جسد محمد عبده هذه المفارقة في قولته الشهيرة ؛ التي ما زلنا نرددها تعبيرا عن خيبة أحوالنا : " ذهبت إلى باريس فوجدت الإسلام و لم أجد المسلمين ؛ و لما عدت إلى القاهرة وجدت المسلمين ؛ و لم أجد الإسلام .
و نفس هذا الارتباط بقيم الفكر الحديث ؛ عبر عنه رفاعة الطهطاوي في دعوته إلى مفهوم التمدن الذي يقول عنه : " تمدن الوطن عبارة عن تحصيل ما يلزم لأهل العمران من الأدوات اللازمة لتحسين أحوالهم حسا و معنى (..) و استجاع الكمالات المدنية ؛ و الترقي في الرفاهية " (1) ؛ و كما يبدو فالتمدن هنا مرتبط بما وصل إليه النموذج الأوربي من تقدم ؛ يرتبط بالكمالات المدنية ؛ و الترقي في الرفاهية ؛ و هذا ما يلخصه نموذج الدولة الحديثة ؛ التي توفر لمواطنيها هذه الكمالات و الرفاهية .
و غير بعيد عن محمد عبده ؛ و رفاعة الطهطاوي ؛ نجد العالم الجليل (علي عبد الرازق) ؛ يدافع عن مفهوم الدولة الحديثة ؛ كما تجسدها التجربة الأوربية ؛ و يدحض نموذج الخلافة ؛ و يقول في هذا الصدد : " و الحق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون .. و إنما تلك كلها خطط سياسية صرفة ؛ لا شأن للدين بها " (2) ؛ و يعود علي عبد الرازق إلى الفكر السياسي الأوربي ؛ للتدليل على ما يذهب إليه ؛ متوقفا عند كل من الفيلسوف (هوبس) ؛ الذي يقول بقداسة سلطان الملوك ؛ و الفيلسوف (جون لوك) ؛ الذي ينزع عنهم هذه القداسية ؛ و يربطها بسلطان الشعب(3 ). و هو (عبد الرازق) في ذلك يميل –طبعا- إلى جون لوك ؛ محاولا استلهام فلسفته لنزع القداسة عن الحكام و ربطها بسلطان الشعب في الثقافة العربية .
و نفس هذه الحركية التي عرفها الفكر العربي في المشرق خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ عرفها المغرب كذلك ؛ الذي ارتبط علماؤه بالنموذج الأوربي في الإصلاح ؛ و ربطوا بين مفهومين أساسيين في ذلك ؛ الأول هو مفهوم الاجتهاد ؛ و الثاني هو مفهوم التحديث ؛ بحيث يرتبط الأول بالاجتهاد في أمور الدين لإيجاد أجوبة مناسبة على القضايا التي يطرحها العصر الحديث ؛ و الثاني هو مفهوم التحديث ؛ الذي يرتبط ببعد اجتماعي ؛ سياسي ؛ اقتصادي ؛ أي بنموذج الدولة الحديثة ؛ كما صاغتها التجربة الأوربية . (4)
و تحضرنا في هذا الصدد مجموعة من الأسماء العلمية الرائدة ؛ التي جمعت بين الاجتهاد الديني؛ و التحديث السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي ؛ نذكر منها الفقيه محمد بن الحسن الحجوي ؛ الذي دافع عن الدولة الحديثة في المغرب ؛ و كان مطلعا على التجربة الأوربية في التحديث (5) ؛ و أحمد الناصري ؛ صاحب كتاب الاستقصا (6) ؛ الذي يعتبر من العلماء التنويريين في المغرب ؛ عاش تجربة الصدمة ؛ حين تعرف على نموذج الدولة الحديثة في أوربا ؛ و أصبح من المدافعين على تجسيدها في أرض المغرب ؛ و لا ننسى العالم و السياسي الكبير علال الفاسي ؛ الذي جسدت نضالاته الدينية و الفكرية و السياسية نموذج المثقف الأنواري ؛ الذي لا يريد بديلا عن دولة حديثة ؛ قوامها الدستور المنظم للعلاقات بين الحاكمين و المحكومين . و كل هذه الأصوات الدينية و الفكرية و الساسية في نفس الآن ؛ هي التي صنعت إرث الحركة الوطنية المغربية ؛ التي توجت نضالاتها بطرد الاستعمار؛ و التأسيس لدولة حديثة تقوم على الدستور و المؤسسات .
لقد التزم كل هؤلاء الرواد ؛ الذين صنعوا مرحلة مزدهرة في التاريخ العربي الحديث ؛ سميت -عن حق- عصر النهضة ؛ التزاما كاملا بفكر التنوير؛ الذي غزا العالم كله ؛ و ساهم مساهمة كبيرة ؛ في تخليص الإنسانية من الاستبداد الذي مورس عليها لقرون طويلة ؛ و من الدوغمائية الدينية ؛ التي قتلت فيها روح الخلق و الإبداع ؛ و في التزامهم بهذا الفكر خلفوا لنا ترثا فكريا عظيما هو القادر اليوم على إخراجنا من التردي الذي نعيشه .
إن المأمول منا كجيل لمستقبل الأمة العربية ؛ هو أن نستفيد من تجارب هِؤلاء الرواد ؛ و أن نسعى إلى الحوار البناء فيما بيننا ؛ مستعيدين في ذلك ما تمنحه لنا الثقافة العربية من أدبيات في الجدل البناء و الحوار الناجع ؛ في منأى عن ثقافة التكفير و التخوين التي أصبحت العملة الرائجة في ثقافتنا العربية ؛ و خصوصا مع اتساع رقعة التطرف الديني و الفكري و السياسي ؛ الذي أصبح ينذر بعواقب وخيمة على حاضر و مستقبل أمتنا العربية إن حاجة الفكر العربي اليوم ماسة إلى فكر التنوير؛ الذي التزم به جيل الرواد في عالمنا العربي ؛ و أبدع في الفن و السياسة و الفكر؛ ووصل إلى قمة المجد ؛ الذي ما زلنا إلى حدود الآن نحن إليه رغم ماضويته ؛ لأن الحاضر أكثر انتكاسة مما يمكن أن يتصور .
الهوامش
1- الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي- دراسة و تحقيق محمد عمارة- المؤسسة العر بية للدراسات و النشر -ط1- بيروت 1973- المجلد2- ص: 469
2-علي عبد الرازق - الإسلام و أصول الحكم - الهيئة المصرية العامة للكتاب - ص: 103
3- نفسه- ص: 11
4- سعيد بنسعيد العلوي - الاجتهاد و التحديث : دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب - سلسلة الفكر العربي -المعاصر - ع :3 - نشر مركز دراسات العالم الإسلامي.
5- يمكن الاطلاع على كتب الحجوي التالية :
- الفكر السامي في تاريخ الفكر الإسلامي
- النظام في الإسلام
- انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره- تحقيق الخلوفي محمد الصغير
6- أحمد بن خالد الناصري - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - دار الكتاب - ط 1956



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الا ...
- الحلاج .. في صلبه المباغت
- الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .
- العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية ال ...
- تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إدريس جنداري - في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي .