أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد قاسم - جمهورية السراب















المزيد.....

جمهورية السراب


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 2502 - 2008 / 12 / 21 - 04:19
المحور: الادب والفن
    



- حكمت عليك المحكمة بغرامة مالية والسجن سنتين إن عدت لمثل ما قلته مجددا..
.. بهذه الكلمات نطق القاضي بحكمه على الصحفي الذي كتب مقالا ينتقد فيه بعض المسئولين النافدين في الحكومة.. يهنئه زملائه بعدم سجنه إلا انه يظل مكتئبا مما حدث له .. يأخذ إلى قسم الشرطة لإنهاء إجراءات الإفراج عنه ودفع المبلغ الذي قررته المحكمة ، وعوضا من أن يغادر السجن برفقة زملاءه فضل ركوب سيارته الخاصة ليذهب بعيدا عن زحام المدينة .. يسير مبتعدا عن الناس والزحام الذي يجسد ورطة الإنسان في زمن الأنانية واضمحلال القيم... يمضي باتجاه الطريق الصحراوي، يشعر بالبهجة عندما بدا الواقع يتحول إلى فضاء واسع خالي من كافة أشكال الهيمنة..
- جميلة الحياة هنا . لا احد يتحكم بمصيرك .. أنت سيد نفسك .. اكره أن أعيش تحت سيطرة الغير ، ما الذي تبقى من إنسانيتي إن أنا عشت وفقا لما يريده الآخرون ؟ أنها جريمة بحق ذاتي... يقف في استراحة ليتزود بالوقود. يتأمل المسافرين من حوله..
- أظن أن الكثير من هؤلاء يرغب بان يشيد على هذه الصحراء الممتدة بامتداد البصر مدينة خاصة به ، يعيش فيها وفقا لشروطه لا شروط الآخرين ولكنه سرعان ما يستوحش من الطريق الخالي من كل مظاهر الحياة فيسرع الخطى للوصول إلى مقصده ، فالعيش تحت سيطرة الآخرين أفضل بالنسبة له من الحياة الهادئة التي لا تحمل أي هدف واضح .
... يسير بهدوء في الطريق الطويل .. تقابله نقطة تفتيش ..
- إلى أين أنت ذاهب؟
- لا اعرف!
- لا تعرف!
- نعم، أنا أحب الطرق البرية البعيدة عن ازدحام المدن ومشاكل سكانها التي لا تنتهي.
- ستعود حتما إلى مدينتك إنها قدرك.
***
- لو أتمكن من بناء مدينتي الفاضلة لكنت قضيت بقية عمري في استقرار وهدوء، إذ من غير المعقول أن أتصارع مع نفسي !
.... يمضي في طريقه والليل قد أسدل ستائره ولاحت في السماء النجوم البراقة .. يسير في طريقه الطويل من دون هدف محدد... يتلقى اتصالا من أصدقائه وينصحونه بالعودة إلا انه يخبرهم بأنه سعيد جدا في رحلته البرية.. يهاجمه النعاس فيضطر لإيقاف سيارته بوسط الطريق ويخلد للنوم ...
... يعم الضباب الكثيف أرجاء الطريق... الضباب الحالك يغمر الأرجاء فلا يكاد يرى شي.. أثناء نومه يسمع أصوات العصافير المغردة وخرير المياه الجارية وأصوات أطفال يلعبون برفقة أمهاتهم.. يستعيد وعيه بالتدريج وأشعة الشمس تضرب أطناب وجهه وتنير ظلام نومه .. يستيقظ أخيرا ليجد نفسه في حديقة غناء والناس من حوله منتشرين كالطيور المنشدة لتراتيل البهاء والجمال..
- يا الهي أين أنا ؟ مستحيل ما أراه ؟ أنا في حديقة رائعة بوسط مدينة تعج بالحياة ! لقد كنت قبل ساعات نائما بوسط الصحراء.
.. يخرج من السيارة وهو ما يزال في قمة تعجبه وانبهاره..
- لعلني مت وانتقلت إلى العالم الآخر، لا مستحيل، لو كان هذا صحيحا لما كانت سيارتي معي.
.. يقترب من امرأة تلاعب طفلها ..
- سيدتي ما اسم هذه المدينة ؟
.. تبتسم في وجه..
- أنت في عاصمة جمهورية النور ...
- جمهورية النور .
- نعم .
- مستحيل أنا لم أتجاوز الحدود ولا احمل جواز سفرا ، لقد كنت في ليلة البارحة نائما بوسط الصحراء.
- هذه هي الحقيقة يا سيدي.
.. فجأة يشاهد جنود يتقدمون نحوه بسرعة..
- أهلا بك يا سيدي .
ينتابه الخوف..
- أنا لم اقصد تجاوز الحدود والدخول غير الشرعي، لا اعرف ما أقوله لكنها الحقيقة.
- هل من الممكن أن تأتي معنا لو سمحت؟
... يسكن خوفه قليلا ولكنه يستجيب لهم..
.. يركب معهم في سيارة فارهة ، وأثناء الطريق يشاهد أرجاء العاصمة ..
- يا لها من شوارع فسيحة وأبنية ضخمة ومرتفعة.
.. يشاهد مبنى ضخم ...
- ما هذا؟
- انه مركز الأبحاث العلمية.
- شي رائع في بلادي لا يوجد شي من هذا القبيل.
- والى جانبه الجامعة الوطنية.
- عظيم، إنها مدينة جامعية نموذجية على ما يبدو، ولكن إلى أين سنتجه ؟
- ستعرف ألان.
.. في الطريق يشاهد مباني تاريخية ومتاحف وأسواق وحدائق ومقرات الوزارات..
- أنها مدينة رائعة ورغم اتساعها وكثرة عدد سكانها لا أجد اثر للزحام على الطرقات.
- بالطبع يا سيدي فلقد بنينا قطارات ضخمة تحت الأرض يستخدمها معظم المواطنين يوميا، وكذلك لدينا حافلات لنقل الركاب مجهزة بكافة وسائل الراحة، لذلك لن تجد أثرا للازدحام المروي إلا في الشوارع الرئيسة وفي ساعات الذروة فقط.
.. يصلوا إلى قصر جميل وضخم...
- لقد وصلنا.
- ولكن ما هذا القصر الكبير؟
- انه القصر الجمهوري .. تفضل يا سيدي .
.. يفتح له احد جنود التشريفات باب السيارة .. يصطف له الجنود ويقدمون له التحية .. يمشي بثبات وهو ما مذهول مما يحدث له .. يلتفت أمامه فيجد نفسه في مواجهة رجل وقور تجاوز الخمسين من عمره...
- أهلا بك أعرفك بنفسي أنا رئيس الجمهورية.
.. يذهل مما سمعه ولكنه يتمالك أعصابه ثم يمد يده لمصافحته ....يعزف السلام الوطني ثم يأخذ الضيف إلى صالة التشريفات ويقدم له طعام الإفطار .. يتناوله بهدوء ثم يفد عليه الرئيس مجددا..
- سيدي الرئيس أنا حتى ألان غير مصدق باني في جمهورية النور.
- لماذا يا ضيفنا العزيز؟
- لأني يا سيدي كنت في ليلة البارحة نائما في سيارتي بوسط طريق صحراوي، وليس عندي جواز سفر ولم أتجاوز حدود بلادي.
.. يستمع إليه والابتسامة تغمر وجهه ..يدخل عليهم عازف القيتار فيعزف لهم الحان عذبة تضفي على الجميع طابعا من الهدوء والاسترخاء ...
- ما رأيك بان آخذك في جولة في ربوع العاصمة وضواحيها؟
- هذا يشرفني.
.. يركبان السيارة الرئاسية دون حراسة تذكر ليبدءا بنزهة في أنحاء العاصمة..
- هل يعقل أن أكون برفقة رئيس الجمهورية ؟
- بالطبع، لما أنت متعجب ؟
- ولكنك من دون حراسة .
- ولماذا يرافقني الحرس؟ أنا رئيس منتخب من قبل شعبي وأوضاعنا الأمنية مستقرة.
- سيدي الرئيس إن بلادك أشبه بأسطورة إذ لا يعقل ما أراه ألان.
- أبدا، إن ما نعيشه انشاناه بعزيمتنا وأردتنا وإيماننا .
... تتجه السيارة الرئاسية إلى اكبر حدائق العاصمة...
- يا الهي إنها غابة وسط المدينة.
- لقد أمرت ببنائها لتكون متنفسا لمواطنينا.
- أتعرف إن المدينة التي أعيش فيها لا يوجد بها أكثر من خمس حدائق رغم اتساعها!!
- إنها إحدى الوعود التي قطعتها في حملتي الانتخابية، قد وعدت بان اهتم بالطبيعة والحياة الفطرية ومحاربة تلوث البيئة.
- ومتى انتخبت رئيسا لهذه الجمهورية ؟
- قبل خمسمائة عام !!
- 500 عام!! سيدي الرئيس .. ماذا تقول ؟ أنت تمزح دون شك.
- لا إنها الحقيقة !!
- لا استطيع إدراك ما يجري حولي يا سيدي .
- انك في بلاد لا تخرج إلى الوجود إلا يوم كل مائة عام.
- مستحيل!!
- إنها الحقيقة.
- كيف ذلك ؟
- انه القدر .. مجرد قدر.
... يأخذه إلى البرلمان و هناك يلتقي أعضاءه ويحضر جلسته المنعقدة..
- هل هذا البرلمان منتخب ؟
- بالتأكيد وله صلاحيات تشريعية كاملة .
- ولكن أتمنى أن لا يكون كبرلماننا .!
- لا انه منسجم مع الحكومة وله صلاحيات لا يتجاوزها أبدا.
.. يقر البرلمان مشروع قانون أحوال مدني جديد..
- ولكن هذا القانون سيغضب بعض الأطراف وقد تكون بعض بنوده مخالفة للنظم السائدة.
.. يجيبه رئيس البرلمان ..
- نحن هنا لا نضع القوانين بناء على ما هو سائد بل على ما هو نافع، ومعيار صحة القانون من خطاه يكون بنتيجة التطبيق، وفي معظم قوانيننا ثمة مساحات لمختلف الانتماءات لتلجا إلى أنماطها القانونية الخاصة في نطاق القانون العام.
- عظيم، رائع، إنكم بذلك أنجزتم عملا متميزا يصب في مصلحة شعبكم.
.. يذهب برفقه رئيس الجمهورية إلى اجتماع مجلس الوزراء ...
- أنت رئيس الحكومة أيضا؟
- بالطبع ولكن في معظم الجلسات أنيب الوزير الأول .
- وكيف تديرون خلافاتكم مع البرلمان ؟
- لدينا دستور وسلطة قضائية ومؤسسات مجتمع مدني وصحافة حرة.
.. يحضر الجلسة التي يقرر فيها المجلس إنشاء مؤسسة لعلوم الفضاء...
- يا الهي لقد اقتربتم من تحولكم إلى دولة من العالم الأول.
- لقد تجاوزنا مرحلة الصراع على النظام إلى مرحلة التعايش في إطار النظام وبالتالي تمكننا من تجاوز كافة معوقات التقدم ووجهنا طاقاتنا وإمكانياتنا الطبيعية والبشرية نحو العلم والمعرفة وبناء الإنسان.
- أكاد لا اصدق ما أشاهد واسمع ! إنها ليست جمهورية النور بل إنها الجنة !
.. يذهب إلى اكبر مكتبة في العاصمة فيشاهد مختلف فروع الثقافة والآداب والفنون والعلوم المختلفة.
- ألا تمنع الكتب عندكم مثلنا؟!
- نحن لدينا رقابة قانونية أما انتم فرقابتكم دكتاتورية، وهذا هو لب الفرق بيننا وبينكم..
... يعود إلى رئيس الجمهورية ..
- سيدي الرئيس كم تبلغ نسبة الفقر في صفوف مواطنيكم ؟
- حسب إحصائيات مستقلة لا تتجاوز ال2%.
- مستحيل !! في بلادي تجاوزت ال30% رغم ثرواتها الهائلة !.
- هذه ليست إحصائيات حكومية بل إحصائيات جهات مستقلة تماما ولكن ما رأيك أن تطلع على بعض الصحف الوطنية ؟
.. يأمر بتزويده ببعض الصحف ليقراها، يمسك بها بشغف...
- يا الهي إن هذا المقال ينتقدك.!
- فليكتب ما يشاء هذا حقه.
- ولكن ألا يمكنك معاقبته ؟
يضحك من قوله ....
- أنا موظف عمومي لا يمكنني أن أتجاوز سلطاتي، ولكن لي أن ارفع عليه قضية في المحكمة إن خالف القانون.
- وكيف يخالف القانون؟
- بان يكيل لي الاهانة أو التجريح مثلا أو يتهمني بمخالفات دستورية أو قانونية من دون دليل أو ما شابه .
يتصفح أكثر ..
- يا الهي انه شاب يقول بأنه يطمح بان يكون رئيس الجمهورية في المستقبل.
- ولم لا؟ إن تولي هذا المنصب من حق أي مواطن تنطبق عليه الشروط.
- وهذا الخبر محرج جدا .
- عن ماذا يتحدث ؟
- عن الفساد في بعض الوزارات.
- فليثبوا ذلك، وأنا على العموم سوف آمر بالقيام بحملة للتأكد من سير العمل في هذه الوزارات وفقا للقانون.
- ولكن قد يكون هذا الإجراء غير كافي.
- لدينا دائرة تفتيش مستقلة وهي جهاز متمرس ونزيه ورؤساؤه يتغيرون باستمرار ، والصحافة تتمتع بحق متابعة وكشف ملفات الفساد فهي بمثابة السلطة الرابعة ، ومن خلال كافة هذه الأجهزة أصبحت نسبة الفساد في بلادنا هي الأقل وقد ظللنا نحتل هذا المستوى منذ مئات السنوات وحتى اليوم .
.. لا يكاد يصدق ما يسمعه من رئيس الجمهورية.. يرتاح قليلا ثم يستأذنه للذهاب إلى سوق المدينة الرئيسي ليتحدث مع المواطنين بنفسه.... يجلس في مقهى ويشاهد الناس وهم يتحدثون ويتسامرون ..
- يا الهي هل من المعقول أن تختفي هذه البلاد الرائعة بعد 12 ساعة من الآن ؟
.. يشاهد رجل وهو يدخن النار جيلا ويمسك بيده الأخرى كتابا... يقترب منه...
- هل لي بالجلوس إلى جانبك يا سيدي ؟
- بالطبع تفضل .
- ما رأيك بالسيد رئيس الجمهورية ؟
- جيد ولكنني لن انتخبه في المرة القادمة.
- ألا تخشى من قول ذلك ؟.
- ولماذا ؟ أنا مواطن حر واستطيع التحدث بمليء فمي وقول ما شاء ، ورئيس الجمهورية يمارس سلطاته بتفويض من الشعب وسوف يحال على التقاعد ويعود مواطنا عاديا بعد انتهاء فترة رئاسته .
... يمشي في الأسواق فيرى نساء من مختلف الديانات والعقائد وبمختلف أنواع الملابس التي تجسد العادات والتقاليد والمعتقدات وكل واحدة منهن تسير إلى جانب الأخرى باحترام متبادل...
- في بلادي لون واحد حاكم ومسيطر وهنا حرية واسعة كأنها بلا حدود...
.. يمشي أكثر وأكثر في أنحاء المدينة فيشاهد الأديان المختلفة والثقافات المتنوعة والأنماط الاجتماعية المتعددة...
- رباه .. هذا حلم أم ماذا؟ إنها ليست فقط جمهورية النور بل إنها النور في أعظم تجلياته ...ليتها كانت وطني .
.. يقضي وقته متحدثا إلى الناس من مختلف التيارات والاتجاهات ثم يعود إلى القصر...
- أهلا بك ، هل أعجبتك بلادنا؟
- انه الجنة يا سيدي.
- لا تبالغ ما زلنا في بداية الطريق.
- إذا كانت هذه بدايته فكيف سيكون آخره ؟ لقد تجاوزت النفق المظلم الذي ما زلنا نعيشه نحن في بلادنا وانتم اليوم تعيشون في واحة من الكرامة والعزة.
- كل ذلك بفضل تضحيات شعبنا، إذ لولا دماء شهدائنا الأبرار من الكتاب والمفكرين والمقاتلين الوطنيين الشرفاء لما حققنا كل هذا.
***
يذهب في الليل ليشاهد عرضا مسرحيا في إحدى الجامعات التي تعج بها العاصمة...
- يا الهي انه عرض رائع.. في بلادنا لا يوجد هذا الاهتمام بالفنون وتنمية المهارات والملكات لدى الطلبة.
- نحن على النقيض منكم، في بلادنا الكثير من المؤسسات التي تهتم بتنمية مهارات النشء والارتقاء بهم.
.. .. ثم يحضر عرضا سينمائي وحفلة غنائية يتخللها إلقاء لقصائد شعرية منوعة..
- انتم تعملون طوال النهار فمتى تتمكنون من مشاهدة كل هذه العروض ؟
- إن ذلك بفضل قانون العمل الذي وضعه خبرائنا، والذي يراعي حاجة العامل إلى قضاء وقت مناسب مع عائلته وحاجته إلى الترفيه وممارسة هواياته وتطوير ذاته.
... يذهب بعد ذلك إلى سوق مغلق في العاصمة فيجده مزدحم بالمتسوقين من مختلف أنواع الطيف البشري..
- رباه أيعقل ما أرى ؟ إنها السعادة بإيقاعاتها وحقائقها الكونية والوجودية .
... يتخذ له مكانا ويتأمل بعمق السيول البشرية التي لا تكاد تنقطع إلا أنه يدخل في قيلولة عميقة ... يقطعها صوت احد العاملين...
- سيدي لقد أغلقنا السوق.
... يفتح عينيه .
- ماذا ؟
- نحن في آخر الليل لم يبقى على الفجر إلا القليل.
- يا الهي.
.. يذهب مسرعا فيجد المدينة هادئة والضباب بدأ يحيط بها من كل جانب...
- هذه المدينة ستختفي عما قريب... مستحيل، لا أريد العودة إلى ذلك المكان الذي يدعى بلادي، هذه الجمهورية هي وطني الذي افديه بدمي وروحي وعمري... يستقل قطار الأنفاق متوجها إلى القصر الجمهوري إلا إن الضباب أصبح كثيفا جدا، بيد انه يسرع الخطى... معالم المدينة تبدأ بالاختفاء .. لتحل محلها الصحراء الجرداء...
- لا تذهبي إلى العدم أيتها المدينة الغناء، أنت عاصمة وطني، أنت حلمي بل أمنيتي بل كل وجودي وميراثي... يصل إلى أعتاب القصر الجمهوري الذي بدأ بالتلاشي...
- سيدي الرئيس، فدتك روحي، أنت من انتخبك شعبك حاكما عليه، لم تأتي على ظهر دبابة ولم تعلن البيان رقم واحد، أنت القائد الذي أتمناه.. أنت الرئيس الذي كنت احلم به طوال عمري..
- قدري وقدر شعبي وبلادي أن لا نظهر إلا كل مائة عام.
- أرجوكم خذوني معكم ، لا أريد العودة إلى ذلك السجن الذي يدعى وطن أو لؤلئك الخانعين الذين يدعون شعب .. جمهورية النور وطني وشعبها شعبي وأنت رئيسي الذي انتخبته بكل حرية واقتناع...
... يختفي كل شي.. تظهر معالم الصحراء بوضوح .. لم يبقى سوى بوابة القصر ...
- أرجوك سيدي الرئيس أريد أن أكون احد أبناء شعبك.
- مستحيل لقد كتب الله على بلادنا أن لا تظهر إلا مرة كل مائة عام.
- - سيدي الرئيس .. أرجوك .
- فلتناضلوا مثلما ناضل أبناء جمهورية النور الشرفاء وحينها فقط ستغدو بلادك شعلة وضائه من نور الله الأزلي ...
.... تختفي المدينة التي كانت عامرة بالحياة قبل ساعات لتتحول إلى صحراء قاحلة.. يبكي بكاء مر .. يصرخ في الوجود ولكن دون جدوى .. ينادي الرئيس وشعبه ويرجوهم أن ياخذونه معهم ولكنهم رحلوا بعيدا .. يجلس في سيارته وقد عاد كل شي كما كان سابقا... طريق طويل يقطع صحراء ميتة ويوصل ما بين قبور على الأرض تسمى مدننا !!... يمسح دموع عينيه ثم يكر إلى المدينة التي جاء منها.. يمر على نقطة التفتيش مرة أخرى .
- الم اقل لك بأنك سوف تعود .
- هم عادوا لسباتهم ولكنهم سوف يعودون أما أنا فقد عدت إلى موتي الذي لا عودة منه.
- ماذا تعني؟
- لا تشغل بالك إنها مجرد شقشقة جرت على لساني بعد استيقاظي من حلم كنت أتمنى أن يكون حقيقة ولكنه حلم غير مجرى حياتي إلى الأبد....



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آهات قاتلة
- الانترنت الديني..... قمع الحرف واضطهاد الكلمة
- وطني .. آه يا وطني!
- المتمردة ( قصة قصيرة)
- اعتقال في محراب الصلاة
- المعمم الشيعي ضحية وجلاد
- الفن وفتاوى الفقهاء ( السيد السيستاني نموذجا)


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد قاسم - جمهورية السراب