أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - حذاء الزيدي ووجوه البعثيين















المزيد.....

حذاء الزيدي ووجوه البعثيين


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أن تنسى قضية ضرب الصحفي منتظر الزيدي للرئيس الأمريكي جورج بوش في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بغداد يوم الأحد الماضي، ويعود المنشغلون بها إلى شؤونهم الاعتيادية، ستبقى هذه الحادثة قابلة للنقاش والتداول الإعلامي طالما بقيت تداعياتها مستمرة. فالقضية ما تزال موضع اخذ ورد قانوني وإجرائي، والأعراس الإعلامية التي أحيطت بها سوف لن تنتهي وسوف تتجدد بالتأكيد مع كل مرحلة من مراحل تطور هذه القضية، وهناك أشياء عديدة سوف تقال فيها لاسيما وان الرجل لا يزال قيد الاعتقال ولم يصدر أي تصريح باسمه، ولهذا فستبقى الدوافع الحقيقية مخفية، وربما إلى الأبد، لان منتظر الزيدي سيكون، شاء ذلك أم أبى، أسير ماقيل وما افترض انه الدافع وراء هذا السلوك، وسيحتاج بالتأكيد إلى شجاعة كبيرة لإعلان رأيه إن كان دافعه مغايرا لما أولته به وسائل الإعلام وجهات سياسية مختلفة. فقد خلق منه بطلا دون علمه وربما دون رغبته. وستتصارع في قادم الأيام صورتان أريد لهما أن تعبرا، بيقين مطمئن، عن طبيعة هذا السلوك. واحدة جعلت منه بطلا قومي وعالمي وأخرى شخص بذيء وفاشل وطالب للشهرة.

ستضع هذه الحادثة بعض الأطراف، أبرزها الحكومة، أمام اختبار صعب. فالحكومة والكثير من الجهات السياسية والإعلامية التي تساندها ستواجه حراجة في كيفية التعامل مع الحادث، وهل ستأخذه على انه منفرد ومعزول أم على أن له جذور، وتكمن وراءه قوى وأهداف، وهل يجب عليها أن تفرض شيء من الشدة وتبدأ في فرض قيود وضغوط على حرية التعبير وحرية الصحافة أم إنها ستبقى ملتزمة بما تدعيه وتعلنه من التزام ثابت في حرية الصحافة والرأي. وإذا بقيت الحكومة أمينة لديمقراطيتها التي تلهج بها ليل نهار، وهي ديمقراطية، والحق يقال،حاضرة ومميزة في محيطها العربي المغلق، فهي ستبقي بهذا الباب مفتوح أمام المزيد من التعدي على المسؤولين العراقيين. وان كان بوش قد هضم تعدي الزيدي عليه فهذا لأنه سليل مجتمع ديمقراطي يبيح التعبير عن النفس بطريقة حرة وتلقائية، ولكن في الوسط العراقي تبقى هذه الممارسات مؤشر خطر، فالساسة العراقيون لا يطيقون أن ينتقدهم احد فكيف إذا ما عرضهم للإهانة. تصوروا مثلا لو إن شخصا ما ولسبب ما أهان الطالباني في محفل عام فكيف سيكون رد الفعل!.بالتأكيد سيكون الرد قاسيا ويعيد الحياة لـ (أطياف) صدام حسين التي ما تزال تجول مستترة في مدن العراق. أقول هذا ليس لان شخصية الطالباني فيها كل عناصر الغطرسة والدكتاتورية فقط وإنما لان سلطات الإقليم الكردي، التي يشارك حزب الطالباني في حكمها، في طريقها لان تصبح نظام كلياني مغلق، ومفردات الحرية التي ثغت بها سنوات طويلة، رغم زيفها، سوف تسحقها بأقدامها. وهي وغيرها كثيرون سيكونون أول الرابحين واكبر المستثمرين لهذا الحادث لأنه سيقدم ،في المحصلة الأخيرة، لهم ولمن يعانون صعوبة نفسية وأخلاقية في هضم شيء اسمه ديمقراطية، وسيتخذون من هذه الواقعة منطلق ومبرر للإيغال اكثر في عدائهم للديمقراطية.


***


وقعت حوادث عديدة تشبه بالجوهر وأحيانا بالشكل سلوك منتظر الزيدي إزاء الرئيس الأمريكي. ففي أوربا وقعت العديد من الحوادث المشابهة لرؤساء حكومات ووزراء مثل ساركوزي وبلير ضربوا فيها بأطباق حلوى وغيرها باعتبارها شكل احتجاج ساخر وغير جارح، ووقعت كذلك حوادث شجار وتبادل ضرب في أكثر من برلمان أوربي وغير أوربي. (اخرها في البرلمان الكوري اليوم). وقد وجه احد المواطنين الألمان في الشارع ركلة إلى رئيس الوزراء الألماني في التسعينات هلموت كول أثناء لقاءه بحشد من المواطنين. وهناك حادثة ربما لا يذكرها الكثيرون شبيهة إلى حد كبير بسلوك منتظر، لكي لايتهم الرجل بأنه مبتكرها الأول، او انه الأقل أدبا بين زملاءه المحتجين في العالم، وهي حادثة رشق بعض الطلبة اليابانيين رئيس وزراء بلادهم بالحذاء وذلك أثناء احتجاجات اليابانيين على سياسة بلادهم المؤيدة لامريكا في أثناء حومة أزمة حرب الخليج والتحشيد الأمريكي ضد العراق في عام1991، وقد كان رئيس الوزراء الياباني حينها يلقي كلمة في البرلمان حينما رموه بالحذاء فسقط أمامه على المنصة.

أردت بهذا أن أقول إن ما قام به منتظر ليس بهذه الدرجة من الشذوذ التي حاول أن يصوره بها البعض، فقد سبقه إلى هذا السلوك آخرون من مجتمعات لا يشك احد في تحضرها، لكن تصرف منتظر يحمل بطبيعة الحال، في بلد مثل العراق، وفي ظروف مثل ظروفه، قدرا كبيرا من الجرأة تدلل على أن الباعث وراء هذا التصرف شيء كبير. واقصد بذلك إن الدافع وراء هذا السلوك لم يكن في كل الأحوال بطرا او استهتارا محضا كما يحدث في بلدان أوربا حينما يمارسه بعض المراهقين.

قبل حذاء الزيدي كان هناك نعال أبو تحسين ولكن رغم اختلاف المناسبة وهدف الاحتجاج، فان حادث أبو تحسين، وقد عبر فيه بكل صدق وتلقائية عن رغبة مكبوتة لملايين العراقيين، لم يغطى ولم يولى الأهمية التي يستحقها وذلك بالضبط لان بعض الإعلام العربي والعروبي أراد أن يعتم على تلك الحادثة ويتجاهلها لأنه اعتبرها مسيئة لرمز يعتد به، مع إن سلوك أبو تحسين كان له ما يبرره وقد قصد منه تقديم ذات الرسالة التي يفترضون مسبقا أن منتظر كان قاصدها. ونحن نعلم أن الإعلام العربي يسيطر عليه بدرجة كبيرة العروبيون والإسلاميون وبعض البعثيين وهؤلاء لهم نظرتهم وتقييمهم لحكم صدام حسين وشخصه يختلف عن ما يراه ويقيمه العراقيون. لكن البعثيين سارعوا وعبر أكثر من منفذ لاستغلال حادثة الزيدي لصالحهم وتفسيرها وتأويلها بما يناسب عقليتهم وأغراضهم، ولا يقصد بالعثيين هنا العصابة التي اسمها حزب البعث والتي عاثت فسادا وتدميرا في ارض العراق وخربت حياة أبناءه، والتي لا يزال يعبث فرعها السوري بمقدرات الشعب السوري الكريم وحسب، وإنما المقصود بذلك عقلية ونمط أخلاقي قد تعثر عليه لدى الإسلامي ولدى الشيوعي او احد اللبراليين الجدد، مع إن لكل من هؤلاء سيئاته الخاصة. والعقلية البعثية هي عقلية اقصائية وقمعية بطبيعتها، وانتهازية وملفقة بممارساتها، ولهذا فهم يريدون أن يتخذوا من حادثة الزيدي معبرا لتمرير زيفهم وخبثهم، وهاكم كمثال ما قاله عبدالباري عطوان في افتتاحية جريدته عن الحادثة:

(قبل ست سنوات بثت تلفزيونات عربية وأجنبية في غمرة الفتح الأمريكي العظيم للعراق لقطة لعراقي يضرب صورة للرئيس العراقي السابق صدام حسين بالحذاء وسط ابتهاج المخدوعين والمضللين.

وها هو التاريخ يعيد نفسه حيث يرد الكثير من العراقيين الاعتبار لرئيسهم الشهيد ويضربون الرئيس بوش شخصيا وليس صورته بالحذاء.)
فقد تحول سلوك منتظر في عين عطوان البعثية ثارا للعراقيين ( لرئيسهم الشهيد) الذي لا اعتقد أن العراقيين، وعطوان والبعثيين يدركون ذلك جيدا، احتقروا حاكما وكرهوه مثلما احتقروا وكرهوا صدام حسين.


***

لقد تبنى الإعلام العروبي وعلى رأسه البغدادية، فعلة الزيدي، ووضع لها الأهداف والدوافع من عندياته وبما يناسب أهواءه ورغباته. وقد كشفت هذه القناة عن وجهها القوموي الكئيب مستلهمة (جماليات) الإعلام ألبعثي أيام الحرب ولكن بصورة ممسوخة وفجة، حيث لم يكن لديها لشن الحرب على أمريكا سوى نشيد حماسي واحد(تأليف المناضلين كريم العراقي وطالب القرغولي) وبيان واحد ركيك أذيع بنفس النبرة التي كانت تذاع فيها بيانات البعث والقادسية المشؤومة، تطالب فيه بإطلاق سراح الزيدي فورا. وجيشت حملة إعلامية هزيلة ابتدأتها بالإعلان على شريطها الإخباري أن (عباس جيجان وخضير هادي يؤيدان ما قام به الزيدي ويطالبان بإطلاق سراحه)، ولكم ان تتصوروا ثقل هذين الانتهازيين في ضمير الشارع العراقي.

المهم ان كل طرف اسقط مزاجه ونظرته ورغبته على فعلة الزيدي. وكل جهة أولتها التأويل الخاص بها. وكان البعثيون والقومويون أسرعهم، وقد أدلى الجميع برأيه في الحادثة وحملها ما يريد ويشتهي إلا منتظر نفسه صاحب الشأن الأول والقول الفصل، فمن غرائب الأمور في الديمقراطية العراقية ان لا يسمح لهذا الرجل بطرح وجهة نظره، وهذه حماقة وتجاوز على حق المجتمع في معرفة ما تقوم به الحكومة، فلا يمكن ان يحجب هكذا شخص عن الإعلام والرأي العام لان من حق الشعب العراقي ان يسمع من منتظر تفسيرا لما قام به، وان لم يسمح له الآن بتقديم تفسيره فان الظنون والشكوك ستحوم حول أي تفسير سيقدمه في المستقبل لاسيما إذا كان لا يناسب الوجهة العامة التي قيس فيها الحدث.

في الختام شيء مهم ينبغي التذكير به وهو: إذا كان في سلوك منتظر الزيدي شيء ما يدعوا إلى الفخر فليس هناك من يحق له هذا الفخر غير الشيوعيين العراقيين بكل مشاربهم، لان منتظر، كما أتضح، وقبله أبو تحسين، هم من المحسوبين عليهم. وتمسح البعثيين وغيرهم من أراذل القوم بهذه الحادثة ما هو إلا عملية سطوا اعتادو عليها لسرقة جهود الآخرين.

لكن وسط الضجيج وفوضى النوايا من سيسمع صوت الحق.


18/12/2008






#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا اتحاد لكتاب الحوار المتمدن
- اتحاد كتاب الحوار المتمدن
- الحوار المتمدن رتوش في طريق التطور
- دكتاتورية مبطنة بحرير الديمقراطية
- عذرية البنادق
- صحوة اليسار
- بشتاشان بين نارين
- ورقة من شجرة الوطن
- كتّاب وكتابة الانترنيت
- الرسائل من كردستان الى الانترنت
- تمخض الجبل فولد القاضي رزكار محمد امين
- أمطار النار... عتبة مرتفعة في عالم الدراما العراقية
- في إنصاف سلمان رشدي
- نوشيروان مصطفى... سقوط ورقة التوت
- أحضان دافئة
- للحوار اخلاقه ايضا
- هموم انصارية
- مهزومون
- الحوار المتمدن / الواقع واحتمالاته
- مهرجان الوطنية


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - حذاء الزيدي ووجوه البعثيين