أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - الوِداع الأخيّر















المزيد.....

الوِداع الأخيّر


كريم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 00:26
المحور: الادب والفن
    



لايقيم وزناً الى أي نهاية من النهايات ، نهاية سفر مزعج ، نهاية حدث مثير، نهاية قصة أليمة، أو نهاية كارثية لحياة! الشيئ الذي يفقهه ويسحره في الوقت نفسه هو التأمل ليس بالصور ، أو الأشكال ، أو الأبعاد فحسب ..بل أحياناً يتأمل بالتجريد نفسه رغم واقعيته .. تشعره للوهلى الأولى عنيداً في مواقفه، عقائدي مؤمن ، طويل القامة ، رقيق البنية ، زاهد المنّظر، يوحي لك بحصافة متزنة ، بعيد النظر في قوله، متبصرا فيما يقول، طويل التأمل ، متماسك التفكير .. ، وهذا ما يجذب له اصدقاء ولو قليلون لكن على شالكته. بالحقيقة هذه الصفات توفر له فرصة سهلة بأن يقنع محدثيه بأفكاره.. يكرر دائمأً لاتشغلو انفسكم ..ان الموت هو النهاية الثابتة للحياة .. الموت الذي يشبه ثبات ورسوخ هذه الشجرة وأومأ من نافذة المطبخ إليها ..تعرفون ان الأشجار سبقت الكائن البشري على الأرض وفي الطبيعة؟
أن تفارق الحياة .. أمر مفروغ منه لاي سبب كان في هذا العصر ..لكن ربما يأتي زمن يتمكن العلم من معرفة سرّ وديمومة هذه الحياة وبالتالي يمنع الموت عن الأنسان، لان هدف العلم بلا شك الوصول الى منع فناء الأنسان وهذه امنية ازلية لدى البشر، وبالتالي يبقيه العلم حيّاً متعافى مدى الدهر. لكني لا اريد ان اشهد مثل هذا الزمن ..ربما ليأسي أو لعجزي أو لعدم رغبتي بذلك رغم الأغراء . أما انتم لا تشغلوا بالكم بما يقلق الأخرين لانه سيأتيكم لا محال لانكم تعيشون في هذا العصر ! انظر هذه المرأة واشار الى صورة في احدى الرفوف الموجودة بالمطبخ ..هذه المرأة عشت معها عقود من الزمن كانت متعافية لا تهتم بالموت وفجأةً غدرها العدم ،من المقّرر ان تفارق الحياة بعدي لكن نبؤتي كانت خطأ، لانها غادرت قبلي و سبقتني للفناء . هل تعتقد انها تحيّا بعد ان دفنتها بيدي يا(برور)؟ لا.. إن أمر الحياة بعد الموت كان شاغل كل الديانات ، وقضية البعث بعد الممات شغلت كل فكر الفلسفة والفلاسفة وتوسعوا بها اجتهادا وبحثاً . والأديان بتعاليمها رغم التباين والأختلافات في ما بينها . كانت متفقة على ان كل شيئ لا ينتهي بالموت . لانهم يعتقدون بأن هناك حياة بعد الموت .. انها حياة أفضل وأحسن وأبقى من هذه الحياة الزائلة.لذلك فصلوا الأنبياء ،والرسل، والقدسيين تفسيرات كثيرة ومسهبة عن الأخرة التي رسموها وعينو حتى مراتبها من النعيم الى الجحيم.بل أكثر من ذلك البعض ذهب بمخيلته الى البعث والنشور. هؤلاء لديهم رسائل ذكية فتحت المخيلة البشرية لتصوير الأشياء بتفاصيل وهي عدم..تصوروا مثل هذه المخيلات الجبارة. أن فكرة العدم التي لايستصيغها فكر الأنسان لما فيها من وقع سيئ بالفناء. تحولت الى شغل سشغل البشر بقبولها أو رفضها أو الأستهجان منها من امثالي . لم أقرأ في أي تعليم ديني أو فلسفي ان بعد الحياة عدم! إلا القليل عند قليل من الفلاسفة .لان اول أمل يتقمص الأنسان بالولادة هو التشبث بالحياة وبالبقاء، رغم معرفته بالنهاية المحّتمة..لذلك قراءاتي للنظريات المادية جعلتني اجزم بأني راحل بلا عودة ، بينما قرأءاتي الدينية تؤكد تأكيداً واضحاً على الخلود ، والبعث بعد الموت..آرنو ..أرجوك لاتقلقني انك بدأت تزحزح قناعتي المترددة بالعيش بعد الموت (برور) قال .. طيب انت تعرف انني أعاني من الذبحة الصدرية ولا اعرف بأي ساعة يأتي اجل نهايتي ..دعنا نحتسي هذا النخب من الكونياك بسلامة وصحة صديقنا الشرقي , بالمناسبة نصف قدح من الكونياك اسبوعياً يهدء ويعدّل ميكانيكية عمل القلب هذا مانصحني به الدكتورالمعالج.استدار برور الى صديقه الشرقي وقال ان (آرنو) تفتحت اساريره ..من العبث ان نتناول مثل هذا الموضوع ونحن بلا نشوة مسكرة ..لذلك اريد ان اكمل الحديث يا أصدقائي …تعرفون ان افقر الأديان تعليماً وأشدها ايغالاً بالتجسيم والتفصيل لا تتفق مع الإقرار بالفناء أو الرضى به أو العمل من اجله.وأبعد الشعوب عن المدنية والديانة والتحضر تحرص على ذكر موتاها وتقدم على قبورهم المأكل والمشرب والذبائح وتقيم الصلاوات دفعاً للأذى عنهم، واستشفاعاً بهم.ويعتقدون ان الأباء والأحبة من الأموات فرحين لان الموت لديهم عبارة عن اجتماع كل هؤلاء الأحبة بعد الشتات! صحيح ايها الصديق ان كل الديانات انتجها الشرق وروج لها الغرب واعاد تسويقها على نحو ما ثانيةً. ربما انت لا تؤمن بما قلته الأن وتتصور ان النظريات التي قرأت عنها هي نظريات مفتعلة لا يميل لها الطبع البشري ، ولا يهضمها العقل بعد ما رأينا ونرى قوة العقائد والمعتقدات الدينية التي ترسخت! لا.. لكني اعترض على شيئ اوردته ياسيد ارنو ..هو ان الدين اصبح حاجة للأنسان خصوصا الضعفاء من هؤلاء الناس لانه يعطيهم الأطمئنان والشعور بالرضا وهم بأمس الحاجة لهذين الشعورين في زحمة الحياة الصديق الشرقي قال له. قد يكون ذلك صحيح ..لانك وجدت نفسك في مجتمعات دينية عفوية تقّر بأفكار الخلود للحياة بعد الموت. لكن هذه هزيمة للعقل الواعي واستسلام الى المجهول..لان تصور البشر عن بقاء الحياة بعد الموت اخترعته المخيلة الواعية وأوجدت له تبريراخلاقي وفلسفي على انه هناك ظاهرة شاملة وطاغية على عقول الناس وبين الشعوب والأجيال ،على الأقل فيما يخص الشعوب القديمة في التاريخ والموغلة بالقدم :هي ان البشر تصوروا الحياة بعد الموت بشكلها البدائي الى حد يشبه ماهو موجود في الديانات وتعاليمها الحديثة . وكان تفسيرهم لهذه الظاهرة هو.. طالما توجد غبطة وشقاء في الحياة ، بالضرورة يكون بعد الموت هناك تعاسة وشقاء مثلما هو حاصل بالحياة.. غبطة الحياة من لذة الجسد ، فرح النفس بالمأكل والملبس ،وشقاء الحياة من حرمان ،وعذاب ،وألم ومرض .كل تصورات هذه الظاهرة كانت اساس الأعتقاد الذي يقول ويؤمن بأن هناك حياة بعد الموت ! ثم جاءت الأديان وطورت هذه الظاهرة الى تعاليم فيها كثير من التفصيل مذكورة في كل الكتب الدينية . فأصبحت هذه الأديان تعبر عن حقائق ما بعد الموت على نحو ما في الحياة. وعندما تتمّعن بالتعاليم الدينية ستجد مغزى أبعد للحياة ما بعد الموت رغم اختلاف الأديان. الغريب ان هناك عامل مشترك تؤكده هذه الأديان وهو ان يكون المرء سليم السيرة ومستقيم السلوك وبعيد عن الأعوجاج ؟ من هنا يكون مصيرك انت وصديقنا الشرقي البقاء والأستمرار ما بعد الموت . لانكم تريدون التشبث بالبقاء وهذا خلاف نواميس الطبيعة .لأن الحياة في هزيمة مستمرة أمام الموت . مهما كانت سيرتكم حسنة وبعيدة عن المعاصي . انكم عرضة للتنازع بين عاملين مهما زعمتم غير ذلك اما عامل الأمل بأيحاء من السلوك القويم (المؤمن) صراحةً أو ضمناً أو عامل الخيبة اذا كان سلوككم خلاف ذلك. لانه ستكونون موزعين بين الأثنين بين رغبة النزعات المتنافرة وبين دعوة الأعماق المشّتتة.. استدار آرنو شمالا وكان يتحدث هادئاً وكأنه فيلسوف يلقي محاضرته على تلاميذه في احدى حلقات المعرفة الرواقية . احتسى ما بقي من كأس الكونياك، وصاح فجأةً ..قلبي الهرم يروم التوقف .. اتصل يا (برور) بالأسعاف لتنقذني .. هم الصديق للأتصال بالأسعاف وبقى (برور) يُدلك جهة القلب ..يبتسم ارنو له قائلاً : أتمنى ان اعيش أطول ولا ارغب أن تكون الليلة نهايتي ! بعد دقائق تزيد على العشرة تمّدد آرنو على بلاط المطبخ يتأمل الشجرة الباسقة بحسرة من النافذة ، وكانت قريبة جداً . جاء المسعفون والسرير النقال معهم ..بسرعة تعرفو على المكان والمريض يبدو انهم سبق وان جاءوا الى هنا من قبل .. حملوا آرنو من البلاط الى السرير بعد ان منعو اصدقائه من النقل خشية على نقله بطريقة تسبب له آلاماً قد تؤدي به الى المتاعب .. وقف الجميع أمام باب المصعد وعيون الصديق و(برور) تدعو له بالشفاء ...أبصر(آرنو) المشهد ..وقال مبتسماَ .. أودعكم أيها الأصدقاء أظنّ انها ستكون الرحلة الأخيرة للفناء ولا حياة لي بعد الموت .. لكن الذي أريده ان ادفن بجوار زوجتي ان فارقت الحياة. أخبر المسعفين بعد دقائق معدوة الأصدقاء بأن آرنو فارق الحياة وهو في طريقه الى المشفى!
كريم الشريفي



#كريم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأتفاقية الأمنية بين موافق... ولا معارض!!
- مناظرات أم مهاترات...؟
- ولادة بلا فرح
- للنبّيذ أوان..
- شجن الأثير


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الشريفي - الوِداع الأخيّر