أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطوان القزي - « شاهدة قبرٍ من رخام الكلمات» : يحيى السماوي يحطب اكمام الغمام رحيقاً لأسحار عراقه














المزيد.....

« شاهدة قبرٍ من رخام الكلمات» : يحيى السماوي يحطب اكمام الغمام رحيقاً لأسحار عراقه


أنطوان القزي

الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 02:55
المحور: الادب والفن
    


هناك مع الهزيع الأخير يلفّ النعاس لحافَه لتصحو وسادة الكلمات على حلمه الموجوع. وهناك يتكوّر الصمت على سرير الانتظار، ويتدثّر الترابُ ثغور النخيل عزاءً لمواسم الدموع. هناك غفت أم يحيى السماوي شاهدة على قبر من رخام الكلمات قبل ان يقول لها «تصبحين على جنة». فناجين قهوته، ماء ورده، بخور صباحاته وشغفه المرصود على قيامات جديدة، يغافل سلالم الموت السافرة، يرصف حجارة ملكوتٍ تائه، يسأل عن وطن باتت ضلوع ابنائه عرباتٍ للنعوش. هناك على الضفة الاخرى، يعزّ العبور، تفرغ الكؤوس، تهجع الأرصفة خلف دوي المدافع. هناك طبول الموت تؤرخ لهجرة العصافير، وعيون الفقراء ترسم مسافات الهاربين، والمتآمرون يسطرون الخيانات ويحولون ضفائر الليل اثواباً للأرامل، يستمطرون ندى الاسحار علقماً للأيتام. ويقف يحيى السماوي، منديلُه ساريةٌ تلوّح للفرات، تلتقط للهواء العابر صورة تذكارية قبل ان يحوّله المستعمرون وقوداً لأحزانٍ عتيدة. ويسألونه عن كفنٍ آخر، عن تابوت مفتوح، يتسع للأمس واليوم والآتي، يسرقون بياض نهاره وغفوة جفونه واستراحة الشرود من اهدابه. يحيى السماوي ليس ساعي بريد الآخرة، حيث الموتى يسكنون.. إنه قميص الكوثر الوضّاء، يدخل الفردوس بجناح مفتون، يطيّب جراح الامهات، ينسج اغطية الشتاءات ويرسم عناوين جديدة واسماء جديدة لأجنةٍ ستولد وتموت ارقاماً في مفكّرة الغاصبين. مَن يغرس للعراق سنبلة، من يحصد له بيدراً، مَن ينثُر حبوب القمح على ضفاف دجلة؟ مَن يسافر مع الامهات الى كربلاء، مَن يحمل أباريق الشاي، مَن يسكب عطر السماء في أروقة المؤمنين، مَن يفترش سجّادة الصلاة، مَن يسأل الله ان يملأ الصحون خبزاً والاجساد عافيةً والارواح حبوراً؟ ... يصبر يحيى السماوي، يصلّي، يفرح ويكتئب، لكنه لا يهادن، ينازل العمر لحظة بلحظة ويرفل كالقلب نبضةً نبضة، لتبقى ذاكرته مرآة وفائه، وليظلّ وجه امه قنديل المسرّة يذيب جليد الوحشة وينقش الورد اطباق حنطة على موائد الصباحات. هاربٌ من الذين اعتقلوا الوطن، يلهب القصيدة بنار الأكواخ، وقحط الحقول، هارب يفترش الأسفار سطوراً ويسنّ اجنحة النخيل اقلاماً، وهاربٌ من دخان يلف قوس القزح، يغربل الالوان سماداً لعشاق الجحيم. لكن السماوي يهرب الى العودة، الى الجذور ورائحة التراب الموسوم بعرق الجباه، يهرب الى حيث للعدالة وجه واحد وللحق لون واحد وللحب قلب واحد، والى حيث للانسان وطن واحد وللخيانة لا مكان. هارب الى حيث الرصاصة لا تعشق الاجساد الطرية، وحيث لا يوجد مناضلون للإيجار بل مرابع تجدل عقود الياسمين على بيارق الاحرار. يرسم بالدماء ترنيمة تائهة، يجبل بالدموع ملحمة مخضبّة بأبجدية الغرباء، يزنّر بابل بأقاحٍ يرشف بكاء المطر. لن يصير يحيى السماوي خريفاً حتى لا تنتحر ورود بلاده، بل سيبقى حارس البوابات البيضاء، يجمع الأقباس المتناسلة شموعاً لعتمة سماوته ويحطب أكمام الغمام رحيقاً لأسحار عراقه. يحيى السماوي، دع الأرغن في يديك يرسم خريطة الأعراس في بلاد الرافدين، فغداً سنراقص الشموس حتى آخر ومضة وسنكتب الشعر حتى آخر قافية وسنهزم الطغاة حتى آخر محتل.
***
أنطوان القزي
رئيس تحرير "التلغراف" الأوسترالية






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يحيى السماوي في ديوانيه الجديدين: لؤلؤة دجلة تعانق أشرعة الن ...


المزيد.....




- رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي ...
- افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا ...
- مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج ...
- بقي 3 أشهر على الإعلان عن القائمة النهائية.. من هم المرشحون ...
- فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ
- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطوان القزي - « شاهدة قبرٍ من رخام الكلمات» : يحيى السماوي يحطب اكمام الغمام رحيقاً لأسحار عراقه