أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح حسن - - يا ليت الليالي تجمع شملنا!-














المزيد.....

- يا ليت الليالي تجمع شملنا!-


كفاح حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 09:02
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في ذكرى وضاح
" يا ليت الليالي تجمع شملنا!"
تكتسب ليالي الخميس و مواسم الزيارات الدينية نكهة خاصة لدى سكنة كربلاء. و تبقى هذه النكهة راسخة في الذاكرة، و لا تنافسها أية نكهة أخرى.
ففي ليالي الخميس تزدحم المدينة بأبنائها و زوارها في جو إحتفالي مهيب. و تتفنن الصبايا في مشيتهن المتلوية كالظبايا النجدية. حيث تتحول العباءة من حجاب إلى بدلة تعجز عن إخفاء حركات لابساتها المتلوية. و يزيد من إغراء العباءة العطور الهندية الفواحة التي تتفنن الصبايا في إختيارها. فهذه هي فرصة الصبايا في التمرد على القيود الدينية و الرجولية على حريتهن الشخصية.
و في الغربة، تتجدد الأماني بالعودة لتلك الأيام و لعذوبتها و بساطتها.
إن صبيان كربلاء لمحظوظين، لما أنعم عليهم الدهر من صبايا تجمعن الذكاء و الجمال. بشكل لا تجده في أي مدينة تحيط بكربلاء.
و وضاح حسن عبد الأمير، كان واحد من هؤلاء الصبيان. حيث إنغمر في الحياة اليومية لمدينة الطف الساحرة. في متجر الوالد، كان يقف يوميا وضاح ليعاكس الصبيات و أمهاتهن، و هن يستخدمن سحرهن لإجباره على خفض أسعاره. و يطيل وضاح في عناده، ليطيل لحظات وقوفهن عند عتبة المتجر. و لاينفرد وضاح بذلك، حيث إعتاد الكسبة و الباعة في أسواق المدينة على المساومات اليومية من نساء و صبايا الغاضرية على أسعار بضاعتهم. و تدخل هذه المساومة في طقوس و أعراف تكسب العمل التجاري متعة و حلاوة.
فجد وضاح، كان بزازا لديه دكان صغير في سوق العرب وسط كربلاء. حيث كان يقضي يومه في التنادر مع زبائنه من السيدات. حيث كان معظم زبائنه منهن. و كان يبيع أقطعة القماش و بعض الملابس المنزلية. و كان يقنعهن إذا إقتنين بضاعته، سيكسبن قلوب رجالهن ، و يحتفظن بهم بعيدا عن أن تتلصلص عيونهم نحو نساء أخريات. ولكنهن سرعان ما يرجعن إليه معترضات على رجالهن الذين لاتشبع عيونهن، ليعطيهم قطعة قماش أكثر سحرا.
و وسط هذه الحياة الممتعة و البسيطة، إنقض النظام الصدامي الدموي ليحطم رتابة هذه الحياة و سحرها. وليسوق الصبيان إلى ميادين معارك خاسرة. و ليترك الصبايا في أجواء الحزن و الكآبة على فقدان الأب و الأخ و الحبيب.
و أجبر وضاح على ترك مدينته الحبيبة هربا من الإعتقال و التعذيب، ليدخل في حياة مغامرة مليئة بالترحال و المخاطر. و لكن حنينه لصبايا كربلاء كان يزداد مع الأيام، و شوقه لأجواء كربلاء لم يخفت.
و لم يكن حنيني لكربلاء أقل من وضاح، و شوقي لصباياها لم يخفت. و لكنني في تجوالي سحرت بصبايا حاولن خطف حنيني لصبايا أرض الغاضرية. فكن صبايا عدن ، اللواتي سرقن عطور الهند التي تطعن شغاف القلب من صبايا الطف. ففي كريتر عدن، عند الأمسيات الساخنة، يتراقصن العدنيات في مشيتهن و هن يلفلفن جسدهن بالعباءة السوداء، في مشية يقلدن فيها صبايا كربلاء. و نفس هذه المشية الساحرة، وجدتها عند ضفاف الزاب و هو يخرج هاربا من تحت سد دوكان. فصبايا قرى ضفاف الزاب، يسرقن عقول الصبايا و الكهلان و هن يتراقصن في مشيتهن وسط مزارع التبغ، أو عند أزقة قراهن المتعرجة، بعطور و بدلات تضيف إلى جمالهن جمالا.
و في وسط وديان سماقولي و باليسان و بركة و ليلكان، كان وضاح يزداد شوقا لكربلاء. وكان شوقه للعودة إلى أرض الطف يزداد دوما. و كأنه يقلد مقولة عنترة بن شداد الذي كان يتذكر عبلة وسط إصطدام السيوف و الرماح. فوضاح كان محبا لمرتع صباه الساحر. و كان ذلك يدفعه دوما للتفاني في عمله، لإستعجال الأيام التي ستعيده إلى كربلاء.

و كان سقوط بغداد، و تحطيم الحكم الصدامي بحراب أجنبية، فرصة نادرة أرجعت وضاح إلى أرض الطف. فرغم إنشغاله اليومي في العمل الحزبي و السياسي، كان يسرق من الوقت ليزور كربلاء في زيارات خاطفة.

و حب كربلاء، أضفى إليه شجاعة إستمدها من شجاعة أبطال كربلاء الإثنين و السبعين الذين قارعوا جيش الأمويين في معركة غير متكافئة. و رغم إن العدو إنتصر عليهم في معركته، إلا إن شهداء كربلاء خلدوا عبر التأريخ، و لحق العار و اللعنة قاتليهم.

و هكذا كان وضاح يفكر. كان يعرف إنه دخل في معركة غير متكافئة. لكن في كل المعارك عبر التأريخ، قبل و بعد معركة كربلاء، يكون الخلود و المجد لأصحاب الحق، و ليس للمنتصرين في المعارك.

و هكذا كان الأمر في يوم الحادي عشر من تشرين الثاني من عام 2004 ، عندما إصطدم وضاح في كمين غادر. لقد نجح الكامنون من خطف وضاح من أحلامه و أهله. لكن وضاح دخل حياة الخلود، و لم تبقى لقاتليه سوى اللعنة.

لا أدري بماذا كان وضاح يفكر في دقائقه الأخيرة. لقد عايشت في حياتي لحظات يشعر فيها المرء إنه قريبا من توديع العالم. إنها لحظة مليئة بالمشاعر و الذكريات. و تزدحم الأحداث في عقل صاحبه، كأنه شريط سينمائي سريع الحركة، لدرجة إنه يتذكر أحداث طفولته و يفاعته و شبابه معا. فعند لحظة الكمين كان وضاح منشدا لملاقاة زوجته دنيا، التي سرقته من صبايا كربلاء، و نجله الوحيد كفاح. و لكنني متيقن من إنه إلى جانب ذكره لدنيا و كفاح، كانت كربلاء بصباياها و سحرها آخر ما ذكره و هو يقارع قاتليه.

ولكن الحياة تسير، و كل ما عشناه لا يمكننا أن نستعيده. فوضاح إنتقل إلى عالم الخلود، وكربلاء قد حطمها الحاقدون عليها من غزاة و مغتصبين و حرامية.. و ليس أمامي سوى إستعادة إستغاثة الشاعر اليماني، الذي يصرخ حنينا لذكريات الماضي قائلا:
يا ظبي صنعاء..ليت الليالي تجمع شملنا

كفاح حسن
السويد
تشرين الثاني 2008
[email protected]



#كفاح_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة..أم إنهيار!
- غفار كريم .. جندي مجهول في صحافة الحزب الشيوعي
- خالد يا خالد
- غانم..ياستار
- ملا حسن -أبو ئاسو-..وداعا!
- الأشجار تموت واقفة
- شامي غريبون -عشاء الغرباء-
- مناجاة لفتى الفتيان
- أحلام كالأوهام..و أوهام كالأحلام
- الجموع تصيح ..إعدم!!؟
- من لم يمت بالسيف مات بدونه
- نفتح قلوبنا لنلقاك ياوضاح
- أستاذنا العزيز..وصلت الوصية، ولكن ما باليد حيلة! - تعقيب على ...
- في وداع النصير أكرم
- وضاح..كفاك جيلان محمولان على سفر!
- غادرتنا..لتسكن قلوبنا


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح حسن - - يا ليت الليالي تجمع شملنا!-