أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كفاح حسن - شامي غريبون -عشاء الغرباء-















المزيد.....

شامي غريبون -عشاء الغرباء-


كفاح حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 06:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


روزوخونيات

شامي غريبون "عشاء الغرباء"

عندما يتحدث الكربلائيون عن معركة الحسين البطولية، يذكرونها بفخر كبير. حيث دخلت مدينتهم التأريخ، سيما وهم يسمعون النداء "كل أرض كربلاء..و كل يوم عاشوراء". و هذا الفخر إعتراني عندما كنت في آسيا الوسطى خلال رحلة الهروب نحو دول اللجوء قبل عشرين عاما، حيث يتمنى الناس هناك زيارة كربلاء وحتى الموت فيها.

إن معركة الحسين البطولية كانت وقودا لا ينضب لشعلة الثورة و التمرد التي إجتاحت الدولة الإسلامية. و لا يزال دوي معركة الحسين يهز مشاعر العراقيين، و يدفعهم لمواصلة العمل البطولي للدفاع عن الحق، و الوقوف في وجه الحكام الظالمين.

لقد سجل الحسين و الإثنين و السبعون بطلا الذين قاتلوا معه درسا تأريخيا عظيما في البطولة و الشجاعة و التمسك بالعقائد و تهوين التضحية بالأرواح في سبيلها. إن الإفتخار بالحسين ورجاله ليس من شأن الشيعة فحسب ، فالحسين في مصاف ثوار البشرية على مد التأريخ.

إن إحياء ذكرى عاشوراء في كربلاء تحمل نكهة خاصة لاتضاهيها أي نكهة في مكان آخر. فلقد شاركت في إحياء ذكرى عاشوراء في مدن مختلفة في بقاع العالم، و لم تستطع أي منها أن تنافس إحياء الذكرى في كربلاء.

في أيام عاشوراء تلبس كربلاء السواد. ويتبارى أبنائها في إبداء مشاعر الفخر و العزاء للحسين، مستخدمين كل إمكانياتهم الإبداعية سواء بالكلمة أو بالحركة. و ينغمرون جميعا في إحياء ذكرى الحسين ، بغض النظر عن إرتباطاتهم الفكرية. كما و إن الشيوعيين قد إستثمروا ذكرى عاشوراء في الدعاية لسياستهم. فالمواكب الحسينية كانت مواكب سياسية تقف ورائها الأحزاب السياسية العاملة في المدينة. فعلى سبيل المثال ، كان موكب عزاء باب الخان يمثل الأحزاب الدينية، و موكب عزاء العباسية يمثل الشيوعيين. و كلنا يذكر الشهيد البطل عبد الزهرة الشرطي الذي كان يكتب "ردات" هذا الموكب، و التي كانت مزجا قسريا مابين سياسة الحزب الشيوعي و ذكرى معركة الطف.

و من باب الطرافة، فقد خرج موكب العباسية في أحد أيام عاشوراء عام 1974 مرددا مقطعا كتبه الشهيد عبد الزهرة يقول فيه:
قدم السوفييت إلنا بالحرب أكبر وسام
و الجيوش العربية تشهد بصاروخ سام
لازم نشيد الصداقة
لازم نقوي العلاقة
نحجي ياحسين الحقيقة عن مفاهيم النضال

فما كان من الشيخ عبد الزهرة الكعبي صديق والدي و زميل دراسته إلا بأن يعلق في مجلس عند خان الوالد ساخرا..
- لم أكن أدري بأن الحسين عضو في الحزب الشيوعي العراقي.
لقد واضب أهل المدينة على إحياء ذكرى الحسين بدون التفكير بكسب أو ربح مادي منها. فكان الرواديد حمزة السماك، حمزة الصغير، مهدي الأموي و عزيز الكلكاوي و أخرين. و كذلك الشاعر عبد الأمير الترجمان، مكتشف المطربة الكربلائية زهور حسين و كاتب كلمات معظم أغانيها. إلى جانب الملايات اللذات إشتهرن في المدينة بأصواتهن الشجية و كلماتهن التي تصيب شغاف القلب.

و لغرس حب القراءة داخلي، أرسلني الوالد في الصغر للعمل في مكتبة الرادود عزيز الكلكاوي. و كان لعائلة الكلكاوي عدد من المكتبات. كما و إن المطبعة الوحيدة آنذاك في المدينة كانت من أملاك جاسم الكلكاوي الأخ الأكبر لعزيز. و أصدرت هذه المطبعة صحيفة المدينة اليتيمة (المجتمع) . و كان لهذه العائلة ذات الميول القومية و أحيانا الطائفية دورا ملحوظا في المدينة خلال ستينيات و سبعينيات القرن الماضي. ومن خلال عملي في مكتبة عزيز الكلكاوي كنت أتابع بإهتمام معاناة الشاعر و الرادود عزيز و هو يجاهد في ترتيب كلماته و إختيار الطور المناسب للقصائد التي أتم نظمها. و هناك تابعت ولادة قصائد حسينية لازالت تردد لحد يومنا هذا محتفظة بوقعها على قلوب مستمعيها.

و هناك تابعت اللقاءات التي جمعت الرواديد ، وتنافسهم الشريف لتقديم عصارة جهودهم في إلقاء القصائد الحسينية. فكان المرحوم حمزة الصغير يجهد في تدريب صوته على إداء مختلف الأطوار خلال ممارسة عمله اليومي في محل مكواه قرب ساحة البلوش. بينما إمتاز الشاعر و الرادود مهدي الأموي بالبحث عن دروس الحكمة و الوعظ في قصائده ، بدلا من التركيزعلى النعي. حيث كان يتمتع بثقافة دينية و تأريخية جيدة. كما و إن إختلاطه مع رجال البادية الذين كانوا يبتضعون من دكانه في شارع الكمرك في منطقة العباسية، قد أضفى على قصائده لغة عربية متينة. وكان المرحوم الأموي يقرأ قصائده في موكب عزاء العباسية ذا النفوذ الشيوعي، رغم إنه كان يعارض أفكار الشيوعيين.

و كان سيدا المجالس الحسينية الكربلائية حينذاك هما الشيخ عبد الزهرة الكعبي و الشيخ هادي الكربلائي. وكان الشيخ الكعبي يقرأ المقتل في سوق العلاوي صبيحة يوم عاشوراء. بينما يقرأ الشيخ هادي عند ضريح الإمام العباس. و كان الشيخ هادي يعتمد في مجالسه على طلاب الحوزة ليسبقوه في قراءة مقدمة ليتسنى له بعدهم الدخول لموضوع الوعظ مباشرة، بعد أن أعفى نجله البصير الشيخ صالح من هذه المهمة ، بعدما إعتنق الشيخ صالح الشيوعية و دخوله السجون بسببها.

و تصل مراسيم إحياء الذكرى في يوم التاسوعاء و ليلة عاشوراء ذروتها. حيث نسهر حتى الصباح. و هنا كان الصراع شديدا من قبل رجال الدين المتنورين و أهل المدينة ضد مظاهر تسيء لذكرى الحسين كالتطبير و ما شاكله من أعمال لا تمت للدين و الذكرى بصلة. و لقد نجح أهل المدينة في حث الكثير إلى التبرع بالدم بدلا من التطبير في المنتصف الأول من السبعينيات. علما بأن التطبير كان بدعة قدمت إلى المدينة مع المواكب الآزرية التي جاءت إلى كربلاء في مطلع القرن الماضي. كما إن مواكب الشيعة الهنود كانوا يضربون ظهورهم بزناجيل تحمل شفرات حادة.

و في يوم عاشوراء يستمع زوار المدينة إلى صوت الشيخ الكعبي قارئا للمقتل حتى يحين موعد صلاة الظهر، حيث ينطلق بعدها عزاء طويريج الذي يمر عبر أسواق المدينة نحو ضريحي العباس و الحسين، و لينتهي به المقام عند المخيم، حيث تحرق الخيم هناك.

و في مساء يوم عاشوراء ، يلف الظلام الدامس مدينة كربلاء، ظلام دامس و كئيب. و يضرب المدينة صمت مذهل. و عند إنتهاء الناس من صلاة العشاء، يأكل الناس شامي غريبون "عشاء الغرباء". إنه عشاء سبايا الحسين. العشاء الممزوج بدماء شهداء كربلاء. إنه العشاء الثقيل.

إنه العشاء الذي تذكرته و أنا على سفوح سفين في حزيران 1984 عندما سقط شهدائنا في معركة غير متكافئة بالقرب من مدينة شقلاوة. لقد واجهنا عدوا حاقدا و جبانا، حيث قطع موارد الماء عن مقاتلينا، ليجبرهم على الإستسلام، و قام بتصفية كل من سلم نفسه! و تذكرت شامي غريبون و أنا أشاهد إستشهاد نزار ناجي و دكتور عادل و ملازم إحسان في وادي بولي عند سفح قنديل في أيلول 1983. وكان شامي غريبون معي وأنا وسط أبناء القرى الكردية وهم يلوذون هربا من هجمات النظام الصدامي في حملة أنفال 1988.

فمعركة الحسين متجددة كل يوم و لكن بأشخاص جدد ومواقع جديدة.

و كنا نحن مجموعة من البيشمركة حريصين ـ أيضاـ على إحياء ذكرى عاشوراء كذكرى عزيزة للبطولة و الفداء. و في عام 1985 قد طردنا الشيخ محمد خالد من منطقة بارزان ، بحجة إن المنطقة مقدسة و لا يسكنها سوى "الأطهار". و خلال زيارتي الأخيرة في الصيف الماضي منعت من دخول منطقة بارزان لإنني عربي. ووجه إلينا الشيخ خالد رسالة مطلعها "ظهر الحق و زهق الباطل". فإنتقلنا إلى وديان قرية كافيا القريبة من ناحية دينارتا.

و هناك باشرنا في بناء قاعات مقرنا، و صادف ذلك يوم عاشوراء . فطلبنا من الرفيق الشهيد أكرم أن يتولى البحث عن المقتل بصوت الشيخ الكعبي في مذياعه الصغير، و الإحتفاظ بالصوت واضحا و مسموعا، بينما كنا نحن نعمل ونسمع. فما كان من مام عجيل أحد المسؤولين عن الموقع إلا أن يطلب مننا الكف عن العمل، و الإنكفاء لإحياء ذكرى عاشوراء.

و لا أخفي سر إفتخاري بالحسين و رجاله الذين كانوا سندا لي في مقارعتي لأعدائي. فإلى جانب قناعتي بالأفكار و المواقف التي وهبت زهرة شبابي لها. كان صلابة الحسين و رجاله درسا لي في الصلابة . و بمثل هذه الصلابة تلقيت نبأ إستشهاد أخي وضاح. و تخيلته كأنه مقاتل من مقاتلي الحسين الذين قدموا حياتهم بقناعة و إلحاح. فما أن إختليت بنفسي في ليلة إستشهاد وضاح،تذكرت شامي غريبون الحزين في كربلاء و صوت حمزة الصغير الشجي الناحب، و رددت ..

يا إبن أمي عل التربان عفتك رمية
عين العمى و لا شوف ذيج المسية





كفاح حسن
السويد
كانون الثاني 2008





#كفاح_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناجاة لفتى الفتيان
- أحلام كالأوهام..و أوهام كالأحلام
- الجموع تصيح ..إعدم!!؟
- من لم يمت بالسيف مات بدونه
- نفتح قلوبنا لنلقاك ياوضاح
- أستاذنا العزيز..وصلت الوصية، ولكن ما باليد حيلة! - تعقيب على ...
- في وداع النصير أكرم
- وضاح..كفاك جيلان محمولان على سفر!
- غادرتنا..لتسكن قلوبنا


المزيد.....




- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كفاح حسن - شامي غريبون -عشاء الغرباء-