أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين النصير - الكلب الذي لم ينبح ليلاً















المزيد.....

الكلب الذي لم ينبح ليلاً


ياسين النصير

الحوار المتمدن-العدد: 2443 - 2008 / 10 / 23 - 08:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ثمة نكتة عراقية قديمة نتداولها أيام الحرب العراقية الإيرانية، من أن كلبا إيرانيا أراد أن يعبر الحدود الإيرانية مهاجرا إلى العراق، فالتقى كلبا عراقيا مهاجرا يريد أن يعبر الحدود إلى إيران أيضاً ، فالتقيا على ساتر للجيوش والقصف المدفعي شديد بين الدولتين،وضع كل منهما بوزه ببوزالآخر، ودار بينهما الحوار التالي:
- الكلب العراقي: لماذا تريد الهجرة من إيران؟.
- الكلب الإيراني: لأني لا أستطيع أن أشبع، ثم أن الملالي يمنعوننا من التجوال في الشوارع ليلا ونهاراً، ثم أحببت أن أتجول في مدنكم العراقية حيث يقال: أن فيها ماءأ كثيرا ونخلا مثمرا، وولائم تقام في الأعياد والمناسبات الدينية وغير الدينية، علني أجد فيها ما يغنيني من جوع.
- وأنت، سأله الكلب الإيراني، لماذا تريد الهجرة من العراق؟
- الكلب العراقي : كل شيء موجود في العراق،الماء والتمر والولائم، ولكني لا أستيطع أن أنبح.

وأنا اقرأ في كتاب الدكتور شاكر عبد الحميد "الفكاهة والضحك"قرأت جملة "الكلب الذي لم ينبح ليلاً" والتحليل الذي ادرجه للناقد ديفيز في تحليلة لهذه النكتة العميقة. فحفزني لأن أستعيد بعضاً مما كان يحتج به الشارع العراقي ضد أنظمته القمعية، فالنكتة بكلبيها الإيراني والعراقي عراقية المنشأ والتكوين، والمعنى العميق لها يدل على أن الشعب العراقي عندما يفكر بغابه القسري، يفكر بحضور الآخر، لذلك مارس النكتة بعنف اللغة، وبثورة المعنى، وبإشباع الدلالة، حتى لتحسبها سلاح العامة وصوتها.

في حين أن جملة " الكلب الذي لم ينبح ليلاً" التي وردت في تحليل الناقد ديفيز،تشير إلى فعل الحضور والغياب لدى الشعوب وهي تمارس دورها الأحتجاجي، ففي عمقها الشعبي ما يجعلها نكتة سياسية بامتياز ، وذات دلالة أكبر بكثير من حجمها. وردت هذه الجملة في قصة "الوهج الفضي" للسير أرثر كونان دويل، واستثمرت في أحد افلام شرلوك هولمز،من أن الجريمة قد وقعت، لكن الكلب لم ينبح في الليل، وكان هو استنتاج شرلوك هولمز أمام المفتش جريجوري، هنا يستغرب المفتش جريجوري، ويسأل شرلوك هولمز، لِمَ لمْ ينبح الكلب في الليل؟. يجيبه شرلوك هولمز، "هذه هي الحادثة المثيرة للاهتمام" . فاتخذها النقد الأدبي فكرة للحديث عن الحضور والغياب في النص وفي المجتمع، وكيف تبرز النكتة لدى شعب حي، وتختفي أو تضمر لدى شعب آخر.
2
وعندنا في القرى العراقية الجنوبية، عندما يسرق اللصوص بيتا، ولا ينبح كلب صاحب البيت، تكون ثمة حكاية، يفاجأ الناس في الصباح بأن بيت فلان الفلاني قد سرق، ولم ينبح كلبه!! فيتداولون أبعاد ما حدث وهم يحتسون فنجان قهوة الصباح المر قبل ذهابهم لقيعان النخيل. "كلب صاحب البيت لم ينبح" "أو " لم نسمع للكلب صوتاً "أو يصبون غضبهم على سلالة الكلب فينعتونه بشتى النعوت المشينة. وتنتظر الناس ماذا سيفعل صاحب الكلب بكلبه. ووسط الإستغراب يبدأ الحديث عن السبب في ضوء أحداث مشابهة حدثت في القرية. فقد تكون الكلاب قد سُممت، أو أنها استدرجت لموقع بعيد عن البيت، أو أنها قتلت خنقاً، أو كممت، أو أن صاحب البيت أخذه النوم كما يقال !!، أو " أن الكب لم يجد سبباً كافياً لهذا النباح.." والنتيجة أن جريمة السرقة قد حدثت، وأن صاحب البيت المسروق أصبح على ألسنة كبارالناس وصغارها، رجالها ونسائها. أما جوهر الحكاية، ليس هو السرقة ومادتها، بل ما السبب الذي جعل كلب صاحب البيت لم ينبح؟.

لا نبتعد هنا كثيرا عن معنى الكلب الذي لم ينبح في الليل، سواء ما ورد في معنى أن بعض الشعوب تتحدث في نكاتها عن الأوضاع السياسية فتكون النكتة تعبيرا عن علانية وحضور هذه الشعوب، بينما شعوب أخرى لا تنكت لوجود موانع ما تمنعها من أن تؤلف نكاتا تحتج بها على أوضاعها السياسية، إنها شعوب غائبة عن ممارسة دورها، أو أن" الكلب لذي لم ينبح ليلاً" مجرد نكتة يراد بها التنبيه إلى أن بعض الناس يغض النظر عن سرقة بيته بالتواطئ مع اللصوص، فيعمد إلى إسكات كلبه كي لا يوقظ الجيران. في الحال الأولى يكون الكلب يقظا وحاضرا ًويرى ويسمع ويحتج، بينما في الحال الثانية، يكون الكلب نائما، أو مستغفلا، أو ثمة قوة ما قاهرة منعته من النباح، وفي كل الأحوال ثمة طعم ما قد القي إليه كي لا ينبح.
3
وحتى لا أبتعد عن محتوى النكتة، وعن دورها في الحياة السياسية، وهي موضوع يشغلني منذ أن خرجت من العراق، وكتبت فيه موضوعا طويلا عن " النكتة الفاحشة" وأعمل حاليا على دراسة أخرى عن المثل الشعبي. لكني وجدت في هذه النكتة مثالاًحياً على ما يحدث على حدودنا مع دول الجوار، ودوركلابنا التي لم تنبح في الليل عندما يتسلل لصوص السياسة والتخريب عبر الحدود وهم محملون بالمتفجرات والدولارات لتدمير تجربتنا الجديدة وإرادة شعبنا في الحرية وأختيار طريقه الخاص. فكلابنا لم تنبح، بينما اللصوص يهربون الأفيون والبشر والمخربين والنقود والشاحنات والمواد المتفجرة والأحزمة الناسفة والمشروعات والأسلحة، كلابنا لم تنبح لأن صاحب البيت أو أن بعضا من أصحاب البيوت العراقية على الحدود متواطئون مع اللصوص فيطعمون كلابهم بالسم أو بالمال كي يسكتوا نباحها واحتجاجها، كلابنا لم تنبح لأنها تعرفت على اللصوص بعد أن كانوا يأتون في الليل خفية أصبحوا يأتون علانية وفي وضح النهار، وتحت لافتات الحماية، وفي سيارات الدولة ويقودهم سواق عراقيون وتستضيفهم بيوت عراقية!! فما عادت حاسة الكلب نافعة بعد أن عميت بالدولارات والأفيون، وبعد أن سكن اللص الأجنبي البيت العراقي، وها هو يخرج علانية بين الناس، ويجلس في دواوينهم ويحتسي فنجان قهوتهم، و يلاعب الأطفال ،ويتودد للجيران، وينام إن رغب مع زوجة صاحب البيت، فماعادت الكلاب تجهل زواج المتعة والمسيار والسياحة والوناسة و...خزعبلات البغاء الديني .فنامت كلابنا وهي متفتحة الأعين تهمهم صمتا بما ترى دون أن تعلن احتجاجها بالنباح.
4
عندما يكون الغياب حاضراً والحضور غائباً، لا تولد نكتة بل مأساة، وهذا ما يحدث في العراق اليوم، وهو ما لم يدرجه ديفيز في بحوثه عن النكتة ودورها لدى شعوب تستخدمها للإحتجاج على أنظمتها فتكون حاضرة وعلانية ولها صوتها، ولدى شعوب تقمع فلا تنكت على أوضاعها فتكون غائبة ومجبرة على الخنوع أو يراد لها ان تكون كذلك. والنموذجان من الشعوب موجودان في الشعب العراقي، بعضه لا ينكت لأنه لا يريد أن يحتج على مايدور، وبعضه يريد أن ينكت فيقتل بكاتم صوت لأنه يكشف ما يدور، إنها المأساة الجديدة التي يكون صاحب البيت العراقي أخا للص الإيراني وللص المغربي واليمني والتونسي والكويتي والسعودي والليبي والمصري والأفغاني من عتاة القاعدة ومجرميها المتسلليين عبر الحدود إلى العراق. فمتى تعود كلابنا لتنبح منبهة الذين يتسللون وأصحاب البيوت الذين يستضيفون أعداءنا، ومتى تصبح أحاديث ناس قريتي في الصباح الباكر وقبل أن يذهبوا إلى قيعان نخيلهم، علانية وهم يتحدثون عن أن كلاب العراق بدأ صوتها يُسمع في كل الأطراف ؟
5
في جوهر الفعل النقدي لنكتة الكلب الذي لم ينبح في الليل، نجد أن لها صوتين:
صوت الكلب الذي ينبح في الليل، هو تنبيه لصاحب البيت إلى الخطر المحدق به، ويكون بنغمة تحذيرية، وفي الوقت نفسه ثمة صوت آخر للكلب مختلف النبرة يحذر به اللصوص من أن صاحب البيت قد استيقظ. هنا نجد أن فعل الحضور وفعل الغياب متداخلان في سياق أن يكون كلبنا دائما على هوى صاحب بيتنا. عندئذ نستطيع أن نبني وطنا حقيقياً، وأن نؤلف نكاتا جدلية يتداخل فيها فعل الحضور بفعل الغياب. لا أريد هنا أن احلل النكتة ودلالتها،ففيها مستويات عدة للحديث، ومنها على سبيل المثال أن الكلب عندما ينبح في الليل يكون بدلالة مختلفة عنها عندما ينبح في النهار،فالضوء والظلمة لهما دلالة عميقة في معنى العلانية والأختفاء، كما أن نباح الكلاب في النهار غالبا ما يكون مكشوفا للجميع حيث الكل في يقظة، بينما يكون نباحها في الليل دالا على يقظتها ومسؤوليتها،لحماية صاحب البيت واسرته عندما يكونون نياما، هذا ما تعنيه كتائب حرس الحدود، وقوى الأمن، لذلك نكتفي بالإشارة إلى أن النقد الأدبي يوسع من ثوب الحدث ويذهب به بعيدا.



#ياسين_النصير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنقرأ ماركس
- اليأس الذي بدأ ينخر قوانا
- شكد حلوة بغداد ..مو
- الصورة مبهرة لكن الضوء يهتز
- ملفات عن مبدعي المسرح العراقي
- إنهم يغتالون المواهب الكبيرة
- لا تتركوا المالكي وحده أيها العراقيون
- أحزاب الإسلام السياسي ونغمة الوطنية النشاز
- هل بدأ ت مرحلة الأحتواء العربي لإيران؟
- غياب فلسفة الدولة العراقية
- لمن تتوجه حركة -مدنيون-؟
- دور الإعلام في نداء قوى اليسار الديمقراطي
- لينهض اليسار العراقي ولكن دون تهميش للإسلاميين المعتدلين
- كيف ينتفض أهلنا في الجنوب
- اميركا والثقافة العراقية
- سيناريوهات العيد السياسية في العراق
- شاعر الأحاسيس
- موت شاعر
- إدانة تقسيم العراق واجب وطني، ولكن أدينوا قبل ذلك...
- التكنوقراطي، التكنو طائفي، التكنو رادن في رؤية الرجل الصغير


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين النصير - الكلب الذي لم ينبح ليلاً