أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله السباهي - الخل والخمرة والصديق














المزيد.....

الخل والخمرة والصديق


عبد الإله السباهي

الحوار المتمدن-العدد: 2439 - 2008 / 10 / 19 - 01:07
المحور: الادب والفن
    



كان الصيد هذا العام وفيرا والحمد لله، والموسم استمر على غير عادته كريما معطاء. فخرجت من محبسي أتصيد الساعات المشمسة في هذا الصيف الرائع.
عندما يحين فصل الصيف في الدنمارك تتبدل الحياة بعنف، فوجوه الناس المرسومة باللون القاتم، تتغير فورا فتصبح مرحة باسمة، عندها تستطيع اقتناص بسمات المارة وإن كانت مرسومة بتكلف، ولكنها بسمة على كل حال.
البحر لا يبعد كثير عن مسكني الذي عشش فيه برد الشتاء القارص، وغياب الشمس الدائم، وحزن لا فكاك منه، لذا قررت اليوم الثورة على واقعي الممل والذهاب إلى البحر مشيا على الأقدام، تاركا وسائط النقل المريحة هذه المرة، ما دامت الشمس ساطعة والسماء تبشر بيوم جميل.
تفصلني عن البحر أربعة الآف خطوة بالتمام والكمال.
ولكون ساعات التمتع بمثل هذا الجو الرائع لا تعوض، قررت أن أزيد تلك الخطوات ألف خطوة أخرى، وأسلك طريق الغابة الأبعد.
إلى الشمال من مدينة ( نيفو ) حيث سكني منذ وصلي إلى الدنمارك قبل اثني عشر عاما، توجد غابة اكتظت بأشجار البلوط الباسقة، تخترقها سكة حديد يسير عليها قطار الركاب الذي يربط مدن الشمال بالعاصمة كوبنهاجن فيقطع السكون فيها كل عشرين دقيقة مرتين.
فالقطار الصاعد إلى الشمال له ضجة وهدير لا يختلف عن ضجيج القطار النازل إلى العاصمة.
قطعت منتصف الطريق فرحا بخيوط الشمس اللاذعة، تاركا منخري الكبير يعب من ذلك النسيم الذي لا يعكره تراب طريق أو دخان معامل.
وجدت مسطبة من الخشب تساقطت بعض ألواحها ألتي تسند الظهر وظل منها لوح واحد أسندت ظهري إليه كيفما اتفق.
لن تجد عزيزي القارئ مكابرة أكثر من تمسك الشيوخ بذكرى الشباب الغارب، فلم ينفع حذاء الرياضة المريح ولا ملابس الرياضة الجديدة ولا حتى سلسال الفضة الذي راح يتدلى على الصدر، في شدّ العزيمة لمواصلة السير. فالأنفاس راحت تتقطع والقلب يضرب بعنف. فوجدت في تلك المسطبة لمسة من الرقة والحنو ودعوة صريحة للمكابرين مثلي، فجلست عليها متهالكا.
بعد أن استعادت أنفاسي رتابتها قمت بعد أطياف اللون الأخضر التي تحيط بي من كل جانب، وبعد أن أحصيت أكثر من ثلاثين طيفا لهذا اللون المبهج، رحت في شبه إغفاءة استرجع فيها ذكريات عمر ذهب معظمه في عراق تغطيه الرمال عند كل عاصفة، و تغوص الأرجل في سباخه عند كل زخة مطر. والعيش فيه صراع عبثي مع الحياة العصية على التحليل أو التبديل أو الفهم.
وأنا في شبه إغفاءتي تلك خطر على ذهني كلمات قرأتها في قصة لكاتبة واعدة، تشاطرني المواطنة الجديدة وتتصفح ذكريات المواطنة القديمة مثلي رغم صغر سنها.
تقول دنى غالي الكاتبة الرقيقة، في كتابها (اكتشافات متأخرة انتصارات صغيرة ):
ثلاثة أطيبها العتيق
الخل والخمرة والصديق
أخذت أغوص في هذا المثل الذي لم أصادفه قبل اليوم لا في كتاب الأمثال للميداني ولا في غيره من كتب التراث ولا حتى الحديثة منها.
تذكرت المخلل المعتق الذي كانت تعده أم محمد من الخيار ( التعروزي) والذي تحشيه بمختلف الأعشاب والبهارات وتعتقه بخل التمر لتقدمه لضيوفها بكرم.
فكلما كنت أذهبت إلى مدينة الحلة لبعض أعمالي، أو لزيارة صديقي المهندس محمد، لابد لي من تناول وجبة الغداء على مائدة أم محمد.
لا أذكر صنوف الطعام الشهية المختلفة التي تعدها في كل مرة، والتي تتفنن فيها تلك السيدة الرائعة، ولكن طعم المخلل الذي كانت تقدمة على المائدة في كل مرة لا يزال هو الصامد الوحيد في فمي يتحدى الزمن.
وهكذا مر شريط من الذكريات أمامي لمحلات بيع المخلل (الطرشي) في بغداد من (طرشي حنانش) في شارع الرشيد حتى (طرشي ملك في محلة السفينة في الأعظمية) وصولا (لبساتيك الطرشي) في بيت أم علي في محلة الشواكة.
سمعت أن الطرشي قد منع في عراق اليوم كجزء من سياسة أسلمة المجتمع، فترحمت على العراق وعلى الطرشي.
لم أجرب خمرة معتقة، ولكني سمعت أنها متعة من متع الحياة حرمها البعض وحرم سكرها آخرين. وهنا قفزت إلى ذاكرتي المرهقة، قصة عن الخمرة المعتقة رواها لي صديق لا أذكر من هو، تقول القصة:
أنه في أثناء التنقيب عن الآثار في ليبيا عثر على جرار رومانية مليئة بالخمر ومغلقة بإحكام، ولكون الخمرة محرمة عند القوم هناك، كسروا تلك الجرار وأهدروا ما فيها مسفوحا على التراب دون رحمة. ربما تلك آخر فرصة للبشرية لمعرفة ماذا يصنع تقادم السنين في معشوقة أبي نؤاس وزمرته.
وعندما جاء الدور للصديق المعتق تزاحمت الصور وراحت تتدافع بعناد لتحتل المكان الأول. ولكن لماذا يجب أن يعتق الصديق؟ وكم سنة يجب أن يعتق فيها ليبلغ مرتبة الجودة ؟ أليست الصداقة شيء متجدد؟ كل أصدقائي هنا جدد، لم أعرف أي منهم من العراق، فكم سنة يجب أن أنتظر لينطبق عليهم المثل الذي ابتلتني به دنى غالي؟
ولكن أولائك الأصدقاء الذين تركتهم في بغداد والذين يشدني الشوق إليهم دائما، هل سأجدهم كما تركتهم؟
وهل هم أطيب من الجدد؟ السؤال متروكة الإجابة عليه لصاحبة المثل.
تركت كل تلك الأفكار بعد أن تعاركت ( مصارين البطن) عند ذكر الطرشي، و ودعت المسطبة ثم واصلت مسيرتي إلى البحر عسى أن أعثر هناك على قطعة من الطرشي، ولتكن طماطة خضرة أو باذنجانة صغيرة.
أو يوفقني الحظ في العثور على جرة معتقة من النبيذ الذي ربما تركه ( أجدادنا الأقدمون – الفايكنك- ) فمدينة (النيفو ) تعد من أقدم المستوطنات التي سكنها الدنماركيون الأوائل.
أو أعثر على أي صديق يخفف عليّ وحدتي ويشاطرني فرحتي باليوم المشمس، ولا يهم إن كان معتقا أم جديدا ( فريش).
ولكنها كلها أماني فقط، و(التمني رأسمال المفلس).

عبد الإله السباهي
أيلول2008



#عبد_الإله_السباهي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دردشة عجائز مغتربات
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(4)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(3)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(2)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار
- أولاد المهرجان
- هكذا تسقط الأنظمة
- لعبة في الطبعة الأخيرة


المزيد.....




- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله السباهي - الخل والخمرة والصديق