أزهار الصفا
الحوار المتمدن-العدد: 2437 - 2008 / 10 / 17 - 05:31
المحور:
الادب والفن
تم جمع محتويات قالب الحلوى من السكان المحيطين بالمنطقة : سكان الحي , و فرقة الكشافة الذين انقطعت بهم السبل للعودة إلى بيوتهم , بسبب نفاد الوقود من الحافلة التي كانت تقلهم ...
بدأ وافي , الشاب الأشقر صاحب العينين الزرقاوين , بخلط المحتويات مع بعضها ,استعدادا لصنع الحلوى , واضعا السكر في حفرة وسط الدقيق الذي ينضح بالحليب المتصلب أسفل الاناء...ثم بدأ يضيف البيض المخفوق , مع قشر الليمون المبشور , وباشر تحت إشراف يعقوب , بخفق محتويات الإناء , حتى أصبحت لزجة , ثم وضعها في قالب ... بدأ يعقوب يزين وجه القالب , راشا مسحوق جوز الهند فوق القالب ... و بعد ذلك بدأ بغرس حبات الكرز بعشوائية وسط القالب ...وبعد ذلك رسم ثلاث زهرات مصنوعات من خليط النشأ و السكر والأصباغ , إحداهما: زرقاء تحد القالب من الشمال , وخضراء من الشرق , وحمراء من الغرب ... حتى غدا قالب الحلوى محدود الحجم من الوسط , وأكثرضيقا ,خاصة بعد أن أحاط نصفه الأول بسور من الشوكولاته . بأنامله بدقة تأكل من حجم النصف الأول من القالب ... أنهى يعقوب تزيينه للقالب , و وافي يرقب بحذر ... وضع يعقوب القالب داخل الفرن.
جلس سكان الحي بقيادة المختار , و فرقة الكشافة , تحت إشراف سامح , الذي اعتمدوه لسانا لهم , يناقشون كيفية استلام القالب و توزيعه فيما بينهم , و خاصة أنه من حقهم جميعا ... ساعات متتالية يتناقشون فيما بينهم , دون فائدة ... فلا أحد يتنازل للآخر , بتولي مسؤولية التوزيع . مما ولد إنقسام الفريقين . كل يناقش الأمر على حدة , جالست فرقة الكشافة سامح داخل خيمته , و بدأوا يتحاورون فيما بينهم بموضوع مسؤولية توزيع الحلوى , فاقترح سامح حلا لهم ينهي ضياعهم و تشتتهم قائلا :
_ نبيع النصف الأول من قالب الحلوى , و نشتري بثمنه وقودا يمكننا من العودة إلى بيوتنا , بعد أن قطعت السبل للعودة بنا.
و قال أحد أعضاء فرقة الكشافة :
_ و نقتسم ما تبقى من قالب الحلوى مع سكان الحي , و بذلك نرضيهم و يرضوننا .
و بعيد مشاورات أثمرت لهم حلا لمشكلتهم , خرجوا إلى سكان الحي حاملين إقتراحهم إليهم , و بغياب المختار عن نقاشاتهم , و بعيد طرح فكرتهم ناقصة , لسكان الحي , قال أحد السكان :
_ نحن نعرف المختارجيدا , فطالما انفرد بقوالب الحلوى السابقة بمفرده , و لا يعطينا سوى القليل . فهو صاحب سوابق بالنصب و الإحتيال , و النهب .
همس أحد أفراد فرقة الكشافة , و بصوت يقيده الخفوت ,قال :
_ سامح إنسان أمين ... جيد الأخلاق ... فمن الإستحالة أن يخوننا , و ينفرد بقالب الحلوى وحده ...
و بينما هم يتحادثون , باشرت رائحة الحلوى تتسرب إلى أنوف الحاضرين , بعد وضعها بالفرن بفترة قصيرة . فالناس ينتظرون الحلوى , و رائحتها تتسلل إلى أعماق أنوفهم , و لا زالت الحلوى داخل الفرن , على نار هادئة تشتعل بصمت رهيب ... حتى وصلت مرحلة الطلق لولادة مأزومة السخونة , لحرارة تنطلق بذاتها , بعيد ميلادها , تدغدغ قالب الحلوى من جميع جوانبه ... مما أثار ضحكاته الصاخبة , و رائحة كرائحة المسك , تخرج بشوق من بين حناياه إلى الخارج ... لتأخذ موعدا من الحاضرين بالإستعداد لاستقبال الحلوى ... بقي الفرن على هذه الحال حتى نضج قالب الحلوى .
أخرج وافي القالب و وضعه على الطاولة ... اجتمع جميع سكان الحي , و فرقة الكشافة , إضافة إلى المختار و سامح و يعقوب و وافي , حول قالب الحلوى .
رمق وافي الحاضرين بعين لئيمة , و قال :
_ أنا بدوري صنعت الحلوى , على طريقتي لكم , و أنتم بدوركم ؛ اقتسموها بينكم كما تشاؤون .
و انصرف إلى أشغاله ... لكن , سكان الحي و فرقة الكشافة , لم يتفقوا بعد ... من سيستلم بدوره قالب الحلوى , و زمام المسؤولية يحمله المختار .. أم سامح ؟
وأخذوا بالنقاش من جديد , ويعقوب يرقب ما يحدث بينهم بكل اهتمام ...
و أخيرا ... أثمرت نقاشاتهم حلا , بعد أن نبتت بذورها في خيمة سامح . فقد تم الاتفاق على اختيار الشخص الموكل إليه اقتسام و توزيع الحلوى عن طريق الانتخاب ... و فعلا ... أحضروا صندوقا مغلقا , يحمل شقا من أعلى , و زرعوه وسط قاعة الاجتماع . و كي لايستطيع أحدهم خداع الحاضرين , و التصويت أكثر من مرة , باشر أحد المتعلمين , بتسجيل اسم كل من يدخل ويدلي بصوته داخل الصندوق – لمن يراه وجها للأمانة والمسؤولية-.
بعد الانتهاء من الإدلاء بالأصوات , اجتمع الحاضرون ... و أخذ بعض المتعلمين , و تحت محط أنظار الجميع ؛ من قراءة الأوراق . و وضع نقطة أمام كل اسم تم التصويت له ...و من بعيد ...يرقب يعقوب مايحدث . و النتيجة : فاز سامح بأكثرية الأصوات , و نال وسام الثقة من الناخبين . أما المختار: فلن يتم التصويت له , الاّ من قبل القلة القليلة من الناخبين . فهو صديق أسبقيات بالنصب على السكان , و الإنفراد بالحلوى كاملة .
إذن ... كان القرار في قبضة سامح يربض . و مع أن النتيجة , لم تعجب وافي ولا حتى يعقوب , لأنهما يعرفان كيف يتعاملان مع المختار, أما سامح : فهو يطل عليهم من نافذة جديدة , لا يعرفون أسرارها ولاحتى مكامنها , اضافة إلى نظراته تجاههما ... تلك النظرات التي توحي بالكراهية والحقد .و لكن , ما من فرار , والناس وضعوا باقة اختيارهم , و توجوا بها سامح . و تم الاتفاق ... الحلوى مع سامح ,لتوزيعها على الناس , و لا يستطيع أحدهم الإعتراض على حكمه , لأنهم هم من وضعوه عليهم , و جعلوا منه رئيسا لهم .
باشر سامح بالتحدث مع فرقة الكشافة , و التخطيط للكيفية التي سيبيعون بها نصف القالب , لشراء الوقود الذي سيمكنهم من العودة إلى بيوتهم ...
انتصف الليل أو كاد , ولا زال سامح يتحدث مع فرقة الكشافة , والسكان ينتظرون بالخارج ... خرج سامح و قال :
_اليوم , لانستطيع اقتسام الحلوى لأن الوقت متأخر . غدا صباحا نجتمع ونقتسم الحلوى ...
وفي الصباح ,وُجِدَ قالب الحلوى فارغاً , و موضوعا أمام بيت المختار . لم يجد السكان الحلوى , ولا حتى بقايا من بقاياها ... من الذي أكل الحلوى كاملة ؟؟ ورمى القالب –فارغا- أمام بيت المختار؟؟؟ من الذي دخل خيمة سامح – متخفيا- و سرق الحلوى ؟؟ أمامنا عدة أشخاص . و لكن , من منهم ؟؟؟ :
سامح ؟ الذي وصفوه بالأمن والأمانة , و نصبوه أمينا على حلواهم , و لأن أمانته لم تختبر من قبل , فلا حاجة إليها , ولا فائدة من الشهودعليها!...
أم المختار ؟ صاحب السوابق , و صديقها اللدود , و لكنه ومن كل بد يملأ بطنه من المرات السابقة , و لا داعي للدناءة - بهذا الشكل – هذه المرة!
أم يعقوب ؟ صاحب الفكرة , الذي لاتهمه الحلوى من الأساس , بقدر ما يهمه أمر المسؤول عنها , كما وافي ؟؟؟
انتهت الأماني ,بالنسبة لفرقة الكشافة , بعد أن جرها الحدث لشطآن البداية , و عاد سكان الحي إلى نقطة اللابداية , يقفون على خط الصفر . وطار فؤاد كل من وافي و يعقوب فرحا لما حصل .
النتيجة هذه , تحدث لأول مرة , بسبب ادخال عنصر جديد بالقسمة , لم يُعرف جيده من رديئه الاّ ظاهرا . و لا أحد يعرف شيئا من نواياه المكتنـزة داخله . جلس السكان يتذوقون نتيجة اختيارهم , و يندبون حظهم ونصيبهم من القسمة , التي ظنوها تبني لهم العدل والعدالة . و قال أحدهم :
_لو أن المختار ترأس القسمة لحصلنا على بعض الحلوى , و لو كان قليلا .
و قال آخر :
_ مهما كان الفاعل , فإنه نتيجة حتمية لظروف جديدة , صنعناها ورسمنا أغلفتها بأنفسنا .
و عاد كل من الحاضرين لقواعده الأصلية , مجردا من الآمال , بعد أن أخرجوا من جيوبهم النقود , و اشتروا مستلزمات الحلوى المفقودة ... و في النهاية ... خسروا المال و الحلوى .
#أزهار_الصفا (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟