وجدان عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 2436 - 2008 / 10 / 16 - 00:38
المحور:
الادب والفن
قد أكدت في كتابتي عن أحدى قصائد الديوان بان الشاعرة سهام جبار تلعب لعبة غرائبية المنحى كما يبدو لي وتكثر من طرح أسئلة ضمنية بدون علامات استفهام ظاهرة ، لتؤكد بدون أدنى شك انحيازها لحالات اشراقية اكتشفتها هي ، وحينما نرحل إلى الأعماق مستهدين بالعلاقات الشعرية الظاهرة ، لابد لنا أن نشد الرحال ثانية ، لأجل الوصول إلى المعنى الثاني أي إننا أمام حالة انشطا ر المعنى بينهما حالة صراع وتوتر ففي قصيدة (على بابك)أثارت أسئلة كثيرة تشظت كمعاني لابد من كد الذهن لحالة جمع افتراضية ، لاسيما بين الجسور تعني عبور ونجاة وبين النهر الذي قد يحتل في أحدى حالاته الغرق ، بين الدمع يعني حزن وبين الطفولة يعني فرح .. افتراض هل يجوز التعثر بانفجار .. جعلت كلمة انفجار نكرة وعائمة وسط طوفان التعريف ابتداءا من علاماتها المائية والحضارات وعقائد الحروب وسلاح التعاليم إذن(الأصابع محناة على أبواب الله) ونتيجة هذا الصراع المتصاعد تدخل الشاعرة محراب التصوف لتجعل قلبها نقيا مثل( باب مراد النفوس) وقد تعمد إلى تكرار لفظي (قلبي وقلبي وقلبي) لتصل إلى نتيجة مفترضة ايضا (يا باب هذا العراق)ولربما نتوصل إلى معنى القصد أو قريبا منه وهي معادلة الغربة والوطن قبالة الغربة الداخلية ويستمر هذا بإيهام وخلق مناطق غير مأهولة بالغموض لمباشرتها أحيانا ، ولكن حينما نحاول التمعن نجد أنفسنا في بحث مستمر عن البدائل بين سطورها ، وها هي الشاعرة تخلق فلسفة مكانية خاصة بتحويل البصر وهي حالة غير مرئية إلى حالات مرئية (كل النظر رسوم) ، لتؤكد المكان الغاية كما نرى هي تثبيت هاجس الوطن والتمسك بالأمكنة التي تدل عليه ف(انتم الذين لاترون أرى) وهنا الشاعرة لا تمتلك أي سلطة لإيصال إرهاصاتها سوى القلم والكتابة ، لذا تترك صورة سريالية تثبيتا لهذا ..
(بالأقلام شعري يرفرف
هل يدون الجبل؟)
(سر بما كتبوا
سأكتب
إني قرأت
فازددت عمى
وترددت على بلادي كالسنين)
أي إن مستقبلي مرهون بحكمة الكتابة ، مواقفي تجاه الحياة ، تجاه الحب ،تجاه الكره .. لا أستطيع تكوين رؤية عنها إلا بالكتابة ، حتى أخذت بالتناص مع الشاعر العظيم المتنبي (أنا التي نظر الأعمى إلي) بمعنى سهام جبار لاترى ولا يشار لها بالبنان إلا من خلال ترجمة إرهاصاتها بالكتابة
(تدونين، أدون أنا ، يدونون ،
ولامنفذ إلى كتابة اللذة)
إلا أني (في باطني طائر مزحوم بالرؤية)
وسلاحي لاختبائك هو(... أنا الهندي الأحمر برمحي) لماذا ؟؟
لان(... أنت الملوث بالقتل وبالحضارات) ، حتى تجلت بصورة شعرية قل نظيرها بقولها: (أيها المختبيء أنا الريش المجهر نحوك
أحيط ظلك بتبختري)
و(ربما لي أسلحة أخرى) ، لأني ثابتة في منحاي وسوف
(اعبر مع أنفاس البلاد
المهجوة بالحديد والخرائب
متوردة مع حديقة الحرية )
وفي الاعتقاد إن الشاعرة أغدقت على نفسها نرجسية اقتضتها ضرورة التأكيد على منحى الوصول بحكمة الوجود ..
(أنا الشمس الدائرة)
(أنا التي نظر الأعمى إلي)
(على أكتافي تلك الطبائع)
وتستمر هذه الحالة وليس هناك ملاذ يفسرها إلا حالة التأصيل والاصالة التي تمثلها بلاد الرافدين (بلاد الشاعرة) واصالة الإنسان داخل سهام جبار مبررة .. ومهما حلقت في عوالم الافتراض المنطقي تبقى تفلسف الأشياء وتنزل من علياء الحلم إلى دوال تبدو أنها عاشت أجوائها تقول:
(تلك المسافات فراغ هائم
يحيط قربك بالبعد
ويحيطني بالقلة
بين كل هذه البرية)
فلسفة الزمكانية والكثرة والقلة ولا تمتلك سهام جبار إلا أن تكون هيباشيا جديدة وسط فوضى التعاليم وزحام الزيف بقولها:
و(يسبر القول كلماتي
فتتدحرج ضائعة
في انشداه
يتعثر لطفك بترابي
أنا المشاءة إلى التبدد
وقربك الحاني البعيد
يا الهي
ربّت من جديد)
هو خشوع ورهبنة وتصوف ودعاء ، بيد انه وسط ضجيج الحياة بعيدا عن العزلة الموهومة وتبدو فلسفة مدروسة ومنفتحة على العالم استنادا إلى قوله تعالى (ولست عليهم بمسيطر) إنما بالحكمة والموعظة الحسنة ، والشاعرة تستعير الاستبدال ، لتبالغ في تثبيت فلسفتها ..
(عيناه خلف الشقوق تسمعنا)
العين مبصرة أي إنها للإبصار فكيف تسمع ؟ ...
وبعد رحلة الغربة عن الوطن .. والوطن بالغرباء يباعد المسافات بين أبنائه تأتي سهام جبار بهول يوم القيامة ، لتباغت أهل الأرض بان الظلم لا يدوم
(سيرانا فاقدي الستنا
من شدة الخوف
عاضي ألسنتنا على اوكسجيننا )، وها إنها تتقلقل وتتضجر تحت محاصرة أشياء المحيط ، وكذلك تتبدى واضحة إنها مرهفة الحس يأخذها اللاوعي ولحظات الشعر ، لذا فهي منشطرة بين هذا وذاك وتعمد بقصدية إلى حالات الوعي ،فتؤسس لنقاش منطقي كما أسلفت ، لأنها إنسان يعيش ويحب ويفترض طرق السعادة ليقين النهاية المحتومة وكل هذا عكس هدوء الشاعرة وكياستها تجاه أمور الحياة ، وكأني بها تؤسس فلسفة خاصة تناصت مع الفلسفات التي استوعبتها بطريقة الإنسان صاحب الأفق والوعي ، غير أن الشعر يضيق بهذه الفلسفة ويكشف عن شفافية ورقة تقول:
(كسّر صندوق الهدايا
ليختار نفسه ، يردد:
إن له امرأته
وشباك أشعاره)
بالمقابل تجد نفسها(وهي لا تسمع
خلف باب
مسندا إلى الحقيقة)
فهي مستمرة في خضم البحث بين الصراع الدائر في ذاتها الواعية وذاتها اللاواعية بين إنسانها المنطقي الحكيم وبين إنسانها الآخر الذي يبحث عن صدق الحياة ولذتها ... ويشتد صراعها ويصل الذروة ..
(ليس هذا اللون
وليس هذا المذاق
ليست الرقصة
لقد تشعبت الجذور
إلى كل هذه الأوراق
ونمت الأرض بالموتى
نمت السماء بالإله)
(أنا المعظمة البعيدة
والآلهة القديمة
أنا الأنثى المتبقية
من ظل خطوي
وجرأة أقلامي)
هذه إجراءات منطقية وسط صراعات متعددة صبغت الشاعرة بصبغة الحيرة المبررة بقولها:
(أتكلم وأمحو
هواء وممحاة) حتى تقول :
(كانت إصبعا سحرية ما إن تدخل خفايا الوجود) لتصل إلى ..
(الحقيقة إن نكون في المركز وكل ماعدا ذلك وجهات نظر)
لأني (لن أعود إلى الشجرة
تفاحة ماضية
في عفن الإغواء)
و(شعري حمّال كلمات
تمتد بالأرجاء لترسم العراق
لكن مهلا
يتفرس .. ربما بعيوني)
وبصريح العبارة تقول:
(هنا بغداد
إذ الحب اشد أمانة
والموت اشد حبا
هنا دوي
وبغداد الرماد)
تقصد المرأة التي تقرأ ، فبغداد لم تمت والمرأة الشاعرة داخل سهام جبار آلهة تبقى تعزف سر الوجود في لحظات الشعر ..
(في الأزمنة
استحضر مركبي الأصلي
لمعادلة النبع بالغد
واقلب التراب .. سأعود
لابد من أن أعود)
فهل تبقى الفلسفة قلق مستمر تزداد قلقا في دخول عوالم الشعر..
/ ديوان (قديما مثل هيباشيا) للشاعرة الدكتورة سهام جبار
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟