أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - نايف سلوم - قراءة نقدية في مشروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي ، تمييزاً















المزيد.....



قراءة نقدية في مشروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي ، تمييزاً


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 744 - 2004 / 2 / 14 - 06:45
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


يعتبر ظهور وثيقة برنامجية تحت عنوان "مشروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري" – المكتب السياسي [تمييزاً له عن الحزب الشيوعي السوري- بكداش، الحزب الشيوعي السوري- فيصل، الحزب الشيوعي السوري- قاسيون أو ميثاق] علامة إيجابية لتطور الحياة السياسية السورية . ونأمل أن يشكل هذا الإعلان بداية إقلاع الحياة السياسية السورية من جديد وبعد:
نلاحظ أولاً الشعار، "من أجل سورية ديمقراطية .. من أجل حزب ديمقراطي" السر في هذا الشعار لحزب شيوعي بالمعنى الذي أخذته كلمة شيوعي في وثائق الأممية الثالثة ، هو غياب برنامج الحد الأعلى ؛ أي الاشتراكية الماركسية. وهذا الشعار أقل من شعار الأممية الثانية المعبر عنه باسم : اشتراكية ديمقراطية. فحزب شيوعي يطرح الديمقراطية هكذا مقطوعة من شجرة يعني أنه في طريقه إلى إجراء مراجعات حاسمة تقطعه عن تاريخه" الشيوعي " لتجعل منه حزباً ديمقراطياً ليبرالياً ، ديمقراطي وطني [قطري]من دون الاشتراكية الماركسية أو حتى الاشتراكية العقائدية البورجوازية الصغيرة [اشتراكية التوزيع أو العدالة في التوزيع مع الإبقاء على نمط الإنتاج الرأسمالي وعلى الملكية الخاصة الرأسمالية]. ولسوف يخلق هذا مفارقة بين الاسم والشعار الديمقراطي الحافّ .
إن الإصرار على التسمية كما هي، يشير إلى رغبة كل فريق من فرقاء الحزب الشيوعي السوري في إثبات أحقيته كوريث شرعي للحزب "الأم" . وهذه الأحقية والوراثة التالية تفرض على الوريث أول ما تفرض المحافظة على الاسم حتى لو خرج من جلده بالفعل. وبالتالي تفرض عليه مفارقة يتوجب تجاوزها كما تفرض عليه مسؤولية إجراء مراجعة نقدية صارمة لتاريخه الموروث و بعد أخرى:
نبدأ قراءتنا بملاحظات نقدية على المقدمة، حيث يشير شكل عبارة المقدمة إلى أثر قوي لعبارة لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا ، وهذا ليس تأثراً عفوياً بل يشير بدوره إلى رغبة كاتب المقدمة في إظهار حماسه لفكرة تفعيل مجتمع مدني قائم اجتماعياً على البورجوازية السورية التقليدية، يقاسم سلطة الدولة المسؤولية السياسية والحصص الاقتصادية ، وبالتالي يؤسس لضعضعة الاستبداد السياسي حسب رأي معتقديه. كما أن هذا الأثر الكبير لأطروحة لجان إحياء المجتمع المدني وفي المقدمة تحديداً تشير إلى عقلية الحصص التي تغزو الوثائق البرنامجية هذه الأيام في سورية ،تماما كما حصل في برنامج التجمع الوطني الديمقراطي ، وهذا مؤشر واضح على تشظي القوى والأحزاب السياسية السورية المعارضة وغير المعارضة. وتشير أيضاً في العمق الاجتماعي السوري إلى انفصامات عميقة ومكرسة على امتداد التاريخ الحديث للقطر السوري. اعتباراً من عام 1860 وحتى اليوم. هذه الانفصامات التي تحتاج لمعالجة جدية داخل الحزب السياسي أولاً ومن ثم في المجتمع. وإذا لم تعالجها الأحزاب السياسية الأيديولوجية فلا مستقبل للسياسة في هذا البلد ، وتتحول الأحزاب إلى منتديات للوجهاء والأعيان الجدد وإلى معاقل للطوائف والعشائر من شتى الألوان.
نأخذ مقتطف من المقدمة "لقد أخمد النظام طاقة المجتمع السياسية ، ومنعه من ممارسة حقه في صنع مصيره لأكثر من ثلث قرن ، فأضاع بذلك على البلاد فرصة اللحاق بالعصر ، والتقدم إلى أمام ضمن التيار الذي ينتظم معظم شعوب الأرض" في هذه الفقرة العجيبة يوجد سر هذه الورقة : عبر استخدام عبارات ملتبسة هدفها التعمية على الغرض المطلوب ، لاحظ أيها القارئ أن إخماد طاقة المجتمع السياسية قد أضاع على البلاد (القطر السوري) فرصة اللحاق بالعصر هنا لدينا ثلاثة مصطلحات يتوجب التدقيق بها ملياً ، الأول الفرصة فكرة الفرص المفوَّتة، والثاني مفهوم اللحاق، والثالث مفهوم العصر. الأحرى بالورقة أن تضبط مفهوم اللحاق والتقدم نقدياً ، من ثم تحدد العصر الذي تريد اللحاق به هل هو العصر الرأسمالي الاحتكاري الذي راح يجدد نفسه استعمارياً وتحكمياً بمصائر شعوب البلدان الطرفية أم هو عصر افتراضي مطلوب بناءه وهنا تفقد فكرة اللحاق معناها لأنه يعود المطلوب هو بناء شيء جديد مختلف. هل اللحاق هو لحاق بالتطور الصناعي الأميركي والياباني أم اللحاق بالجوع الأفريقي أم الإيدز العالمي أم الغزوات الإمبريالية الجديدة. إن عدم ضبط هذه المفاهيم يعني أنه لا يعود للكلام أي معنى اللهم إلا التشويش على القضايا الأساسية . نفس الأمر ينطبق على مفهوم "التقدم إلى أمام ضمن التيار الذي ينتظم معظم شعوب الأرض" ، هل التيار الذي ينتظم معظم شعوب الأرض تيار عالمي إنساني ومنصف . نحن نلاحظ أن معظم شعوب الأرض بما فيها المتطورة صناعياً تشكو من النظام العالمي الجديد تحت هيمن الولايات المتحدة الأميركية ، فأي تيار هو المقصود وأي أمام. ليس كل اندفاع إلى الأمام تقدم فقد يكون اندفاعاً نحو اللعنة . يقول الشاعر الفرنسي الكبير بود لير : "كان لـ ادغار آلان بو جبين عريض ، مسيطر ، حيث بعض النتوءات الفياضة التي تمثلها- البناء،المقارنة ، السببية – وحيث يتبوأ في كبرياء هادئة حس المثالية ، الحس الجمالي بامتياز . إلا أنه رغم تلك المواهب، أو حتى بسبب تلك الامتيازات غير المألوفة ، فإن هذا الرأس ، منظوراً إليه جانبياً ، ربما لم يكن يبدو مشهداً لذيذاً كما في كل الأشياء المفرطة ، فإن نقصاً يمكن أن ينجم عن الفيض ، وفقراً عن الاغتصاب " [ادغار آلان بو ص20] وهذا ينطبق على العصر الإمبريالي ذو السياسات العولمية في اندفاعه التقني المفرط وفقره الاجتماعي والإنساني المدقع.
نعود إلى المقدمة حيث نقرأ : "لقد قطع النظام بالاستبداد طريق الديمقراطية.." وهنا يثار تساؤل حول طبيعة الديمقراطية التي تم قطعها؟ بالطبع المقصود "ديمقراطية " أعيان المدن السورية من الملاك العقاريين وملاكي القرى وأصحابها كملاك غائبين ومرابين . هذه الديمقراطية التي كانت تعتمد النظام الليبرالي القائم على الوجاهة والنفوذ العائلي والديني وعلى إبعاد الريف السوري إجمالاً عن السياسة وعن الثروة التي ينتجها . والمدقق في تاريخ سوريا في النصف الأول من القرن العشرين يلاحظ بداية انحطاط هيمنة أعيان المدن السورية منذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين مع الانعطاف الذي أصاب الاقتصاد العالمي بعد أزمة 1929 ، ومع بداية ظهور الأحزاب السورية الإديولوجية (العقائدية) وبداية طرح مسألة إشراك الريف في السياسة . ومع منتصف الخمسينات كانت هيمنة الأعيان المدن السورية قد انهارت وسقطت كثمرة متعفنة في أحضان نظام عبد الناصر في مصر.
وهذا أمر ليس خاص بتطور سوريا الاجتماعي والسياسي ، بل كانت طبقة الملاكين الزراعيين في مصر ومعا البورجوازية الزراعية ومشروع بنك مصر قد تفسخت وانهارت هيمنتها قبيل الحرب العالمية الثانية وجاءت حرب فلسطين 1948 لتعمل كالقشة التي قصمت ظهر البعير. وقد يظهر هذا النقد وكأنه يصب الماء في طاحونة الاستبداد السياسي. وأقول هذا النقد موجه ضد توجيه المطالب الديمقراطية المحقة نحو الوراء نحو الماضي الذي ولى زمنه.
جاء في ورقة "مشروع موضوعات.." تحت عنوان "العالم حتى الحرب الكونية الثانية" : "انبثق نوع جديد من أسواق التبادل ، يعتمد على آليات العرض والطلب، وينقل الاقتصاد من فضاء الاستهلاك إلى فضاء الإنتاج" هذا التحديد للنظام الرأسمالي عبر مقولة العرض والطلب والانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج يدخل في دائرة الكلام العام[الكلام عند السطح] حيث يتشابه العصر البورجوازي مع العصور السابقة حيث كان هناك سلع في العصور السابقة وبالتالي عرض وطلب وكان هناك إنتاج واستهلاك مع فارق كمي . من هنا لم يتم عبر المؤشرات المعتمدة في الورقة[ورقة مشروع ..] تحديد الملامح المفصلية للعصر البورجوازي الجديد. في اعتقادي هذه المقاربة هدفها التهرب من طرح جوهر المسألة وهي علاقات الإنتاج البورجوازية الجديدة القائمة على شكل جديد من الملكية الخاصة وهي الملكية الخاصة البورجوازية مع هيمنة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية والملكية المنقولة وانفتاح الطبقة بعد أن كانت مراتبية مغلقة وفئوية وعائلية. وكون الورقة غير معنية بالاشتراكية الماركسية فهي غير معنية بأشكال الملكية الخاصة وأثر الشكل البورجوازي للملكية الخاصة في إعاقة تطور القوى المنتجة في أطراف النظام الرأسمالي ومنه سوريا. هذا الشكل الذي ثبت عبر ثورات القرن العشرين بأنه عقبة أولى أمام أي تقدم صناعي أو تحديث اجتماعي . وكما كانت الطبقة البورجوازية قبل كمونة باريس 1871 هي المبدع والمحرك في عملية التحول التاريخية الكبيرة –حسب الورقة- فقد غدت البروليتاريا الحديثة بعد هذا التاريخ هي المحرك البديل وتحولت البورجوازية كطبقة عالمية إلى طبقة رجعية تعيق تطور أطراف النظام الرأسمالي وتمنعه من تجاوز التخلف وإنجاز تصنيع على شاكلة بلد متطور صناعياً.
نقرأ في ص2 من فصل "العالم يتغير " : "لقد اتفق لينين مع هوبسون في تحليله لجوهر الإمبريالية .. وإذ رأى في الإمبريالية آخر مراحل الرأسمالية أو عشية الثورة العمالية العالمية، كان يحافظ من جهة أخرى على مصالح وطموحات روسيا القومية ، الشبيهة في طبيعتها للمصالح والطموحات الأميركية على الرغم من اختلافهما في الحجم آنذاك.." إن غياب مفهوم الملكية الخاصة البورجوازية يجعل الفارق بين التحديث الروسي والتحديث الأميركي أمراً كمياً فحسب ومن هنا تغيب مسألة الفرق في الطبيعة الاجتماعية للاقتصاد في كلا البلدين ، وبالتالي لا يعود من داع لمفهوم الثورة الاجتماعية، والقطع مع الملكية البورجوازية كأساس تاريخي للتحديث تم تجاوزه في الثورة الروسية والصينية على التوالي. لقد أوقع هذا الغياب للتحليل الاقتصادي الاجتماعي للنظم الحاكمة في هذا التشابه السطحي التافه والذي سوف يقود آلياً إلى نوع من قبول للإمبريالية بحجة الموضوعية. بمعنى كيف نناهض أمراً مفروضاً كأمر موضوعي ؟ وأجيب أنا أن الموضوعية والتحليل الموضوعي ليست سبباً لعدم المناهضة بل هي المقدمة العلمية لمناهضة فعالة ومنتجة . فقد حلل لينين الإمبريالية تحليلاً موضوعياً وبين أنها مرحلة "موضوعية" في تاريخ الرأسمالية . ومع ذلك فقد ناهضها البلاشفة الروس بشكل لا هوادة فيه وقاوموها وانتصروا عليها في روسيا وقتها . أقول الموضوعية التي تعطي المبرر للخنوع هي موضوعية رجعية تتناسى دور ممارسة البشر المنظمة في صنع التاريخ والاستفادة من الإمكانيات المتاحة. كان التحديث الروسي تحت هيمنة إلغاء الملكية الخاصة الرأسمالية يسير مع مصالح جميع الشعوب المتخلفة والمتضررة من استمرار وجود الإمبريالية الرأسمالية والملكية البورجوازية الخاصة. بينما كان التحديث الأميركي يسير بشكل مناهض لمصالح الشعوب المتخلفة والمستعمرة والمنهوبة.
هذا الاستنتاج طبيعي على أرضية مماثلة المسألة القومية لروسيا السوفييتية مع الطموحات الإمبريالية للاقتصاد الأميركي المتنامي على أثر إنهاك أوربا وروسيا عبر حربين عالميتين هيمنت عليهما الإمبريالية .
مرة أخرى كون الشيء موضوعي لا يعني عدم مواجهته. من جهة أخرى هذا القول يتناسى أن الإمبريالية كعقبة خارجية وأوضاع داخلية هي المعيق الأكبر للتحديث العربي .
إن تصريح الورقة بأن التناقض في روسيا .. ورأي البلاشفة كان مؤسس على مصلحة الطبقة العاملة يناقض قول الورقة ذاتها عن التشابه المزعوم بين دعوة ويلسون ودعوة البلاشفة .
نقرأ في ص3 تحت عنوان "العالم يتغير" : "كانت ثورة أكتوبر أيضاً ، مظهراً لتراجع القناعة بإمكان قيام الثورة في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدماً" ويدهش المطلع على كلاسيكيات الماركسية من الرأي الشائع حول توقع ماركس قيام الثورة في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدماً . وهذا الوهم هو الأكثر شيوعاً بين الماركسيين الشائعين و"خصومهم "من الليبراليين.
وحتى ندعم وجهة نظرنا والتي تقول أن ماركس لم يقارب المسألة في شكلها الشائع بل قاربها بشكل مقارب تماماً لما حصل تاريخياً في روسيا والصين وباقي أطراف النظام الرأسمالي . وكي نؤكد هذا القول نقتبس من ماركس : "من الطبيعي أن تحدث الانفجارات العنيفة في أطراف البدن البورجوازي بالأحرى منها في قلبه ، ما دامت إمكانية التصحيح  أعظم هنا منها هناك. ومن جهة أخرى فإن درجة رد فعل الثورات القارية على إنكلترا [البلد الرأسمالي المهيمن وقتها] هي في الوقت نفسه المقياس الذي يشير إلى مدى ما تطرح هذه الثورات حقاً وفعلاً مسألة الشروط البورجوازية للحياة على بساط البحث، أو مدى ما تكتفي بصدم تشكيلاتها السياسية  "[ماركس "الصراعات الطبقية في فرنسا 1848-1850 " ترجمة الدكتور فؤاد أيوب دار دمشق ط1 1964 ص 132 راجع أيضاً ص 110 لفائدة الغرض المطروح هنا] . ونحن نشير إلى أن مصدر هذا الالتباس هو نص مسودة للبيان الشيوعي كان انجلز قد كتبها 1847 ولكنها لم تقبل من قبل ماركس فكتب نص البيان الشيوعي المعروف بدلاً منها يقول انجلز : "لم يعد بمكنة الثورة الشيوعية أن تكون ظاهرة محدودة بالحدود الوطنية وإنما هي ستندلع في كل البلدان المتمدنة في آن واحد ، أي في إنكلترا وأميركا وفرنسا وألمانيا على الأقل . وأنها سوف تتطور في كل بلد بوتيرة سريعة أو بطيئة حسب مقدار تطور صناعة ذلك البلد وحجم ثروته الأهلية وضخامة قواه الإنتاجية" [فريدريك إنغلز تعاليم الماركسية ترجمة فواز طرابلسي دار الطليعة بيروت الطبعة الثانية 1972 ص 36] نشير هنا إلى السقطة الوضعية [نسبة للفلسفة الوضعية]لـ انجلز بخصوص ربط إنجاز الثورة بشكل ميكانيكي بالتطور الصناعي . لكن انجلز يتخلى ضمنياً عن النص في رسالة إلى ماركس في 24 تشرين الثاني 1847 يقول فيها .. "سأحمل معي النص الذي أعددت ، لكنه نص سردي محض ، مصاغ بطريقة بائسة ومكتوب على عجل" [راجع ص 8 من الترجمة العربية للتعاليم]
في الصفحة 6 تحت عنوان "العالم يتغير" تقدم الورقة إشارة إلى تصدير أوربا المدفوعة من قبل الولايات المتحدة لصناعاتها إلى أنصاف الأطراف أو الأطراف المرشحة لتطوير مواقعها" المقصود تطوير مواقعها في التقسيم الدولي للعمل . والمقصود بهذا تجربة النمور الآسيوية . حيث لا تقدم الورقة أي تحليل لهذه التجربة ولا إلى انهياراتها اللاحقة أواخر التسعينيات من القرن العشرين. كما لم تشر الورقة بتاتاً إلى ثورات جنوب شرق آسيا ولا إلى الثورة الصينية ولا إلى الخلاف السوفييتي – الصيني والدور السيئ الذي لعبته البيروقراطية السوفييتية كمركز أوامري . نشير هنا إلى الدوافع السياسية للتصنيع بما يخص تجربة النمور الآسيوية وذلك لمواجهة المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا عبر استراتيجية تنموية . [الاستثمار الصناعي في هونغ كونغ وتايون وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وسنغافورة  ] . ونشير إلى أن إغفال ذكر ثورات جنوب شرق آسيا ومنها الثورة الصينية هو مؤشر على بقية من تأثير للمدرسة السوفييتية البيروقراطية في عقول "الديمقراطيين" الجدد.
نقرأ في الورقة ص 7 "العالم يتغير": "لم يحصل انعطاف في منظومة اقتصاد العالم، بل في منظومته السياسية" . هذا الأمر يتوجب الحديث فيه بشكل مفصل كون هذه العبارة تشير بشكل مهم إلى التقاط أمر حاسم بما يخص الرأسمالية الراهنة. فكونه لم يحصل انعطاف في منظومة اقتصاد العالم يعني أن الاقتصاد العالمي ما يزال اقتصاداً تسيطر عليه الشركات الاحتكارية ، والشركة الاحتكارية ما تزال في حالة التحام مع دولتها القومية وما يزال تصدير الرساميل يعمل لكن على شكل استثمارات مباشرة وغير مباشرة في الخارج . وعلى شكل استثمار في القطاع الاستخراجي من معادن استراتيجية ونفط في أطراف النظام ، وعلى شكل توظيفات صناعية في البلدان الرأسمالية المركزية المتطورة صناعياً خاصة في أوربا وكندا على مستوى نشاط الشركات الصناعية الأميركية.
هذا الطرح من قبل الورقة ينسف أسطورة أيديولوجيا العولمة والتي تعتبر أنه وبفعل عولمة الاقتصاد العالمي تم تدويل الشركة الاحتكارية وبالتالي فقد تجاوزت الشركة دولتها القومية ، وتجاوزت السمة البين- دولتية في نشاطها .
الانعطاف وكما تقول الورقة كان في الخيارات السياسية للشركة الاحتكارية ودولتها الرأسمالية الاحتكارية ، حيث تم اعتماد سياسات أكثر يمينية اعتباراً من منتصف سبعينات القرن العشرين ، مع تعويم لأسعار الصرف وفتح الباب للنشاط المالي المضارب ومحاولة فتح الأسواق الطرفية بشكل كلي أمام السلع ورؤوس الأموال مع حظر حركة اليد العاملة. بهذا المعنى تكون الورقة قد أبقت على المفهوم اللينيني للإمبريالية . وهذا يترتب عليه آفاق ونتائج على مستوى البرنامج لم تلتزم الورقة بها
ورغم حديث الورقة بشكل جيد عن الليبرالية الجديدة المدرعة بالإمبريالية وباحتكار الشركة متعددة الجنسية ذات الرأس الأميركي ، إلا أنها لا تتوصل إلى النتيجة المنطقية لهذا التحكم الإمبريالي الجديد.
نقرأ في الورقة على سبيل المثال : "من هنا لوحظ في مرحلة الثمانينات اتجاهان قد يبدوان متناقضين – وليسا كذلك في جوهرهما- بروز التدخلات العسكرية الأميركية هنا وهناك وفسح الباب لتحويلات باتجاه الديمقراطية وتحرير الاقتصاد في الأساس في عدة أماكن " ص7 "العالم يتغير"
هاتين الحركتين هما وجهان لعملة واحدة . أثناء الحرب الباردة كانت الإمبريالية تدعم الدكتاتوريات العسكرية وغيرها من النظم الاستبدادية لسحق أي حركة اشتراكية ماركسية. واليوم باتت حتى الدول الاشتراكية – العقائدية البورجوازية الصغيرة التي كانت تسمى تقدمية عقبة أمام اندفاع رأس المال وجشعه فيغدو "الميل للديمقراطية" هو ميل لتحرير الاقتصاد لصالح الإمبريالية ولصالح الشركة الاحتكارية.  أي أمام تراجع الخطر الشيوعي بات المطلوب في أطراف النظام أشباه دول لا تزعج نشاط السيد الإمبريالي . في الوقت الذي نلاحظ فيه تضخم الجهاز البيروقراطي للدولة الأميركية وتدعيم الجيوش الأميركية وإشراك حلف الأطلسي في مهام أميركية .
إن حديث الورقة عن تعزز الأقطاب خاصة الأوربي هو من قبيل زرع الأوهام، لأن تعليق آمال على كتل وأقطاب متصارعة مع العملاق الأميركي بات من الماضي . لقد مفهمت الإمبريالية بالمعنى اللينيني مسألتين : الأولى علاقة المراكز الإمبريالية مع بعضها البعض والثاني علاقة المراكز بالأطراف الرأسمالية. أيام لينين كانت المسألة الأولى هي الصراع حتى المسلح بين المراكز المتصارعة على اقتسام العالم. واستغلال ونهب البلدان الزراعية . أما بعد الحرب العالمية الثاني فقد تغيرت أشكال علاقة المراكز مع بعضها فباتت متضامنة ومندمجة تحت قيادة الإمبريالية الأميركية
أي بات الانداج يهمن على التنافس بين المراكز . وهذا ليس بسبب الخطر الشيوعي فحسب بل بسبب تغلل الشركات الاحتكارية الأميركية في معظم الاقتصاديات الرأسمالية الأخرى، مما طبع الاقتصاد الرأسمالي في مراكزه بطابع التدويل تحت هيمنة الدولة الأميركية وهذه إحدى التناقضات الجديرة بالملاحظة بما يخض الإمبريالية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية. من هنا يتوجب على العالم المتخلف أن يأخذ مصيره بيديه مع الاعتماد على الحركات الاجتماعية النشطة في المراكز الرأسمالية يكتب كلاوديو كاتز "هذا المفهوم[مفهوم الإمبريالية] الذي طوره المنظرون الماركسيون الرئيسيون في القرن العشرين والذي عرف انتشاراً كبيراً في سبعينياته- يجلب من جديد اهتمام الباحثين مع تفاقم الأزمة الاجتماعية في العالم الثالث وتضاعف النزاعات العسكرية والتنافس المميت بين الشركات الكبرى . فكرة الإمبريالية تمفهم نوعين من المسائل : من جهة، علاقات السيطرة الموجودة بين رأسماليي المركز وشعوب الأطراف، ومن جهة أخرى العلاقات التي تسود بين القوى الإمبريالية الكبرى عند كل مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية."
تعود الورقة للوقوع في المفارقة والتناقض حين تخصص للعولمة فقرة خاصة وتعتبرها طوراً جديداً دخلته الرأسمالية العالمية مع القفزة التكنولوجية الهائلة التي شهدتها قوى الإنتاج في العالم المتقدم بالاعتماد على المكتشفات العلمية وثورة المعلومات والاتصالات"ص8  . هذا يناقض قول الورقة السابق "لم يحصل انعطاف في منظومة اقتصاد العالم بل في منظومته السياسية"ص7 من هنا فالورقة تتحدث بلسان مشقوق
وردت عبارات في الورقة تشير إلى غير المفكر فيه بالنسبة للعصر الراهن . مثال ذلك العبارة التالية: "إن المساعدات التي تقدمها الدول الغنية جزء من واجبها والتزامها ورد للدين الذي استحق أداؤه أمام الشعوب الفقيرة التي طالما نهبت خيراتها. هذه المساعدات أيضاً هي مساهمة الدول الغنية في إنقاذ العالم وضمان توازن سيرورته في عصر العولمة والتجارة الحرة " ص12 "العالم يتغير"
هذا نموذج للعبارة "المحايدة" و"المتجردة" عن الصراع الاجتماعي . فلدينا دول غنية ودول فقيرة، ولدينا واجب والتزام من الدول الغنية تجاه الفقيرة هذه الدول الفقيرة منهوبة الخيرات والفاعل مجهول حسب صياغة العبارة  التي تُظهر الدول الغنية صاحبة واجب دون أن تشير ولو ضمناً إلى إمبريالية الدول الغنية وإلى أنها هي الناهبة.
أيضاً نلاحظ نفس النموذج من الألفاظ "المحايدة" اجتماعياً حتى لا يخدش كبرياء الإمبريالية أو حتى لا يتهم أصدقاؤنا الديمقراطيون بأنهم سلفيون في المصطلحات. نأخذ مثال العبارة السابقة : المساعدات هي مساهمة الدول الغنية في إنقاذ العالم. هكذا العالم مجرداً ليس إنقاذ النظام الرأسمالي ، ولا إنقاذ الاقتصاد الأميركي والإمبريالي من الكساد بل العالم كما خلقه الرب في العهد القديم. وأيضاً هدف المساعدة ضمان توازن سيرورة عالم الرب في عصر لا ذنب لهذا العالم الرباني به وهو عصر العولمة والتجارة الحرة . كم هي مخادعة هذه العبارات المحايدة والتي تصب الماء في طاحونة الإمبريالية في أكثر دوراتها دموية و وحشية.
ورقة "مشروع موضوعات.." حريصة على ديمومة النظام العالمي الرأسمالي وذات بعد نظر أكثر من أصحابه الأميركيين قصيري النظر وضيقي الأفق حين ينفردون في قراراتهم ضد إرادة المجتمع الرأسمالي معبراً عنه هزلياً بما يسمى الأمم المتحدة. في ضوء ذلك نقرأ العبارة التالية : "إن تطوير عمل الأمم المتحدة كنظام رسمي للمجتمع السياسي الدولي، وتقويته وتشريعه ومنحه القوة الأخلاقية والسياسية الكافية لفرض احترامه على الجميع ، ينبغي أن يكون هدفاً لقوى الخير في العالم تقف من خلاله ضد ميول الانفراد والاستغلال والتحكم النفعي قصير النظر .." ص 13 "العالم يتغير"
هذا الرهان على البورجوازية الإمبريالية لتقونن وتشرعن الحياة السياسية الدولية وهْمٌ يماثل وهْم الرهان على البورجوازية المحلية كي تنجز المهام الديمقراطية . ينبع الوهم الأول من توصيف الحياة الدولية من دون مفهوم الإمبريالية ، والوهم الثاني ينبع من عدم رؤية شهادة ميلاد البورجوازية الطرفية وعلاقتها بالإمبريالية . في آخر الصفحة تماثل الورقة بين النضالات الاجتماعية والديمقراطية المناهضة للعولمة الرأسمالية وبين وعد الاشتراكية . ليس الفساد هنا في التماثل التلقائي بين الأمرين ولكن في التحول من الحديث عن الاشتراكية الماركسية إلى الحديث عن وعود ذكرتها الاشتراكية من قبل كوصايا عشر، إن تم الالتزام بها فعلى الأرض السلام.
في الصفحة 2 تحت عنوان "أدوات تفكير جديدة ومفتوحة " تشير الورقة إلى تناقضات بين أعمال ماركس المبكرة وبين أعماله التالية . وإلى التناقض بين الفلسفة الإنسانية الماركسية والبنية[النظرية] الاجتماعية- السياسية اللينينية . بالطبع يغتبط الكثير من الليبراليين عندما يبدو ماركس مفكراً كوسموبوليتياً ذو نزعة إنسانية عائمة لا وطن لها، ويغتاظون عندما يؤسس لنظرية اجتماعية- سياسية في الزمان والمكان ، أي من لحم ودم . هكذا يكون الهجوم الأساسي على لينين ونظريته في الإمبريالية ، ونظريته المضادة للعدمية القومية ، وحذره المنهجي منذ عام 1905 تجاه البورجوازية الليبرالية وقدرتها على  إنجاز المهام الديمقراطية في عصر الإمبريالية ، والتي لم تعد تلك المهام مهامها بل اكتسبت صبغة اشتراكية. وهذا ماركس يدافع عن لينين وليس العكس وهو يعقب نقديا على فشل ثورة 1848 في فرنسا: "لقد نالت صيغة الديمقراطية مغزى اشتراكياً حيال حزب النظام [حيال الديكتاتورية البورجوازية] وفقدت منذ زمن طويل مغزاها الخاص [مغزاها البورجوازي الليبرالي]"[الصراعات الطبقية في فرنسا ص 125 ترجمة د.فؤاد أيوب]
إذا تريد الورقة أن تقول إننا مع النزعة الإنسانية للفلسفة الماركسية ، ولكننا لسنا مع نظريتها الاجتماعية والتي تَوَضَّحَ خطأها مع نظرية لينين الاجتماعية السياسية ، أي عبر نظريته في الإمبريالية والمسألة القومية وتحول المهام الديمقراطية إلى البروليتاريا وبرنامجها ، ونظريته في الحزب السياسي.
في الصفحتين 3و 4 تحت عنوان "أدوات تفكير جديدة ومفتوحة " تثمن الورقة عمل ماركس الشاب ، والمقصود به هو "مخطوطات 1844، الاقتصاد السياسي والفلسفة" . وتعزو الورقة الانزلاق نحو الشمولية والبيروقراطية والاستبداد في التجربة السوفييتية الروسية إلى الجهل بعمل ماركس الشاب السالف الذكر وإلى خط انحداري للعمل النظري الماركسي يبدأ بالمخطوطات التي تنشغل بالفرد وعوالمه وبمفهوم الاغتراب لتعْبُر رأس المال الذي يقلّ انشغاله بالفرد البورجوازي مروراً بتنظيرات لينين عن الصراع الطبقي كحرب مقدسة ثم الثورة وأخيراً التبسيطات والتشويهات الستالينية إلى أن يتفكك الاتحاد السوفييتي . وهكذا ترى أيها القارئ أنك لم تعد بحاجة لقراءة التاريخ الفعلي للتجربة السوفييتية ولا إلى دراسة الاقتصاد السوفييتي وقوى المجتمع المتنامية بفعل التحديث الخ .. يكفي أن تقرأ ما ذكر من مراجع لماركس ولينين و ستالين حتى تفهم سبب ظهور الاستبداد والشمولية ومن بعد الانهيار .  ويمكنك أن تجرب الأمر نفسه لتجد سر الفاشية الألمانية في كتيب هتلر المنـسي "كفاحي" يا له من تحليق نظراني مثالي بالمعنى الفلسفي . وبالفعل إذا كانت الماركسية أو اللينينية تتعامل مع تفسير التاريخ الواقعي بهذا الشكل فلن نعود بحاجة إليها حتى لو اعتبرت كتراث إنساني من حق الجميع التمتع بها كما تشير الورقة في ص 4 تحت عنوان "أدوات تفكير جديدة ومفتوحة". إضافة لذلك ليس ماركس هو أول من تحدث عن وجود الطبقات والصراع الطبقي في المجتمعات البشرية . يكتب ماركس إلى انجلز في 27 تموز 1854 : "إن كتاباً أثار اهتمامي البالغ هو كتاب تييري تاريخ تشكل وتقدم الطبقة الثالثة، 1853 وأنه لجدير بالملاحظة كيف يصب هذا السيد – أبو "الصراع الطبقي" في التاريخ الفرنسي – جام غضبه بكل حنق على "الناس الجدد" الذين يشاهدون الآن تضاداً بين البورجوازية والبروليتاريا، والذين يزعمون آثاراً لهذا التضاد حتى في تاريخ الطبقة الثالثة قبل عام 1789" [مراسلات ماركس انجلز ص 93]
في الصفحة 5 تحت عنوان "التجربة" تستخدم الورقة مصطلح "الوطن العربي" وكان قد استعمله حزب البعث في أدبياته . والمصطلح يثير إشكاليات منهجية ونظرية أكثر مما يحل . فالوطن مفهوم سياسي – جغرافي مرتبط بقيام الدولة الفعلي وليس جغرافيا بدولة متخيلة أو افتراضية. بكلام آخر يمكن القول بمفهوم الأمة العربية مع غياب الدولة- الأمة الواحدة ، ولكن لا يمكن الحديث عن وطن من دون قيام الدولة . فلا يكفي أن تهتف عاشت إنكلترا بل يجب أن تصيح عاش الملك على قولة شكسبير في هاملت.
تحت عنوان "الديمقراطية والتقدم" نقرأ في الورقة: "الديمقراطية بدورها لا ترفض الليبرالية ، ولكنها تربطها بالحقوق الجمعية للشعب، عكس الاتجاه الذي يحاول به الليبراليون أن يتملصوا من الواجبات العامة" ص6 هنا يتم أقنمة شكل من أشكال البنية الفوقية البورجوازية والتي هي شكل لمحتوى طبقي في ظروف تاريخية مدروسة ومحددة وهي ظروف استتباب هيمنة وسيطرة البورجوازية كطبقة. هذا الشكل وحتى يرضي "الشعب" المتخوف من الاستحقاقات الاقتصادية للبرنامج الليبرالي يتم تطمينه بأن الحركة سوف تكون معكوسة هنا في "مشروع موضوعات.." حيث الشكل الديمقراطي سوف يولِّد المحتوى الاقتصادي الاجتماعي في حركة معاكسة لحركة الليبراليين . أي لا تعود القوى الاجتماعية هي التي تحدد الأشكال السياسية بل العكس . وهكذا تأخذ الديمقراطية هنا صبغة اشتراكية وتبتعد عن أصلها الليبرالي دون أن تعترف الورقة بذلك. وهنا يتم الخلط بين البرنامج الاقتصادي من جهة والشكل الليبرالي لفصل السلطات في البنية السياسية الفوقية أي الدولة. أما الاعتقاد بإمكانية عكس الاتجاه الليبرالي مع برنامج ليبرالي جديد في الاقتصاد ومعتمد على البورجوازية كطبقة فهو ذر للرماد في العيون وهو يعني خروج المحتوى من الشكل كما خرجت الطبيعة من منطق هيغل.
في الصفحة 7 تحت عنوان "أدوات تفكير جديدة ومفتوحة" تتحول الديمقراطية إلى آلة اجتماعية اقتصادية سياسية ثقافية روحية وسيكولوجية تحت شعار جبَّار "الديمقراطية كفيلة بنفسها" بكلام آخر دعو الديمقراطية تعمل وسنعمل المستحيل . اعطني ديمقراطية أعطك كل شئ ! لقد غدت المصنع الذي يصنع كل شئ يتمناه العرب والبشرية. هذا هو العالم المسحور والعقل المسحور بفعل الفشل والعجز وهول الصدمة التاريخية. الطبقات الوسطى المدينية والريفية التي كانت تراهن طوال الوقت على انتصار الجنرال الدكتاتور الإمبراطور على الإمبريالية تكتشف أفيونها الخاص في الديمقراطية . لكن من سيجلب العقار النادر؟ هذا ما تتهرب منه الورقة.
والديمقراطية المشتهاة تعني حسب الورقة: 1- التكيف مع الإمبريالية ذات السياسات العولمية .
2- الدفاع عن النفس أمام استغلال الغرب مع تمثل معارفه والتضامن الإنساني معه . كل هذا مستعص إذا لم نتمثل الطرح "الديمقراطي الليبرالي في عصر انحطاطه" لم يعد مهماً ما هي القوى والطبقات الاجتماعية التي عليها عبء إنجاز البرنامج الديمقراطي ومهامه والشكل الديمقراطي للحكم . المهم أن تكون الديمقراطية حاضرة في الذهن العربي في كل تفصيل.
وفجأة ومن دون سابق إنذار للقارئ تنتقل الورقة إلى وجهة نظر أخرى تأخذ في قسمها الأول بفكرة ياسين الحافظ عن التأخر ، التأخر كمسؤول عن الأوضاع الإمبريالية القائمة. وهي مسؤولية ذاتية بدلاً من أن تكون الإمبريالية الرأسمالية كدينامية واحتياجات اقتصادية وسياسية للمراكز الرأسمالية هي التي خلقت ما يسمى أوضاعاً إمبريالية محلية وتخلف في أقطارها الطرفية.
في هذا القلب للأمور المأخوذ من فكرة ياسين الحافظ يصبح الثانوي أساسي في التناقض العالمي والأساسي ثانوي في الشرط الإمبريالي . أي يغدو تأخر البلدان الطرفية هو الذي يحدد شكل اندفاع الإمبريالية ودينا ميتها الذاتية وليس احتياجات التراكم الرأسمالي القائم على الربح والجشع واحتياجات الشركة الاحتكارية المدعومة من دولتها القومية. هكذا ينطلق التحليل ليس من حركة الرأسمالية في مركزها بل من أطرافها. مع أن الورقة وكتقليد شيوعي -على ما يبدو- بدأت بالكلى العالمي وانتهت بالجزئي السوري .
هكذا تغيب فكرة التناقض الثانوي والأساسي والطرف المسيطر في التناقض العالمي وتتساوى الأمور بشكل مبتذل ولا نعود نعرف طبيعة العصر ولا شكل تناقضه ولا الطرف المسيطر في هذا التناقض.
بعد أن توصِّف الورقة ضخامة الهوة بين العرب والغرب. ولكي نفي نحن العرب بمتطلبات الديمقراطية المذكورة سابقاً لا بد من التعقل وتفهم متطلبات الغرب الإمبريالي ومحاولة التكيف معه .وهذا يذكرنا بفكرة علي حرب البهلوانية التي فحواها أن العلاقة بيننا وبين الغرب علاقة اعتماد متبادل هو بحاجة لموادنا الأولية ونحن بحاجة لصناعاته وتقنيته . هو بحاجة لسرقتنا ونحن علينا بالتكيف كي نُسرَق ، علينا بالحاجة إلى أن نسرق .
في آخر الصفحة 7 تحت عنوان "أدوات تفكير جديدة ومفتوحة" نقرأ العبارة التالية : "تبتغي الإشارة إلى "المساواتية" الفظة في شيوعية الدولة أو اشتراكية الدولة وإلى علاقتها بمفهوم القطيع والقبيلة البدائية والاستبداد الشرقي" نعلق مباشرة كتداعي أفكار أن مفهوم القطيع قد ورد في كلام علي حرب الليبرالي الثقافي صاحب نظرية إلغاء تدخل المثقف في المجتمع . ونحن نقول : أن المساواتية الفظة ليست مرتبطة بالقطيع أو البدائية القبلية أو الاستبداد الشرقي ، بل هي في علاقة ضرورية مع الاشتراكية العقائدية  للبورجوازية الصغيرة وهي التي يسميها البيان الشيوعي بالاشتراكية الفظة . وهي مرتبطة بمفهوم التوزيع وليست معنية بتحطيم نمط الإنتاج الرأسمالي أي ليست معنية يتحطيم الملكية الخاصة الرأسمالية كأساس اجتماعي لهذا النمط من الإنتاج. هي معنية بتغيير التوزيع في حدود نمط الإنتاج الواحد ولمصلحتها. وما أن تغتني شريحة من البورجوازية الصغيرة حتى تبادر إلى رفض الاشتراكية التي دعت إليها وتميل أكثر للاندماج مع الرأسمالية العالمية الإمبريالية. إنها تشبه لاعب القمار الذي يتخلى عن اللعب ما أن يبدأ بالخسارة.
في عبارة طريفة تقول الورقة: "العقلانية تفترض أن مصدر المعرفة الأساسي في العقل " ص 7 وأنا أقول أن مصدر هذا المصدر في البطن أي في المجتمع المنقسم إلى طبقات وفئات وشرائح وطوائف وعشائر متفارقة ومتصارعة ومتعاونة الخ [راجع مقالة ماو تسي تونغ "من أين تأتي الأفكار السديدة؟"]
في الصفحة 8 من الورقة تحت عنوان "أدوات فكرية جديدة" نقرأ : "فقد سادت طويلاً أنظمة تقمع الأيديولوجيا الدينية الشعبية باسم التقدم- العلمانية، حتى اختلطت العلمانية لدى الناس بالاستبداد"
إن ما قمع من قبل الأنظمة "التقدمية- العلمانية " هي الأحزاب الإسلامية التي حولت الثقافة الدينية إلى أيديولوجيا للحزب الإسلامي وتوظيف الوجدان الديني في الصراع السياسي . وعدم تمييز الورقة بين الثقافة و الإديولوجيا من حيث كون الإديولوجيا ثقافة ذات طموح سياسي تهدف إلى السيطرة على سلطة الدولة أو إلى بناء دولة من طراز جديد عبر هذه السيطرة هو الذي أوقع في هذا الالتباس . أما الثقافة فليس لديها هذا الطموح السياسي. من هنا نرى أن "الأنظمة التقدمية- العلمانية" كانت الأولى في بناء الجوامع وتشجيع الثقافة الدينية بكل أشكالها . وقد واجهتها حينما تحولت إلى إديولوجيا وحزب سياسي إسلامي عنيف. السبب في تحول الثقافة الدينية إلى إيديولوجية وحزب سياسي هو فشل التحديث العربي الذي سيطرت عليه البورجوازية الصغيرة والطبقات المتوسطة ومن قبل البورجوازية المدينية من أعيان مدن وملاكين عقاريين وغيرهم . وجاء الاستبداد ليرد على الاعتراض على الفشل وليفرغ المجتمع من السياسة وبالتالي ليدفع الثقافة الدينية نحو التسييس وملء الفراغ الخطير الذي ولده الفشل ومن ثم الاستبداد السياسي.
في نفس الصفحة نقرأ في الورقة : "لقد تجاوز الزمن فكرة الانطلاق إلى التقدم من العلمانية مجردة من الديمقراطية" ص8 . هذا صحيح فالطرح المجرد للعلمانية غير مجد . ولذا يتوجب ربطه ببرنامج اقتصادي- اجتماعي محدد وببرنامج للتحديث والنهوض القومي وشرطه ديمقراطية الطبقات التي سوف تنهض بمشروع التحديث والنهوض القومي العربي. هذا لا ينفي ضرورة النضال الديمقراطي من أجل مطالب محددة كدولة القانون وحقوق الإنسان ، وحق التحزب والتعبير وغيرها في كنف دولة البورجوازية الطرفية الرثة.
ص9 تحت عنوان "أدوات.." نقرأ : "حقوق الإنسان تتأسس على حقوق الفرد وتتسع إلى حقوق الجماعة"
المشكلة المنهجية هنا هي السقوط في الفهم الوضعي بالمعنى الفلسفي الذي يرى الجماعة تراكماً كمياً من الأفراد وليس كيفية جديدة لها قانونها الخاص كجماعة أكثر من عدد أفرادها. فإذا كان حق الفرد قائم أساساً على إصلاح شرطه الاجتماعي فهذا يعني أن الدعوة لإحقاقه مع بقائه في شرط غير موات ومضاد، ضرب من التهرب من المسألة الأساسية والتي هي، كيف نغير شرط الأفراد؟.
تحت عنوان "القومية العربية: محاولات وأحوال" نقرأ : "في أساس التدهور الحاصل ما يكشفه التمعن، على المستوى السياسي ، في مختلف الحالات العربية، من اندغام السلطة السياسية العليا في الزعامة السياسية الطائفية والقبلية، بحيث لا يخلو نظام قطري من مشكلة أقلية (طائفية أو قومية) وهي عقبة أمام الانتقال إلى المجتمع الحديث المتميز بالاندماج والانسجام " ص7 . ما يبدو أنه اندغام في ظاهر الأمر ليس تحليلاً ولا تفسيراً للحالة العصبوية للمجتمعات العربية، وما يبدو أنه طائفية متفشية في النظم العربية ليس إلا مظهراً لأوضاع أعمق . من هنا يتوجب على الحزب الشيوعي أن يقدم تحليلاً يظهر حقيقة الأمر بخصوص النظام العربي. ألم تتحدث الورقة عن الفراغ الاستراتيجي الذي يؤدي إلى الضياع والذي يحول المجتمعات العربية إلى مجتمعات عصبوية. ولكن ما لمجتمع العصبوي؟ إنه المجتمع الذي يحوِّل الثقافة الدينية إلى حزب سياسي في عصر الإمبريالية ، وبالتالي يحرم نفسه من حياة سياسية مدنية قائمة على المصالح الطبقية والنقابية بدلاً من المصالح اللاهوتية. لقد انسدت الآفاق، آفاق التحديث العربي بعد أن جربت كل من البورجوازية التقليدية الليبرالية والبورجوازية "القومية" المنحدرة من الطبقات البورجوازية الوسطى والصغيرة حظها، وفشلت جميعها في إنجاز المهام الديمقراطية في التحديث والتصنيع على شاكلة بلد متطور صناعياً . بكلام آخر بعد فشل التحديث العربي الذي هيمنت عليه البورجوازية العربية بكل أشكالها ، وكون المجتمعات العربية تعيش أوضاعاً إمبريالية، لم تستطع البورجوازية الطرفية تجاوز هذه الأوضاع كونها جزء عضوي منها ، وما يعنيه من انسداد لآفاق المجتمعات العربية والذي جاء الاستبداد السياسي والإحباط التاريخي ليدفعا بالثقافة الدينية كي تعمل كإديولوجيا بديلة ولتتحول الفرقة الدينية إلى طائفة سياسية تعمل بديلاً عن  الحزب السياسي،  ولتتحول المجتمعات العربية إلى مجتمعات طائفية عصبوية. ولتتفجر مسألة الأقليات بكل أشكالها القومية والدينية والإثنية. حتى الخامدة منها تم تنشيطها بفعل الشروط المذكورة. عندما تسد الآفاق تتشقق المجتمعات وتظهر العصبويات. إذاً في عمق ما يبدو اندغاماً وطائفية هناك أوضاع إمبريالية محلية عربية وعقبة إمبريالية خارجية فشلت النظم البورجوازية العربية في تجاوزها عبر النهوض القومي والتحديث الصناعي فجاء تسييس الثقافة الدينية ليعبر عن مرارة هذا الإحباط . ليست الثقافة الدينية سياسية مباشرة وبداهة . لكن استمرار الأوضاع الإمبريالية والاستبداد السياسي الملازم لها كملحق هو الذي دفع في هذا الاتجاه . وهكذا كلما أعادت النظم العربية القائمة إنتاج نفسها في ظل هذه الأوضاع كلما غرقت أكثر في الطائفية والعشائرية والعائلية أي في العصبوية، وكلما فقدت مبرّر وجودها مع غياب البديل تعفنت المجتمعات العربية أكثر وغرقت في العصبوية والعنف الّلامنتج أكثر.
لا بد من الإشارة بشكل إيجابي إلى تحليل الورقة للمسألة الصهيونية وقضية فلسطين . وهذا التحليل الجيد ليس غريباً طالما يعتمد في الأساس مفهوم الإمبريالية الرأسمالية اللينيني كحامل لتحليله.
تحت عنوان "سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية" ص 3 نقرأ في الورقة: "تحققت الوحدة مع مصر بتأثير ذلك المد الكبير ، وكان شكل تحقيقها وتركيب دولتها متوافقاً مع ذلك المد القومي، وانعكاساً لدور الشعب وفاعليته . إلا أن ذلك كان يعني –من جهة أخرى- غياب الحرية أو الليبرالية، جزء الديمقراطية المكون الأول، وتعرضه للتهميش والازدراء تحت ثقل وضخامة جزئها الثاني النامي: مفهوم الشعب. في تلك الحالة كان من الطبيعي أن يتحول التركيز على الشعب إلى "الشعبوية" وتنمو وسائل القمع وهيمنة الأجهزة الأمنية ويتأسس للاستبداد. الذي سوف يهيمن على مرحلة طويلة لاحقة، تقطع طريق تقدم سوريا" أولاً ، يتوجب عند كل مرحلة حاسمة تحديد مفهوم الشعب. من هو الشعب السوري بين الحربين ، ومن هو بعد انقلاب 1963 ؟
ثانياً ، في قراءة هذه الفقرة نلاحظ الانطلاق لتحليل التاريخ العربي في مصر فترة الناصرية من مفهوم سطحي كالديمقراطية [الديمقراطية كشكل لمحتوى]. ثم تقسيم الديمقراطية إلى مكونين: واحد للشعب أي للعمال والفلاحين والطبقات الوسطى المدينية بما فيها أصحاب الحرف وصغار التجار، والثاني ليبرالي للإقطاع ورجال الأعمال وأعيان المدن من الملاكين الزراعيين والبورجوازية الزراعية والبورجوازية الصناعية المرتبطة كتمويل بطبقة الملاك الزراعيين. هذا التقسيم الميكانيكي لكعكة الديمقراطية يعني أولا اقتراح نظام تقاسم الثروة والحصص بين المجموعتين للتخلص من الاستبداد وهذا هو طرح لجان إحياء المجتمع المدني القائم على إعطاء البورجوازية التقليدية الليبرالية  حصة أكبر في الاقتصاد والسياسة بحيث تتم موازنة استبداد السلطة الشعبوية. إضافة إلى أن هذا القول يحيل إلى تمجيد الفترة التي حكم فيها الأعيان والتي توصف بالحرية لكنها حرية الأعيان الاستئصالية للريف من السياسة والثروة الوطنية.
لقد قطعت الشعبوية طريق التقدم الليبرالي . هذه الأشكال من التفسير لتاريخ سوريا الحديث لن تفيد التحليل وبناء برنامج ديمقراطي. لأن صعود المسألة الفلاحية وتفاقم ضغط المسألة القومية خاصة مسألة فلسطين والانعطاف الذي أصاب الاقتصاد العالمي اعتباراً من أزمة 1929 أدى إلى الإفلاس السياسي لأعيان المدن من الملاكين الزراعيين بعد الحرب العالمية الثانية الذين سادوا اعتباراً من عام 1860. فإذا أضيف إلى ذلك صعود الأحزاب العقائدية بعد منتصف الثلاثينات من القرن العشرين على أرضية المسألة الفلاحية وشعور الطبقات المتوسطة المدينية بالغبن . يكون انهيار هيمنة أعيان المدن السورية في منتصف الخمسينات وكذلك الملاك العقاريين في مصر بعد الحرب أمراً طبيعياً من عمل التاريخ . وليس من الأمنيات الديمقراطية الشكلانية وتقسيماتها الميكانيكية.
لم تلاحظ الورقة أن مرحلة الليبرالية الرثة ما بين الحربين –حكم أعيان المدن السنة كان طائفياً وعائلياً وما دخول بعض رجالات الأعمال المسيحيين إلا بسبب الغزو الفرنسي الإمبريالي – الذي شجع هذه الانقسامات وعززها كوجود سياسي. ويبقى السبب الرئيسي لاستمرار حياة الانقسامات الطائفية و تسييس الفرق الدينية هو انسداد آفاق التحديث العربي، وفشل البورجوازية الصغيرة والمتوسطة في إنجاز المهام التي فشلت في إنجازها البورجوازية التقليدية الليبرالية العائلية الرثة.
إن مقارنة الاستبداد كشكل حكم للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة بالديمقراطية الليبرالية [ديمقراطية للأعيان وحدهم] هي مقارنة سطحية لا تستطيع تفسير استمرار الاستبداد طوال هذا الوقت كما أنها تتناسى القاعدة الاجتماعية الجديدة للحكام الجدد خاصة طبقة الفلاحين والتي أقصتها البورجوازية التقليدية عن الثروة والسياسية. أيضاً التقدم ليس دوماً بورجوازي ليبرالي ، لأنه ومع الطور الإمبريالي في الرأسمالية تحولت البورجوازية الليبرالية إلى رجعية بالمعنى التاريخي في أطراف النظام. وهذا ما يؤكده هذا الاقتباس من الورقة : "بالنظر لتشابك مصالح الصناعيين مع كبار ملاكي الأرض، بسبب مساهمة هؤلاء في رؤوس أموال الشركات الصناعية الناشئة، كان للصناعيين مواقف سياسية ملتبسة، لم تكن صائبة غالباً ، كما كان الحال في موقفهم المناهض للإصلاح الزراعي مثلاً" ص5 "سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية" إذاً باتت البورجوازية الصناعية رجعية تاريخياً بحكم هيمنة كبار الملاكين العقاريين على مشروعها الصناعي والسياسي. فأي تقدم الذي قطع؟!
 نقرأ في ص8 تحت عنوان "سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية" : "يعتمد الإصلاح الاقتصادي بشكل مباشر على الإصلاح السياسي ، وعلى أساس الانطلاق من التوافق والعلم الخالص" هكذا يعتمد الإصلاح السياسي على دعامتين حسب الورقة : الأولى التوافق. بين من ومن ؟ حسب سياق الكلام في الورق سيتم التوافق بين أرباب المجتمع المدني من البورجوازية التقليدية والأعيان العائدين من الخارج وبين البورجوازية "القومية" الحاكمة وشركائها. وحتى لا يظهر الصراع على تقسيم ثروة الوطن بأنه صراع طبقات ومصالح طبقات اجتماعية تقترح الورقة دعامة ثانية للإصلاح و هي العلم الخالص . ومعنى ذلك أن هناك علم اجتماعي واقتصادي سياسي لا علاقة له بالطبقات والصراع الاجتماعي . ولكن هذا باعتقادي له علاقة بعدم ثقة الأطراف المتصارعة ، ولذا يتم اقتراح ممثلين تكنوقراط "محايدين" لاقتسام ثروة الوطن تحت الضغط الإمبريالي الأميركي وتحت عامل انكشاف مسألة احتكار واستثمار الثروة الوطنية لمصلحة أقلية في المجتمع. تقول الورقة المهم هو سلامة الاقتصاد الوطني لكن هذه المرة لصالح المحاصصة الجديدة المقترحة  إن عقلية الحصص المسلحة بالديمقراطية كعصا غليظة لن تحل إشكالية بناء دولة الجميع. 
في الصفحة 11 تحت عنوان "سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية " وتحت عنوان تفصيلي "الحالة الاجتماعية السياسية " تقدم الورقة قراءة تافهة وسطحية تستهتر بعقل القارئ المطلع في الحدود الدنيا على تاريخ سوريا عبر مائة عام المنصرمة . نأخذ مثال بعض العبارات : "من نافل القول أن القمع قد استشرى وتعمم في مجتمعنا بعد عام 1970... كما أن عنف السلطة في قمع المعارضة بكل أشكالها أدى إلى عنف مضاد دفع الشعب السوري ثمنه غالياً.." ص 11
لم يبدأ عنف السلطة إلا بعد تحرك عنف الإسلام السياسي في شقه الجهادي عام 1979 وقد ردت السلطة بعنف طال جميع القوى السياسية . لكن الفترة بين 1970- 1979 كانت فترة تمتعت فيها القوى السياسية على أشكالها داخل الجبهة وخارجها بحرية الحركة السياسية . وحتى تعفي الورقة نفسها من تقديم نقد للحركات الجهادية الإسلامية في سوريا فهي تتعاطى مع مسألة حساسة شعبياً بهذا التعامي . لا يكفي نقد عنف السلطة بل يتوجب نقد عنف الحزب الإسلامي، وتحركه الظلامي والطائفي وقتها . نقتبس من رياض الترك في مقابلة أجراها معه محمد علي الأتاسي منشورة في العدد22 كانون الأول 2002 : "الأخوان المسلمون سلكوا في الماضي طريق العنف، وكانوا ضحية لقمع النظام وكذلك ضحية لعقلية متخلفة في العمل السياسي ولبرنامج ثبتت عدم واقعيته" أيضاً تعود الورقة وتستدرك ولو بشكل ضمني حيث نقراً: "بعض التطورات التي تشهدها الساحة السياسية السورية . وقد يكون من أهم هذه التطورات في اللحظة السياسية الراهنة تنامي الخط المعتدل للتيار الإسلامي ، واقتناع هذا التيار ، أن الحل يجب أن يكون وطنياً يستند إلى الحوار المباشر بين اتجاهات الرأي كافة بدون نبذ أو استبعاد ، ويفضي كخيار نهائي إلى نظام سياسي ديمقراطي يقوم على التعددية والتداول السلمي للسلطة" ص13 تحت عنوان "سوريا من الاستبداد.." وتضيف الورقة : هذه الطريق الصعبة للمصالحة "تبدأ بالمراجعة من قبل الجميع، والاعتذار من قبل من أخطأ .. في السلطة والمعارضة " ص 14 تحت عنوان "سوريا من الاستبداد .."
تحت عنوان "حول برنامجنا" نقرأ في الورقة : "في الوقت الذي نرى فيه ضرورة عدم تقييد الحركة الديمقراطية في سوريا ببرنامج تفصيلي تنتج عنه اختلافات لا معنى لها.." ص1 هذا النمط من الديالكتيك للحركة الديمقراطية فاسد وعديم النفع وغشاش في السياسة. لأن المطلوب من كل فريق من أطياف المعارض السورية وبكل أجناسها وأنواعها أن يضع برنامجاً تفصيلياً ويقدم فهمه المحدد للواقع السوري العربي والعالمي . وفقط بعد إنجاز هذا الرأي لكل طرف يجري الحوار والتفاوض على نقاط الالتقاء ذلك لأن الاختلافات ليست من دون معنى كما ترى الورقة بل يكمن معناها في تنوع القوى الاجتماعية السورية وتنوع مصالحها الاقتصادية/ السياسية.
إن دعوة القوى والشخصيات الوطنية للتوافق من دون ملاحظة الاختلافات في المصالح الاجتماعية . وإذا أضيف إليها اشمئزاز الورقة من الإديولوجيا يعنى وجود نزعة عند من كتب الورقة للعودة إلى شكل من السياسة شبيه بسياسة الأعيان والكتل التي سادت بين الحربين في سوريا ومصر. هذه الكتل الشبيهة بالنادي الاجتماعي من دون إديولوجيا مهيمنة على العمل السياسي. ما يربط الأعضاء في هذا النادي هو المصلحة الاقتصادية الأنانية المباشرة والروابط العشائرية والعائلية، مع استغلال سياسي للعاطفة الدينية.
في حديث مقتضب وملتبس عن الأممية كما عن المسألة القومية نقرأ في الورقة : إن أمميتنا العريقة ازدادت بريقاً وتوهجاً ، وأصبحت أكثر تجسداً على الأرض من خلال الاندماج في الحركات المناهضة للعولمة ذات الوجه المتوحش. " ص 2 تحت عنوان "حول برنامجنا" ويسأل القارئ : أي أممية تقصدون ؟ هل هي الأممية الثانية الاشتراكية الدولية أم الثالثة الشيوعية أم الرابعة التروتسكية ؟ وإذا حدث وتحددت أمميتكم ، فهل نشاطكم مندمج أم سيندمج في الحركات الاجتماعية المناهضة للرأسمالية المعولمة؟ كل هذه المسائل غير موضحة في الورقة
أما عن المسألة القومية والتي كانت درة تقرير المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي . فقد تم حولها الاكتفاء بالقول : "إن نضالنا من أجل سوريا ديمقراطية ، لا يتناقض بأية حال مع طموحنا إلى تعزيز روابطنا العربية ، وتحويل الطاقة القومية إلى إرادة فعلية من أجل توحيد جهود شعوبنا من أجل التقدم" ص2 تحت عنوان "حول برنامجنا" القصة كلها عبارة عن تعزيز الروابط وتحويل في الطاقة القومية وتوحيد الجهود من أجل تقدم غامض لا وجه له.
تحت عنوان "مفهوم الحزب" نقرأ في الورقة : "لقد آن الأوان لإعادة بلورة "مفهوم الحزب " من جديد على أساس الخبرة المتراكمة والعمل السياسي، انطلاقاً من فلسفة سياسية واضحة في خطوطها الكبرى العامة والخاصة " ص1 ما ننتظره هو هذه الفلسفة السياسية الواضحة وبعدها لكل حادث حديث. وكونها غيرة متوفرة الآن فقد وقعت الورقة في ما يشبه الفوضى النظرية بخصوص مفهوم الحزب خاصة وأن لديها فهماً ملتبساً لمفهوم الحزب اللينيني الذي يعتمد المركزية الديمقراطية كناظم لعمله الإجرائي.
الورقة تعتمد مفهوماً جديداً للحزب هو الحزب الديمقراطي.  ويتساءل القارئ : هل التسمية هنا تأتي من الخيار الديمقراطي كخيار استراتيجي وتكتيكي معاً أي يشتمل برنامج الحد الأدنى والأعلى على مسألة واحدة هي الديمقراطية في النضال من أجل إنجازها، ثم النضال للمحافظة عليها بعد الإنجاز؟ أم أن الحزب الديمقراطي هو شكل ناظم لعمل الحزب الجديد؟ دعونا ندقق في الأمر .
نفهم من الورقة أن اللبنة الأولى في بناء الحزب الديمقراطي هي العلانية. أو بكلام الورقة "الخروج من العمل السري على نحو نهائي وشامل" ص2 "حول مفهوم الحزب" واللبنة الثانية هي الموقف الديمقراطي مع الأحزاب والقوى الأخرى في المجتمع . لأن الرأي الآخر يعمق الفهم للذات . واللبنة الثالثة هو أن الخلاف مع السلطة ليس مجرد خلاف في الرأي . ومعنى هذا أن الخلاف مع السلطة قائم على توزيع الثروة الوطنية واحتكار القطاعات الاقتصادية الرائدة من قبل النافذين في السلطة ، وحرمان البورجوازية التقليدية من هذه الامتيازات . معنى ذلك أن الحزب الديمقراطي يعبّر سياسياً عن البورجوازية التقليدية وذلك حتى لا يفهم أنه انتهازي يريد مناصب لأعضائه فحسب. اللبنة الرابعة في مفهوم الحزب الديمقراطي "أنه يتناقض تأسيساً مع مفهوم المركزية الديمقراطية"ص 3 "حول مفهوم الحزب" . من ناحية الشكل تنزع الورقة نحو بناء شكل للحزب يشبه الكتل السياسية أو المنتديات الاجتماعية . إلا أن الورقة تعود فتناقض نفسها وتتكلم عن شكل للحزب يعتمد بالفعل المركزية الديمقراطية . دعونا نلاحظ هذا الأمر في الورقة ص 4 تحت عنوان "حول بناء الحزب" : "في الحزب الديمقراطي يجري انتخاب حر لقيادة تمثل الأكثرية. لكن هذا لا يعني انتفاء حق الأقلية في التعبير عن نفسها على أكمل وجه، " إذن توجد في الحزب الديمقراطي قيادة تمثل الأكثرية منتخبة بالطبع من المؤتمر ومخولة بالإشراف على سياسة الحزب التي هي رأي الأكثرية وهناك أقلية تستطيع التعبير عن رأيها بحرية . وأقول ماذا يعنى ذلك غير المركزية الديمقراطية كشكل ناظم لعمل الحزب مع تقديم ضمانات لمنع حصول الاستبداد والانفراد بالرأي كما حصل في الحزب البيروقراطي الذي حول المركزية الديمقراطية إلى مركزية بيروقراطية ضمن شرط تاريخي محدد . إذاً لا خيار أمام أي حزب أيديولوجي إلا في الأخذ بالمركزية الديمقراطية كشكل ناظم لعمله. أما إذا تخلى عن هذا الشكل فهو سائر نحو تأسيس منتدى اجتماعي أو كتلة سياسية تضم وجوه وشخصيات من أصحاب المصالح المتطابقة وهذا ليس حزباً سياسياً بالمعنى الحديث بل حزب وجهاء وأعيان على شاكلة الكتلة الوطنية بين الحربين في سوريا.
أخيراً لابد للحزب الديمقراطي من تحديد هويته الاجتماعية حتى لا يظهر أعضاءه كأفراد انتهازييين يسعون لكسبهم الشخصي. نقرأ في الورقة تحت عنوان "حول مفهوم الحزب" ص4 : "أن هوية الحزب تتجسد في الوقت نفسه في قدرته-أي الحزب الديمقراطي- على تمثيل طبقة بعينها ، أو طبقات من الشعب. هذا هو الجانب الاجتماعي من الهوية الذي لا يتناقض مع التمسك بمصلحة المجتمع الجمعية استناداً إلى صيغة التعاقد الاجتماعي التي يتم التوصل إليها دون أن يكون هناك تعارض بين مصلحة الطبقات الفقيرة ومصلحة المجتمع ككل"
بهذه الطريقة المفعمة بالغش للطبقات الفقيرة يحدد الحزب الديمقراطي هويته الاجتماعية . وإذا أردنا أن نترجم هذه اللغة الخادعة إلى لغة مقروءة نقول : إن الهوية الاجتماعية لأي حزب سوان أكان ديمقراطياً أم بيروقراطياً ، تأتي من كونه يعبر في الجوهر عن المصالح الاقتصادية والسياسية لطبقة بعينها. وهذه الطبقة قد لا تكون جزء من الشعب . كالبورجوازية السورية التقليدية التي توجد أغلب مصالحها ومشروعاتها اليوم خارج الوطن. وحتى تستطيع هذه الطبقة الهيمنة على المجتمع عليها أن تظهر مصلحتها الاقتصادية السياسية تبدو وكأنها المصلحة الجمعية لباقي طبقات المجتمع وفئاته. ولكي تثبت أن مصلحتها هي عينها مصلحة المجتمع تحاول التوصل إلى صيغة ما لإخضاع الطبقات الأخرى سواء أكان بالغش والتجهيل أم بالإكراه . نعم إن المصلحة الجمعية هي مصلحة الطبقة المسيطرة بمعنى أنها تستثمر الجميع لمصلحتها. لكن حقيقة الأمر أن التاريخ قد تجاوزها من حيث كونها –والحديث عن البورجوازية السورية التقليدية- طبقة تقدمية بالمعنى التاريخي أي طبقة قادرة بفعل مصلحتها أن تعبر عن مصالح معظم طبقات المجتمع لقد تجاوز التاريخ قدرة هذه الطبقة على الهيمنة وهي العائدة لأخذ حصتها الأنانية تحت وقع المدافع الأميركية التي تغطي سماء العالم.
كل التحية للأصدقاء في الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي ، على الجهود الصادقة من أجل إعادة بناء حياة سياسية جديدة في سوريا.



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديالكتيك إنتاج الهوية الاجتماعية في الفكر الماركسي
- الحلقة المسحورة
- حول المركزية الديمقراطية
- ملاحظات نقدية حول النظام الداخلي الذي أقره المؤتمر التاسع لل ...
- الدولة و السياسة - قراءة في فكر غرامشي
- المجتمع المدني - عودة المفهوم
- في الإديولوجيا والثقافة
- الجامعة في العصر المعلوماتي
- حول الديمقراطية السوفييتية
- موقع رزكار ساحة لاختبار الرأي ، وللإسهام في صياغة مشكلات الي ...
- الوصية الموجهة إلى الهنود - الأفغان
- الماركسية - مقاربة جديدة
- زمنان للأزمة زمن أزمة الحزب الشيوعي السوري وزمن انفجارها
- تناقضات النظام الرأسمالي مستويين لمقاربة أيديولوجيا العولمة
- في نقد المرجعية الفكرية


المزيد.....




- مشادات بين متظاهرين في جامعة كاليفورنيا خلال الاحتجاجات المن ...
- إصدار جديد لجريدة المناضل-ة: تحرر النساء والثورة الاشتراكية ...
- ??کخراوکردن و ي?کگرتووکردني خ?باتي چيناي?تي کر?کاران ئ?رکي ه ...
- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - نايف سلوم - قراءة نقدية في مشروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي ، تمييزاً