أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إدريس ولد القابلة - المرحوم عبدالرحمان المكينسي من الرجال الذين قصرنا في حقهم















المزيد.....


المرحوم عبدالرحمان المكينسي من الرجال الذين قصرنا في حقهم


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2402 - 2008 / 9 / 12 - 01:08
المحور: سيرة ذاتية
    


ولد حلالة/ فضاء الحوار

المرحوم عبدالرحمان المكينسي... إسم ظل حاضراً على امتداد تاريخ المغرب المستعمر والمكافح والمقاوم والمستقل والحديث... مغرب الرخاء ومغرب الأزمات... شخصية مركزية في تاريخ "حلالة" الشعبي وذاكرتها الجماعية...
قد يكاد يكون من المستحيل الإحاطة بمختلف جوانب حضور الشخصية العاملة في الظل على امتداد عقود... لكن شعورنا برد ولو نزر "قليل" من الجميل إلى هذا الرجل دفعنا للتذكير ببعض المحطات المتناثرة من تاريخه الحافل بالإنتصارات والكبوات ومؤامرات أعدائه وخيانة بعض مقربيه... لكنه رغم ذلك ظل صامداً في الظل وبصمت كالجلمود ولم ينزل كبرياؤه قيد أنملة حتى في قلب العواصف وذروة المكائد.
حياة رجل مثل الفقيد عبدالرحمان المكينسي... السياسي... المقاوم... المقاول... المطعون من الخلف... أحد بناة "حلالة"، تستوجب مقام غير مقال يعد بعجالة حتى لا تفوت ذكرى كانت عزيزة عليه وعلى من رافقوه في مسار تشييد "حلالة" المقاومة... ذكرى انتفاضة 7 - 8 و9 غشت 1954 والتي أصبحت تعرف الآن بانتفاضة أبناء حلالة بشخصية فذة من عيار المرحوم عبدالرحمان المكينسي، هي مناسبة لتدارك ما فات أبناء حلالة من مواعيد مع التاريخ لتكريم بُناتها الوطنيين، سيما وأن تاريخ "حلالة" ومنطقتها ما يزال مجهولا -أو ربما معتما- بالنسبة للعديدين، خصوصاً الشباب منهم الذين بدأوا ينفضون غبار هذه المؤامرة عبر إعادة الإعتبار لكلمة "حلالة" بعد أن حملها الوافدون الإنتهازيون على المدينة حمولة قدحية. والفقيد عبدالرحمان المكينسي أحد "أبناء حلالة" المزداد بمدينة سلا العتيقة، ويعتبر من تلة الشباب الذين ساهموا بقوّة في خلق وانبعاث "روح حلالة" ككيان وتاريخ وصيرورة نضالية وكفاحية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحضارياً ورياضياً. إنه من الرعيل الأول الذي أقسم على جعل "حلالة" قلعة من قلاع المقاومة على جميع الأصعدة، وهذا في وقت سعت فيه السلطات الإستعمارية لجعل مدينة القنيطرة، "ميناء الليوطي" في عرفهم، واجهةلأنسنة الإستعمار الفرنسي الغاشم وجعله حضارياً يقوم على التطور والتحديث وليس على القمع والإضطهاد وسلب الهوية والحرية و"اعتقال مستقبل شعب بكامله".
وتتأكد ضرورة الإهتمام بخبايا تاريخ شخصيات من عيار المرحوم عبدالرحمان المكينسي في وقت مازال التعتيم يشمل جوانب هامة وأساسية من تاريخ حلالة، ولازال التنقيب والتقصي في دروب هذا التاريخ وذاكرته مطالبان بالمزيد من المجهودات لتشكيل تراكمات من شأنها أن تؤسس لمراجع ومنطلقات لتطوير وتوسيع مدى الدراسات المرتبطة بالتاريخ الشعبي والمحلي لـ"حلالة".
والآن وقد وعى الجميع بأهمية ودور الذاكرة الجماعية المحلية -باعتبار أن مدينة بدون ثرات كجسم بدون روح- في تفعيل إعادة انتعاش التنمية الشاملة المحلية والجهوية، فإنه لم يعد هناك ما يثني عن الإهتمام بتاريخ شخصيات من أمثال عبدالرحمان المكينسي ضمن الإهتمام بتاريخ "حلالة"، وهذه ضرورة حضارية وتاريخية الآن -أكثر من أي وقت مضى- على درب إخراج تضحيات ومجهودات شخصيات فذة من التعتيم، ولعل الإهتمام ببعض شدرات فقط من تاريخ المرحوم عبدالرحمان المكينسي، الطويل العريض، من شأنه تفعيل سيرورة إعادة الإعتبار لشخصيات أخرى ظلت تمنح وتعطي دون أن تنال شيئاً ولو النزر من التقدير والإعتراف بالجميل.

عبدالرحمان المكينسي أدى القسم
كان المرحوم عبدالرحمان المكينسي ضمن وفد أبناء حلالة الذين حظوا بشرف اللقاء مع الملك المرحوم محمد الخامس أياماً معدودة قبل نفيه في غضون شهر غشت 1953. كان بمعية الفقيد صفوة من شباب حلالة المقاومة، أحمد الدمناتي وشقيقه الصديق المكينسي وأحمد الجاي والمهدي البوعزاوي. وبعد مثول الوفد أمام جلالة الملك محمد الخامس قال لهم: "لماذا مجيؤكم عندي؟"
فكان جوابهم: "يا جلالة الملك جئنا نجدد العهد معك لحماية العرش، ونحن نحمد مسيرتك هذه، زادتنا إيماناً بقضيتنا وإصراراً على الإستمرار في التضحية من أجل بقاء العرش"، فكان رد الملك محمد الخامس: "إني أبادلكم هذا الوفاء، وقد آليت على نفسي أن أستمر معكم في التضحية من أجل هذا الشعب، وأمضي معكم في العمل على الحصول على الحرية والإستقلال ولو اقتضى الأمر أن أعزل عن العرش، وأرجو من الله أن لا يقدر هذا".

صمود الرجل من صمود "الكاك" زمان
رغم كل المآسي والقمع الشرس ظل النادي الرياضي القنيطري، من منتصف الأربعينات إلى منتصف خمسينات القرن الماضي، صامداً كالجلمود في وجه المضايقات الإستعمارية، لأن أفراده وأعضاءه المسيرين كانوا من طينة رجالات حلالة الذين أخدوا على عاتقهم التصدي للمخطط الإستعماري ومؤامرته سواء في المجال الرياضي أو مختلف المجالات الأخرى، وكل هؤلاء أبلوا البلاء الحسن في ركح النضال السياسي وميدان المقاومة، ومنهم محمد الديوري والأخوين الصديق وعبدالرحمان المكينسي وولد الحاج ميلود وأحمد الدمناتي وعبدالقادر طانطو وعبدالسلام البرنوصي وأحمد أوعابد وأحمد الفاسي وعلي الصياد والختلة وبوغابة ومحمد التوزاني ومصطفى الهومار والجيلالي الخضار وستانتان وغيرهم كثير.
وعندما انتفضت حلالة في 7-8و9 غشت 1954 كان كل أعضاء النادي الرياضي القنيطري في قلب الحدث، أعتقل لاعبوه ومسيروه وحوكموا بالسجن النافذ. ورغم المضايقات والتنكيل والتهديد والإعتقالات ظل الأخوين المكينسي ورفاقهما في تسيير شؤون الفريق صامدين كالجلمود، وذلك رغم إرغام الكاك على تعيين رئيس فرنسي له، إلا انه تم تفويت الفرصة على الإستعمار بتعيين دافيد عمار، صديق عبدالرحمان ورئيس الجالية اليهودية، على رأس الفريق الذي ظل متشبتاً بمغربيته، هوية وثقافة وطموحاً نحو الوحدة المغاربية. وقتئذ وبجانب تألقه في الصراع الدائم مع المستعمر، كان نجم النادي الرياضي القنيطري ساطعاً في المجال الرياضي -ميدان المقاومة الرياضية الذي لم يكن آنذاك يقل أهمية على المقاومة السياسية و"التعليمية" (مجال التدريس) بفعل تأطير الوطنيين للمجال الرياضي منذ البداية، وهذا ما تعذر فهمه على المستعمر لمدة سنوات.

بفضله تسلحت خلايا المقاومة
للحقيقة والتاريخ، وبشهادة الكثيرين أبلى عبدالرحمان المكينسي البلاء الحسن في مجال تمكين المقاومة ورجالاتها من السلاح، إذ كان يزود خلايا المقاومة بالأموال عن طريق أحمد الدمناتي لإقتناء السلاح.
كما تكلف عبدالرحمان المكينسي بتحمل مصاريف أتعاب المحامين المنصبين للدفاع عن المقاومين والوطنيين المعتقلين في جملة من المدن المغربية خارج مدينة "حلالة"، ودأب كذلك الفقيد على تمويل خلية مكلفة بإرشاء بعض عناصر البوليس الفرنسيين لتسهيل الإتصال بالمعتقلين في طور التحقيق والتعذيب وإمدادهم بالتعليمات والأكل والتشجيع للقدرة على الصمود.
وكان للمرحوم دوراً فعالاً في تسهيل الإتصال مع المناضلين المعتقلين إعتباراً للعلاقة التي كانت تربطه بمديري السجون بالمدينة، لا سيما "بلانشار" و "أراكلان". هذا علاوة على مساهمته الكبيرة في تخفيف الضائقة المالية على أسر وعائلات المعتقلين.
هذا في وقت كان المقاومون بمدينة حلاّلة يذوقون الأمرين للحصول على الأسلحة للقيام بعمليات فذائية، وكان السلاح نادراً جداً بالمدينة، إذ إلى حدود أكتوبر 1954 لم تكن الأسلحة التي في حوزتهم تتعدى 10 قطع (مسدسات وبعض القنابل اليدوية). وقتئذ، كانت القاعدة هي الإعتماد على النفس لتوفير السلاح. وفي هذا الصدد لعب كل من الشقيقين الصديق وعبدالرحمان المكينسي والصديق بن داود أدواراً مهمة بخصوص منحهم الأموال لغرض اقتناء بعض الأسلحة في لحظات حرجة جداً.


عبدالرحمان المكينسي ظل مستهدفاً
ظل عبدالرحمان المكينسي، الملقب بـ"الكباص" من طرف المصالح الأمنية الإستعمارية التي حاولت توريطه كلما طرأ حادث مقاومة أو تصدي للمستعمر بالمدينة، ومن ذلك نسف خط السكة الحديدية التي خطط لها ثلة من شباب حلالة أياماً قليلة بعد نفي الملك محمد الخامس.
وقد حاولت منظمة "الوجود الفرنسي" اغتياله بمعية أعضاء بارزين في حزب الإستقلال والمقاومة والتجار المتعاطفين مع القضية الوطنية، إذ ظلت تتهمه بتمويل أنشطة حركة المقاومة بمدينة حلاّلة وخارجها.
كما خبر عبدالرحمان المكينسي دهاليز مخافر الشرطة أكثر من مرّة، حيث كان لا يتحمل أيه إهانة ولا يسمح بالمس بكل مايمت بصلة بالمقدسات الوطنية. وفي هذا الصدد وقعت له حادثة مع "كاراتيرو" (أحد المشاركين في اغتيال شخصيات وطنية بالدارالبيضاء) والذي كان يلعب ضمن فريق "الكاب" (الموالي للإستعمار)، وكان معروفاً باضطهاده للاعبين المغاربة الممارسين في صفوف "الكاك". وقد اصطدم يوماً مع عبدالرحمان المكينسي الذي صفعه بعد أن مسّ بحرمة المقدسات الوطنية سبّاً وشتماً،واعتقل وحوكم من أجل ذلك.
وعُرف عن الفقيد أنه كان آخر من كان يغادر المدينة التي تجري بها "الكاك" مقابلتها اعتباراً للإعتقالات التي كانت تليها سيما بسلا والرباط وسيدي قاسم

محطات من هنا وهناك
لم يكن عبدالرحمان المكينسي غائباً بخصوص عملية الفرار الكبرى من السجن المركزي، إذ كلّف سجناء السجن المركزي بالقنيطرة الصويري (اللاعب والمدرب السابق للكاك) بعد الإفراج عنه بالإتصال بالفقيد وآخرين لتهييئ مخابئ لإيواء الفارين وضمان حمايتهم من عيون المخبرين.
وكعادته ساهم في تمويل هذه العملية بتوفير الأموال لعائلة اشقيريبة، ورغم أن المدينة كانت محاصرة من كل جانب ظل مخبأ الفارين في مأمن عن أنظار الإستعمار وعملائه.
إن عبد الرحمان المكينسي ظل دائماً مجنداً لمساعدة السجناء وعائلاتهم، بل كان على رأس لجينة اضطلعت بهذه المهمة.
وقبيل تنفيذ مؤامرة خلع الملك الراحل محمد الخامس عن عرشه، والتي حيكت بضواحي مدينة القنيطرة، أمر الشهيد محمد الديوري بإنشاء لجنة الطوارئ وكان عبدالرحمان المكينسي عضواً فيها تحت إمرة شقيقه الصديق بمعية ثلة من شباب حلالة المقاومة.
وهناك حادث منتصف غشت 1953، إذ عُرف على الفقيد عبدالرحمان المكينسي أنه يتحرك ويعمل في الظل بعيداً عن حبِّ الظهور، وبشهادة الكثيرين ظل إسم الفقيد حاضراً وبامتياز في مختلف المنعطفات التي عرفتها المدينة. ومنها اجتماع يوم السبت 15 غشت 1953 الذي عقد بدار شقيقه الأكبر الصديق المكينسي والكائن بشارع محمد الخامس، وهو الإجتماع الذي نُظِّم عقب برمجة زيارة التهامي الكلاوي للمدينة وبع اللقاء الذي أجراه محمد الديوري مع ثلة من الوطنيين ببحيرة سيدي بوغابة لتقييم الوضع قصد ضمان شروط استمرار العمل السياسي رغم المضايقات الإستعمارية الخانقة.
بعد الإجتماع الذي شارك فيه عبدالرحمان المكينسي تقرر الشروع بإعلان العصيان والتخطيط لتنظيم مظاهرات احتجاجية. وهذا ماكان إذ انطلقت مظاهرة زوال ذلك اليوم السبت 15 غشت 1953 أمام الباشوية بمشاركة آلاف المواطنين وعلى إثر هذا التحرك النضالي الواسع المدى تحركت قوات البوليس واعتقلت المئات جلهم قدموا للمحاكمة وأصدرت في حقهم أحكاماً وقد لعب المرحوم عبدالرحمان المكينسي أدواراً مهمة في مساندة المعتقلين وتموينهم وتهييئ الشروط لضمان الدفاع عنهم وتخفيف أهوال الإعتقال والسجن عنهم.
وبشهادة الكثيرين الذين خبروا ظروف الإعتقال آنذاك، لم يكن يمر التحقيق مع أحدهم إلا وتمت مساءلته عن طبيعة علاقته مع الفقيد عبدالرحمان المكينسي، إذ أن المخابرات الفرنسية والعناصر المغربية الموالية لها كانت على علم اليقين، بالأدوار المهمة التي كان يلعبها المرحوم في الظل.

وتظل مباراة منتصف الأربعينا حاضرة في الأدهان. في غضون شتنبر 1946 برز نجم عبدالرحمان المكينسي في تنظيم مقابلة في كرة القدم بمدينة القنيطرة، جمعت بين النادي القنيطري والوداد البيضاوي لمساعدة منكوبي حريق المدينة المشهور. ذلك اليوم حضر ولي العهد أمير الأطلس آنذاك (الراحل الحسن الثاني)، ورفض الجلوس بالقرب من الفرنسي "هوسون" ومصافحته.
وزاد تألق الأخوين الصديق وعبدالرحمان المكينسي ذلك اليوم في أحضان غابة المعمورة، عندما تجلت تلك المباراة كتحد كبير للمستعمر على أكثر من صعيد، وفعلاً، كانت سنة 1946، بفضل ثلة من شباب حلالة، بمثابة إقلاع رياضي واجتماعي إذ تأسست الكشفية الحسنية وتلتها جمعيات أخرى استهدفت بالأساس تأطير أبناء حلالة وسرعان ما بدأت تظهر النتائج، إذ أكدت مدينة حلالة دورها المركزي في المسيرة الكفاحية منذ الوهلة الأولى عندما بدأ المستعمر في ترسيخ أقدامه بها. ولازال التاريخ يشهد -لرجالات حلالة، من أقران المرحوم عبدالرحمان المكينسي وغيرهم ببطولات صنعوها.

على سبيل الختم
هذه مجرد شدرات من حياة الفقيد عبدالرحمان المكينسي متناثرة في الزمان، علماً أن الرجل سجل حضوراً بارزاً في مختلف المجالات، وناضل في الظل في قلب أكثر من جبهة، سيما على الركح الإقتصادي والمقاولاتي، وهو مجال يستحق وقفة خاصة، في مقام آخر.

عبدالجليل البوصيري لـ"فضاء الحوار" عبدالرحمان المكينسي رائد المقاولة المواطنة المكرسة للجودة والمقاوم في الظل


حينما اقترحنا على عبدالجليل البوصيري، صاحب كتابي "أحداث ورجالات حلالة" و "اللامنسي في ذاكرة حلالة" دردشة حول شخصية الراحل عبدالرحمان المكينسي تردد كثيراً معتبراً أن الحديث عن شخصية من عيّار الفقيد تستلزم أكثر من وقفة بفعل الدور المتميز الذي لعبه كوطني وكسياسي وكمقاوم وكمقاول وكرياضي. وبعد إصرار وإلحاح منّا قبل تمكين جريدتنا من تحليقة خاطفة من مسار تاريخ هذه الشخصية الفذة التي لم تهدف يوماً لأي جزاء، معنوياً كان أو مادياً، معتبراً أن كل ماقام به كان واجباً لا أقل ولا أكثر وكان البوح التالي:
الأسر التي كانت تقطن بالقنيطرة أوائل الأربعينات كانت معدودة على رؤوس الأصابع ولم يكن هناك تفاوت بين هذه الأسر من حيث المستوى المعيشي والثقافي. ومن بين هذه الأسر أسرة البوعزاويين و أسرة دار بنسعيد ودار حميدو برادة ودار الصياد ودار العربي الساسي ودار كومبا وأسرة المكينسيين التي أنجبت المرحوم عبدالرحمان المكينسي الذي قال في مطلع القرن الماضي "إنني أحمد الله أنني عشت في منطقة يستحيل التميز فيها بين الغني والفقير". وأول معرفتي بالرجل كانت في منتصف الأربعينات حيث عرفته كلاعب في صفوف الكاك وكمنظم آنذاك لفرق الأحياء المنتمية للحركة الوطنية ابتداء من سنة 1946 صحبة أخيه الصديق والبوعزاويين والتوزانيين والسي احماد أوعابد وآخرين.
بعد إنشاء فرق الأحياء مثل فريق الإتحاد وفريق النجوم وفريق الشروق، وانطلاقاً من هذه الفرق تم إنشاء فريق النادي القنيطري الذي يعتبر عبدالرحمان المكينسي هو المؤسس الفعلي له. رغم أن السلطة رفضت أن يكون مكتب الفريق يضم أعضاء معروفين من الحركة الوطنية وقررت أن تسند الرآسة الفعلية لعبدالقادر طانطو والكتابة الخاصة لعبدالسلام البرنوصي لأنهما رجلين موظفين في بلدية القنيطرة، وشابين يتقنان فنون المراوغة السياسية. وكان المكتب الشرفي قد شكل من بعض رجالات المخزن للتغطية ورجال وطنيين وهذه العملية كانت تحت إشراف السي محمد الديوري.
أسس فريق النادي القنيطري بتشجيع وتموين من الحاج عبدالرحمان المكينسي وبعض الأغنياء الوطنيين من أبناء مدينة القنيطرة، وبسرعة بدأت مجموعة من الشباب ينضمون إلى هذا الفريق.
نعرف أن الفريق أنشئ سنة 1946، ونفس المشجعين الذين عايشوا البدايات الأولى لفريق المعمورة والإتحاد وساندوها سنة 1935 هم الذين قدموا كل دعمهم للفريق الجديد.
المرحوم المكينسي رغم صغر سنه، كان دائماً يسهر على النهوض بالقطاع الرياضي على المستوى الوطني ككل. وفي مطلع 1951 كنت ضمن ماكان يسميه بمشتل الفتيان المشجعين وكنت أبدل كل ما في وسعي قصد استقطاب المزيد من المشجعين للنادي، وكنا نشكل النواة الأولى للفآت الصغرى والحاج عبدالرحمن المكينسي رحمه الله يهتم ويتابع عن كتب أنشطتنا. وذات يوم جاء الحاج عبدالرحمان المكينسي صحبة الركراكي "الفاكتور" وبلحسن والسي احماد أوعابد وعلي، ونظراً لكوني كنت أصغرهم قام بترقيتي إلى رتبة عميد فريق الصغار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى اعترافه لما كنت أقوم به من دعاية لصالح النادي، ثم لا ينبغي أن ننسى أننا كنا في صراع دائم مع مجموعة من الشباب المغاربة الذين اختاروا التموقع في الطرف الآخر المشجع للفريق الفرنسي نظراً للإغراءات التي كانت تقدم إليهم من طرف المستعمر كإدماجهم في سوق الشغل المحلية كالأبناك والميناء...
ونظراً لكون المرحوم الحاج عبدالرحمان المكينسي كان يتمتع بنظر ثاقب ويتنبأ بالمصير الذي كان ينتظر الحركة الوطنية والمعارك التي ستدور رحاها فيما بعد في حي ديور صنياك لذلك قام بالتركيز على أبناء هذا الحي وعمل على تكوين الأقسام بجميع فئاتها وبالفعل تأتى له ذلك حيث أصبح الفريق يتوفر على عناصر تركت بصماتها بوضوح في الرياضة المحلية والوطنية حيث أعطت كذلك خلايا وطنية وسياسية وخلايا اجتماعية وبعض الأفراد الذين شاركوا في معارك ديور صنياك الشهيرة. وفي ثنايا فريق الكاك كانت توجد خلايا مسلحة وهكذا نرى أن الرجل استطاع بحنكته أن يكون جيلاً تمتزج فيه روح المقاومة والوطنية والرياضية والتكافل الإجتماعي.
وبدأ الصراع سنة 1953 بين الحاج عبدالرحمان المكينسي كممثل لفريق الكاك مع الإستعمار الفرنسي وكان النادي القنيطري بمشجعيه وأنصاره يرافقون الفريق أينما حل وارتحل مراقباً من طرف الأمن والمخابرات الفرنسية. وفي أي مدينة كان يحل بها الفريق لإجراء مباراة تترك مشجعين أو لاعبين معتقلين، والمكينسي كان دائماً لا يغادر أي مدينة لعب فيها الفريق إلا بعد إطلاق سراحهم. وهذا وقع في مدينة سلا والرباط لعدة مرات وكذا بسيدي قاسم مع الفرق الإستعمارية. وبعد نفي المغفور له محمد الخامس اتجهت بعثة مختلطة من مسيري النادي القنيطري وقيادة الحركة الوطنية إلى القصر العامر بالدارالبيضاء قبل النفي بثلاثة أيام حيث تم استقبالهم بحفاوة كبيرة من طرف المغفور له محمد الخامس وتبادل معهم الحديث حول المستجدات والمنعطف الخطير الذي أصبحت تجتازه البلاد، وسألهم عن أحوال رجالات حلاّلة والنادي القنيطري باعتباره من المساهمين في إنشائه. وفي هذا اللقاء المبارك تم القسم بين الوفد والسلطان. وبعد نفي محمد الخامس بأيام قليلة وقعت العملية التاريخية لحرق معمل الفلين وعملية نسف السكة الحديدية للقطار المتوجه للجزائر. ما لايعرفه الكثيرون عن الرجل المقاوم عبدالرحمان المكينسي هو المقاول الناجح الذي كان يلقب برائد المقاولة المعتمدة على الجودة والمواطنة والضمير. حيث ساهم في بناء مدينة القنيطرة والمغرب بصفة عامة ومن بين المنشآت الشامخة التي تركها مقر البنك الوطني للإنماء الإقتصادي وبناية صندوق الضمان الإجتماعي بالدارالبيضاء وبعض معامل السكر في المغرب. ويرجع له الفضل كذلك في بناء مؤسسات مشهورة في ليبيا والسينغال وساحل العاج وموريتانيا. والمثير لدى الرجل هو كونه يعطي دائماً الأولوية للجودة والمواطنة في أعماله وفي تصرفاته قبل التفكير في الماديات ورغم أنه كان يصارع عملاء الإستعمار الجدد الذين استمروا في مضايقته ومحاربته في مرحلة الإستقلال كما فعل آباؤهم إبان الإستعمار. وهذا ما وقع له خلال الهجوم الشنيع الذي تعرض له رحمه الله في مدينة سيدي قاسم عن سبق إصرار وترصد.
لو بقي عبدالرحمان المكينسي على قيد الحياة لرفض أي تكريم أو تسليط الأضواء على شخصه لأنه كان الرجل الوحيد في المغرب الذي كان يرفض أن تعطى له صفة مقاوم لأنه يؤمن بأن ما قدمه لبلاده يعتبر واجباً ويعتبره قليلاً في حق هذا الوطن الحبيب..
عاشرت المرحوم في المعتقل بالزنزانة رقم "6" وكنا صحبة مولاي على السباعي وجعفر الجزار وموسى احماو وعبدالرحمان الصياد واسماعيل الوراق. حيث ألقي عليه القبض وحوكم يتهمة القدف والمس بالأمن العام بشهر حبس نافذ واستفدنا من هذا الرجل من خلال النصائح ودروس في الوطنية قوامها كتم السر والتضحية بكل غال ونفيس. وهو الذي كان يمون كل المعتقلين من حيث الملبس دائماً والمأكل وتوفير الدفاع، بل كان يوفر الرشاوي للجلادين والحراس، ما يمكن أن أدلي به كشهادة في الرجل هو أنه لم يستوف حقه سواء من طرف مواطنيه وأصدقائه الحلاليين وكذلك السلطة المحلية خلال المراحل الحرجة التي اجتازها والتي كان فيها فعلا في حاجة إلى سند معنوي.
وللجيل القنيطري الحالي أقول أن آباءهم عاشوا صدمتين قويتين: الأولى تتمثل في نفي رمز الأمة السلطان محمد الخامس والثانية مغادرة عبدالرحمان المكينسي للقنيطرة إلى الرباط والإستقالة من النادي القنيطري.
حاوره: عمار الغشوة



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمل استقبال -حلالة- لمحمد السادس يجهض من جديد
- منظومة المنظومة الإعلام و تنوع المجتمع
- صناديق الملوك الثلاثة
- -الكراسي- مصيبتنا
- هل حان الوقت لمحاكمة حميدو لعنيكري؟
- حوار مع عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي
- حوار مع علي فقير/ فاعل سياسي
- حوار مع محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – الس ...
- إعادة -انبعاث- لعنيكري من الرماد
- حوار مع عبد الرحيم مهتاد/ لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإس ...
- نحيا بالأكذوبات
- هل صدق فؤاد عالي الهمة حين قال : - أنا لا أخشى المساءلة ومست ...
- -التَّسَوُّلقْرَاطِيَّةُ-
- إجهاض دعوى ضد البوليساريو ودعم أخرى لفائدتها
- كان الهدف هو إرهاب سكان سيدي إفني
- السكن الاجتماعي بين هاجس الربح السريع وهاجس تحسين الأوضاع
- صورة -المغرب السعيد- ليست على ما يرام
- إعلامي كافح بالبندقية والقلم
- جنرالات الجزائري متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية
- مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إدريس ولد القابلة - المرحوم عبدالرحمان المكينسي من الرجال الذين قصرنا في حقهم