مرت تسعة أشهر على سقوط واحد من أعتى الأنظمة الدكتاتورية الفاشية في العالم. حكم هذا النظام العراق بقبضة من الحديد والنار طوال خمسة وثلاثين عاماً، مخلفاً وراءه مئات الآلاف من ضحايا الإعدامات والمقابر الجماعية التي طالت أكثر أقسام المجتمع العراقي فعالية ونشاطاً، ناهيك عن مئات الآلاف من ضحايا حروبه العديدة والمتواصلة الداخلية منها والخارجية.
أحد أكثر المظاهر دموية لسلطة نظام البعث في العراق كانت حملات الإعدام ضد الفعالين والنشطاء السياسيين في الغالب والتي لم تتوقف عجلتها يوماً. سقط النظام الآن في واحدة من أكثر الحروب رجعية على الصعيد العالمي. كان طرفا الحرب فيها سواء في أهداف حربهما أو في ممارساتهما من الأطراف المعروفة بتاريخها المناهض للتطلعات والنزعات الإنسانية وكل حسب مدى نفوذه وقدرته. الآن بعد أشهر من سقوط ذلك النظام وتواجد سلطة الاحتلال ومجلس الحكم الذي رتبت أمريكا بيادقه من الأطراف الموالية لها والمشهورة برجعيتها، يجري الحديث من قبل سلطة الاحتلال ومجلس الحكم بحرارة عن إعادة عقوبة الإعدام أو بالأحرى الاستمرار بالعمل بها والتي هي من الملامح البارزة للإرث الإجرامي الذي خلفه النظام البعثي في العراق.
هنا نسعى لبحث الجوانب المختلفة لماهية عقوبة الإعدام، الدوافع الكامنة وراء تشريعها وتنفيذها، آثارها على المجتمع والموقف منها.
ما هي عقوبة الإعدام ؟
قبل التطرق إلى الإعدام نرى من المناسب تناول ظاهرة القتل عموماً، لتبين خصوصية القتل في الإعدام. تعود تقاليد القتل في المجتمعات البشرية إلى عصور سحيقة، إلى عصور ما قبل التاريخ ومجتمعات ما قبل الطبقات. ففي تلك المجتمعات كانت هناك الحروب والقتال الناتج عن الصراع على مصادر المعيشة من غابات ومناطق صيد. عدا ظاهرة القتل في الحرب فان أكثر الظواهر جلباً للانتباه فيما يخص موضوع القتل آنذاك هو قتل الأسير بهدف الأكل أو ظاهرة القربان والأضاحي البشرية تقرباً للقوى الغيبية أو قوى الطبيعة الأكثر تأثيراً في حياة كل جماعة من تلك الجماعات. إن أساس قتل الأسير في المجتمعات البدائية يكمن في فقر وانحطاط مستوى الإنتاج البدائي الذي كانت تلعب فيه عوامل الطبيعة ومصادفاتها الدور الأكبر وتنحسر قدرة الإنسان في التأثير على الطبيعة باتجاه تأمين حاجاته إلى أدنى مستوياتها، مما يجعل الإنسان الأسير أحد مواضيع الطعام بالنسبة للقبيلة التي تأسره في ظروف القحط تلك.في حين تعود ظاهرة التضحية بالإنسان كنوع من الطقوس الدينية آنذاك إلى الانعكاس المقلوب للواقع المزري في أذهان أبناء ذلك العصر حول الطبيعة وقواها المؤثرة في حياتهم والتي لايملكون وسائل السيطرة عليها وتسخيرها لمنافعهم. فهم ولاسترضاء قوى الطبيعة تلك أملاً في قبولها وتوفير مستلزمات المعيشة وأهمها الطعام وحمايتهم من الكوارث، يعمدون إلى التضحية بفرد أو عدة أفراد يذبحونه تقرباً للآلهة! إنه فهم يوازي في انحطاطه انحطاطَ مستوى قوى الإنتاج والمعرفة والتقنية في ذلك العصر.
رغم السرد السابق لظاهرة القتل الأكثر شيوعاً في المجتمع البدائي، فإنها لا تدخل في إطار عقوبة الإعدام، لأن عقوبة الإعدام هي قتل عمد يستند إلى قانون أو شرعة وبذلك هي عقوبة تصدر عن سلطة أو دولة ما وبذلك هي من نتاج عصر لاحق. يمكن أن نقول أن عقوبة الإعدام ظهرت مع ظهور المجتمع الطبقي الذي استقر على ظهور الملكية الخاصة وأول شكل للدولة باعتبارها وسيلة قهر بيد الطبقة المالكة والسائدة ضد الطبقات المسودة. عقوبة الإعدام فعل صادر عن المؤسسة الحاكمة ويشرعه القانون. وبهذا المعنى هي "تشريع القتل".
لاشك ان قتل الإنسان للإنسان بكل أنواعه هو من بقايا توحش البشر. وللأسف مازال هذا التوحش يكبل عنق الإنسان وروحه ويطبق على أذهان قسم كبير من البشرية المعاصرة رغم المسافة الزمنية والحضارية الشاسعة التي تفصل بين مراحل بزوغ المجتمع البشري الأولي المتخبط في وحول الجهل وانعدام الحيلة والوسيلة وبين مرحلة التمدن والثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة. إن التناقض الصارخ بين المكتسبات العلمية والتقنية المعاصرة ودرجة سيطرة الإنسان على الطبيعة وتسخيرها اليوم من جهة وبقاء المعتقدات الخرافية وتقاليد التوحش قوية في المجتمع، يكمن في الانقسام الطبقي ومصلحة الطبقات المالكة والحاكمة للمجتمع الرأسمالي في بقاء الخرافة والدين وشرعة القتل واضطهاد الآخر واستغلاله بهدف تبرير النظام الرأسمالي من جانب وبغرض استخدام تلك الوسائل في قمع الطبقة العاملة وجموع الكادحين ولضمان السلطة السياسية والاقتصادية المطلقة للرأسمال.
الإعدام هو سلب لحياة إنسان. وهو عملية قتل واعية، أي هو قتل عمد تقوم به الدولة ضد الفرد، بل هو وكما يقول منصور حكمت؛ "أشنع أنواع القتل العمد". رغم إن القتل عموماً هو أحد بقايا توحش البشر كما قلنا آنفاً، إلّا أن الإعدام حتى لا يشبه القتل في الحرب. ففي الحرب يوجد طرفان متقابلان ومتساويان شكلياً يملك كل منهما الوسائل وان كانت متفاوتة. والحرب أيضاً لا يشتعل فتيلها بقانون، بل هي بحد ذاتها خارج القانون ونقيض له. ولاتوهم الدعاية الحربية لكل من الطرفين المتحاربين الكثيرين حول عدالتها وادعائها إقرار الأمان في المجتمع غالباً. إن الإعدام في خسته يوازي الاغتيال ويفترق عنه في ان فضاعة القتل في الإعدام تقوم بها جهة يفترض أنها مسؤولة عن أمن المجتمع كما يُشاع وتصعب إدانتها هي. في حين هناك إدانة اجتماعية للاغتيال وهناك فرصة على الأقل من الناحية القانونية لإدانة ومحاكمة القائم بالاغتيال. الاغتيال يبقى خارج القانون عموماً وشكلياً على الأقل (هناك استثناءات مثل قانونية اغتيال المرأة في العراق وغيره) على حين ان فضاعة الإعدام في كونه جزءاً من القانون ويهدد ويصادر واحداً من أكثر الحقوق أساسية وقدسية ألا وهو حق الحياة. في مجتمع تشرع وتنفذ فيه الدولة ومؤسساتها الحاكمة القتل تحت تسمية عقوبة الإعدام لا يمكن الحديث عن الأمن وحقوق الإنسان والتمدن حتى بالمعيار السائد والناقص لهذه المفاهيم في عالم الرأسمال.
إن الاستهانة، عبر عقوبة الإعدام، بأهم وأكثر الحقوق أصالة، أعني حق الحياة، له أبعاد خطيرة على مجمل الوضع الاجتماعي السياسي والثقافي للمجتمع. وتكاد عقوبة الإعدام تشكل ركناً مقدساً عند الكثير من الأوساط الفكرية والسياسية للرأسمالية وخصوصاً التيارات اليمينية الفاشية القومية والدينية. إنها باستماتتها في الدفاع عن عقوبة الإعدام إنما تريد أن تستحوذ على جسد الإنسان وروحه ووجوده، تسعى لأن تملك حياته ومماته وتخدش كرامته. وهي بانتهاكها هذا الحق الأولي تحيل وبضربة واحدة كامل موجودية الفرد والمجتمع وحقوقه الأخرى السياسية والاجتماعية وضماناته، حق التنظيم، التظاهر، الإضراب، حق التعليم والضمان الصحي والسلامة والبيئة الآمنة إلى ميدان مفتوح للمصادرة والمنع والسلب. عقوبة الإعدام سيف مسلط على المجتمع لإرهاب الجماهير.
عقوبة الإعدام، تهافت الذرائع
يسوق المدافعون عن عقوبة الإعدام جملة من الذرائع، أهمها ان عقوبة الاعدام رادع للجريمة. وكذلك يضيفون انهم يريدون حماية المجتمع من العبث بأمنه. ومنهم من يقول أن القصاص وجزاء المثل بالمثل ضروري وعادل.
قبل مناقشة كل واحدة من هذه الذرائع، يجب التأكيد على أن حق الحياة حق أولي بديهي وشامل أيضاً. وان أي شخص يؤمن بهذا المبدأ الإنساني المتقدم لاتهمه تلك الحجج والأمر عنده واضح لا لبس فيه. وطبقاً لهذا المعيار فان عقوبة الاعدام انتهاك صارخ لأهم مبادئ حقوق الانسان. ولكن من المناسب أيضاً التصدي لتلك الذرائع لتبيين مدى صدقها من عدمه، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يترددون في اتخاذ موقف من هذه القضية الحساسة والحياتية.
هل ان عقوبة الاعدام تردع الجريمة؟ ليست هناك دلائل على هذه المقولة، بل ان الحقائق في الواقع العملي تثبت انه وحيثما كانت هناك عقوبة الاعدام وما يرافقها من استبداد واستغلال شديد عادةً، كانت الجريمة أكثر انتشاراً وأكثر نخراً لجسد المجتمع وتهديداً له. مثال المجتمع العراقي في ظل سلطة البعث لا يحتاج إلى إمعان مطول لاكتشاف هذه الحقيقة، فكلما أمعن النظام البائد في تصعيد وتيرة القهر والإفقار والاعدامات كلما كانت الجريمة واسعة النطاق خصوصاً خلال العقد الأخير، هذا في الشرق. ومثال أمريكا من الغرب والتي هي البلد الوحيد من بين بلدان الغرب المتقدمة التي تمارس عقوبة الاعدام وتعتمد سياسةً هي الأسوأ في ميدان الضمانات الاجتماعية، مثال واضح على انتشار الجريمة. في الغالب تستند الأنظمة التي تشرع وتمارس عقوبة الاعدام إلى مجموعة من القيم ممعنة في الثقافة الفاشية. وبما ان الثقافة والقيم السائدة في أيّ مجتمع هي ثقافة وقيم الطبقة السائدة والحاكمة، فإن أخلاقيات وتقاليد مصادرة الآخر والتجاوز السهل على حقوقه وكرامته وحتى وجوده تكون سائدةً بشكل واضح ويومي.وكجزء من هذا تقليد القتل والجريمة عموماً. إذن كيف يمكن لعقوبة الاعدام أن تكون رادعاً للجريمة وهي بحد ذاتها أفضع أنواع القتل العمد.الحكمة القديمة، فاقد الشيء لا يعطيه، صحيحة هنا. فالقانون وإضافة إلى عامل ردع الجريمة الذي يجب أن يتوفر فيه يفترض به أن يكون حاملاً نقيض جريمة القتل وليس مجيزاً لها تحت تسمية عقوبة الإعدام. فأما أن ترفض مسألةً ولا تجيزها لنفسك أو انك بممارستها وتحت أي غطاء فانك تعمل من الناحية المبدئية والعملية على ترسيخها وإشاعتها كتقليد في المجتمع. إذا كانت الدولة والدستور والهيئة المشرعة له حقاً تدعي إدانتها لجرم وظاهرة القتل فيجب أن تحمل في ذاتها النزعة المناهضة لتقليد القتل، أي يجب ألّا تشرع وتمارس الاعدام وتلغيه من قوانينها.
توجد أمثلة كثيرة على إصدار عقوبة الاعدام وإيقافها أو عدم تنفيذها عملياً في العديد من الحالات وعند كثير من الدول. وهذا بحد ذاته ليس بدليل قوي لصالح طيبي القلب الذين يدافعون عن عقوبة الاعدام ويدعون الرحمة بعدم تنفيذهم لها، على العكس عدم تنفيذها هو خير دليل على عدم ضرورتها من الأساس وان المجتمع ليس بحاجة لمثل هذا التوحش الرسمي. هكذا تتلاشى الحكمة عن الادعاء القائل بان القصاص وعقوبة المثل بالمثل ضروري وعادل في حالة الاعدام. إن معاقبة شخص هدم بيت شخص آخر بهدم بيته ليست سوى انتقام وعبث وتخريب أكثر مما هي ردع وتقويم وبناء. فكيف بهدم ونفي حياة إنسان، وهي أهم وأغلى بلا شك. هنا ليس سوى ملاحظة تجدر الإشارة لها بهذا الصدد. وهي إن مبدأ السن بالسن والعين بالعين هو من منتجات ظروف وأحوال هزيلة من حيث المستوى الحضاري والمنجز المعرفي والتكنولوجي بالقياس إلى عصرنا هذا، بحيث لا يمكن أن يكون معياراً ومبدأً عادلاً مطلقاً. المرحلة التي كان فيها الإنسان العبد مُلكاً لسيده يفعل به ما يشاء لا فرق بينه وبين ماشيته وأغنامه، يمكنه ذبحه سواءٌ معها قانوناً وشرعاً كما في بابل وروما القديمتين والجزيرة العربية في العصور الوسطى، لايمكن لعاداتها، قوانينها ومبادئها، مهما كان الاعتقاد حول عدالتها في حينه، أن تكون قوانين ومبادئ وثقافة القرن الحادي والعشرين، إلّا إذا أراد شخص العبث أقصى درجات العبث بكرامة وحقوق إنسان هذا اليوم واستعباده.
من المؤسف ان المجتمع مازال يواجه أنواع الجرائم ومنها جرائم القتل. ترتكب هذه الجرائم من قبل أفراد وعصابات مجرمة. وأيضاً من الضروري ومن واجب الدولة والهيئات المسؤولة أن تواجه الجريمة طبقاً لقوانين متقدمة تحمي الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع. برأينا لاتستلزم مسألة مواجهة الجريمة تشريع وممارسة عقوبة الاعدام. هناك عقوبات السجن (ليس السجن المؤبد طبعاً). ولكن في الوقت الذي تبقى فيه الجريمة خارج القانون ومدانة فان عقوبة الاعدام ـ وهي قتل عمد في حقيقتهاـ تصدر عن الهيئات الحاكمة ويحميها القانون. وهنا تكمن الخطورة. إذن مَن يهدد أمن المجتمع بشكل واعٍ ومخطط؟ ومَن يمارس الدور الأساس في ترسيخ وتعميم القتل وجعله أمراً عادياً دستورياً وقانونياً؟ هي نفس الجهة التي تدعي مسؤولية حفظ أمن الفرد والمجتمع!
إذا كانت ادعاءات الأنظمة التي تمارس عقوبة الاعدام والجماعات المدافعة عنه والأبواق المأجورة التي تعزف هذا المارش المقيت زائفة كما اتضح وذرائعها متهافتةً، فماهي العوامل والدوافع الحقيقية التي تجعلها تبرم حبال المشانق وتلقم بنادقها الرصاص؟
الإعدام؛ الدوافع. الإعدام؛ عملياً ضد مَن؟
هناك فرق طبعاً بين ادعاءات وذرائع جهة ما حول ممارساتها وبين الدوافع الحقيقية الكامنة وراء تلك الممارسات. فحيثما كانت عقوبة الإعدام سارية في مجتمعنا المعاصر تجد سيطرة رجعية اليمين على الحياة السياسية في ذلك المجتمع. وان اللائحة السياسية والاجتماعية لهذا القسم من البرجوازية معروفة بقسوة برامجها في كافة الميادين. ولإجراء برنامجه لايكتفي بالآليات الروتينية لاستغلال الطبقة العاملة وجموع الكادحين، بل يعمد إلى السطو وبأشكال سافرة على جيوب وموائد القسم الأكثر حرماناً في المجتمع، الطبقة العاملة، والفئات الكادحة عبر فرض ضرائب ثقيلة وخفض الخدمات في ميادين الصحة والتعليم والهجمة على المكتسبات الرفاهية وخفض الأجور والتشغيل وتسريح العاملين .. . الخ. هذا في الميدان الاقتصادي أما في الميدان السياسي فانه ولضمان إجراء ذلك البرنامج غير الإنساني يلجأ إلى تضييق الخناق سياسياً على المجتمع وقمع وإسكات أيّ تحرك احتجاجي جماهيري. مثل هذه الأجواء تتصف بغياب الحريات السياسية والانتهاك السافر للحقوق الفردية والمدنية. إن عقوبة الاعدام وعلاوة على كونها إحدى أكثر مظاهر القمع قسوةً ووحشية، فإنها تعدُّ إحدى الرسائل التي تبلغها البرجوازية الحاكمة للمجتمع وفحواها؛ أنها إذ تقرّ عقوبة الاعدام وتنفذها إنما تُعلن صراحةً أن لا حدود لمديات عنفها تجاه المجتمع والأقسام المحتجة فيه. تعلن أنها وبانتهاكها لأهم الحقوق "حق الحياة" إنما تعمل على تهديد كافة الحريات والحقوق والإمكانات المتاحة أمام الجماهير وتسحقها حيثما ووقتما احتاجت وأرادت ذلك. عقوبة الاعدام مؤشر إرهاب الدولة البرجوازية. إرهابٌ ضد الجماهير العمالية والكادحة وضد النزعات التحررية في المجتمع.
من الناحية العملية وإذا ما نظرنا إلى واقع عقوبات الاعدام عموماً نجدُ ان ضحاياها في الغالب من الشيوعيين والمناضلين السياسيين والمعارضين الذين هم في الحقيقة ليسوا مجرمين بأي قياس وأنهم مارسوا أبسط حق من حقوقهم، مثل اعتناق رأي مخالف أو ممارسة نشاط سياسي. هذا لايعني تأييد عقوبة الاعدام للمجرمين بأيّ شكل، بل هو مجرد ردّ على نفس ادعاء القائلين بأن الاعدام هو لمواجهة الجريمة.
إلغاء عقوبة الإعدام مطلب مُلح
مطلب إلغاء عقوبة الإعدام مطلب اجتماعي واسع. فالعديد من البلدان المتقدمة وغيرها ألغت عقوبة الاعدام من قوانينها. وكان إلغاء هذه العقوبة ثمرة النضال الطويل والمطالب المتكررة للحركات الاشتراكية والعمالية وسائر الحركات التحررية والإنسانية. فيما يخص المجتمع العراقي، ربما يكون أكثر المجتمعات التي حصدت فيها عقوبة الاعدام حياة أنشط أقسامه، ليس في عهد النظام البعثي فحسب، بل منذ تأسيس الدولة العراقية وعلى أيدي الأنظمة البرجوازية المتعاقبة حتى سقوط النظام الدكتاتوري.
وليس حديث أياد علاوي بعد أسابيع من تشكيل مجلس الحكم حول النية بالاستمرار بالعمل بعقوبة الاعدام وتشجيع أمريكا تحت ادعائها انها تدع الخيار للعراقيين، وتعني اتباعها ومنفذي مخططها في العراق، سوى دليل صريح على هوية الأطراف التي تنضوي تحت مجلس الحكم وبرامجها المناهضة للإنسان. إنها بالضبط تتمسك بأبشع قوانين وممارسات النظام الفاشي. هي لم تختلف مع ذلك النظام بسبب قوانينه وأعماله الرجعية ولاتسعى لالغائها، بل اختلفت معه لأنه حرمها من المشاركة في سلطته وجرائمه! وهي الآن تريد البدء من حيث انتهى نظام البعث. لم يتحدث مجلس الحكم حول توفير الأمن والخدمات الأساسية المعطلة وحق العمل أو ضمان البطالة ولم يعطِ جواباً على هذه المطالب الأساسية والحياتية مثلما تحدث بثقة تامةٍ وشهية مفتوحة عن نيته بالعمل بعقوبة الاعدام. ليس غريباً فهم نفسهم الذين أيدوا سياسة الحصار الاقتصادي، أي سياسة إبادة جماهير العراق بأطفاله طوال ثلاثة عشر عاماً من أجل إرضاء أمريكا. لقد أدوا أسوأ أدوارهم وهم خارج السلطة، ولاشك أدوا وسيؤدون أسوأ منها وهم يتمتعون بفتات الاحتلال. عقوبة الاعدام أول بشرى صدرت منهم للجماهير!
جموع الجماهير في العراق تطمح إلى الحرية والرفاه، تطمح للمشاركة الواسعة في مصيرها وفي إدارة المجتمع، وتطمح لمعايير وقوانين إنسانية. فإذا لم تقبل سياسات النظام البعثي المتمثلة بالقمع والاضطهاد والاستبداد السياسي والاعدامات .. . الخ وتصدت لها طوال عقود بنضال طويل ومرير، فإنها من باب أولى أقدر على التصدي لمن يريد تسويق البضاعة الفاسدة للاستبداد والقهر والتوحش الفاشي من جديد بعد سقوط النظام.
يشكل النضال من أجل إلغاء عقوبة الاعدام أحد محاور نضال الشيوعيين والحزب الشيوعي العمالي العراقي. وقد احتل مطلب إلغاء عقوبة الاعدام فقرة في برنامج الحزب (عالم أفضل). اشتمل النضال في هذا المجال على الميادين النظرية الفكرية والسياسية العملية طوال سنوات نضال هذا الحزب. حيث نظم الحزب العديد من الحملات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي لفضح أعمال الاعدامات الإجرامية التي نفذها نظام البعث، ولأجل كسب الدعم العالمي للسجناء السياسيين في العراق وإبعاد خطر الاعدام عنهم ولكسب حريتهم. إن النضال ضد عقوبة الاعدام الوحشية هو مسألة مبدئية بالنسبة للحركة للشيوعية العمالية وحزبها ولا تتخلى عنه في كل الأحوال والظروف حتى إلغاءه. يتصدر الحزب الشيوعي العمالي صفوف هذا النضال من أجل مجتمع أكثر أمناً وحرية ورفاهاً.
*****************************