أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - الفيتوري بن يونس - استقلالية القضاء في الوطن العربي بين النظرية والواقع















المزيد.....

استقلالية القضاء في الوطن العربي بين النظرية والواقع


الفيتوري بن يونس

الحوار المتمدن-العدد: 2383 - 2008 / 8 / 24 - 11:29
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تنص كل الدساتير والقوانين العربية المتعلقة بالسلطة القضائية على استقلالية القضاة وعدم قابليتهم للعزل وما إلى ذلك من الحصانات والضمانات التي تصب في مبدأ استقلاليتهم وبالتالي حريتهم في إصدار أحكامهم وقراراتهم القضائية وعدم وجود سلطان لأحد عليهم إلا سلطان ضمائرهم.
هذا من الناحية النظرية ، إما من الناحية الواقعية فإن الأمر يسير غير ذلك تماما ولعل السبب في هذا السلوك أن أنظمة الحكم العربية بشكل عام مازالت بحكم بنيتها القبلية أو خلفياتها العسكرية لم تهضم ولو بشكل جزئي مفهوم الفصل بين السلطات ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) إذ لا زالت السلطة التنفيذية المركزة بشكل مطلق في يد الحاكم ملكا أو رئيسا هي المهيمنة على بقية السلطات تسيرها كما تشاء ولعل التعديلات التي أحدثها كثير من الحكام العرب على دساتير بلادهم لتتيح لهم البقاء في السلطة ( تونس ) أو تمكنهم من الوصول إليها ( سوريا ) أو تحد من قدرة منافسيهم وتجعل من منافستهم للرئيس في الانتخابات ضربا من المستحيل ( مصر ) مثلا صارخا على هذا التركيز للسلطات ، فرغم أن هذه التعديلات مررت عبر ما يسمى بالبرلمانات ، إلا إن هذه البرلمانات مشكلة بطريقة تعطي الحاكم وحزبه الأغلبية فيها بحيث لا يمر من خلالها إلا ما يزيد من سلطته تركيزا وقبضته على باقي السلطات قوة.
ومن هنا أصبح لاستقلال القضاء في الوطن العربي مفهوما أضيق بكثير عن ذلك الذي ذهبت إليه نظرية الفصل بين السلطات ، إذ اقتصرت حدود هذه الاستقلالية على تطبيق تلك القوانين التي سنها برلمان الحاكم وهي بكل تأكيد قوانين تكرس هيمنته ومن المستحيل إن تحد من تغوله لان أي حاكم لن يسن قانونا ضد مصلحته ،
صحيح أن مبدأ استقلالية القاضي قد يصطدم بمبدأ استقلالية السلطة التشريعية ومن هنا فإن الفقه القانوني التقليدي تبنى مبدأ كون القاضي مجرد خادم للقانون الذي سنته السلطة التشريعية وتنحصر وظيفته في تطبيق النص القانوني على الواقعة المعروضة عليه ، ومن هنا فإن استقلال القاضي يكون بتطبيق هذا النص مجردا عن كل تأثير حتى لو قيد هذا النص استقلاليته .
وحتى الحيز الذي أعطي للقضاء في مواجهة السلطة التنفيذية جعلت تلك القوانين منه والعدم سواء بالنص على عدم جواز التنفيذ الجبري على أموال الدومين العام – المادة 87/2 من القانون المدني الليبي الصادر سنة 1952 المأخوذة حرفا عن القانون المدني المصري ، الأمر الذي جعل من تنفيذ ما يصدره القاضي من أحكام ضد السلطة التنفيذية في حقوق مالية لاغير رهنا بمشيئة هذه السلطة ، وإذا نسينا فلا ننسى أن جل الأنظمة العربية غلت يد القاضي تماما عما أسمته أعمال السيادة وهو مفهوم فضفاض ، من الممكن أن يندرج تحته مابين الصق المواضيع بالسيادة إلى اقتحام بيت مواطن بسيط والقبض عليه في جنح الليل والناس نيام أو في عز الظهر لا فرق وزجه في السجن بضع سنين دون وجه حق .
في ليبيا كرس المشرع كغيره من المشرعين الذين اخذ عنهم مبدأ استقلالية القضاء من النص في قانون نظام القضاء رقم 29 لسنة 1962على عدم قابلية القضاة للعزل إلى إنشاء مجلس أعلى للقضاء يرأسه رئيس المحكمة العليا يختص بكافة شئون القضاة بدء من تعيينهم انتهاء بعزلهم وإحالتهم إلى التقاعد وقبل ذلك نص عليه دستورا في المادة 145 .
و قد ترجمت المحكمة العليا مبدأ الاستقلال النسبي للأسباب التي اشرنا إليها إلى واقع ملموس بإلغاءها مرسوما ملكيا بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس
وبعد قيام الثورة في أول سبتمبر 1969 أعلن العقيد معمر القذافي بوصفه رأسا للسلطة التنفيذية في ذلك الوقت عن إجلاله وتقديره لهذه المحكمة بوصفها قمة الهرم القضائي في البلاد ، ونص الإعلان الدستوري المؤقت على هذا المبدأ في مادته 28
ولكن – واه من لكن هذه – فإن السلطة التنفيذية التي كانت هي التشريعية أيضا من حيث الواقع حتى مارس 1977 لظروف واعتبارات نستطيع تفهمها أهمها أن الاستقلال المطلق للقضاء في ظل قوانين رأت أنها تحمي علاقات ظالمة يقف حائلا بينها وبين تحقيق الأهداف التي قامت من اجلها وجدت نفسها في حاجة إلى حماية من القضاء المستقل الذي لم تجروء للأمانة على المساس باستقلاله عن طريق التدخل المباشر في أحكامه أمام خيارين لا ثالث لهما أولهما ضرب عرض الحائط بمبدأ استقلال القضاء والثاني الإبقاء على هذا المبدأ مع إفراغه من محتواه عمليا عن طريق التشريع الذي يحميها في مواجهة قاض مستقل لا تملك أي سلطان عليه .
وقد كان واختارت الحلين معا رغم أن الحل الأول يخلق العديد من الإشكاليات والنقد الذي يصل درجة الانتقاد على الصعيدين الداخلي والخارجي إلا أن تحقيق الهدف كان فوق كل اعتبار ومن هنا فقد صدر القانون رقم 86 لسنة 1971 بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي نص في مادته الثانية على حلول المجلس الأعلى للهيئات القضائية محل مجلس القضاء الأعلى وقد مثل هذا القانون مساسا مباشرا بمبدأ استقلال القضاء إذ نص هذا القانون في مادته الرابعة على إن يتولى رئاسة هذا المجلس رئيس مجلس قيادة الثورة – رأس السلطة التنفيذية والتشريعية – و ينوبه وزير العدل الأمر الذي افقد القضاء استقلاله وجعله مجرد تابع للسلطة التنفيذية لا يستطيع أن يقف في وجهها إلا بمقدار ما تسمح به .
هذا من ناحية ومن ناحية أخري فقد أضيفت إدارة قضايا الحكومة – محامي السلطة التنفيذية – إلى القضاء والنيابة العامة و جعلهما وحدة واحدة وهو أمر يفقد القضاء خصوصيته
ولم تكتف السلطة التنفيذية بالهيمنة على القضاء بل استخدمت معه الخيار الثاني وهو التدخل التشريعي ومثلا على ذلك المادة 364 من القانون المدني التي كانت تنص على انه (( تتقادم بثلاث سنوات دعاوى الضرائب والرسوم المستحقة للدولة ...)) فإذا بها تصبح بموجب القانون رقم 86 لسنة 1972 غير قابلة للتقادم .
كما استصدرت القانون رقم 152 لسنة 1970 بشأن الحجز الإداري الذي يجيز للجهات التي تمتلك الدولة أكثر من 50% من رأس مالها الحجز عن طريق موظفيها على ديونها لدى الغير ودون الحاجة إلى استصدار حكم قضائي .
أما بعد الثاني من مارس 1977 ، فإنني لست من أنصار الرأي القائل بتحول القضاء من سلطة إلى مجرد وظيفة استنادا إلى أن السلطة للشعب ولا سلطة لسواه وما يرتبه ذلك من نتائج أهمها تحول القاضي إلى مجرد موظف لدى صاحب السلطة ، لان الفهم الصحيح لنظرية الفصل بين السلطات يقوم على أن أفراد السلطات الثلاث ما هم إلا موظفين لدى صاحب السلطة الذي هو الشعب أو على الأقل يستمدون سلطاتهم منه ، كما انه في الواقع لم يكن هناك فصل من أي نوع بين السلطات في ليبيا بمعناه القانوني إذ أن مجلس قيادة الثورة كان هو السلطة التشريعية والتنفيذية وهو رأس السلطة القضائية
وحتى في ظل فهمي الذي أشرت إليه فإن فترة التخبط وعدم الثبات الإداري وما استتبعها من إسهال تشريعي طال حتى المجلس الأعلى للهيئات القضائية إذ الغي هذا المجلس المنشأ بموجب القانون 86 المشار إليه وآلت اختصاصاته إلى اللجنة الشعبية العامة واللجنة الشعبية العامة للعدل بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة الصادر في 7/11/1979 بالتطبيق لقرار التفويض رقم 2/1979 الصادر عن مؤتمر الشعب العام بتاريخ 11/2/1979 للجنة الشعبية العامة بتنظيم الأمانات وتحديد اختصاصاتها دون التقيد بأحكام القوانين النافذة ، الأمر الذي عكس بجلاء عدم تمتع القضاء بأي قدر من الاستقلالية ، و إلا كيف يمس بهذا الشكل بمجرد قرار صادر عن السلطة التنفيذية غير مقيدة فيه بالقانون ورغم أن المجلس عاد مرة أخرى إلا انه عاد أكثر ضعفا ومضافة إليه إلى جانب إدارة القضايا المحاماة الشعبية التي قررت المحكمة العليا عدم تمتع أعضاءها بالحصانة التي يمتع بها القضاة ، وهو أمر مؤثر على استقلال القاضي الذي أصبح تنقله بين الهيئات القضائية ( القضاء – النيابة العامة – إدارة القضايا – إدارة المحاماة الشعبية ) أمرا يخضع لتقدير السلطة التنفيذية ممثلة في السيد أمين العدل بوصفه رئيسا للمجلس الأعلى للهيئات القضائية ، وهكذا وضع لاشك يفقد القاضي أي نوع من الاستقلال لأنه سيظل دائما يتحسس سيف النقل إلى إدارة القضايا أو إدارة الشعبية
وحتى مع ذلك سارت الإدارة الليبية – السلطة التنفيذية – في نهجها الذي أشرت إليه بتمرير القرارات والقوانين التي تحميها بل وتحمي شركاتها الخاصة في مواجهة المواطن ، فحصنت أموال هذه الشركات بإدخالها ضمن الأموال العامة التي لا يجوز الحجز عليها ولعل اشهر مثل على ذلك هو تحديد سعر للمواطن الليبي فبعد أن كانت المادة 6 من القانون رقم 28 لسنة 1971 في شأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث المركبات الآلية تلزم المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو عن أية إصابة بدنية تلحق أي شخص من حوادث المركبات الآلية إذا وقعت في ليبيا وذلك بقيمة غير محددة ، ويكون التعويض لصاحب الحق فيه ، مرر القانون رقم 4 لسنة 2001 لتعديل المادة السادسة من القانون رقم 28 المشار إليه ليصبح التعويض في حدود الحد الأقصى الذي تضع اللجنة الشعبية العامة أسس وضوابط تحديده وفعلا وضعت اللجنة الشعبية العامة جدولا يبين أسعار الناس حسب سنهم ودخولهم وعدد أفراد أسرهم ، وقد طبقته الدولة الليبية بأثر رجعي رغم عدم نصه على مما أدى بالمحكمة العليا إلى القول بعدم جواز ذلك ، وهنا مررت السلطة التنفيذية القانون رقم 8 لسنة 2003 بذات الأحكام نص على سريانه على الوقائع السابقة التي لم يصدر فيها حكم نهائي عند صدوره وغير ذلك من التشريعات التي توسعت في إضفاء صفة المال العام على أموال شركاتها الخاصة وشمول هذه الأحكام التي في صالح هذه الشركات بالنفاذ المعجل كما في شأن ديون المصرف الريفي
ولم تكتف السلطة التنفيذية بهذه التدخلات المقننة بما يفرغ استقلال القضاء الذي يهدف أساسا إلى المحافظة على حقوق الناس وحمايتهم من تغول السلطة التنفيذية عليهم و تغول بعضهم على بعض من محتواه ،بل عبرت أحيانا بما يشبه التهديد عن ضيق صدرها بما يصدر عن القضاء من أحكام ضدها وضد شركاتها ، وتحول التهديد إلى فعل عندما تم نقل رئيس دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي إلى دائرة مدنية بعد أن وجه نقدا لاذعا لتغول السلطة التنفيذية في احد أحكامه ، وأخيرا توسعت السلطة التنفيذية من تدخلها عن طريق التعليمات التي أصدرها السيد أمين العدل إلى القضاة بعدم شمول الأحكام الصادرة ضد شركات الدولة في القضايا العمالية بالنفاذ المعجل بالمخالفة لنصوص القانون استنادا إلى طلب هذه الشركات ولم يكن أمام جل القضاة بدا من الالتزام بهذه التعليمات خوفا من تعرضهم للعزل – النقل إلى إدارة القضايا أو إدارة المحاماة الشعبية.
ورغم كل هذا فإن القضاء في ليبيا وعلى رأسه المحكمة العليا وقف في مناسبات عديدة في وجه افتئات السلطة التنفيذية وصد تغولها بما تفضلت وأبقته له من صلاحيات وان لم تعدم وسيلة للالتفاف على أحكامه .
وأخيرا فإنني أتمنى صادقا إن يعيد مشروع قانون نظام القضاء الذي يدور الحديث عنه إلى القضاء استقلاله بجعله خاصا بالقضاء الجالس فقط ويعهد برئاسته وإدارة شئونه إلى القضاة فقط دون أي تدخل من السلطة التنفيذية



#الفيتوري_بن_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة والشيعة - الإصلاح الممكن
- الاصلاح المستحيل


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - الفيتوري بن يونس - استقلالية القضاء في الوطن العربي بين النظرية والواقع