أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - نقد التجربة التنظيمية الراهنة















المزيد.....



نقد التجربة التنظيمية الراهنة


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 725 - 2004 / 1 / 26 - 06:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مدخل
لاشك أن الحركة السياسية العربية شهدت أنواعاً من النقد، طالت تجاربها وممارساتها، أفكارها وبنيتها. ولقد اتسع هذا النقد في السنوات الماضية، بعد الهزيمة التي عاشتها الحركة، وشمل مجالات مختلفة خصوصاً مجال الفكر، و"العقل"، والتجارب السياسية. ونحن نقول ذلك، ونعرف طبيعة هذا النقد ومدى جديته، حيث كان الكثير منهن يهدف إلى التشهير بالقوى المختلفة، كل ضد خصومه، أو يتناول مجال الممارسات السياسية، مفصولة عن العمق النظري، أو الأساس الاقتصادي الاجتماعي، أو حتى يتناول قضايا شكلية، رغم أهمية النقد الفكري الذي انتشر في السنوات الأخيرة، والذي طال العقل أساساً.
لكن في كل هذا النقد، كان نقد التجارب التنظيمية محدوداً، خصوصاً فيما يتعلق بالبنية التنظيمية، وقضايا التنظيم عموماً. لهذا أراني محاولاً طرق هذا المجال، لقناعة بأن نقد التجارب التنظيمية في مستوياتها الفكرية – السياسية والتنظيمية، قضية هامة، لأنها ترتبط بمراقبة خبرات الحركة الثورية، من أجل الدفع بها خطوات واسعة إلى الأمام، وإذا كان من الضروري النقد الفكري السياسي (وهو هنا محدد، غير شامل، لأن المقصود هو نقد البنية التنظيمية)، من أجل الوصول إلى النقد التنظيمي، لأن التنظيم هو تجسيد الأيديولوجيا والسياسة (الخط الاستراتيجي للحزب) في الممارسة، وهنا يجب أن لا تفهم هذه القضية بشكل خاطئ، فالبنية التنظيمية، ليست ملحقة بالفكر والسياسة، ولا هي انعكاس عفوي للممارسة، بل هي عنصر الوحدة بين النظرية والممارسة، بين الحاضر والمستقبل.
ونقد التجربة التنظيمية العربية، يعني نقد التجربة التي خاضتها الأحزاب الشيوعية العربية من جهة، والأحزاب القومية الأخرى من جهة ثانية، وما جعلنا نتوسع في نقد تجربة الأحزاب الشيوعية العربية، دون غيرها، هو أنها تمتلك تجربة تنظيمية أكثر رقياً من كل الأحزاب الأخرى. والأهم هو هذا التناقض الواضح بين كون الماركسية، وهي النظرية الرسمية لهذه الأحزاب، هي "طريق الخلاص" لكل الثورات في البلدان المتخلفة، بل في البلدان المتقدمة، وبين عدم قدرة هذه الأحزاب على أن تسير هذا الطريق، وبالتالي فالافتراض الأساسي هنا، هو أن لا طريق غير هذا الطريق، رغم كل النقد الموجه إلى هذه الأحزاب، أو على ضوء هذا النقد.
ولابد أن نشير هنا إلى أن الأساس النظرية الذي بنت على ضوئه هذه الأحزاب تجربتها التنظيمية، وهو المفاهيم التي تبلورت في الاتحاد السوفياتي في الثلاثينات من هذا القرن، كنتاج لمخاض طويل، حيث استطاع ستالين أن يكمل هزيمة كل المجموعات المناهضة للينينية، كما أسماها، في المؤتمر السابع عشر . وبالتالي أن يكرس مجمل المفاهيم التي عكف على صياغتها منذ عام 1924، والتي بلورها في هذا المؤتمر، وتحديداً المفاهيم المتعلقة بقضية  التنظيم، والتي جاءت كتفسير لمفهوم المركزية الديمقراطية . ولقد جرى نقد صيغة التنظيم الستاليني في مكان آخر ، لهذا ترانا الآن معنيون بنقد التجربة العربية، ولكن باختصار، رغم الصعوبة التي يمكن أن تلمس، نتيجة غياب البحث التنظيمي لدى هذه الأحزاب، واقتصار الرؤية التنظيمية لدى معظمها على ما يحتويه النظام الداخلي من مفاهيم موجزة، وبعضها منقول، أو غير واضح.
أما تجربة  الأحزاب القومية، فقد جرى القفز عنها لغياب الأساس النظري في مجال التنظيم، رغم أهمية جانب فيها، هو الجانب المتعلق بطبيعة الحزب القومي، وعلاقة المركز بالأقطار.
إذن، ما سوف يأتي لاحقاً، هو محاولة للنقد تستهدف البحث في إشكالية من جوهر إشكاليات الحركة الثورية. ومن أجل بلورة رؤية علمية  تكون من أسس الاتحاد كل الثوريين العرب، الذي يعتبرون الماركسية دليل عمل لهم.
التجربة التنظيمية الراهنة
ما من شك أن تجربة الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي كبيرة ، وتمتد منذ عام 1919، عام نشوء الحزب الشيوعي الفلسطيني، إلى الوقت الراهن. لذلك فهي تجربة غنية، رغم أنها تجربة تضمر إشكالات كبيرة، ونقاط ضعف كبيرة، وأكثرها وضوحاً أن الأحزاب التي نشأت في فترة تأسيسها، أو بعد ذلك، استطاعت تحقيق انتصارات كبيرة، جعلها القوة الأساسية في المجتمع والسلطة ، أما هي فلا زالت في نفس المواقع (المعارضة)، مع تراجع دورها العملي. ترجعاً كبيراً، حيث انقسمت إلى أحزاب، وضعف دورها الجماهيري، وغدت قوى محدودة التأثير، إلى هذا الحد أو ذاك.
نحن لا شك أن الظروف الموضوعية  كانت مهيئة، عندنا وفي تلك الدول، فإذا كان انتصار تلك الأحزاب دليلاً على توفر ظروف موضوعية ملائمة، فإذا فشل الأحزاب الشيوعية عندنا، لا يعبر عن افتقاد الظروف الموضوعية الملائمة، لأن هذه الظروف هي التي فرضت أن تلعب الجيوش دوراً في عملية التغيير، وأن تنهض أحزاب قومية تأسست بعد عقدين من الزمن، لكي تحقق انتصارات عديدة، وتحدث تغييرات في بنية المجتمع العربي. لقد تهيأت ظروف ملائمة لتحقيق ثورات ديمقراطية، إبتسرت نتيجة غياب القوة الطليعية، القادرة على قيادة النضال الثوري إلى نتائجه المنطقية، وهي النتائج التي استطاعت الأحزاب في الصين وفيتنام تحقيقها، أي إنجاز الثورة الديمقراطية والتقدم على طريق الاشتراكية. لهذا فإن دراسة مكامن الضعف في هذه الأحزاب، هو الموقف المنطقي، فأسباب الضعف تكمن في الأحزاب ذاتها، في نهجها وبنيتها، وبرامجها، وتحديد الأسباب مهم، لأنه سوف يحدد معالم رؤية جديدة، توجه العمل الثوري في مرحلته القادمة. ولقد كان غياب النقد سبباً في تكرار التجربة، واستمرار الأحزاب في خطها الأساسي، دون تقدم أو تطور. والنقد مهم رغم الإشكالات التي سوف يثيرها، بسبب الجمود النظري والتعصب التنظيمي، لأن تحديد خط ثوري لا يقوم إلا على أنقاض خط إصلاحي جامد (دوغمائي) ساد لفترة طويلة.
وإذا كان الهدف في هذه الدراسة، يتقوم في نقد التجربة التنظيمية، فإننا نجد أن قضايا عديدة بحاجة إلى نقد، بسبب من ارتباط القضية التنظيمية ، بقضايا الفكر والسياسة. رغم ذلك سوف نقصر النقد في الجوانب اللصيقة بقضية التنظيم، التي تتعلق بالأيديولوجيا، وطبيعة الثورة، ودور الحزب. أما قضية التنظيم كقضية مستقلة، فهي قضية "خيالية" ليس من الممكن وجودها، ما دام التنظيم يعبّر عن شيء، هو الدور التاريخي الذي يؤديه دور توحيد الطليعة الثورية، وإيجاد لحمتها القوية، وفي نفس الوقت اتحادها مع الجماهير الشعبية، وهذا يعني أن الحزب بنية دان حيوية، تؤثر وتتأثر، وليست شيئاً حيادياً، أو جامداً. أما المسائل التقنية في قضية التنظيم، فملحقة بالرؤية التي تأسس لكي يحققها.
نقد المنهج :
ليس المنهج  قضية عابرة، لا هو قضية "مدرسية"ن بل هو أساس العمل النظري، لأنه طريقه في التحليل والتركيب، يتوقف عليها كل العمل الثوري، والماركسية هي أساساً منهج، هو المنهج المادي الجدلي، تأسست على ضوئه النظرية الماركسية في تحليل المجتمع الرأسمالي ، ونظرية الثورة في روسيا. ويرفض هذا المنهج الجمود والتحجر، يرفض النقل والتقديس، لأنه ضد كل لاهوت وضد كل جبرية أو حتمية. كما يرفض تحويل الأفكار اللينينية إلى أفكار مطلقة. ومنطلقه الأساسي في ذلك، أن الأفكار نسبية والحقيقية نسبية أيضاً. أي إنها صحيحة في زمان ومكان محددين. كما تعتمد التحليل الملموس للواقع الملموس، وهذا يعني رفض الأفكار المسبقة، ويعني الإحاطة بالظروف العامة في الزمان والمكان المحددين.
ولقد كان "إسقاط" المنهج، والتعلق بالأفكار المسبقة، سب في اتّسام هذه الأحزاب بسمات مثالية، حيث ساد منطق الشعارات والجمود أيديولوجياً، والإصلاحية والتذبذب سياسياً، و"التخلف" و"السلفية" عملياً (الثورية الساسوية والمحافظة الأيديولوجية والاجتماعية وبالتالي الهشاشة التنظيمية). وقاد ذلك إلى ترداد القضايا العامة، التي جاءت بها الماركسية في زمان وظروف مختلفة، كما قاد إلى فشلها في تحديد البرنامج السياسي الذي يطرح الأهداف العامة للنضال في الوطن العربي، والتي تعبر عن مطامح الجماهير الشعبية وتطلعاتها. لهذا لم تستطع صنع عملية التغيير الثوري الجذرية، التي هي هدفها الأساسي، حتى حينما كان بعضها يمتلك قدراً من القوة. ولكي نؤكد ذلك نورد مقداً للحزب الشيوعي، اللبناني، أقرّه في مؤتمره الثاني المعقود في عام 1968، حول المسألة الزراعية، يؤكد فيه منطلق النقل دون دراسة، أو معرفة بالظروف الواقعية، فهو يقول "ويمكن القول إننا اكتفينا في تلك الفترة (أي فترة ما بين المؤتمرين الأول والثاني) بنقل الأفكار والتحليلات العامة الكلاسيكية التي أتت بها الماركسية اللينينية في القضية الزراعية، دون أي جهد خاص لفهم أوضاع الريف في بلادنا نفسها بصورة ملموسة، ولهذا السبب ولدت – خطتنا – في القضية الزراعية مشلولة منذ البداية. وقد كان الانحراف اليساري في الخطة العامة، هو في الواقع، في أساس اختيار شعار – الأرض للفلاحين – بوصفه الشعار الأقصى والأكثر يسارية وحسب" .
كان يعتبر الحزب أن طبيعة التثقيف التي كانت سائدة، قادت إلى سيادة منطق الحفظ، وبالتالي إلى الجمود النظري، فهو يقول "ولكن العمل التثقيفي، بصورة عامة، كان يتسم بصفة – الأكاديمية – إن صح القول، فقد اقتصر فقط على دراسة بعض المواد المقتبسة من المؤلفات الكلاسيكية، ومن كتاب "موجز تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي"، وكان يجري تدريسها بصورة جامدة، دون المقارنة  مع ظروف بلادنا، إن من حيث التشابه أو الاختلاف، وكان الهم الرئيسي هو تسهيل حفظها وتردادها حرفاً حرفاً، أو فكرة فكرة، كما وردت في النصوص .
وكان الحزب الشيوعي السوفياتي قد وجه نقداً للجمود النظري، في المرحلة الستالينية، بعد موت ستالين. ولقد ورد في تقرير نيكيتا خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب المنعقد عام 1956، نقد واضح لطبيعة العمل الأيديولوجي في الحزب، لأن الذين يقومون بهذا العمل "إنما يقومون بعمل تجريدي منفصل عم النضال من أجل تأدية المهمات العلمية الموضوعية" وهو "يهتمون بالنزعة التبسيطية والنزعة العملية الضيقة، وبالتقليل – كما يزعمون – من أهمية النظرية" .
وتم إرجاع سبب ذلك إلى فردية ستالين الذي أشاع فكرة "أن شخصاً بمفرده… بإمكانه وحده أن يصوغ النظرية ويطورها إلى أمام. وهكذا كانت كل كلمة يطلقها ستالين تصبح اكتشافاً علمياً، أو قمة الماركسة، أو حقيقة لا جدال فيها. في حين كان نشاط الكثيرين من المشتغلين في ميدان العلم، ومن أساتذة العلوم الاجتماعية، يقتصر على تعميم الأفكار الصادرة عن ستالين" . قاد ذلك إلى "انتشار التحجر والجمود في البحث العلمي على نطاق واسع، وغلى إشاعة عادة اللجوء إلى الاستشهاد بكتابات ستالين وأقواله. وظهر في ميدان العلم أناس لا مبالون وعديمو المبادرة، لا يعرفون ولا يريدون أن يفكروا تفكيراً شخصياً مستقلاً، ولا يعلمون إلا في نطاق الحدود – المقررة – ساعين إلى إخفاء عقمهم العلمي بالتستر وراء هيبة غيرهم" .
رغم أن هذا النقد لم يثمر تغيراً جذرياً في رؤية هذه الأحزاب، وإن كان أحدث تغيراً معيناً، إلا أنه نقد صحيح. فالمشكلة في "النقل"، وترداد الجمل. النقل عن فرد أو عن تراث. وهو لن يقود سوى إلى التقديس، تقديس الفرد، وتقديس التراث، أي تحويله إلى لاهوت جديد. ويقود واقعياً إلى تحكم الطفولة اليسارية نظرياً، والإصلاحية عملياً، حيث قاد "النقل" إلى تبني الأطروحات والأفكار الأكثر يسارية في مجتمع مختلف، لم يبلغ الثورة البرجوازية بعد، ولم يهزم الأيديولوجيا الاهوتية، ولا أكد حقوق المواطنة. أهم هذه الأطروحات "اليسارية"، شعار "ديكتاتورية البروليتاريا". وكان يعني ذلك، إبدال الظروف الواقعية، بأفكار "نظرية"، أو "مركبات ذهنية"، أو "الروح المطلقة" . حيث يطرح خطأ سياسياً "دون اعتبار لإمكان توافقه مع الظروف الموضوعية السائدة في البلاد، ودون حساب النتائج التي قد يولدها بالنسبة للحزب من حيث تعقيد ظروف نضاله دون سبب مبرر، ومن ثم الإصرار على هذا الخط، لا يمكن أن يكون إلا ثمرة عقلية بيروقراطية" .
كما قاد منطق "النقل" إلى التغرّب، فما طرحته الماركسية، يتعلق بظروف أوروبا أواسط ونهاية القرن التاسع عشر، وروسيا أوائل القرن العشرين وإن كانت ناقشت الظروف العالمية في حينها، لكن ضمن تصور عام، يطرح القضايا الأكثر عمومية وأساسية. يؤكد لينين أن الماركسية "تدعي فقط تفسير  التنظيم الرأسمالي للمجتمع وحده، دون غيره من التنظيمات" . كما يؤكد "أن الخطوة الجبارة التي خطاها ماركس إلى الأمام.. إنما تقومت على وجه الضبط في كونه نبذ كل هذه المحاكمات حول المجتمع والتقدم بوجه عام، وأعطى تحليلاً – علمياً – لمجتمع معين وتقدم معين، هما المجتمع الرأسمالي، والتقدم الرأسمالي" . لذلك كان "النقل" تغرباَ، أما ظروفنا الواقعية، فقد ظلت لغزاً، لم تحاول هذه الأحزاب حلّه.
وقادت أيضاً إلى السلفية، فالتمسك بالماضي مهما كان قيّماً، يعبر عن نزعة سلفية، لأن الماضي تراث دائماً، والتراث تجارب خاضعة للدراية والفهم، وغير قابلة للنقل، والتمثل في الحاضر، أو جعلها صورة المستقبل. ولقد قاد "النقل" إلى الإصلاحية عملياً، لأن الترداد وتبني الشعارات، دون تحليل للظروف الواقعية، يقود إلى "الاندماج" في أحسن الأحوال بحركة الجماهير العفوية، وبالتالي تبني مطالبها واقعياً، وهي مطالب إصلاحية.
يؤشر كل ذلك إلى غياب الوعي، لأن منطق التحليل يحتاج إلى الوعي، والوعي العلمي تحديداً. أمت "النقل" و"الترداد" و"منطق الشعارات"، فلا يحتاج سوى إلى الحفظ، وهذا ما يبينه نقد الحزب الشيوعي اللبناني سابق الذكر. والحفظ لا يؤدي إلى تحديد الاستراتيجية الثورية تحديداً صحيحاً، مما يفقد العملية الثورية ركناً من أهم أركانها. 
الحركة التاريخية :
إن عدم معرفة الواقع، وإبداله – بـ"أفكار نظرية"، يقود إلى انفصام بين هذا الواقع وتلك الأفكار، لتظهر ككاريكاتور. وإذا كان الحزب، هو المعبر عن مصالح طبقة، فإن تبني "فكرة نظرية مجردة" يقود  إلى "اختراع" المرادف "الواقعي" لها. لقد أعلن ماركس أن الحزب الشيوعي، يعبر عن مصلحة الطبقة العاملة، في مجتمع أوروبا الرأسمالية المصنعة. وأعلن لينين أن الحزب الشيوعي يعبر عن تحالف العمال والفلاحين، في مجتمع رأسمالي متخلف. فمن يعبر عن الحزب عندنا ؟ عن طبقة بعينها أم عن الأمة كلها  ؟
لقد أصرت هذه الأحزاب على أنها تمثل طبقة بعينها، هي الطبقة العاملة. ولذلك ركزت نضالها على القضايا "الطبقية"، وتجاهلت القضايا السياسية الأساسية. جعلها هذا المنطق أقرب إلى "الاقتصادية"، منها إلى الأحزاب الثورية، فالقضية في كل البلدان المتخلفة في قضية الوطن كله، وليست قضية طبقة فيه فحسب، والنضال الثوري هو النضال السياسي دائماً، وليس النضال المطلبي فقط . وقادت هذه الرؤية إلى بروز إشكالين، الأول : أن هذه الأحزاب، نتيجة إسقاطها أهداف النضال السياسية، وأولها هدف الوحدة، اتجهت لأن تكون أحزاباً قطرية، تتحكم في مواقفها الرؤية "الطبقية" القطرية. والثاني: أنها، ونتيجة تمسكها بمقولة "الطبقة العاملة"، اعتبرت أن هدفها هو الدفاع عن هذه الطبقة، وأنها الممثلة الشرعية لها، في ظروف تمثل الطبقة العاملة فيهان نسبة ليست كبيرة (تبلغ في أكثر البلدان العربية "تطوراً"، نسبة ربع السكان تقريباً). وهي، وبسبب هذا الموقف، تجاهلت دور الفلاحين والبرجوازية الصغيرة، ولم تعتبر أنها ممثلة حركة الأمة التاريخية، أي حركة طبقاتها المسحوقة (العمال، الفلاحين الفقراء، البرجوازية الصغيرة الثورية)، مما منعها من أن تصبح القوة الأساسية في المجتمع، وتكون بالتالي قادرة على تحقيق التغيير الثوري . وكان سبب ذلك، أنها اقتبست، والماركسية (ما طرحه ماركس وإنجلز خصوصاً) تؤكد الطبقة العاملة وعلى دورها الثوري، وعلى أن الحزب الشيوعي هو ممثلها، الساعي إلى تنظيمها "في طبقة" . ورغم أن لينين تجاوز ذلك فينما يتعلق بظروف روسيا، فاعتبر أن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، يقوم على أساس تحالف العمال والفلاحين ، إلا أن انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا، الذي اقتضى في نظر المنظرين الماركسيين الروس، الاهتمام المتزايد بالطبقة العاملة، "محققة" الاشتراكية، وقائدة الدولة والمجتمع، إن كل ذلك أدى إلى تتبع الأحزاب الشيوعية العربية، نفس الطريق، فتؤكد على أهمية دور الطبقة العاملة، وعلى أن الحزب هو ممثلها، وهي في ذلك لم تحلل الظروف الموضوعية عندنا، هذه الظروف التي كانت تظهر ثلاث قضايا أساسية، وهي :
1- أن الطبقة العاملة قليلة العدد، ضعيفة التجربة، ومحدودة الوعي، بسبب من ظروف التطور "الرأسمالي" المشوّه، الذي كان ينتج بروليتاريا قليلة نسبة لعدد الطبقة العاملة ذاتها، وعمال خدمات كثر.
2- أن للفلاحين دوراً أساسياً في الثورة، لان الريف هو القوة الاجتماعية الكبيرة والمتماسكة، ومصدر الإنتاج، ويعيش حالة من الصراع الطبقي واضحة. وهذا الوضع الذي ساد إلى وقت قريب، كان يجعل الريف مركز الثورة، والفلاحين قوّتها الأساسية.
3- أن للمدينة دوراً نتيجة أنها تحوي القوى الصاعدة، خصوصاً بعد توسع المدن، وتمركز قسم هام من السكان فيها. وفي المدينة، إضافة للطبقة العاملة، فئات من البرجوازية الصغيرة تلعب دوراً ثورياً (المثقفون والطلاب، الموظفون الصغار…).
لهذا انعزلت هذه الأحزاب، نتيجة أنها لم تتبنى أهداف الأمة كلها، في مرحلة يعتبر النضال القومي، أهم سمة من سمات النضال فيها. لذلك التفت الطبقات الشعبية (ومنها الطبقة العاملة)، والطامحة إلى الوحدة والتحرر والتقدم الاقتصادي، حول القوى القومية، هذه القوى التي أصبحت قيادة النضال العربي لأكثر من عقدين من الزمان. إن الظروف العامة التي يعيشها الوطن العربي، تفرض تبني الأهداف العامة للأمة، وميزة  الأحزاب الأكثر جذرية، هي تبنيها، إضافة لأهداف الأمة العامة، أهداف الطبقة الأكثر سحقاً، أي الطبقة العاملة، إضافة إلى الفلاحين الفقراء، الذين يلتقون مع مطامح الطبقة العاملة في إقامة الاشتراكية. فالقضية عندنا هي ليست قضية استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، بإلغاء سيطرة البرجوازية وسيادتها، بل إن ما ينقصنا هو تحقيق الثورة الديمقراطية، وهنا يتداخل النضال الطبقي مع النضال القومي الديمقراطي، فلا طبقة عاملة قوية ومؤثرة، إذا لم تتطور الصناعة ولا مجتمع مدني دون تحقيق الوحدة القومية، وإقرار حقوق المواطنة. وهذه أهداف لا يتحقق التقدم إلا بتحقيقها، ولا تقوم الاشتراكية إلا بعد إنجازها. والنضال المطلبي خاضع لكل ذلك، وهو جزء منه، غير منفصل عنه. وأي فصل يقود إلى شكل نم أشكال النضال "الاقتصادي"، الذي لا يقود إلى تحقيق أهداف الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء.
إذن، يجب أن يمثل الحزب أهداف الأمة في مرحلتها القومية الديمقراطية، وأن يعبر عن أهداف الجماهير الشعبية، وأن يمثل طليعة هذه الجماهير، وبذلك يستطيع أن يلعب دور الطليعة في المجتمع، وأن ينتصر.
الثورة الديمقراطية :
إذا كنا تحدثنا في الفقرة السابقة عن الثورة الديمقراطية، وعدم مقدرة هذه الأحزاب على تحليلها، لابد وأن نؤكد أنها، رغم تبنيها مقولة "الطبقة العاملة"، لم تتبنى مفهوم الثورة الاشتراكية، وإن كانت لم تتبنى مفهوم الثورة الديمقراطية، كما توضح سابقاً، فقد رفعت شعار الاستقلال، ثم مرحلة التحرر الوطني، وبدأت تطرح في المرحلة الأخيرة شعار "الثورة الوطنية الديمقراطية". وبالتالي إضافة إلى الرؤية القطرية للثورة، أو الاستقلال. فقد اتبعت هذه الأحزاب سياسة تقوم على أساس قيادة البرجوازية – إلى عام 70 على وجه التقريب – للثورة، ثم على أساس قيادة البرجوازية الصغيرة لها. وكان مفهومها للثورة بداية أنها ثورة ديمقراطية برجوازية، ثم تبنت مفهوم طريق التطور اللارأسمالي ، الذي غدا يعني البلدان السائرة في طريق الاشتراكية، دون مرورها في المرحلة الرأسمالية.  
لقد اعتبرت أن المرحلة الديمقراطية التي يمر بها القطر، مرحلة ممهدة للاشتراكية، وهذا صحيح تماماً، لكنها رأت أن البرجوازية، ثم البرجوازية الصغيرة هي التي تحققها، وليست هي. وبالتالي فإن مهمتها الجوهرية تتقوم في دعم خطوات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة ، انتظاراً لتهيؤ ظروف الانتقال إلى الاشتراكية. ولاشك أن الرؤية المطلبية، تقود إلى هذه النتيجة، كما قادتها إلى أن لا تعتبر أن لها دوراً قيادياً طليعياً في الثورة، لأن البرجوازية هي التي تحقق الأهداف الديمقراطية، ولأن البرجوازية الصغيرة تهيئ الظروف لانتقال إلى الاشتراكية. ولهذا قبلت أن تلعب دور "الملحق" و"التابع" للبرجوازية، ثم لبرجوازية الصغيرة، فتقبل بقيادتها، وتنسجم مع توجهاتها، كما تتحاشى نقدها.. إن الخلل الأيديولوجي، يؤدي إلى هذه النتيجة، لاشك في ذلك، لأنه جعلها غير قادرة على فهم الواقع وتحليله تحليلاً ملموساً. هذا التحليل الذي كان يشير إلى فشل أحزاب البرجوازية، ثم أحزاب البرجوازية الصغيرة، في تحقيق عملية التغيير المطلوبة، حتى بأفقها الإصلاحي، لأسباب تتعلق بطبيعة الظروف العالمية الراهنة، وانعكاساتها على البلدان المتخلفة خصوصاً نظام التبعية الذي تفرضه الإمبريالية على هذه البلدان، هذا النظام الذي يجعل إمكانيات التطور البرجوازي مستحيلة، بل إنه يؤدي إلى نشوء برجوازية تابعة، تخضع للسياسات الإمبريالية العامة. كما يجعل إمكانيات تحول البرجوازية الصغيرة إلى الاشتراكية ، مستحيلة، بل إنه يجتذب أقساماً منها، ليعيد دمجها فيه. لهذا اندمجت الفئات البرجوازية، التي قادت النضال العربي – القطري – طيلة عشرينات وثلاثينات، وأربعينات هذا القرن، في السوق الرأسمالي، وعملت كوسيط للشركات الإمبريالية، وبالتالي كأداة سياسية لها. مما جعلها تتبع سياسة اقتصادية، تقوم على أساس الاستيراد، وتوجيه رأس المال المحلي في القطاع العقاري، أو الصناعي الملحق بالصناعات الرأسمالية العالمية. أما البرجوازية الصغيرة التي حاولت بداية، تطوير المجتمع برجوازياً، من خلال دور الدولة المركزي، طورت "أجهزة الدولة"، و "القطاع العام". فئة طفيلية فيها، ما لبثت أن مثلت كمبرا دوراً جديداً.
إنها كذلك، حددت دورها في أن تكون، ليس قيادة النضال من أجل التغيير الثوري، الذي يهزم الفئات الحاكمة، ليكرس خطأ اقتصادياً سياسياً، يحقق مصالح الجماهير الشعبية، بل إنها تلعب دوراُ "ترشيدياً"، يهدف إلى إجراء بعض الإصلاحات الديمقراطية، وتحقيق بعض القضايا المطلبية. وهذا دور متواضع، نسبة إلى حجم الإشكالات التي يعيشها الوطن العربي، وتغوص فيها جماهيره، إضافة إلى أنه لا يقود إلى تجاوز المشكلات الأساسية هذه، خصوصاً مشكلات التخلف والتبعية، وبالتالي مشكلة فقر الجماهير وتأخر وعيها، وأيضاً مشكلات الأمة العميقة.
وهذا الدور، هو الدور الذي قرره المناشفة، منذ عام 1903، انطلاقاً من أن ظروف روسيا القيصرية، بداية الفرن العشرين، لا تسمح بتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا، والمطلوب هو تحقيق الثورة الديمقراطية البرجوازية، وعلى البرجوازية أن تلعب الدور القيادي في هذه الثورة، بهدف القضاء على القيصر، وإشاعة الديمقراطية، وفتح آفاق التطور الاقتصادي، الذي سوف يؤدي، وبالضرورة، إلى خلق طبقة عاملة قوية، كبيرة العدد، تصبح لها الغلبة العددية، مما يهيئها لتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا. "إن صيغة مارتون للمادة الأولى (من النظام الداخلي)، وخطب مناصريه، تعكس آراءهم حول مسألة البرنامج السياسي – مسألة ديكتاتورية البروليتاريا. فانتصار ديكتاتورية البروليتاريا بالنسبة لهم مسألة تتعلق بالمستقبل البعيد. فقد اعتبروا، شأن انتهازيي الغرب، أن من واجب البروليتاريا الكف عن النضال من أجل السلطة، حتى تؤلف أكثرية السكان في بلادها. وقال تروتسكي في المؤتمر إن النصر لن يصبح ممكناً، إلا إذا غدت الطبقة العاملة تضم – غالبية الأمة -، ولهذا لم يشعروا بالحاجة إلى حزب ثوري مجاهد، من دونه لا يمكن أن تحقق زعامة الطبقة العاملة، لا انتصار ديكتاتورية البروليتاريا…" ز وبالتالي لم تكن القضية هي قضية ديكتاتورية البروليتاريا، يل قيادة الحزب الشيوعي للثورة الديمقراطية، التي بدونها لا يمكن تحقيق هذه الثورة.
وكانت هذه الإشكالية النظرية، تؤدي إلى إشكالين عمليين، هما :
(1) غياب الدور الطليعي القيادي لهذه الأحزاب، لأن البرجوازية، ثم البرجوازية الصغيرة، هي قائدة هذه المرحلة.
(2) تحوّل هذه الأحزاب، إلى ملحق بأحزاب البرجوازية، والبرجوازية الصغيرة الحاكمة، مهمتها نقد سياستها جزئياً، والسعي لتحقيق بعض الإصلاحات الديمقراطية.
إن الظروف الواقعية، بالنسبة لهذه الأحزاب، لم تكن مؤاتية لتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا، وهذا صحيح، لكنها كانت ترى، كتكرار للتجربة الأوروبية، أن البرجوازية هي التي سوف تحقق المرحلة الديمقراطية، لتوجد طبقة عاملة كبيرة، تلعب دوراً سليماً في تحقيق الثورة الاشتراكية. أما هي فمهمتها التهيئة لمرحلة قادمة، والدفاع عن الطبقة العاملة الجنينية، ومحاولة تحقيق أهدافها المطلبية. ثم أصبح دورها التحالف مع أحزاب البرجوازية الصغيرة الحاكمة، لبناء الاشتراكية، مادام الصراع مع الإمبريالية، يدفع البرجوازية الصغيرة، شيئاً فشيئاً لاتباع طريق التطور اللارأسمالي، الموصل إلى الاشتراكية. كما شهدت السنوات القليلة الماضية، تطوراً آخر، أدى إلى أن تتبنى العديد من هذه الأحزاب، قضية دور الطبقة العاملة القيادي، وطرحته كحل لأزمة مستعصية، تعيشها "حركة التحرر الوطني العربية". فقد اعتبرت أن غياب دور الطبقة العاملة القيادي، كان سبباً في بروز الأزمة، وتفاقمها. لكن جاء هذا الطرح، دون الإجابة على سؤال، يتعلق بسب عجز الطبقة العاملة، و"أحزابها" الشيوعية. في الماضي، وعد قدرتها على أن تلعب دوراً قيادياً ؟ مما يجعل هذا الطرح، رغم تلمسه طريقاً جديداً، قاصراً، ولا يطرح تصوراً جديداً. فما هي طبيعة الثورة ؟ ما هو دور الطبقات فيها ؟ وما هو دور الحزب الشيوعي ؟     
نقد التنظيم :
كان الجمود النظر، وغياب المنهج المادي الجدلي ، أحد أهم الأسباب في الإشكالية التي عاشتها هذه الأحزاب، من منطلق أن أهمية رؤية الطبقة العاملة الأساسية، أنها تسمح بفهم الواقع، فهماً علمياً، بالتالي تقود إلى وضع الاستراتيجية الثورية، القادرة على إحداث تغيير جذري فيه، في حال توفر القوة التنظيمية القادرة على تمثّل هذه الاستراتيجية، وعلى الارتباط بحركة الجماهير العفوية. لذلك، فإن الخلل الإيديولوجي يؤدي إلى خلل تنظيمي، كما أدى إلى خلل سياسي، في مجال الأهداف العامة، وفي مجال دور هذه الأحزاب في إطار الثورة، لتحقيق هذه الأهداف.
فقد قاد الجمود النظري، إلى تكوين بنية تنظيمية، ذات سمات محددة، هي سمات "التنظيم الستاليني". ولا غرو في ذلك، فقد عمدت هذه الأحزاب، إلى نقل التجربة الروسية (في مرحلتها الستالينية). في مجال التنظيم، لتكون تجربتها "الخاصة" . وقامت على أساس قيادة فرد أو مجموعة أفراد، وليس على أساس وحدة التنظيم وديمقراطيته. فكانت الهيئة القيادية العليا (المكتب السياسي)، وغالباً فرد فيها (الأمين العام)، هي التي تقرر سياسة الحزب، وتقرر في كل ما يخصه من قضايا، بغض النظر عن أهميتها، وهن مسؤولية هذه الهيئة (أو هذا الفرد) عنها. مما حول القاعدة التنظيمية إلى تابع، متلقٍ، تنتظر القرارات، والأوامر لكي تنفذ، دون أن يحق لها المناقشة، أو الاعتراض، أو التحفظ. فقد تحوّلت البنية الحزبية، والحياة الداخلية، إلى بنية من نمط واحد، وحياة من جانب واحد. تقوم على أساس حق أقلية في تقرير مصير الحزب، و"حق" أغلبية في التنفيذ. فسقطت المساواة بين الأعضاء، هذه المساواة المستمدّة من مبدأ "الاختيار الحر" في الانتماء للحزب وغاب التفاعل والحوار، والمناقشة، والصراع الديمقراطي، كما ألغي النقد والانتقاد الذاتي، وانتهى حق الانتخاب والترشيح – خارج إطار رضى القيادة وموافقتها -، وأصبحت المؤتمرات، رغم أنها كانت نادرة الحدوث، مجال إعلان تأييد القاعدة لسياسات القيادة، وتكريساً لشرعيتها. بعد أن يكون قد جرى "اختيار" أعضائها، وإقرار مشركتهم فيها، من قبل القيادة ذاتها. وهذا هو السبب الذي يفسّر ثبات القادة، رغم تبدّل المواقف، وتناقضها.
وإذا كانت هذه الصيغة، قد تبلورت زمن ستالين، واتخذت أبعادها المختلفة، فقد وجّه لها بعض النقد بعد موته، إلا أنها غدت "القالب" الذي تلتزم به كل الأحزاب. وبدأ النقد منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، حيث جرى تشديده ضد "الظاهرة الستالينية"، ولقد أوضح النقد المدى الذي وصل إليه وضع الحزب في "المرحلة الستالينية"، المرحلة التي هيمن فيها ستالين على مقاليد السلطة، "في تلك الفترة (وتحديداً فترة التصفيات 1936-1939) على وجه الدقة بُدئ بخرق القواعد اللينينية في حياة الحزب الداخلية، وصارت تداس أكثر فأكثر بالأقدام، وطغت الأساليب الإدارية البحتة، واستعصر شأن مبادرة الجماهير، فشهدنا من جراء ذلك، في أجهزة الحزب، ومجالس السوفيات، ظهور عناصر وصولية لا شرف لها ولا استقامة، حاولت أن تضمن لنفسها المناصب باستخدام سيف القمع ضد الملاكات المخلصة للاشتراكية في الحزب وفي مجالس السوفيات، وفي دوائر الاقتصاد وفي الجيش والأسطول" . وكذلك "ازدهار بدعة تقديس الفرد، وخرق الديمقراطية الداخلية في الحزب" .
كما وجه الحزب الشيوعي اللبناني نقداً لظاهرة البيروقراطية، وعبادة الشخصية، التي يفرز كل منها مظاهرة عديدة. فالبيروقراطية، تبرز الانفصال بين الخط السياسي والعمل التنظيمي التنفيذي، والانحراف اليساري، و "إصدار – الأوامر – و – التوجيهات"، وهو ما "أصبح الأسلوب السائد في تسيير أعمال الحزب ونشاطه" . وعبادة الشخصية التي هي "خرق لمبدأ من المبادئ اللينينية الأساسية، وهو مبدأ القيادة الجماعية، وتعبر من جهة أخرى، عن مستوى غير كافٍ من النضوج السياسي والنظري لدى كادر الحزب، التي تقلبت هذه الظاهرة الغريبة عن المبادئ اللينينية، وسمحت باستمرارها".
أما مظاهرها فهي خرق الشرعية بصورة متمادية "فالهيئات القيادية المسؤولة (المكتب السياسي واللجنة المركزية) كانت في حالة تغيير وتبديل مستمرة، وفق إرادة فردية"، و"أبعدت اللجنة المركزية عن الاضطلاع بواجباتها ومسؤولياتها شيئاً فشيئاً وبصورة اعتباطية"، كما برز "اتجاه آخر خطير، هو عدم إمكان ربط المنطقيات بالمركز عن طريق العلاقة بين هيئة وهيئة، واستبدال هذه العلاقة الصحيحة بعلاقة بين فرد وفرد" . كما برز أسلوب التقييم الذاتي في اختبار الكادر، مما كان يحوله إلى "عنصر تنفيذي عادي، لا إلى قائد فعلي للجماهير"، و"تجديد اللجنة المركزية عن طريق الضم، حيث كان يزعم أن عقد المؤتمر متعذر" .
ورغم أن هذه الأحزاب ، أكدت في كل أدبياتها أنها تتبنى مبدأ "المركزية الديمقراطية". إلا أنها تبنته وفق "التفسير" الذي حدده ستالين في عام 1934 ، هذا التفسير الذي يجعل المكتب السياسي (وتحديداً الأمين العام) الهيئة القيادية الوحيدة، صاحبة القرار، وتصيح الهيئات الأخرى مكملة لها، يقوم دورها على تأكيد شرعية المكتب السياسي والأمين العام. كما تصبح مبادئ الالتزام والانضباط هي المبادئ "الوحيدة" السائدة في الحياة الداخلية، مما يمركز القرار في الهيئة الأعلى، لتلعب الهيئات واللجان والخلايا الأخرى (بما فيها المؤتمر) دور "أداة التنفيذ". ويأتي موقع الديمقراطية الحزبية هامشياً ثانوياً ضمن هذه الصيغة، ويكون دورها تغطية الأساليب التي تتبعها القيادة لتمرير قراراتها، وتصوراتها. فيصبح الحزب، جهاز تنفيذي، من واجبه تنفيذ كل قرارات السلطة، ونقد الحزب الشيوعي السوفياتي، والحزب الشيوعي اللبناني، يوضحان مظاهر هذه الصيغة وانعكاساتها العملية. حيث يصبح الأمين العام هو "الفرد – الإله"، المقرر في كل شيء، والمفكر العظيم، والبطل الذي "يجترح المعجزات" . فلا تعود هناك حاجة للحوارات الداخلية، أو المؤتمرات، ويصبح مبدأ "تعيين القادة" هو المبدأ السائد والمعترف به، دون إقرار رسمي. أو يجر اتباع "الطريق الديمقراطي". الذي يعني تعيين القادة، عن طريق "انتخابهم"، أي الإقرار المسبق لأسماء القادة الذين "يجب" أن تنجحهم "الانتخابات الديمقراطية".
وتعود هذه الصيغة إلى إشكاليات كبيرة، منها انضمام نوعية محددة من الأعضاء، فإذا تحدث خروشوف عن "عناصر وصولية"، سيطرت وتزعمت، وفرضت القمع لكي تضمن مواقعها، فإن النتيجة في بلد لم يصل الحزب الشيوعي فيه إلى السلطة، تكون انضمام عناصر ذات وعي محدود، و"مطواعة". تقبل أن تلعب دوراً تنفيذياً، مما لا يجعلها هذا الوضع قائداً فعلياً للجماهير، كما يقول نقد الحزب الشيوعي اللبناني الآنف الذكر. وبهذا لا يعود الحزب الطليعة القادرة على الجماهير، وبالتالي على تحقيق التغيير المطلوب. إن غياب الديمقراطية الداخلية، يجعل الفئات الأكثر وعياً، ومبادرة، في تناقض مع الأجهزة التنظيمية، أي مع المنطق التنظيمي السائد، ومع القيادة الماسكة زمام الأمور، ليفقد الحزب، الفئة التي يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في الحياة الحزبية، وفي النضال الثوري، وتبقى العناصر العفوية، غير المبادرة. كما تظهر إشكالية أخرى تتمثل في تكون "تكتلات" غير سياسية، شخصية أو عائلية أو "قبلية" أو حتى طائفية، يكون سبب وجودها الصراع على مواقع القرار بين أفراد عديدين. وتقود هذه الحالة إلى الانشقاق، وتفتت هذه الأحزاب، وهذا ما جرى خلال العشر سنوات الماضية، على وجه التحديد ، في الأحزاب الشيوعية العربية. إن "القائد – الإله" بحاجة إلى كتلة، متعصبة له، تلتزم بما يقرر، وبهذه الطريقة يتصارع "القادة – الآلهة" فيما بينهم، حيث يتحول الحزب، إلى قبائل متحاربة.
إن المتابع لنشاط هذه الأحزاب، والدارس لطبيعة حياتها الداخلية، يلاحظ سيادة منطق "الالتزام والانضباط"، و"التنفيذ"، في عملها. كما يلاحظ غياب قضايا أساسية، كان التشديد على سيادة هذا المنطق، يعني إلغاءها وتحريمها. ومنها مثلاً انتظام المؤتمرات، أو حتى انعقادها – ولقد أشار نقد الحزب الشيوعي اللبناني سالف الذكر لهذه الظاهرة، وهي ظاهرة سائدة لدى كل الأحزاب الشيوعية – أو منها أيضاً غياب الحوار الداخلي، ولا نقول الحوار العلني، وهي الظاهرة التي ميزت الحزب البلشفي، وكانت علامة من علاماته، بل إنها كانت وجه العملية الآخر، لمنطق الالتزام والانضباط، ومركزية العمل.
إن افتقاد الديمقراطية الداخلية، وغياب الحوار والنقد النقاش، والصراع النظري، أدى وبالضرورة إلى افتقاد الوعي لدى الأعضاء عموماً، وكانت كل العوامل السابقة تساعد على سيادة هذه الظاهرة. فالجمود النظري، لا يقود سوى إلى التخلف الفكري، وافتقاد الوعي النظري الملائم، لحزب طليعي، لأنه يقوم على أسا الفهم والتحليل. والنقل وترداد الشعارات لا ينميان الوعي بل يكرسان التخلف في هذا الميدان، خصوصاً أن غياب الديمقراطية الداخلية، يدعم هذه العوامل، ويوجد الأرضية الملائمة لاستمرارها.
نتيجة عامة
تقييم عام :
إن كل ما جاء سابقاً يجعلنا نقول إن معظم الأحزاب الشيوعية العربية، عانت من إشكاليات عديدة، اتخذت مظاهر محددة، فهي تعاني من الجمود النظري على صعيد الأيديولوجيا، وتتسم بترداد الشعارات العامة على الصعيد السياسي. وهي مترددة ومهادنة وإصلاحية عملياً. و"بيروقراطية" وغير ديمقراطية على صعيد البنية التنظيمية. لذلك ظلت، رغم تاريخها الطويل أبطالاً في السجون إصلاحيون في الواقع، ذوي "صلابة" أيديولوجية دغمائية"، وتهاون سياسي. وهم ضد الإمبريالية، لكنهم يخطئون في مواجهة مخططاتها.
إن تقييم هذه الأحزاب نابع من الشعور بضرورة نقد نمط الحزب الذي كان سائداً، كخطوة لا بد مناه، فيما إذا أدرنا تحديد أسس الحزب جديد، مختلف من نواح عديدة. يمتلك أعضاؤه وعياً عليماً ضد الجمود النظري، ومنطق الشعارات، ويكونوا ثوريين، يسعون لتحقيق الثورة الجذرية، ويؤسسون حزباً ديمقراطياً، يمكن أن يكون حزب الطليعة، يستطيع استقطاب القوى الطليعية في المجتمع. حزب يمثل الطليعة في الفكر والممارسة، يمثل الوعي الثوري، المطابق لمصالح ومطامح العمال والفلاحين الفقراء. والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة.
من هذا المنطلق يمكن تلمس نمط الحزب الراهن، وبالتالي يمكن الإشارة إلى الخطوط العامة التي كانت تحكمه. لقد أصبحت "الأفكار" الماركسية هي المرجع، ويجري قياس الواقع بناءً على ما جاء فيها، فلم يعد الواقع أغنى من تصوراتنا، بل أصبحت تصوراتنا هي الأغنى والأشمل والأعمق. والأدهى أن"الأفكار" الاركسية، غدت هي السياسة (المنظرة أيديولوجيا) التي يتبعها الاتحاد السوفياتي. ولما كان للحزب الشيوعي السوفياتي استراتيجيته المبنية على رؤية فرضتها الظروف العامة السائدة في الاتحاد السوفياتي (رغم ملاحظاتنا على هذه السياسة). ولما كانت هذه الظروف تختلف عن الظروف العامة في الوطن العربي، وتتناقض معها أحياناً عديدة، فإن ما هو صحيح ويمكن للاتحاد السوفياتي، ليس صحيحاً بالنسبة لنا.
لقد كان نمط الوعي السائد في الحزب سلفياً، يتمسك بالنصوص التي كتبت في زمان ومكان محددين، على أنها نصوص صالحة لكل زمان ومكان. ولقد تمسك بنصوص ماركس وإنجلز ولينين، المكتوبة في ظروف أوروبا أواسط القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر، وروسا بداية القرن العشرين. ورغم حدوث تطورات كبيرة منذ عهد ماركس وإنجلز ولينين، إلا أنها لم تبحثها، ولم تر اختلاف الظروف زمانياً ومكانياً. والسلفية تعني التمسك بنصوص قديمة ولدت في ظروف محددة، فجرى تعميمها على أنها صالحة لكل زمان ومكان. والماركسية ضد الإطلاق، ومع نسبية الأحداث، في الزمان والمكان، وإذا كان التمسك بأسس المنهج (النظام المعرفي) ضروري فيها، فغن التمسك بتحليل ظروف معينة في وقت معين، على أنها تحليلات مطلقة، يعني الوقوع في مطب المثالية، والتخلي عن أسس المنهج المادي الجدلي
كما كان خط الحزب، خطاً إصلاحياً، يطرح القضايا المطلبية، ويبتعد عن القضية الجوهرية، قضية التغيير الثورية الجذرية، أي تحقيق أهداف الجماهير الشعبية الأساسية. ولم يكن يأخذ على عاتقه، قيادة الثورة الجذرية. ورغم أن هذه الأحزاب شاركت في بعض النضالات السياسية (تحقيق الاستقلال تحت قيادة البرجوازية، مواجهة الدر الإمبريالي….)، إلا أن طابع نضالها العام، ظل نضالاً مطلبياً ديمقراطياً.
وكان نمط الحزب فردياً، حيث الفرد أساس الحزب كله، (وأحياناً الهيئة العليا، التي هي المكتب السياسي)، هو المقرر وصاحب الشأن. وهو الذي يعين ويفصل، يقرّب ويبعد، أما القاعدة الحزبية – فقد كانت مهمتها الطاعة، والتنفيذ، دون نقاش، وكان رأي الفرد مقدّس، لا تجوز تخطئته، أو نقده، أو التساؤل حوله. لقد "تبعت" القاعدة الحزبية، القيادة، فالقادة هم المقررون، أما القاعدة فأداة التنفيذ حيث "نشأ في الحزب، واستصغار دور جهور أعضاء الحزب…." .
وكان الحزب منغلقاً، عصبوياً، يعادي القوى الأخرى، لأنه يقوم على أساس إلغاء الآخرين، لأنه "الحزب المختار"، لذلك كان ضد التحالف السياسي مع التفرد، ضد التعاون مع الانغلاق، ورغم المحاولات المحددة التي كانت تبدل من أجل التحالف، أو من أجل التفاعل مع القوى الأخرى.
لذلك تحولت النظرية المادية الجدلية، إلى نظرية مثالية، تؤله النص، كما تؤله الفرد. وتحول الحزب الثوري إلى حزب إصلاحي، والطليعة إلى "تابع". وتحولت المركزية الديمقراطية، إلى مركزية بيروقراطية، والحركة الجماهيرية، إلى "قبيلة"، "طائفة"، "قلّة".
الحاجة إلى حزب جديد
إن إشكالية هذه الأحزاب، تطرح قضية العمل الثوري في الوطن العربي، وعلى وجه التحديد، طبيعة الحزب الذي يستطيع التعبير عن المصالح الجذرية للعمال والفلاحين والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة، في الوطن العربي.
ولابد أن نلاحظ هنا أن الأزمة النظرية التي عاشتها هذه الأحزاب، أمام تحولات الظروف الاقتصادية الاجتماعية، والسياسية، ومن ثم التراجع الكبير الذي أصابها، أدت كلها إلى تفسخ طال العديد منها، وأفرز حالات مختلفة التباين، وإن حاول يعضها إعادة النظر بكل البنية الفكرية السائدة، وكانت أزمة الحركة القومية قد قادت إلى تأسيس قوى جديدة، وبلورة أفكار جادة.
لذلك فنحن بحاجة إلى حزب جديد، يكون قادراً على أن يلعب دوراً أساسياً في النضال العربي، ويستطيع قيادة الجماهير الشعبية في نضالها من أجل تحقيق أهدافها الراهنة، أي إنجاز مرحلة الثورة القومية الديمقراطية، ومن ثم تهيئة الظروف من أجل تحقيق الثورة الاشتراكية. وهذا يقتضي رؤية جديدة، نقدية للماضي، وواضحة للحاضر والمستقبل. والتجربة الماضية أساس يمكن الانطلاق منه، لتحديد ثمرة تجربة استمرت عشرات السنين.
بعد كل ذلك ما هي سمات الحزب في الوطن العربي ؟ هذه هي القضية الملحة الآن، بعد تجربة طويلة خاضتها الأحزاب الشيوعية (منذ 1919)، وبعد تجربة الأحزاب الوطنية الأكثر أهمية، لأن الحركة السياسية العربية تعيش مشكلة مستعصية، هي مشكلة الحزب الصلب والمتماسك، الثوري دائماً، القادر على قيادة حركة الجماهير والتعبير عن مصالحها، ليس في مرحلة محدودة فقط، بل إلى النهاية.
والوطن العربي الآن بحاجة إلى القوة التي تضيف عوامل جديدة، في الصراع النظري، كما في الحياة العملية، وتلعب دوراً طليعياً قادراً على توحيد الشعب، وبناء القوى القادة على المواجهة، مواجهة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومواجهة الفئات الكمبرادورية المرتبطة، وكل المستغلين (بكسر الغين) والمضطهدين (بكسر الهاء). وهذه مهمة ملقاة على عاتق كل المناضلين الثوريين العرب، وتحقيقها بحاجة إلى مسألتين : الأولى : أن يقتنع الثوريون العرب بالحاجة إلى عمل موحد، والثانية : السعي لتحقيق خطوات ملموسة في هذا المجال، ومنها تطوير الحوارات الثنائية والثلاثية والموسعة، وكذلك عقد كونفرسات يتفق على أسس عقدها، وتشكيل هيئات دائمة لمتابعة القضايا التي تم الاتفاق عليها، والثالثة، إيجاد منبر نظري يطرح قضايا الثورة كلها، ويكون مجال حوار القوى المختلفة. وتبقى القضية الأهم بناء الخلايا التنظيمية في كل الوطن العربي، في المصانع والأحياء والمدن والقرى، في المدارس والجامعات والمعاهد، في دوائر "الدول" و"الجيوش".
ولكي تكون القوة الجديدة (الحزب الجديد) قادرة على أن تضيف عوامل جديدة في الصراع السياسي، يجب أن تمتلك سمات تسمح لها بأن تحقق ذلك، وأساسها أن تكون قوة طليعية فكراً وممارسة، فعلى الصعيد النظري يجب أن تمتلك مقدرة على التحليل، التحليل الملموس للواقع الملموس ، وهذا يقتضي تصفية الحساب مع النهج التقليدي السائد، والقائم على الجمود وترداد الشعارات ، وتنمية الوعي، وامتلاك المنهج المادي الجدلي، المنهج العلمي الوحيد،وهذه قضية هامة لأنها تعني تأسيس رؤية جديدة، تنطلق من أرضية صلبة، هي جوهر الماركسية، لتقيم على أساسها تورا لواقع وزمان محددين لقد كانت سمة النقل وترداد الجمل والشعارات هي السمة الأساسية طيلة السنوات الماضية، ولدى كل القوى الماركسية، عدا قلة قليلة، ولذلك ظل التعلق بالماركسية شكلياً، كما ظل فهمها بسيطاً محدوداً، مما أوجد "ديناً" جديداً، وهذا يقتضي استيعاباً جيداً للماركسية، كما يقتضي سعة اضطلاع وفهم عميق للظروف الملموسة، وبذلك وحده يمكن امتلك المنهج المادي الجدلي، الذي هو طريقة التحليل العلمية الوحيدة، التي من خلالها وحدها يمكن فهم ظروف وطننا فهماً علمياً ثورياً.
إننا بحاجة لامتلاك الوعي الشمولي، وعي الماركسية، وعي التطور التاريخي، ووعي الظرف الراهن، الظرف الواقعي، بعمقه التاريخي، وأبعاده المختلفة، واحتمالات تطوره، لأن الثورة تقوم، ولا تنتصر إلا بوعي الحركة التاريخية، وتمثل "روحها"، ومعرفة كل أبعادها ومتعرجاتها.
إن المقدرة على التحليل، هي أساس بناء القوة الثورية، وأساس تماسكها ومقدرتها على أن تتحوّل إلى قوة فاعلة، كما أنها أساس تطورها واستمرارها. فالتماسك النظري يقود إلى تماسك تنظيمي، ويفترض دوراً عملياً منسجماً.
وهذه القضية تطرح قضية أخرى مرتبطة بها أوثق الارتباط، لأن أهمية التحليل في أن يقود إلى بلورة نظرية متماسكة، تحديد طبيعة الثورة ومهامها ودور الطبقات فيها، وإشكالاتها الأساسية، دور القوى المعادية وقوتاه، وطبيعة نشاطها ومخططاتها، وأساليب مواجهة ذلك. إن أهمية امتلاك المقدرة على التحليل تكمن بالضبط في مقدرتنا على تحليل ظروف الأمة العربية، مشاكلها وعوامل ضعفها وأسس قوتها. أي بلورة نظرية الثورة في الوطن العربي، وهذا يعني مسألتين، الأولى : أننا استطعنا إدماج الماركسية بظروف الوطن العربي ومشاكله، لتمثل النظرية المرتبطة بحركة الواقع التاريخية، والثانية : بلورة الأسس التي تحدد مسار الثورة في مرحلتها القادمة، إنها دليل الحزب النظري واستراتيجيته.
إن البرنامج السياسي هو أرضية الثورة، ومنطبق الحزب، ولذلك علينا أن نبلور برنامجاً سياسياً صحيحاً، يعبر عن أهداف الجماهير العربية الآن، ويطرح دور الطبقات المختلفة، الآن وفي المستقبل، ويناقش مشكلات الوطن الأساسية، التجزئة والاحتلال، التبعية والتخلف، كما يطرح مشكلة الوجود الصهيوني والسيطرة الإمبريالية، ويحدد طبيعة الثورة، هل هي ثورة ديمقراطية برجوازية، ام اشتراكية، أم ديمقراطية شعبية ؟
إذا كان الجمود النظري الذي ساد الخط التقليدي قد قاد إلى ارتباك في تحديد البرنامج السياسي السليم، وأوجد أخطاء كبيرة، فإن المقدرة على التحليل الملموس، تتمثل أساساً في امتلاك سياسة صحيحة، فالثورة عندنا هي ثورة قومية ديمقراطية، نتيجة تداخل أهداف الثورة البرجوازية، والتي لم تنجز عندنا، بالثورة البروليتارية، التي لن تتحقق دون بناء الأرضية المناسبة لتحقيقها، وأساسها إزالة التجربة وبناء دولة مركزية واحدة، ومواجهة الأخطار الخارجية وتصفية الاحتلال، وكذلك إزالة التبعية الاقتصادية والتخلف الاقتصادي السياسي الاجتماعي والأيديولوجي، وبناء نظام ديمقراطي شعبي، يوجد الأرضية الملائمة للانتقال نحو الاشتراكية.        
إن الثورة في مرحلتها الحالية، ذات طبيعة قومية ديمقراطية، وهي عتبة الانتقال إلى الاشتراكية، وللحزب دور طليعي قيادي في الثورة القومية الديمقراطية، وكذلك في الثورة الاشتراكية، ولهذا يجب نقد الدعوة التي تقول إن الثورة ذات طبيعة اشتراكية، لأنها دعوة طوباوية. وكذلك يجب نقد الرؤية التي تعتبر أن قيادة الثورة الديمقراطية، من مهمة القوى البرجوازية، أو البرجوازية الصغيرة، لأنها رؤية إصلاحية. فالقيادة من مهام الطبقة العاملة أساساً، من خلال حزبها، حزب العمال والفلاحين الفقراء، والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة.
وتقوم هذه الرؤية أيضاً على الدور الطليعي للحزب، وهذا يعني أن يكون قادراً على تحديد رؤية سياسية سليمة، وخط تكتيكي صحيح، كما يكون قادراً على بلورة القوى التنظيمية الفاعلة، المتماسكة، والديمقراطية. وقادراً على استقطاب كتلة الجماهير الشعبية الأساسية، لكي يستطيع لعب دور قيادي، ولكي يستطيع تحقيق الانتصار. كما أن ذلك يعني، أن يكون طليعة الجماهير الشعبية، في الصدامات السليمة والثورية، وفي المعارك المسلحة، فالثورة تعني الهجوم، فهي بغيره تكف عن أن تكون كذلك، والهجوم أساس العمل الثوري، أما التراجع، أو الاندفاع، أو المساومة، أو المهادنة، أو الدعوة الإصلاحية، فهي أمور تقتضيها ظروف محددة. وبغير الهجوم تكف القوى عن أن تكون طليعية.
وتقوم هذه الرؤية أيضاً، على تحديد أن الحزب ليس "حزب طبقة بعينها". كما هو الحزب في الدول الصناعية المتقدمة، فهو، وإن كان يعبر عن مطامح الطبقة العاملة في المدى التاريخي، إلا أنه يعبر في هذه المرحلة، عن أهداف العمال والفلاحين الفقراء، والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة، ويمثل فئاتها الطليعية. إن الطبقة العاملة جزء من تحالف ثوري، ما دامت قوة محدودة الحجم (تمثل ربع المجتمع تقريباً)، وما دامت طبيعة الثورة الراهنة تجعل إمكانيات الاتحاد ممكنة بين العمال والفلاحين الفقراء والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة، بسبب وحدة أهدافها، ووحدة مطامحها، وبذلك فالحزب هو طليعة هؤلاء، والساعي لتحقيق أهدافهم، وهو بذلك يمثل الأمة كلها، في حركتها التاريخية الصاعدة.
وإنه يسعى لتحقيق عملية التغيير الجذري الثوري في الوطن العربي كله، ليس في قطر من أقطاره فقط، لهذا فهو حزب مركزي، له مركز واحد، يقود النضال في مختلف أرجاء الوطن ويقود كل أشكال النضال، النضال السياسي العام، والنضالات السياسية المحدودة، النضال الاقتصادي المطلبي، والنضال الثوري، النضال العسكري والنضال "الإصلاحي". فللأمة حركتها الواحدة، وبرنامج نضالها الواحد، وإن اختلفت أشكال النضال، وتنوعت ظروف العمل. إن لوحدانية المركز أهمية كبيرة، وبها يمكن تحقيق الثورة البرجوازية، في كل الوطن.
وهذا يفترض على الصعيد التنظيمي أربعة قضايا أساسية هي :
القضية الأولى : أن يعبر الحزب عن العمال والفلاحين والشرائح الدنيا من البرجوازية الصغيرة، وليس عن العمال فقط، لأن العمال يشكلون جزءاً محدداً من السكان (يبلغ حسب التقديرات المختلفة حوالي 25%) أولاً، ولأن الثورة ليست الثورة الاشتراكية ثانياً، ولأن لهذه الطبقات مصالح موحدة الآن ثالثاً.
القضية الثانية : أن يضم الفئات الطليعية من هذه الطبقات، وليس الطبقات كلها، لأنه يمثل الحزب الطليعة (أو لأنه يطمح لأن يمثل حزب الطليعة)، الذي يمتلك نظرية ثورية، ويقوم بدور طليعي عملياً، في الإضرابات والمظاهرات، وتوزيع المنشورات، والمعارك المسلحة. وللطليعة سمات محددة، لا تتوفر لدى أفراد هذه الطبقات ملهم، يل عند فئة محددة منهم.
القضية الثالثة : أن يمثل طليعة واعية، تمتلك القدرة على التحليل العلمي، وتعني ظروفها وعياً دقيقاً، وتلتزم بالنظرية العلمية الوحيدة.
القضية الرابعة : أن يكون حزباً مركزياً واحداً في كل الوطن العربي، له قيادة مركزية تقود العمل كله، لأن التجربة تفض المركزة، ومواجهة النظرية التي أوجدتها، وتفترض حزباً مركزياً متماسكاً.
والقضية الهامة هنا هي كيف يكون الحزب مركزياً، ويستطيع العمل في ظروف مختلفة، وشديدة التعقيد ؟ فلكل منطقة خصوصياتها (_المنطقة هنا لا تعني "الدولة"، ففي داخل "الدول" مناطق مختلفة عن الأخرى، المدينة والريف والصحراء…)، ولها أهدافها الثانوية المختلفة، الني قد تخلق ضبابية حول الأهداف الأساسية أو بعضها. فإذا كانت المركزية الصارمة قضية أساسية، وتشكل سمة هامة من سمات الحزب عندنا، فإن معالجة قضية الاختلافات لا تكون إلا بإشاعة الديمقراطية وروح المبادرة لدى كل الهيئات التنظيمية، من هيئات الساحات والمناطق إلى الخلايا وهذا يفرض بناءً تنظيميماً ديمقراطياً، والديمقراطية جزء أصيل فيه، إن لكل الهيئات حرية المبادرة انطلاقاً من الإقرار العام بالبرنامج السياسي، والالتزام بمقررات المؤتمرات واللجان المركزية، وحرية المبادرة تعني هنا حرية التعامل مع الظروف المحددة كل في إطار عمله (لجان الساحات في الساحات، ولجان المناطق في المناطق، ولجان المصانع، والخلايا في مواقع عملها، أي حرية اتخاذ القرار وعقد التحالفات، وإصدار البيانات، والتنظيم والترقية.
والقضية الأخرى هي أن التأكيد على المركزية الصارمة لا يعني خلق سلطة ولا تكريس فئة تأمر وتنهي، بل يعني مركزة العمل كله، والانطلاق من أنه عمل واحد في كل الوطن، تحكمه قوانين واحدة، وتقود هيئات واحدة أيضاً، هي المؤتمر العام أولاً، واللجنة المركزية ثانياً. والمركز لا يستطيع أن يكون متماسكاً، إلا إذا توفرت الشروط التالية :
1) توفر التماسك النظري بما يعنيه من امتلاك للمنهج المادي الجدلي، وبلورة لنظرية، هي نظرية الثورة في مرحلتها الحالية، والتماسك النظري أساس التماسك التنظيمي، وهو الذي يخلق اللحمة العامة في الحزب، ويسمح بوجود جسم متماسك له هيئاته.
2) توفر القادة الواعية القادرة على أن تحظى بثقة كل الأعضاء بامتلاكها سمات المبادرة والنشاط. والاضطلاع الواسع. والشخصية القيادية.
3) توفر الحياة الديمقراطية، وإطلاق مبادرات كل الهيئات والخلايا، وتحديد مهام كل هيئة يمنع تركيز السلطات.
وبذلك يمكن توحيد الطليعة، وتوحيد الشعب كله. وبه وحده يمكن تحقيق الأهداف العامة، أهداف الثورة القومية الديمقراطية، وتحقيق الأهداف الثانوية، الأهداف التي يوجدها اختلاف الظروف.
وانطلاقاً من ذلك يمكن تأسيس حزب جديد، يتمتع بمركز متماسك، وينتشر في الوطن كله، ويؤسس خلاياه في المصانع والأحياء والقوى، في المدارس والجامعات في كل موقع يتواجد فيه العمال والفلاحون والشرائح الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة. ويصبح قوة هامة تؤثر في موازين القوى القائمة الآن، وتخلق أساس انطلاقة ثورية جديدة.
إننا الآن على أبواب مرحلة جديدة لها سماتها، وهي من اكثر المراحل تعقيداً، وهذا يجعل قضية الحزب من أهم القضايا، بل أهمها على الإطلاق، قضية تكونه النظري، وقضية دوره العملي. وعلينا أن نخطو خطوات هامة إلى الأمام، فالوضع بحاجة إلى الإقدام وإلى الحماس الثوري، كما هو بحاجة إلى الخطوات العملية الجادة.
إن الدعوة لتشكيل حزب جديد، لا تبغي تكريس مبدأ الحزب الواحد، بل تحث على العمل لبلورة حزب من طراز جديد، يعمل كجزء من حركة وطنية عربية، وضمن إطار جبهة قومية متحدة، وإن كان لديه مطمع أن يكون حزباً طليعياً، قادراً على قيادة الجبهة وقيادة الثورة. وهي دعوة لنبذ الحزب الواحد. لأن مبدأ الحزب الواحد يعني تسعير الصراعات الثانوية على حساب الصراع الرئيسي، وتفتيت جبهة القوى الوطنية والديمقراطية. والعجز عن توحيد صفوف الشعب في معركته ضد الإمبريالية، والأميركية تحديداً، وضد الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني. وضد القوى الرجعية العربية، من أجل إزالة الاحتلال، كل أشكال الاحتلال، وإنهاء التجربة، وإلغاء التبعية والتخلف.
والدعوة هذه لا تعني إسقاط الأحزاب القائمة. والشيوعية تحديداً، وإسقاط دورها، بل إنها دعوة من أجل بلورة قوة طليعية مناضلة، تخوض غمار النضال وتحال أن تلعب دوراً أساسياً. إنها تحاول التصدي لمهام صعبة ومعقدة، وتقرر الهجوم، وتخوض غمار الممارسة الثورية. فهي لذلك يجب أن تكون الأكثر جرأة وتصميماً على خوض المعارك وأكثر هجومية، أكثر وعياً وصلابة. الأكثر صرامة وديمقراطية، والأكثر سعياً من أجل مناقشة قضايا الثورة كلها، لبلورة برنامج ثوري، يعبر عن مطامح الجماهير الشعبية، ويحدد استراتيجيتها وتكتيكها. وهو بغير ذلك لن يكون جديراً بأن يسمى حزباً طليعياً من طراز جديد.
والدعوة موجهة، ليس لفئة محددة أو تنظيم بعينه، بل إنها موجهة لكل القوى الثورية العربية، التي تطمح لأن تبلور أحزاباً طليعية. والساعية إلى التغيير الجذري. لأن مهمة بناء الحزب مهمة شاقة، وتحتاج إلى مجهود كبير، كما تحتاج إلى اتحاد كل القوى الطليعة العربية، لتشكل حزباً مناضلاً، مترامي الأطراف، يقيم خلاياه في كل "دولة" وكل مدينة وقرية.
إننا على أبواب مرحلة جديدة لها سماتها المحددة، وعلينا أن نرسي الأسس التي تسمح بإعادة بناء الحركة القومية العربية، بناء صلباً متماسكاً، وبتعميق أطروحاتها  ومفاهيمها، وتحديد أسس عملها.
 
المحتويات
مدخل
التجربة التنظيمية الراهنة
الحاجة إلى حزب جديد 



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات عن ماركس والعولمة
- عسكرة العالم: الرؤية الأمريكية لصياغة العالم
- بعد العراق نهاية عصر و بدء آخر
- صدام مصالح و ليس صدام حضارات - وضع الثقافة في الحرب الإمبريا ...
- جريدة الكترونية هائلة يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذا الوضع ا ...
- الانتفاضة والسياسة
- الماركسية في الصراع الراهن
- تساؤلات حول الراهن السوري
- ســؤال الازمة فـي سوريــا تـجـاوز الـبـنـيـة الـشـمـولـيـة
- اليسار ومشروع النهضة في الوطن العربي
- عن الرأي الآخر الذي في السجن
- في كشف دكتاتوريتنا / في كشف ديمقراطيتنا
- المسألة اليهودية، الصهيونية والعرب
- تأملات في الدين والدولة
- ما الماركسية؟
- الماركسية، التقدم والصراع الطبقي
- الليبرالية والليبرالية الجديدة
- عولمة -الشرق الأوسط
- ورقة عمل من أجل اليسار
- تحوّلات إستراتيجية قادمة


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - نقد التجربة التنظيمية الراهنة