أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد العودي - الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة وأبعادها الرمزية بالدول المغاربية















المزيد.....

الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة وأبعادها الرمزية بالدول المغاربية


محمد العودي

الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 10:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


أمام الحضور المكثف والمثير للفقر وتدويل الإفقار في ظل عولمة المال اشتد التذمر بمختلف بقاع العالم، منها عدة أقطار عربية وإسلامية. غير أن موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي اجتاحت العديد من المراكز الحضرية المغاربية على غرار "صفرو" و"سيدي إيفني" بالمغرب، "رديف" أو"قفصة" التونسية، و "وهران" وغيرها من مدن الجزائر، لها أبعاد خاصة ووقع متميز داخل الحقل السياسي. وذلك من حيث أن سَوْرَة الغضب الشعبي في المنطقة تبدو بمثابة ظاهرة اجتماعية صحية. إذ، يتعين النظر إليها ليس باعتبارها فعالية جماعية وأداة محورية لمناهضة الغلاء وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الشعبية فحسب. وإنما على أنها تمثل في العمق تحولا نوعيا في الحياة السياسية الوطنية عموما، وفي أداء المجتمع المدني على وجه الخصوص.
هذا في وقت أصبحت فيه الإفرازات الإيديولوجية للمنظومة المهيمنة تدفع بقوة في اتجاه ليبرالية اقتصادية شرسة. بل إن ضراوة ودموية "النظام العالمي الجديد" ساهمت، عربيا وإسلاميا، في إنتعاش نشاط تيارات سياسية نكوصية تعتمد خطابا ثيوقراطيا استبداديا، والدعوة لرواج "بازَراتي" لا يستند على قواعد علمية أو شروط واقعية، بل دون آفاق حضارية تؤسس لمشروع مجتمعي يتماشى ومتطلبات العصر. وعليه، فإن المفارقة تكمن ضمنا في الرد العنيف للسلطة العمومية وإفراطها المقصود في استعمال القوة ضد مسيرات سلمية، متجاهلة بذلك ظروف العصر. مما يبرهن، بالرغم من كل شعارات الانفتاح أو الانتقال الديموقراطي، عن تأخر ملموس في استيعاب منهج الحكامة ومواكبة التحولات التي بدأت تفرزها حركة التطور بالمجتمع. على أن نفس المطالب الاجتماعية بالدول المعنية تواجَه بنفس الوسائل القمعية العقيمة، إن لم يتم أحيانا السطو على الممتلكات وانتهاك الحرمات.
إن الحركات الاحتجاجية السلمية التي أصبحت تطبع المشهد السوسيو مجالي المغاربي، أصبحت تشكل في الواقع آلية من آليات الصراع من أجل فرض المنهج الديموقراطي والتطوير الحضاري تماشيا مع روح العصر. وذلك على ضوء الدينامية الاجتماعية التي تعرفها العديد من المدن والمناطق النائية والمهمشة، سواء بشكل عفوي أو بمعية بعض الفعاليات الحقوقية والتنظيمات السياسية والنقابية. من ذلك مثلا أن الاحتجاجات انتقلت من مدينة "سيدي إيفني" المغربية إلي المراكز القروية المجاورة بنفس الحس الوطني ودون المساس بالمؤسسات، بعيدا عن نعرات التطرف التي تحاول أن تجعل من الشعب الواحد شعوبا متعددة! وغيرها من النزوات الشوڥينية ذات الطابع الإقليمي، العرقي أو الديني التي باتت وسيلة من وسائل الابتزاز والارتزاق والتعتيم على واقع الاستغلال الطبقي الذي لازال يميز التشكيلات المتخلفة.
ومن ثمة فإن احتجاجات الطبقات الفقيرة بمناطق طالها التهميش، وما رافق ذلك من تضامن على الصعيد الوطني والدولي، تستدعي مقاربة اجتماعية وسياسية بل إنسانية خاصة. إذ أنها انتفاضات تتغذى من تناقضات بناء سوسيومجالي واقتصادي أفرزته العولمة الرأسمالية الشرسة والصراع الاجتماعي الحديث الدائر من أجل المواطنة والعيش الكريم. مما سوف يتولد عنه حتما شعور بالمسؤولية الإيجابية اتجاه الأفراد والطبقات باعتبارها لبنات البناء الأساسي للحداثة والديموقراطية بالمنطقة. بل يجعل الحركات الاحتجاجية الشعبية تنتقل إلى مستوى المشكلة السياسية التي تبقى وثيقة الصلة بظروف المعيشة والحريات التي يمنحها وجود دخل يوفر، على الأقل، الحاجيات الأساسية وإمكانية التحرر من القيود المادية الأولية.
في سياق هذا الاحتقان الشعبي، يتعين التركيز ليس فقط على شرعية المطالب ومضمونها المادي. بحيث إنها لا تتعدى كونها مطالب اجتماعية عادية، تتلخص عموما في إحداث بعض التجهيزات أو تهيئ بنيات تحتية لفك العزلة الجغرافية، خلق فرص شغل للحد من البطالة المهولة وبخاصة المعطلين الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، وغيرها من الحاجيات الأساسية كالصحة، التعليم، السكن ... وإنما يجب أيضا إدراك موجات الغضب العنيفة على أساس أنها صرخة من الأعماق الشعبية ضد الفقر والظلم الاجتماعي، تدمرا من استغلال الأنظمة وليس حقدا على الوطن. مما يستدعي الوقوف بتأني عند تطور هذه الأشكال الاحتجاجية من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ورمزيتها السياسية، وبما أصبح لها من تأثير في الحريات الموضوعية من أجل البناء الديموقراطي.
إن تدني مستوى العيش يمثل العلة الأساسية لمظاهر الحرمان داخل مجتمعات مقهورة. وذلك نتيجة أزمة متعددة الأوجه، اقتصادية، مالية واجتماعية قد تتحكم فيها ظرفيا متغيرات خارجية قوية. بحيث، مثلا، فيما يخص المغرب قد ترتبط فعلا الأزمة في بعض من جوانبها بخلل في التوازنات الماكرو- اقتصادية العامة نتيجة ارتفاع تكلفة سعر البترول المستورد. بيد أن تدهور الوضع الاجتماعي يرجع بالأساس إلى تمادي اللوبيات الاقتصادية الوطنية والأجنبية في نهب واستنزاف الثروات المحلية دون محاسبة. وفي موضع آخر، ظلت الأوليڭارشيات المدنية والعسكرية تعيش من ريع النفط، على حساب قهر غالبية السكان. بمعنى أن ثمة عوامل هيكلية/داخلية ذات طابع اجتماعي وسياسي تبقى وراء رتابة الحياة اليومية والاحتقان الشعبي. مما يؤجج عند الطبقات المحرومة شعورا مريرا بالمهانة أو"الحُڭرَة" التي تولد الانفجار.
على أن تفاقم الوضع أفضي لا محالة إلى توسع دائرة الإفقار والدفع بالأسر المعوزة، وكل من أضناهم الفقر وحياة البؤس، إلى اللجوء أحيانا إلى حلول مروعة. وذلك من قبيل انتشار التسول، والبغاء، وتشغيل الأطفال قسرا ليتم ارتباطهم بعمل استغلالي، على حساب التمدرس وكسب المعرفة. مما يجعل ارتباط الديموقراطية بالقدرة الاقتصادية مسألة محورية لتمهيد للانتقال الاجتماعي والسياسي من مرحلة "الرعية" إلى مرحلة "المواطنة" التي تنطلق قبل كل شيء من مبدأ الحق في التوفر على الحاجيات الأساسية. إذ أن فقدان القدرة الاقتصادية يرعى ويغذي فقدان الحرية الاجتماعية ويحط من الكرامة الإنسانية.
على هذا المستوى تتحدد إذن رمزية الأحداث الأخيرة. إنها رياح تغيير تؤشر على نشأة مجتمعات حية صارت تعي ظروفها وترفض أن تبقى راسفة فيها. ومن هذا المنطلق يجب أن تحظى كذلك الحركات الاحتجاجات الحالية باهتمام أوسع داخل الأوساط السياسية وبخاصة قوى اليسار، وأيضا ميدانية البحث حول ظروف الفقر والتفاوت الاجتماعي. وذلك لأن إسهامات أي سياسة تنموية لا يمكن تقييمها إلا من خلال تطور وضعية الدخل وتوسع الخدمات الاجتماعية لتشمل شرائح واسعة من المجتمع، وبالدرجة الأولى الطبقات الفقيرة. وبالتالي فإنه لا سبيل للتخلص من التخلف والأزمات الاجتماعية والسياسية دون الانتقال من منطق النهب والتسلط إلى منطق الاقتصاد الاجتماعي والمنهج الديموقراطي، والنضال الواعي من أجل نظام اجتماعي قائم على المواطنة، والعدالة، والحرية، والمسؤولية التي تؤول إلى المحاسبة.





#محمد_العودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في تجربة -المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف- عل ...
- تأملات في تجربة -المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف- عل ...


المزيد.....




- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد العودي - الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة وأبعادها الرمزية بالدول المغاربية