أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - الزهرورديّة .. حقيقة فرديّة بأل تعريف ..















المزيد.....

الزهرورديّة .. حقيقة فرديّة بأل تعريف ..


نادين باخص

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


ليس إبداعُ نصٍّ ما في جوهره ، سوى رحلةً عبر هاجسٍ معيّن ، أو هواجس متداخلة ، قد تطول أو تقصر ، مع كلّ ما يحمله الكاتب في روحه و جسده و نفسه من فصول أربعة ، و فصول إضافيّة ..

أعتقد يقيناً أنّ فرصةً طيّبة منحَتْني إمكانية الاطلاع على كتابٍ عرّفَ نفسه عبر غلافه بأنّه ( شعر ) ، لكنّه ليس شعراً بالمفهوم الجسدي للشعر أي بالشكل المتعارف عليه ، بل بإمكاني تسميته تحليقاً حبرياً بامتياز .. و برأيي أنّ أهمية التسميات تصبح بلا معنى و تتلاشى أمام كلّ هذا الكمّ من الرقي الفنّي في نصٍّ ما ، كما هو الحال في نصّ الزهرورديّة للكاتب و الصحفي المصري إبراهيم المصري ، الذي صدر له حتى الآن مجموعة من الأعمال منها : لعبة المراكب الورقية / رواية ، رصيف القتلى / مشاهدات صحفي عربي في العراق .. و باقي الكتب لا يزال مخطوطات ..


أوّل ما يترامى لذهن قارئ الزهرورديّة ، أنّ الزهرورديّة هي امرأة ، ليبدأ بعدها صدماته الجميلة المتلاحقة مع تتبعه لسطوره ، فيحار مَنْ هي تلك الزهرورديّة بالضبط ، فالكاتب المصري يصوّرها إلهة من إلهات الأزمان السحيقة ، و يأخذ على عاتقه التأريخ لها ،فيأخذ بنسج هوية شخصية لها ، محاولاً وضعَ نظام داخلي لعهدها الممتد من الأزل إلى الأبد .. و يصوّرها مهيمنة على الماضي و الحاضر و المستقبل ..

و ليست صدمات القارئ المتلاحقة إلاّ ناتجة عن عدم سير الكاتب على منهج واحد في الحديث عنها ، و وصفها .. فحيناً هي الإلهة ( الأسطورة ) ، و حيناً هي المرأة ( الحقيقة ) .. فكيف لامرأة لا تطحن القمح ، و تعمل بالموسيقى ، و تصفّ الغيمات غيمة فوق غيمة ، أنْ تكونَ هي نفسها ابنة الحي و الجارة و الأم ...

و لا يكتفي الكاتب بإدخال القارئ في دوامة الحيرة حول أسطوريّة الزهرورديّة أو حقيقيّتها ، إنّما يضعه كذلك أمام مفاهيم معنويّة يسبغها على الزهرورديّة ، حيث يعرّفها بأنّها ( المغفرة ) ، و كذلك يمنحها ماهيات غير بشرية ، من ذلك نعته لها بـ ( رغيف الخبز ) ، و ( الحلوى ) .. ثمّ يعود ليقول إنّه لا تعريف لها ، بل هي

( موصوفة بذاتها ) .. و هكذا يضع إبراهيم المصري القارئَ أمام مفارقات عظمى :

هل الزهرورديّة ذكر أم أنثى

الشمس أم المظلة

الكفر أم الإيمان ؟


و من الطريف أنّه تارة يتوقّع أنْ يراها معروضة في متحف ، و تارة يقول إنّ المرء قد يصادفها في الديسكو ترقص و تكرع البيرة ، أو قد يلتقيها أحدهم في مطعم للوجبات السريعة .. و يستمرّ عبر كتابه المتفرّد بنصّها _ و الذي يذكّر بجدارية محمود درويش من حيث العنوان ، و من حيث النص الواحد على طول الكتاب _ يستمرّ بالتكلّم عنها ، و يذكر مسكنها ، و يصف مزاجها ، و يعدّد ما تحبّ و ما تكره ... و بقدر ما يتكلّم عنها بشموليّة و إطلاق ، بقدر ما يمنحها لمسات تخص ذات الفرد الواحد :

أيّ رحمٍ هذا الذي حملكِ

أيّتها المرأة المجلوبة من أوصافها كل امرأة

ربما رحمي !

أنا الرجل الذي عليه أن يحيا فائض أنوثة هي أنوثتك

أم أنتِ تلدين ذاتك

مُبرَّأة من الشبيه ...

إلاّ أنْ يكون فؤادي .

فواضح من هذه الكلمات أنَّ الزهروردية هي شيء خاصّ بشخص الكاتب ، بوصفه كيان إنساني قائم بذاته ، و بمعزل عن سائر أفراد جنسه ، لكن ، بإمكان القارئ أنْ يقوم بعملية إسقاط ذلك الكيان على كيانه هو ، و إذا بالكاتب يتكلّم بضمير الأنا عوضاً عن البشرية جمعاء .. في حين يحدث العكس في مقطع آخر ، حيث تنقلب قاعدة الهرم السابقة في الحديث عن الزهروردية ، و تتبادل الأدوار مع قمته ، و إذا بالكاتب يمنح الزهروردية في البداية بُعداً مطلقاً ، لكنّ كلامه ينتهي بالذاتية :

يدفعني الغرور إلى رسم صورة للزهروردية :

جناحُ يمامة ، متقاطع مع قلم أحمر للشفاه

ثمَّ أضيف قطرةَ نبيذ

و آية من أي كتاب لله

و بما أنني أغامر ، فسوف أحيط الصورة بإطار من وشيش البحر ..

و إذا استطاع أحدكم فك هذه التعويذة ، فلن يرى غير صورة قلبه مُبرَّأة من الحقد ..



و اطلاع القارئ على نصّ الزهرورديّة ، يمنحه تفسيراً غير يقينيّ لإهداء الكاتب الذي افتتح كتابه به :

إليــكِ حيث اليقين ..

فبالرغم من الإيحاء الذي يبثّه هذا الإهداء بدايةً في النفس ، إلاّ أنّ القارئ بعد إطلاعه على مضمون نص الزهروردية ، يستطيع التحكم أكثر بتفسير الإهداء .. إليكِ حيث اليقين .. و اليقين _ حسب نصّ الزهروردية _ ليس إلاّ الزهرورديّة ، و الزهروردية ليست إلاّ الحياة ، و الحياة ليست إلاّ الرجل و المرأة .. و الدليل على هذا ، هو المحوريّة التي يضفيها الكاتب على مفهوم الزهروردية طوال النّص ..

و نصّ الزهروردية أقرب إلى أنْ يكون نصّاً منقولاً عن لغة أخرى ، فصياغته تختلف عن شكل الصياغة بالعربية الأم في كثير من مواضعه ، لكن مع الحفاظ على أركانه الفنيّة التامّة في جوانب لغته ..

و المميز فيه هو مزجه بين جزئيات الكون المتعددة ، من دون روابط منطقيّة تجمعها ، إذ هو الخيال ، يصهر المتناقضات في البوتقة ذاتها ، بشكل يبدو معه أسلوب الكاتب _ في طرح عشرات الجزئيات المختلفة و

المتناقضة _ عالي الفنية ، و تغدو الروابط اللاشعورية بينها قائمة على مبدأ التخييل ، و على ما تبثّه في نفس القارئ من إيحاءات ، تجد لها مكاناً مقنعاً فيها ..

و لا يخفى على كلّ قارئ ، الفكر الصوفي الذي يصبغ النّصّ ، و هنا تجدر الإشارة إلى تناص وقع مع العهد الجديد في قول الكاتب :

أنتِ .. الزهرورديّة

و يا أنتِ ..

حين يدسُّ الأطفالُ كتبَهم صباحاً في حقائب الماء

ذاهبين إليكِ بأفواهٍ يوشحها البخار

فلا تردي طفلاً بدون حصته من قلبكِ .

حيث وقع التناص مع الآية التي تقول : " دعوا الأطفال يأتون إليّ و لا تمنعوهم ، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السموات " ..

كذلك لا يخفى على القارئ ، اللغة السرياليّة في كثير من السطور :

و إذا كان الزمن شَرَكاَ ، فلن يقضمَ روحكِ ، تلك التي تكدح

في إنتاج اللؤلؤ و تعاني مثلك ألمَ الأسنان ..

و بالمجمل ، فالزهروردية نصّ مختلف بطريقة طرحه ، و بعمقه ، و حتّى بإخراجه .. و هو على قلّة عدد صفحاته ، و على حجم حروفه المطبعيّة الكبير و المغري بالقراءة ، مع ما يخلقه غلافه الأنيق ذو اللون البنفسجي و الأبيض من جاذبية ، إلاّ أنّ قارءه يحتاج لغرفة هادئة ، و لذهن صافٍ ، كي يتمكن من تذوقه ، و ذلك لعمق صوره ، و طول عباراته المتضمنة تراكيباً فيها ما فيها من الغموض الحداثوي ..

و لابدّ لكل قارئ يحقق شرط صفاء الذهن ، أن يستمتعَ بقراءة الزهرورديّة ، و أنْ يدركَ تلك الحالة الصوفيّة التي أخذَتْ الكاتب في رحلة تخمّر طويلة و عميقة حتى أبدع ما أبدع ..


الزهروردية / شعر/ إبراهيم المصري / الطبعة الأولى 2007 / مطبعة المستقبل / أبو ظبي ، دولة الإمارات العربيّة المتحدّة .




#نادين_باخص (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جورة حوا .. بين هاوية الواقع .. و انتصار الحِبر ..
- (أختي فوق الشجرة) ل وليد معماري..هَوَس الذاكرة .. لوثة الأشج ...
- - تفاصيل - ل ديمة ونّوس .. تسعة شهور لا تكفي حين يكون الجنين ...
- وجودية نزيه أبو عفش في (أهل التابوت)..
- رائحة القرفة ل (سمر يزبك) حين تكون الكلمات سلعاً مهرّبة ..


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - الزهرورديّة .. حقيقة فرديّة بأل تعريف ..