أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - جورة حوا .. بين هاوية الواقع .. و انتصار الحِبر ..















المزيد.....

جورة حوا .. بين هاوية الواقع .. و انتصار الحِبر ..


نادين باخص

الحوار المتمدن-العدد: 2323 - 2008 / 6 / 25 - 06:47
المحور: الادب والفن
    


أمام احتفال اللّغة بالواقع ، و أمام فكرٍ نابضٍ بتفاصيل ما يجري ، لا يجد المرء فسحةً زمنيّة و لا حتّى مكانيّة ليتمالك نفسه و يلتقط أنفاسه .. هذا ما جعلني أشكّ بقدرتي على الإبحار في رواية ( جورة حوّا ) ، فتردّدت قبل أنْ أفعل ، خصوصاً و أنَّ النقد إنْ لم يقدّم فكرة طريفة ، ليس بالنقد الجذّاب ، و النقد إنْ لم يكن جذّاباً ، مصيره المنطقيّ الدخول في مأساة العنوسة ، إذْ ما من كائن يلزمه الاقتران بلون رمادي لا مستقبل له في التطوّر .

لن أقوم بتعديد شخصيات الرواية ، ثمّ أدرس كلّ واحدة منها دراسةً ميدانيّة ، بل سأقدّم قراءة شموليّة للرواية من خلال شخصياتها الرئيسة ، وفق ما عاشته تلك الشخصيات من ظروف معيّنة ، و ما خاضته لأحداث نسجتها الكاتبة ممّا توفّر لديها من دقيق الواقع ، مضيفة إليه خميرةَ خيالٍ مدهش .

بالرغم من أنّ الاعتراف ببطل وحيد للرواية بات مرفوضاً في عصر الأدب الحديث ، كون البطل الأعظم اليوم هو الواقع نفسه ، إلاّ أنّه لا يمكن الهرب من الاعتراف بأنّ ( مي ) هي بطلة الرواية ( ظاهريّاً ) ، مع الإشارة إلى أنّ البطل الإنساني فيها مفقود ، إنما هنالك محور عام حافظت الكاتبة عليه عبر شخصياتها الثلاث : ( مي ، كوثر ، ريمة ) ، ليصبحَ البطل عبر تلك الشخصيات المنتمية إلى مدينة ( حماه ) هو واقع تلك المدينة ، كما أرادت الكاتبة تصويره ، أو لنقل ، إنَّ البطل في رواية ( جورة حوّا ) ، هو ذلك الهمّ الكبير الذي تحمله الكاتبة في روحها .. ( همّ المدينة ) .. إنّه بطلٌ روحيّ بامتياز إنما نابضٌ بأجساد بشريّة ، و هذا ما يقابل بطولة الفقر في روايات دستيوفسكي .

و لما كانت سمة الحقيقة الأهمّ هي الصّفع ، فإنَّ مرورنا بشخصيّة مثل ( مي ) ، هو ما يشكّل لدينا صفعةً جميلة ، كونها تعبّر عن حقيقةٍ عميقة في روح الكاتبة و فكرها .. و من المعروف أنَّ الأثر السلبيّ للصفعة ليس هو السائد دائماً ، فكم من صفعاتٍ تسهم في إحداث أعجوبة تراجعنا عن شفير الهاوية ، مانعة كارثة اندحارنا ..
لقد نجحت موضوعيّة الكاتبة في رسم شخصيّة متمرّدة ، دون أنْ تنفّرَ القارئ من تمرّدها ذاك ..

فتمرّد ( مي ) على دينها _ مثلاً _ و مفرداته ، من حجاب ، و طقوس الحج ، ... ، لا يخدش القارئ المؤمن ، و لا يؤذي الشيخ المستنير ، هذا إنْ ملكا فكر الكاتبة و روحها ..

و المدهش في أسلوبها ، أنّها تطرح أفكار حسّاسة للغاية دون أنْ تخدش قارئها .. حتّى عندما صوَّرت روح (مي) الخائنة لزوجها ، و خيالها الذي يرسم كيف ستخونه ، لم تعطِ الفكرة بُعدها المقزّز عادةً ، و في الوقت نفسه ، لم تكن تحاول أنْ تبرّر لها خيانتها .. ربما السبب يعود إلى كمّ الواقعيّة في لغة الكاتبة ، تلك الواقعيّة الموضوعيّة التي راحت تحرّك الشخصيات ، بحيث توجّه صفعة للقارئ عند كلّ تثاؤب ، لا عند كلّ كلمة فقط ، و هذا ضروري للغاية في أيّ نصّ إبداعيّ ، فمَنْ قال إنَّ الأديب من حقّه كتابة ما يشاء ، فقط لأنّه يحقّ له ما يحقّ لغيره ؟ .. ثمّ مَنْ قال إنّ الأدب الواقعيّ هو الذي يُغرق مثلاً في تصوير الموت ، لدرجة أنّه يصل إلى التنكيل بالجثة ، أو هو الذي يُنعم في تفصيل الجنس ، لحدٍّ قد يصل معه القارئ إلى التقيؤ ؟

تمثّل كلّ من تلك الشخصيات ( حوّا ) التي كان من المحتمل سقوطها في الـ ( جورة ) لولا تطوّر شخصية كلّ منها .. فشخصيات ( منهل السراج ) الثلاث لا تتصف بالسكون و الثبات ، بل هي متطوّرة عبر صفحات الرواية.

( حوّا ) الأولى هي ( مي ) ، التي قضت أكثر من ثلاثين سنة من حياتها خارجة عن تقاليد عائلتها ، مختلفة عن بقية أخواتها ، إلاّ أنَّ اللحظة التي اضطرتها أنْ ترضخَ لما تفرضه تقاليد المجتمع ، جاءت بسبب فضيحة تعرّضَتْ لها ، فقط لأنّها _ هي الفنانة التشكيليّة _ استسلمت للحظة إبداع اجتاحتها فلم تقاومها ، بل ذهبت معها إلى حالة نشوة لم تفتح عينيها منها إلاّ أمام جَلْد الناس لها ، و وضع أصابع الاتهام في وجهها .. نعم لقد رضخت ( مي ) _ بسبب ما جرّته عليها لحظة جنونها الإبداعي تلك _ لقدرٍ موغل في الرماديّة ، على عكس الألوان التي أحبّتها دائماً .. إلاّ أنّ تطوّر شخصيّة ( مي ) من الألوان إلى الرمادي البحت ، لم يدعها تأخذ شكلاً تنتهي به الرواية ، بل عادت الألوان داخلها لتفاعلها الطبيعي ، لتمنح ( مي ) روحها المسلوبة من جديد ، و لتعود بها من الطريق الخاطئ الذي لم يكن سيوصلها إلاّ إلى الـ ( جورة ) .

و نأتي إلى (حوّا) الثانية : (كوثر)، لنتوقف عند اللطخة التي رافقت وهمها طويلاً ، لطخة سوداء كانت تداهم جبينها _ بمجرّد التقائها بالناس ، حتّى لو كانوا أطفال حيّها المنتشرين في أنحائه، يتراشقون الحجارة و التراب ، غير مكترثين بمرورها أصلاً _ و تتعدّاه لتغطي عينيها و وجهها بالكامل.. و الحقيقة أنّ لطخة (كوثر) السوداء ، تحتاج إلى دراسة نفردها لها ، لكنَّ المتّسع الورقيّ هنا ، يفرضُ علينا أنْ نتقيّد بسطور قليلة.

لم تكن اللطخة السوداء التي رافقت ( كوثر ) في أكثر من ثلاثة أرباع الرواية ، سوى تأثير دجل المعلمة في روحها التي أصيبَتْ بالهشاشة بدءاً من تعرّضها للتحرّش عندما كانت طفلة ، مروراً بفقدانها لوالدها و أخوتها في حادثة واحدة ، و وصولاً إلى منزل المعلمة و اجتماعاتها الدينيّة في ظاهرها ، الاستغلاليّة في حقيقتها .. حيث لم تكتفِ المعلمة بتسميم روح ( كوثر ) بالأفكار الخاطئة عن الدين و الدنيا ، بل راحت تستغل حاجتها و فقرها فتطلب إليها مساعدتها في شؤون منزليّة كثيرة مقابل منحها الآمال بتزويجها .. لكنَّ ( منهل السرّاج ) لم ترضَ أنْ تترك إحدى شخصياتها تُكمل في الطريق المنتهي بـ ( الجورة ) ، و إذا بها تُخرِجُ من أعماق ( كوثر ) تلك الفطرة المدهشة التي لابدّ و أنْ تخرج مهما حاول الإنسان دفنها : فطرة الحقيقة ..

غير أنَّ الكاتبة حافظت على الموضوعيّة نفسها في تفجير تلك الفطرة ، فلم تفجرها فجأة ، بل عملت منذ البداية على التمهيد و التلميح بأنّ ثمّة شيءٌ ما في روح (كوثر) لا بدّ و أنْ ينفجر .. و إذا بها تُجيد ترميمَ هشاشة تلك الروح التي تعرّضتْ للكثير من الضربات .

لقد اجترأت ( كوثر ) أخيراً على ترك منزل المعلمة ،ملتفتة لتعيشَ إلهها كما تمليه عليها فطرتها ، خالعة لطختها السوداء إلى الأبد .

أمّا ( حوّا ) الثالثة ، فهي ( ريمة ) ، و هي شخصية قد نلتقي بها يوميّاً .. فتاة من أصول فقيرة ، تزوجت من ثري أنساها فقرها ظاهرياً ، إلاّ أنَّ ردّات فعلها لا توحي بذلك ، فآلية التعويض نشطت في هذه الشخصية ، لدرجة أنَّ شغفها بالمظاهر أعماها ، و إذا بها أشبه بصندوق كرتونيّ كبير ، لكنه فارغ ..

و لأنَّ الكاتبة تتسم بنظرة إصلاحيّة ، تقدّم عبرها الحلول التي على كلّ أدب يريد أنْ يكون سامياً أنْ يقدّمها ، فقد تطوّرت شخصية ( ريمة ) في نهاية الرواية ، لتعودَ بها إلى الطريق السليم ..

و بانتهائنا من قراءة الرواية ، نتأكد من أنّه ليس المقصود بالعنوان : " جورة حوّا " اسم الحي الموجود في مدينة ( حماه ) ، فالكاتبة أذكى من أنْ تجعل من اسم الحي عنواناً بسيطاً ، دون أنْ تمنحه أبعاداً إضافيّة .. إنّها صاحبة رؤيا تتضح من خلال تتبّع شخصيات كلّ من ( مي ) ، و ( كوثر ) ، و( ريمة) ، فقد نجحت (منهل السرّاج) في إنقاذ شخصياتها الحوائيّة من جُوَر كانت احتمالاتها قائمة بقوة .. ( مي ) من جورة إنكارها لذاتها خوفاً من المجتمع ، و ( كوثر ) من جورة التطرّف الدينيّ الذي تساهم ظروف عدّة في خلقه ، منها المجتمع ، و أهمّها ظروف الإنسان نفسه ، و ( ريمة ) من جورة حبّ المظاهر الأعمى .

و قد كان العنوان " جورة حوّا " بمثابة حدث يجري _ على ما يبدو _ في واقع الكاتبة فعلاً ، لذا جعلت احتمال وقوعه قائماً على طول الرواية ، دون أنْ تسمح له بالوقوع في نهايتها ، بل أخذ في التبخّر على مرأى من عيني القارئ .. و هنا ، تكمن أمنية الكاتبة ، بالأحرى ، هنا يكمن همّها .

إنّ رواية ( جورة حوّا ) ، رواية تُخلَق في الوجه الواحد من أجل قراءتها ألف عين ، و يلهث الدارس في دراستها ، كونها تطرح مقولات هامّة ، ممّا يجعلها تُدرَس من ألف زاوية .. و قد اخترتُ أنْ أنثرَ دهشتي أمام هذه الرواية على طريقة الانطباعيّة التي أراها ألطف المناهج النقديّة ، ذلك أنّ المنهج الانطباعي ، يؤدِّبُ حبّاً ، و لا يجلد بغضاً .. ينساب بجاذبيّة ، ليجدَ سريعاً مَنْ يتوق للاقتران بألوانه الخاضعة لصيرورة أزليّة ..

و يبقى المتلقّي ، هو الحكم .

رواية ( جورة حوّا ) صادرة عن دار المدى ط1 2005 منهل السرّاج



#نادين_باخص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (أختي فوق الشجرة) ل وليد معماري..هَوَس الذاكرة .. لوثة الأشج ...
- - تفاصيل - ل ديمة ونّوس .. تسعة شهور لا تكفي حين يكون الجنين ...
- وجودية نزيه أبو عفش في (أهل التابوت)..
- رائحة القرفة ل (سمر يزبك) حين تكون الكلمات سلعاً مهرّبة ..


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - جورة حوا .. بين هاوية الواقع .. و انتصار الحِبر ..