أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضمد كاظم وسمي - نقد العقل العربي / النخب الفاعلة والاحادية الفكرية















المزيد.....


نقد العقل العربي / النخب الفاعلة والاحادية الفكرية


ضمد كاظم وسمي

الحوار المتمدن-العدد: 2315 - 2008 / 6 / 17 - 07:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يدخل العالم المتحضر عصر ما بعد الحداثة في عملية إزاحة وتخطي للبنيات القائمة ، ضمن تمظهرات نقد أيديولوجية الحداثة ، واعادة النظر في اقانيم الحداثة ، بل والتشكك بمسلماتها ، والعمل على احلال سلطة النص والخطاب محل سلطة العقل التي تمادت كثيراً في ترسيخ الرأسمالية القائمة على الاستقطاب والاستغلال والاستعمار ، وإلغاء الآخر وتهميشه ونفيه الى الأطراف القصية في تراتبها بين الأمم .. او الإقصاء الى الذاكرة ، والاحتباس بين تلافيفها النتنة .. هذا الآخر عندما يكون ضاويا واهناً .. لا يقوى على مقارعة القيود والمحددات التي تحول دون انطلاقه الى المستقبل .. هذا الاخر هو نتاج تسويغ العقل لمعطيات الماضي ، وتصنيمها وتبديد الزمن وافناء الجهد في محاريبها ، دون التمكن من نقدها ، وهكذا تجلى كل هذا التسويغ على مستويات الدين والسياسة والاجتماع والعادات والتقاليد ، فعلى مستوى الدين رضينا بحكم الاموات .. وقبلنا بهم كنماذج تنحدر من الماضي لتقودنا الى المستقبل ، وعلى مستوى السياسة رضينا بحكم الاحياء مدى الحياة وحصر السلطة في عائلة واحدة ، وعلى مستوى الاجتماع نضخم القاب التعظيم لقادتنا وشيوخنا ووجهائنا ضمن غطاء اجتماعي يمنحهم من الامتيازات بقدر حرماننا من ضرورات الحياة ، وعلى المستوى الفكري فيعد من المحرمات الثقافية التداول في امور الدين والسياسة والجنس او مناقشتها او التجرؤ على نقدها ، فضلاً عن تقديس وتبجيل التأريخ والانكفاء عليه لاستعادته كلما حلت بنا مصيبة او تناهبتنا نائبة .. ورحنا تحت ذريعة مقاومة الاستعمار ، نستمرئ الاستبداد الداخلي .. ومن اجل حرية الوطن نلغي حرية المواطن واخيراً باسم ضرب المصالح الامريكية صرنا نقتل مواطنينا الابرياء بامكانياتنا (( البترودولارية )) ، هذا ما نفعله نحن بانفسنا بينما مايحدث اليوم من حولنا ان العالم يتعولم – عالم حداثي واحد – في هذا الوقت نحن نتجه بقوة لتمزيق عالمنا العربي وأوطاننا من خلال الاتجاه صوب العرق والطائفة والمنطقة ونسقي هذا التوجه من كأس الموروث الفكري القديم الذي يستعصي على الحداثة ان تثقب عباءته القاسية .. والسؤال المطروح بشدة في الوقت الذي يتجاوز فيه العالم مرحلة سلطة العقل والحداثة ليدخل مرحلة مابعد الحداثة .. نرى عالمنا العربي ينطوي على ماضيه دون ولوج العقلانية والحداثة ، ما السر في كل ذلك ؟
مقومات الأنسان
يمكن القول ان قوام الانسان السوي يعتمد على مقومات متناغمة ومتعاونة وقد صنفها قديماً افلاطون في ثلاث مقومات تتوزع اجزاء جسم الانسان وهي : الشهوات والغرائـز الحيوانية ((شهوات البطن )) ، الاحاسيس والمشاعر الجياشة (( عواطف القلب )) ، عقل الانسان وسائسه وقائده (( حكمة الرأس)) .. وليس ثمة سعادة للانسان عندما ينفرط عقد هذه المقومات كأن تكبت هذه الشهوات او تطلق ، تلغى مشاعره او تؤجج ، او يكبل عقله .. غير ان سعادته تتعافى في توائم هذه العناصر وتناغمها ، واتساقها وسيلة واتحادها هدفاً .. وقد صور افلاطون هذه العناصر تصويراً مشهوراً (( وهي ان تصـور الشهوة والعاطفة جوادين يجران عربة ، ويمسك باللجام سائق هو العقل )) .. فحيث يترك الجوادان لشأنهما الفطري جمحا ، بيد ان العقل القائد يمكنه ان ينظم خطوات السير نحو الغاية المرجوة .. فاذا انطبقت هذه الصورة على شخص ما قيل عنه حسب وصف افلاطون بانه (( اكتسب فضيلة العدالة )) .. وهذا الامر مثلما ينطبق على الافراد فانه يرى في المؤسسات والجمعيات وعلى مستوى الدول والامم .. ولكي يتم تحقيق العدالة في صورتها الكبرى عندما تتجلى في الدولة .. فلابد من العمل بدء من الافراد وصولاً الى الدولة ، (( كما تكونوا يولى عليكم )) هذا هو الواقع والذي حصل في اوربا (( فحرية الفرد شرط ديمقراطية الحكم ، وليست الحرية السياسية الا نتيجة للحرية الفكرية )) .. اردنا باطروحة افلاطون هذه وااستفادة الغرب من مضامينها هو مدى القابلية في الواقع العربي للتعاطي مع هكذا طروحات وهل ان مايجري في بلادنا على مستوى الافراد والدول يتعامل معه على ضوء (( عقلانية الحداثة )) ام لما نزل نتوجس خيفة من نبضات قلوبنا ومايصدر عنها من مشاعر متبلدة عفى عليها الزمن ؟ فنحتكم لها ونعب من اجاجها
الوحدة كمقولة حضارية
لعل من نافلة القول ان الوحدة اكبر عائق يشل قدرة العرب على النهضة والدخول في مضامير العلم والتكنولوجية والديمقراطية ، يقول جورج طرابيشي : (( اعتقد ان المعوق الاكبر هو وحدة العرب ، ولكن هذا المعوق ليس عاملاً مباشراً لان الوعي باهمية الوحدة كمقولة حضارية ونهضوية وليس فقط كمقولة ايديولوجية وسياسية يتطلب قفزة في الوعي )) .. أي اننا لانمتلك رؤية حضارية للوحدة العربية مثلما يمتلك الغربيون كما حـدث في ايطاليا مثلا او مايحدث في هذا العصر في اوربا كلها متمظهراً في (( الاتحاد الاوربي )) .
اما رؤانا الوحدوية فلم تكن من منجزات عقلنا العربي بقدر صدورها عن حالة عاطفية متجذرة في منابع معرفتنا الموروثة .. فالنظرة السلفية للوحدة تقوم على اساس احياء مجدنا التليد الناجز كما في الصدر الاول من الدولة العربية الاسلامية كمعطى نواجه به الغرب .. وهذا يعد رد فعل سلبي على هجمة الاخر علينا .. لايمكن لهذا المعطى ان يؤسس لمستوى نهضوي حداثي او اقتدار حضاري ، لتناقضه مع روح العصر وعدم تعاطيه لمبدأ التطور والزمن ومايعنيه من فكر وقيم وآليات حداثية تتقاطع مع منظورنا المسمر في الماضي .. كذلك الاطروحات الايديولوجية القومية وخاصة في الشرق العربي والتي بنيت على اساس مفهوم القوة مستخلصا تلك القوة من طبيعة الحروب العربية الاسرائيلية – بالمناسبة هذه الحروب لاتصلح لاستخلاص القوة بقدر ما تؤشر الضعف والهزيمة – ظناً من اصحاب الفكر القومي ان القوة تعادل الوحدة في حين ان القوة احدى مقومات الوحدة .. ان رفع شعارات الوحدة سياسياً وآيديولوجياً ماعاد يجدي نفعاً .. لان هذه المداليل لاتلتئم والواقع العربي .. لانها اصبحت مجرد خطابات تبريرية (( وتمارس السلطة العربية على نقيضه التجزئة بأعنف اشكالها )) .
التراث وآلية التسلط
ان تمظهرات الثقافة العربية تحكي مكوناتها ولاسيما التراث كأحد اهم مكونات الثقافة العربية ، وهو موروث ثقافي يمتد الى قرون عديدة يشكل منظومة فكرية (( تحول الى تصور للعالم ومعيار للسلطة يظهر في القصائد والاحكام ، في النظرة والعمل ، في الفكر والسلوك . فهو اعمق في التاريخ واكثر اصالة ويتحد بالهوية )) .. بالاضافة الى كونه موروث شعبي تتغنى به العامة في الازجال والمواويل والامثال .. (( بل انه تحول الى مقدس بعد ان اختلط بالدين وتوحد معه )) .. وانتج الية التسلط لتستعمله النظم السياسية من خلال وسائل الاعلام واساليب القمع ، مثلما توظفه المؤسسات الدينية في رعوية الجماهير ، ويصح القول انه بلغ الى اقصى مديات الهيمنة والتسلط على الوعي الفردي والجمعي حتى عد أعظم رقيب داخلي لتكبيل العقل العربي .
التبسيط والتعليب
يميل الفكر العربي الى (( تبسيط التجارب الثقافية والحضارية )) .. ويعمد الى تصوير الحياة تصوراً مقولباً أو معلباً .. فهو ينظر الى التراث برغم مكوناته العديدة وعبر امتداده الزمني العميق كما لو كان شيئاً واحداً او معطىً جاهزاً يمكن التعامل معه بانتقائية مزاجية .. (( ان من عجائب نظرتنا الى التراث اننا في عملية ( التعليب ) هذه نسقط جميع الابعاد التي من شأنها ان تزود تراثنا بمعناه الحقيقي وقيمته التاريخية )) .
ففي الوجدان العربي يعيش خالد بن الوليد كطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي ، كما لو كانوا أبناء جيل واحد ومكان واحد .. الخ (( لان التعليب جردهم من زمانهم ومكانهم وظروفهم وحولهم الى شخوص رمزية في منظومة تراثية واحدة صنعها خيالنا التاريخي )) هذا الارتداد الماضوي في الوعي العربي ناجم عن كون الانسان العربي المعاصر انساناً مأزوماً ، مثلما الواقع العربي المعاصر تكتنفه الحيرة ويضله التشتت .. ومغلوب علـى امره ، لذلك يجري البحث في التراث كمنتج للهوية العربية المعاصرة .. (( وبما ان الاشكالية التراثية ليست من الاشكاليات الفكرية التي يسهل فك رموزها والغازها )) .. فقد كان موقف الدارسين لهذا التراث هو موقف السجال والنقاش العقيم ، (( حتى يكاد يخيل للمرء ان هذا الشنآن الذي يقع بين مختلف الاجتهادات المتعارضة هو نزيف فكري يؤدي الى الابتعاد عن الحزم بدل ان يقرب وجهات النظر في القضية المطروحة اساساً ، وهي تلمس طريق افضل للنهضة العربية المبتغاة )) .
هذا الاشكال ليس مقصورا على التعامل مع التراث ، بل معني بالتعاطي مع الاخر بذات النظرة الجامدة .. ان فكرنا في سياق حواره مع الحضارة الغربية يتعامل معها كمعطى معلب واحد ، يتجاهل فيه تباين المكان وتلون المكونات والروافد وتعاقب العصور وامتداد الزمن ، متناسياً ان الحضارة الغربية التي ولدت من رحم القرون المظلمة وانتجت محاكم التفتيش ومظالم الهجمات الاستعمارية ومساوئ الاستغلال هي ذاتها التي شرعت بعصر النهضة وأنجبت تيارات التنوير العقلي ووضعت اليات الحكم الديمقراطي واعطت الانسان قيمة مركزية ، واتشحت بكل فنون الابداع الجمالي والعلمي والفلسفي ..
تمتد هذه النظرة الجامدة الى المذاهب السياسية والاجتماعية .. فالذين يعملون على قيام حكم اسلامي .. يستشهدون بكيان اسلامي جاهز من الصدر الاول للتاريخ الاسلامي كمعطى ثابت يمكن نصبه عندما تتاح الفرصة المناسبة .. دون مراعاة لظروف الزمان والمكان والعوامل المحلية والاقليمية والدولية كل ذلك مجمد ومحيد .. وكذلك الامر مع المذاهب السياسية الداعية الى اقامة نظم عصرية ، فان لها نفس النظرة والجاهزية الموجودة لدى السلفيين ، فالماركسي له نماذجه الجاهزة والتحديثي كذلك . (( ان من الاسباب الرئيسية لهذا الميل نحو تعليب الظواهر وتثبيتها احساس داخلي بالعجز عن مواجهة تحديات الحاضر مواجهة تقوم على استكناه التراث باعتباره ذاكرة ( الذات الحضارية ) وسجل رصيدها ثم تحليل قيم هذه الحضارة ، وتحديد ما ينفع منها وما لاينفع ، ثم معرفة الواقع القائم ، معرفة احاطة بالدقائق .. واخيراً صياغة منهج حركة الى المستقبل يوظف التراث كما يوظف معطيات الحاضر المحلي والعالمي لخدمة اهداف الحضارة )) .. وهكذا فنحن في مضامير الثقافة والعمل كنا نصدر عن العاطفة في الاتجاه والسلوك لا عن العقل . وسيلتنا لادراك الاشياء او المدركات هي الوجدان لا منطق العقل .. ففي الوقت الذي نعبر فيه عن رفضنا لفكرة الحضارة الغربية الجديدة ووصمها بالمادية البغيضة لارتباطها بالعقل .. لكننا ربما كنا اكثر الامم اقبالاً وانتفاعاً بنتاجها المادي الاستهلاكي .
الأحادية الفكرية
ان تمظهرات الثقافة العربية كما تقوم في الوجدان العربي لاتربطها علائق التعاون والتعارف والمحبة بقدر ما تشتد بينها الصراعات الشديدة وتظهر الاحادية الفكرية كفرعون يعمل على الغاء الاخر ، وقد يترجم ذلك على شكل التطهير العرقي والطائفي والسياسي والفكري في المجتمعات العربية .. رغم ان هذا التنوع في الحضارة العربية من حيث الاصول والمكونات والمثاقفة تراثا ومعاصرة ، كان يمكن ان يكون اثراءً للحاضر واستشرافاً للمستقبل.
والامر لم يقتصر على انشطار الفكر العربي الى سلفي وتغريبي فحسب بل صار يتطلب موقفاً فكرياً عملياً من اتفه القضايا التفصيلية التي يجب ان تترك للفرد ضمن حريته الشخصية على سبيل المثال لا الحصر : زيارة القبور ، الغناء والموسيقى والنحت ، الاحتفال بالمولد النبوي ، حلاقة اللحى ونوع الملبس … الخ .
وهذا الامر يفضي الـى مخاطـر تهدد حاضر ومستقبل البلاد العربية وتشرذم (( الهوية الثقافية )) وذلك باحلال افكار وقيم وتقاليد مفرقة وممزقة بدلاً من قيم تكوّن (( اتفاقاً اجتماعياً )) .. تحفظ المجتمع باتجاه فتح افاق المستقبل . كذلك فان هذه الامور تستغرق العقول والنفوس في قضايا تافهة وبالتالي تصرفها من التوجه نحو القضايا الكبرى التي يتوقف عليها مستقبل التحضر العربي كله .
ان الاحادية الفكرية والقاصدة لالغاء الاخر ناجمة عن طبيعة ادراكنا لحقائق الاشياء .. لادراك حقائق الاشياء لابد من طريق العقل القائم على الادلة والبراهين .. وحيث اننا لانسلك هذه السبيل .. فنعتاض بطريقة العاطفة / القلب في ادراك حقائق الاشياء .. والتي تسمى (( الحدس)) : (( أي رؤية الحقيقة رؤية مباشرة كأنما هي تحدث بنور آلهي او بلمعة من الوحي )) .. والحدس لايحتاج الى برهان لاثبات صدقية ادراك حقيقة ما .. وهو طريق المتصوفة الذين يزعمون انهم يشهدون الحق شهوداً مباشراً .. وعلى هذا الاساس المبني على الحدس / العاطفة / القلب لا على العقل تقوم الكثرة الغالبة من أحكامنا وآرائنا وقراراتنا وتسيير دفة حياتنا الخاصة والعامة على السواء افراداً وحكومات . (( يقول برتراند رسل: نعم ان الادراك الحدسي يفرض نفسه على صاحبه فرضا يحول بينه وبين ان يشك لحظة في صوابه وكيف له ان يشك فيما يراه ماثلاً امامه ؟ تلك خاصة لاتتوافر للادراك العقلي ، لان الادراك العقلي طريقه الاستدلال ، والاستدلال معرض للخطأ ، لكن هذا اليقين الجازم الذي يصاحب الادراك الصوفي عند اصحابه ، هو نفسه الذي يحول ذلك الادراك الى كوارث ، فلو ان المعرفة الاتية الينا عن طريق الوجدان معصومة من الخطأ ، لكان اليقين الذي نشعر به ازاءها خيراً كل الخير ، لكن تلك المعرفة معرضة للخطأ كما يتعرض العقل للخطأ ، وليس الامر كما يزعمون لها من عصمة )) . ان من يسلك طريق العقل يرى فيه احتمال الخطأ ، لذلك فهو لايكـف عن مراجعته ويقبل مواطن النقد وتصحيح الخطـأ . اما من يسلك طريق الحـدس فانه لايرى في هذا الطريق من احتمال للخطأ .. تراه يقدم اقدام الواثق ويصـم اذنيـه عن نقـد الناقدين .. عندها قد تحل الكارثة دون ان يحسب لها حساب .
ضعف الأبداع
من تمظهرات ثقافتنا وفكرنا .. وهن الابداع في مجتمعاتنا .. والابداع شرط اللحاق بركاب الامم المتحضرة .. الابداع في مجالات العلم والثقافة والفن .. وبدونه نظل نعيش تحت رحمة التبعية والتقليد . فالابداع خدين الحرية .. الا ان فكرنا الذي هو نتاج الانظمة الفكرية والتراثية والسياسية والاجتماعية والتربوية العربية لايقبل بغير نظرية الاجماع (( والتوافق الكامل مع المجموع ، والانصياع المطلق للمسلمات والمقررات والمألوفات )) .. وتعتبر المخالفة ولو الى الاحسن والامثل – كفراً وشذوذاً وانشقاقا - .
ان هزالة الابداع التي تطبع ثقافتنا العربية قادت الى فجوة كبيرة بيننا وبين العالم المتحضر .. توشك ان تتسع وبسرعة مخيفة (( وحينذٍ يكون الحديث عن عبورها وتجاوزها خيال شعراء .. لاتخطيط علماء)) .. فالثورة العلمية / التكنولوجية ذات الحلقات المتصلة .. وما انتجته من معرفة ، بدون شك منحت من يمتلك تلـــك المعرفة زمام قيادة البشرية في هذا العصر والعصور القادمة .. فيما لاتزال شعوبنا العربية تغط في تخلف رهيب بل ان نظمنا التعليمية لاتجاري حتى النظم الاقليمية فيما لايزال الكثير من مفكرينا ومثقفينا يتسكعون في اروقة الجدل العقيم حول قضايا لاتنفع .. لايمكن ان ندخل عالم الحداثة ما لم نكن من الذين (( اتقنوا لغة هذه الادوات الحضارية الجديدة ، وفهموا قوانينها الداخلية ، وصاروا قادرين على صنعها وتطويرها واستخدامها )) .. ففي مجتمعاتنا المتخلفة هناك نفرة من العلم وبحوثه ..لان الناس المشتغلين بالامور البحثية والنظرية والعلمية .. لاتدر تلك الساعات المجهدة في مضامير العلم شيئاً يذكر على اصحابها اذا ما قسناها بذات الساعات المبذولة في ميادين العمل العضلي والسياسة والدين وما توفره لاصحابها من نفوذ وسلطان وثراء . من الاراء الشائعة فينا ان العقل بعلومه عدو للوجدان ومشاعره .. فان القلب مقدم فينا على العقل .. بل ان اعمال العقل مجلبة للشقاء (( فذو العقل يشقى في النعيم بعقله ، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم )) .
هزالة التخطيط
ومن تمظهرات ثقافتنا غياب الاهداف وهزالة التخطيط والتنبؤ بالمستقبل لان حركة الفكر في ميادين الحضارة والثقافة لابد لها من بلوغ الاهداف المرسومة والتي ترنو لها المجتمعات من خلال النمو والتقدم اعتماداً علـى الابداع الفكـري والجمالي (( فالفكر الذي لايخدم قيم العمل ، واحترام الوقت ، واتقان الاداء ، والاعتماد على المنهج العقلي النقدي فكر متخلف .. لايخدم الثقافة .. ولايعين على تحقيق مهام اللحاق )) .
وكذلك فان الانتاج الثقافي الذي يسقط من حسابه قضايا الحرية ، والعدل ، ولايتبنى قيم الالفة والتوافق فكر يهدد الحضارة في صميمها .. ولايكسب حركة الثقافة والتنمية عوامل النضج التي هي معيارها وركنها المكين.
الفكر الأرتدادي
واخيراً ظهرت في العالم العربي الافكار الارتدادية التي توجه حركات الاسلام السياسي ولاسيما الحركات التكفيرية الالغائية كعلامة على بؤس الثقافة العربية وانحطاطها وتمظهرها بمظهر الردة بعد فشلها النهضوي والحداثي (( الاسلام السياسي هو رد طبيعي وافراز عفوي للفشل النهضوي .. بقدر ما عجز العرب على تطبيق المقولات النهضوية فقد فتحوا الباب امام تيارات الردة بالمعنى التوظيفي للسياسة )).
يمكن القول ان ثمة عوامل داخلية وخارجية قد لعبت دوراً اساسياً في تشكيل واستشراء الفكر الارتدادي .. ومن بين العوامل الداخلية ، فشل المشروع النهضوي العربي سواء أكان قومياً ام ماركسياً ام ليبرالياً ، فشل الدولة الوطنية في مهامها كدولة حديثة تقود المجتمع ، الاختلالات البنيوية التي تخنق المجتمع العربي وتحبسه في شرنقة التخلف ، الحيض النفطي والذي يعد عاملاً داخلياً وخارجياً حيث وظفت امواله لنصرة الدعوات الدينية ، الضياع وفقدان الامل والقنوط الذي يداخل الشباب العربي .. والذي اصبح كالغريق الذي يتشبث بكل قشة .
اما العوامل الخارجية لظهور الحركات الدينية : فالعامل الاول كانت وراءه اميركا لاحاطة المعسكر الشيوعي بسور من الدين .. ومع سقوط هذا المعسكر فقد انتفت الحاجة الى هذا السور والتي تحولت اثاره الى البلاد العربية والاسلامية ، الاموال النفطية في دول الخليج والتي تقيم شرعيتها السياسية على المعيار الديني .. فارادت هذه الانظمة ان تقي نفسها بواسطة سور الدين من شر المد القومي واليساري ، والعامل الثالث هو قيام الثورة الايرانية ومحاولة تصدير الثورة الى العالم العربي .. لذلك شجعت اميركا والانظمة العربية على انتاج الاصولية الدينية السلفية ( كمضاد نوعي ) لمواجهة الاصولية الدينية الشيعية المتصاعدة في ايران .



#ضمد_كاظم_وسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة الامريكية وتقسيم العراق
- نقد الفكر العربي/المشروع النهضوي اعادة تشكيل الوعي العربي


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضمد كاظم وسمي - نقد العقل العربي / النخب الفاعلة والاحادية الفكرية