|
سبل تفعيل شبكات الحماية الاجتماعية في العراق
فلاح خلف الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2311 - 2008 / 6 / 13 - 11:24
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ألقت التطورات الدراماتيكية التي شهدها كل من الوضع الدولي والوضع المحلي منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين، بكل ثقلها على منهج التطور الاقتصادي في العراق، لتجعل من اتجاه التطور الرأسمالي هو النهج المرغوب رسميا وشعبياً على المدى المنظور.بعد أن أصبحت السياسة الاقتصادية تعمل تحت ضغط ألازمة البنيوية الشاملة ،التي فرضت على صانعي السياسة الاقتصادية الشروع بإصلاحات اقتصادية تهدف إلى إحداث تغيير البنية الأحادية للاقتصاد العراقي، وتقليص اعتماده الرئيسي على العوائد النفطية من ناحية ، والضغط المتولد عن ثقل المديونية الخارجية ومتطلبات الدول وشروط المؤسسات الدائنة لإسقاط الديون ، فضلا عن ضغط مؤسسات التمويل الدولية وتحديدا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، التي تطالب الحكومة بالالتزام بتحرير الاقتصاد وتطبيق المتطلبات المعيارية لصندوق النقد الدولي ، وضغط المتطلبات التمويلية الهائلة لإعادة الأعمار في العراق، التي تفرض الاستعانة برؤوس الأموال الخارجية وتوفير شروط مناسبة لاجتذابها لتسهم في تطوير القاعدة الإنتاجية وتحديث الاقتصاد الوطني.وهذه المجموعة من الضغوط تصب باتجاه ربط عملية إعادة الاعمار العراق ببرامج التصحيح الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،لأجراء إصلاح اقتصادي يجعل من الاعتماد على السوق محورا للنشاط الاقتصادي وآلية لتوجيه الموارد، وما يتطلبه ذلك من تطبيق لسياسات الخصخصة ، بشكل يؤمن تضييق جذري لدور الدولة الاقتصادي و يعطي الأولوية للقطاع الخاص واجتذاب الاستثمارات الأجنبية.وبذلك بات إخضاع البلاد لهذا النهج شرطاَ ضروريا لتخفيف عبء المديونية الخارجية الثقيل والحصول على "معونة" الدول المانحة والمؤسسات الدولية. ومن ناحية أخرى نجد أن معظم الدول النامية التي طبقت برامج التصحيح الهيكلي لم تحقق بعد النهضة الإنتاجية المطلوبة ويمكن أن يعود ذلك الى ما يأتي :- 1- لم تعوض استثمارات القطاع الخاص الانخفاض في استثمارات القطاع العام،فقد ترّكزت في القطاعات العقارية والتجارية والسياحية، باستثناء بعض الحالات التي نجح فيها القطاع الخاص بفتح مجالات إنتاجية جديدة في بعض النشاطات الزراعية ، وكذلك الجهود من قبل الانشطة الصناعية الصغيرة او المتوسطة الحجم . 2- لم يحظ القطاع الصناعي بعد بالتشجيع والتمويل الكافي، وما يزال يواجه صعوبات في تصدير إنتاجه 3- لم يكرس القطاع الخاص جزء من أرباحه للأبحاث والتطوير وتدريب القوى البشرية العاملة لديه، وهما عنصران أساسيان في أر ساء مقومات نهضة إنتاجية شاملة تحتاج إليها معظم هذه الاقتصادات. 3- ضعف حالة التكامل بين أنشطتها الاقتصادية ،على خلاف الاقتصادات المتقدمة والدول الحديثة التصنيع في شرق آسيا. لكل هذه الأسباب نرى ان معظم الاقتصادات النامية ومن بينها العراق ، ما تزال تفتقد الى معادلة تنموية ناجحة، ويجب بالتالي وضع استراتيجية للخصخصة في إطار إقامة مثل هذه المعادلة، فيجب أن لا تكون الخصخصة غاية بذاتها، بل وسيلة من بين وسائل عديدة لتنشيط الوضع الاقتصادي. وفي هذا الخصوص،لا نعتقد ان الإطار الصالح لمعالجة الآثار السلبية للخصخصة هو فقط تقوية شبكات الحماية الاجتماعية التي تخفف من حدة الفقر، بل يجب ان تندرج عمليات الخصخصة ضمن نظام متكامل لتنشيط الوضع الاقتصادي من جميع جوانبه، بالإضافة الى الآليات التي سيرد ذكرها ،التي تهدف الى تمويل إعادة تأهيل اليد العاملة الفائضة من إيرادات الخصخصة نفسها و تحويل هذه اليد العاملة العاطلة الى ُمنتجة من خلال إقامة منشآت جديدة مع الشركات المخصصة . والسؤال الذي يرد هنا هو هل أن شبكات الحماية الاجتماعية في العراق مؤهلة لاستيعاب الآثار السلبية للخصخصة؟" هنا لا بدّ من الإشارة الى ان الفلسفة الكائنة وراء إنشاء صناديق اجتماعية هي في الأساس ناتجة عن ضرورة محاربة الفقر بتقديم التسليفات المتناهية الصغر للفقراء، وإعادة التأهيل المهني، وكذلك المشاريع المحلية الطابع التي تفيد الفئات الفقيرة من المجتمع. وهذا النوع من الصناديق لم يُرسمْ أساسا لمعالجة الآثار السلبية للخصخصة، بل هدفها الرئيسي هو محاربة الفقر. ومن هذا المنطلق لا يمكن ان اعتبار الصناديق الاجتماعية إطار صالحاً لتجنب آثار البطالة التي يمكن ان تنتج عن عمليات الخصخصة، إذ لا يجب ان نقبل بالمنطق الكائن وراء هذه المعالجة، و هو منطق يفترض بشكل ضمني، ان الخصخصة تؤدي حتماً الى وقوع فائض الموظفين والعمّال، الذين يطردون من وظائفهم، في حالة الفقر؛ وبالتالي يصبح الحل الوحيد إحالتهم الى شبكات الحماية الاجتماعية. والحقيقة ان التخطيط لعمليات الخصخصة يجب ان يتضمن سلسلة من الإجراءات التي من شأنها ان تحول دون وقوع الفائض من العاملين في المؤسسات التي سيتم تخصيصها في حالة الفقر.
ويمكن هنا ان نسرد أهم هذه الإجراءات:- 1- توفير الحماية الاجتماعية للعراقيين الذين تدهور مستوى معيشتهم الى درجات متدنية ، أولاً استحداث بند في الميزانية العامة تحت اسم (مخصصات الضمان الاجتماعي) ترصد فيه المبالغ الكافية لدعم الفقراء والمعوزين ، فلا ضمان من غير مبالغ تخصصها الدولة في ميزانيتها للمعوزين والمحتاجين . 2-حتى تضمن الدولة وصول إعانات الحماية الاجتماعية الى مستحقيها ، وأن تتحول الدولة الى معيل الى هؤلاء دون غيرهم ، لا بد من إنشاء سوق للعمل يتضمن إحصائيات دقيقة عن العاطلين أو العاملين جزئياً وعن ممتلكاتهم حتى يمكن تخصيص مبالغ معقولة لهم وفق قانون جديد للضمان الاجتماعي يفترض أن يشرع بالتوافق مع إنشاء جهاز فعال لتولي هذه المهمة المعقدة. فضلا عن أهمية التأكيد على بناء شبكة الضمان الاجتماعي وتقديم الإعانات المالية في حالات البطالة والعجز عن العمل والشيخوخة بما يؤمن حداً أدنى معقولاً من الدخل يسمح بالارتقاء بنوعية الحياة في البلاد، 3-إيجاد نظام فعال لتمويل هذه الصناديق كاستقطاع نسب معينة من الرواتب والأجور والأرباح وأشكال الدخل الأخرى تنظم بقانون، من خلال حجز جزء من أسهم المؤسسة المخصصة ووضعها في صندوق استثماري خاص يتملكه الموظفون والعمّال الذين اخرجوا من عملهم، على ان يكون هناك شروط وقيود على المتاجرة بالأسهم المحجوزة لكي لا يُقدم المستفيدون على بيع حيازتهم من الأسهم فوراً. فالهدف من هذا الأجراء هو تأمين سيل متواصل من الإيراد لمن انقطع مصدر رزقه الأساسي. هذا بالإضافة الى تطبيق مبدأ العدالة بحيث لا يُحرم العامل الذي خدم سنين طويلة في مؤسسة ما و اضّطر الى تركها، من الإرباح المستقبلية للمؤسسة بعد تخصيصها. 4- دراسة إمكانية تشجيع العاملين الفائضين على إنشاء شركات مورّدة للسلع او قطع الغيار أو التجهيزات او الخدمات الاخرى التي تستخدمها المؤسسة المخصخصة، على ان تتعهد الإدارة الجديدة للمؤسسة المخصخصة ،بجعل هذه الشركات الجديدة التي يقيمها العاملون الذين تمّ الاستغناء عن خدماتهم ،تعمل كفروع ثانوية أو بعقود من الباطن 5- إقامة الشركة المخصصة برامج للتدريب المهني وإعادة التأهيل للعمال الفائضين ،تسمح لهم بالدخول في حياة مهنية جديدة تؤمن لهم على الأقل نفس المدخول السابق لعملية الخصخصة. 6- المحافظة على نظام البطاقة التموينية وتحسين مكوناتها لأن الحصص الغذائية الموزعة في الوقت الحاضر تشكل شبكة معقولة لأمان الفقراء والمعوزين لحين بلوغ الوقت الملائم للاستغناء عن هذا النظام في المستقبل مع تحسن الأوضاع الاقتصادية. 7- الارتقاء بالخدمات الاجتماعية، كالخدمات الصحية والتعليمية الأساسية مع ضرورة الحرص على تقديمها مجاناً ،واعتبار التمتع بها حقاً شاملاً من حقوق المواطنة والإقامة على أرض العراق والمطالبة بإلغاء نظام التمويل الذاتي. 8- معالجة أزمة السكن عبر الجمع بين مشاريع إسكانية تمولها الدولة للفئات الضعيفة الدخل وتيسير الإقراض العقاري للفئات المتوسطة الدخل. 9-محاربة الفساد الإداري والمالي والاقتصادي الذي أصبح يشكل أحد اخطر معوقات التنمية، ووضع إجراءات وقوانين لإيقاف أي تجاوز على الثروة العامة. 10-من الضرورة أن يسبق ويرافق التحرير الاقتصادي في أي قطاع ، وضع تشريعات وضوابط منظمة للسوق وقوانين تضمن حقوق العاملين وحرية التنظيم المهني والنقابي وتحفظ حقوق المستهلكين وتضمن للأطراف المتعاقدة تطبيق شروط المنافسة ، وتؤمن السيطرة النوعية على المنتجات والسلع المتداولة، إضافة إلى التأكيد على تعزيز دور أجهزة الرقابة المالية للدولة في هذه العملية.
#فلاح_خلف_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية
-
الآثار النقدية للسياسات المالية في العراق
-
التحديات التي تواجه تنفيذ أهداف الموازنات العامة في العراق
-
برامج الخصخصة ..الاهداف والاستراتيجيات والاساليب والاثار وشر
...
-
برامج صندوق النقد الدولي وأزمة التنمية في الدول النامية
-
تطور أهتمام الفكر التنموي بالتنمية البشرية
-
سبل النهوض ببرامج القروض الصغيرة في العراق
-
القطاع الصناعي في العراق بين الأهداف العامة وأهداف المشروعات
...
-
دورشبكات الحماية الاجتماعية في حماية الفقراء من مخاطر الخصخص
...
-
عملية توريق الاصول كوسيلة لتسوية الديون المصرفية المتعثرة في
...
-
ظاهرة الاحتقان الطائفي في العراق بين التفسير الاقتصادي والسي
...
-
اتجاهات التطور في الهيكل الإنتاجي للاقتصاد العراقي
-
تقييم تجربة التنمية الصناعية في العراق
-
المشكلات التي تواجه مؤسسات الكفالة المصرفية في العراق والمقت
...
-
سبل معالجة ظاهرة البطالة في العراق
-
دور الجهاز المصرفي في تنشيط سوق العراق للأوراق المالية
-
دور صناديق الاستثمار في الاقتصاد العراقي
-
دور شركة الكفالة المصرفية في تمويل المشروعات الصغيرة العراق
-
مبررات وشروط التحول نحو اقتصاد السوق في العراق
-
ظاهرة غسيل الأموال وسبل التصدي لها في العراق
المزيد.....
-
جلفار تبيع صيدليات زهرة الروضة في السعودية بـ444 مليون ريال
...
-
مؤشر الأسهم الأوروبية يسجل أسوأ أداء شهري في عام
-
السعودية توقع مذكرات تفاهم بـ51 مليار دولار مع بنوك يابانية
...
-
موديز: الاستثمارات الحالية غير كافية لتحقيق الأهداف المناخية
...
-
منها حضارة متعددة الكواكب.. ما أسباب دعم ماسك ترامب بملايين
...
-
هاتف شبيه الآيفون.. مواصفات وسعر هاتف Realme C53 الجديد.. مل
...
-
القضاء الفرنسي يبطل منع مشاركة شركات إسرائيلية في معرض يورون
...
-
لامين جمال يوجه سؤالا مثيرا لنجمة برشلونة بعد تتويجها بالكرة
...
-
وزارة الكهرباء العراقية وجنرال إلكتريك ڤ-يرنوڤ-ا
...
-
عملاق صناعة السيارات فولكسفاغن وأزمة الاقتصاد الألماني
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|