في أواخر العام الماضي نجحنا(الشاعر السوري من أصل صيني أحمد جان عثمان) وأنا, في البدء بحوار عبر موقع كيكا ومدينة على هدب طفل. أقول نجحنا فقد تم تجاوز بعض العوائق الراسخة وبعض العقد المتأصلة في الثقافة والشخصية السوريتين, منذ البداية تم تخطي عقدة كولومبوس في الشعر العربي كما يسميها أحمد والمتمثلة في نموذجي الشاعر العربي أو مثله الأعلى المتنبي أو سيف الدولة, كما تم تخطي اسطورة(تعدد الأوزان) في ثقافتنا والمتمثلة في مثقف من العيار الثقيل يطلق الحكم والأقوال المأثورة وآخرون منقسمون في جيشي الموالين أو المعادين دورهم يقتصر على التصفيق أو السباب, وبالتالي نزع البعد المعرفي من الكلام وإلغاء الموقف النقدي, الذي ما زال في طوره الجنيني بكل أسف.
تجاوزنا معا كذلك الموقف الإتهامي السائد ووصلنا إلى الموقف المتفهم المتجاوز للثنائيات القاتلة (بطل – تافه) (عبقري _ عادي) وثنائيات الصواب والخطأ المعروفة. فائدتي الأساسية والشخصية كانت في حيازتي الواعية لضرورة الفصل بين الشخص والأفكار, التي عليها يتأسس الموقف النقدي المتحرر من أسطرة الذات, ومن الإعتقاد بإمتلاك الحقيقة. وهنا علي أن أعترف لصديقي أحمد بأنه في الحياة الفعلية أكثر تسامحا مني وأكثر محبة للناس, يدل على ذلك تعدد أصدقاءه وتنوعهم الفكري وحتى السياسي, ,وأنا بالعمق ممتن له.
وجدت بعد 43 سنة من يبادلني الكلام, فجاء القرار-الصدمة ترحيل أحمد ونحن أصدقاءه في دوامة المشاعر المختلفة من الألم إلى اليأس.
سميته قاصدا بالشاعر السوري, هو كما أعتقد كذلك.
في المجتمع السوري وغيره طبقات ومواقع فردية وإجتماعية متعددة , وبما أن مجال إهتمامي محدد بالعالم الداخلي للفرد, سأتوقف عند موقعين فقط :المختلف والهامشي, الموقع الأول أو الرسمي يطغى ويطمس المواقع الأخرى بدءا من الكلام وصولا إلى الوجود الجسدي أحيانا. لتفهم مشكلة ناهيك عن حلها يلزم: معيار (أدوات قياس وإمكانية إختبار) ونموذج ومقارنة المعيار في الفكر هو المنطق أو الحس المشترك, والنموذج بالنسبة للمختلف وكذلك للهامشي هو الأول, والمقارنة سأقيمها بين أحمد وبيني.
المختلف يتحدد بالأول طالما الموقع ما زال في طور ما قبل التحقق, ومحاولة تحديده تنطوي على مخاطر يخفف منها الحق في الخطأ,إذا لم يشكل إعتداءا على أحد.
المختلف في اللغة والدين والعرق والجنس والصحة, في الصفات الخمس نتعادل تقريبا, أحمد يجيد اللغة العربية الفصيحة أكثر مني , وهو يشبه الأربعيني السوري أكثر, فأنا مريض منذ العشرين, ولون شعري أبيض منذ الخامسة والعشرين,ونحن الإثنان لسنا من المختلف السوري
لا أعتبر الفكر والإعتقاد والمواهب الفردية في الموقع المختلف.
الموقع الهامشي يمكن تحديده عبر المستويات:السياسي والإجتماعي والثقافي(الشعري )في حالتنا والأخلاقي. في المستوى السياسي لأحمد علاقات مع الطيف السياسي السوري أكثر,وفي المستوى الإجتماعي هو متزوج من سورية وأنا كذلك, لكن له ابنتين سوريتين وأنا بدون أولاد, أحمد يمتلك منزلا وأنا أعيش في غرف وبيوت بالإيجار أكثرها بعقود سياحية, وفي المستوى الشعري(بغض النظر عن حكم القيمة) لأحمد خمس مجموعات شعرية صادرة في سوريا وهو ينشر منذ عشرين سنة في الصحف والمجلات السورية والعربية وله اسم معروف عربيا وله حضور كذلك, كدت أنسى أنه مرشح لعضوية الشرف في إتحاد الكتاب وله مجموعة شعرية ستصدر عن وزارة الثقافة في سوريا, أما أنا حسين زوج فريدة السعيدة مع أنني أكبر من أحمد بخمس سنين لي شبه مجموعة يتيمة ومخطوط لم يسمح له بالنشر والمفارقة في عنوانه(نحن لا نتبادل الكلام) وحتى اليوم لم أقلع نهائيا عن فكرة الإنتحار, وأصدقاء أحمد في الوسط الأدبي مشاهير وبالمئات, ,أصدقائي لا يتعدون أصابع اليدين وأشهرهم على الإطلاق الشاعر أحمد جان عثمان.وأما المستوى الأخلاقي فأحمد كما أسلفت متسامح فعلا وذو شخصية مرنة وأحيانا كنت أتهمه بالنفاق من غيرتي وحسدي, وحتى في اللاذقية التي أسكن بيوتها الخمسة عشر السابقة منذ18 سنة أصدقاءه الأدباء أكثر, هو شخص مريح محب للحياة ومتمسك بها وأنا شخص نكدي أتذمر في جميع الظروف, وتسامحي الفكري هو تعويض عن تعصبي وطفاليتي المستمرتين رغم محاولاتي الدائمة للإستشفاء
لم يصححني بوذا ولا علم النفس ولا براميل الكحول والتبغ, وبإستثناء محمد سيدة وعماد جنيدي وبسام درويش ليس في الوسط الأدبي من هو أكثر هامشية من حسين عجيب وبين أهله البيولوجيين.
الآخر تسمية أيديولوجية لمواقع وأفراد, يلزم تفكيكها إلى عناصرها المتعددة: المختلف والهامشي والمنبوذ والمريض والمسكوت عنه.
صفتي الوحيدة, الجيدة والعميقة, هي الصدق, رغم رغبتي ومحاولاتي في تعلم النفاق فشلت وكل ما ذكرته دقيق وواضح ومحدد, ولم أزد, بل ربما أنقصت
وسؤالي لكل من سيقرأ تحيتي اليائسة لأخي وصديق أحمد
من هو الآخر السوري:أحمد جان عثمان أم حسين عجيب
من حذائي المثقوب
يبدأ التاريخ والجغرافيا
أنا الأمير السعيد
أضع رجلا فوق رجل
وأطلق قهقهتي
إلى وراء الكون
دائما
أستيقظ في منتصف الكابوس
لاهثا
خلف أعصابي التالفة
اللاذقية-10|1|2004 حسين عجيب