أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريفي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 4/6















المزيد.....


مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 4/6


كريم جاسم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2280 - 2008 / 5 / 13 - 03:22
المحور: سيرة ذاتية
    


ربيّع لم يدمْ طويلاً...(4)
*القرامطة حركة فكرية متحّررة ،تؤمن بالشعار التالي ـ تقسيم الرزق في مراعيهّا. واباحة طعمة العنب في براريّها. حكمت ثلاثة قرون نصف تقريبا ًـ قارعت سلطة الأقطاع الأصولي والأبوّي والخِلافيّ . فأتهموها بالزنّدقة والكفر وانها حركة باطنية رافضية. كانت أهوازية المنشأ، كوفية التبشير،بحرينية السلطة.

قبل البدء في كتابة الجزء الرابع من هذه المناكدات وصلتني رسائل عديدة من أصدقاء ،وقرآء، منها من يتعاطف معي على هذا الحجم من الآلم .والآخر يرثيني بحزن عميق،وثالث ينتقدني على كتابة سيرة ذاتية حزينة ، فيها كم هائل من الدراما. أود أن أُطمئن الجميع من الذين كتبوا معلقين .. ان الجزء الخامس والسادس سيكون أكثر ألمناً،لان الأحداث التي عشتها عظيمة الوقع ،وصعبة التحمل وتحتاج الى موهبة نادرة للتسجيل والتدوين . وأعترف اني لم أحترف التدوين . لكن أود أن أقول لكم أعزائي : ثمة دوافع مختلفة الوسائل والأهداف وراء كل عمل مكتوب في سفر البشرية وصلنا إليه ،أو وصل إلينا وأصبح موروثنا المعرفي تتناقله إلينا حقب التأريخ والأزمان . بكل تأكيد ستبقى هذه الدوافع فاعلة رغم اختلافها. أم دوافع الكتابة لدي واضحة ومتجلية.أهمها الضمأ للحقيقة. وأحياناً رغبة قوية لحل مشكلة نفسية صعبة لازمتني مراحل من الزمن,أو تجاوز ساعات أليمة من حياتي لم أتحرر منها بعد. أشكر كل الذين بعثوا إلي ملاحظاتهم وآراءهم على المناكدات التي عشتها بعد عودتي للوطن. والبعض يعتب بمرارة المحب على سرعة العودة!

أقول لهؤلاء : ألا لا تَلوماني كفى اللومّ مابّيا فما لكما في اللوّم نفعٌ ولا ليّا
ألم تعلما إن الملامّة نفعهـا قليلٌ وما لوم أخي من عزائيا

الانتقال الجديد الى العاصمة أصبح أمراً مفروغاً منه، بل ضرورياً رغم تصاعد فعاليات الموت وأدواتها. ومن أخطر وجوه فعاليات الموت المتصاعدة هي الأغتيالات الشخصية التي تصاعدت هي الآخري بشكل غير مسبوق بالتوازي مع السيارات المفخخة وعمليات الأنتحار. وسائل التدمير تعددت بشكل ملفت .لكني ذهلت بنوعية العمليات ودقتها، حيث فرق الموت أي كان شكلها وهويتها أثبتت على الأرض بأن لديها القدرة اللوجستية على تنفيذ أي عملية موت في أي مكان هي تختاره وساعت ما تشاء.هذا يعني ضمناً هناك تنظيم وتنسيق مُعد له بدقة عالية. لذلك كانت أهداف العمليات في أتجاهين : الأول هو شّل اداء الحكومة بالتركيز على اغتيالات المسؤولين ومن الدرجات الثلاثة الأولى، حتى تبقى حالة الفوضى في مؤسسات الدولة، ودوائرها مرتبكة ،وغير فاعلة، والوصول اذا أمكن الى تعطيلها. حتى يُعطى انطباع للمواطن بأن اداء الحكومة صفر. وبالتالي تتزعزع ثقة المواطن بالحكومة. اضافة الى ارتال الدعايات التي تغذي وتروج وتدعم هذه المعطيات.ثانياً: تصفية الحسابات بين المتحالفين في الحكومة أنفسهم.حيث هناك فرقاء من نفس اللون الواحد يتصارعون للحصول على الأمتيازات التي تدعم قوتهم على الأرض ضماناً للمستقبل.ثالثاً:الواجهة العريضة لمحاربة القوات الأمريكية ، وهذه الواجهة فيها أطياف غريبة التعدد ،تتعامل مع المحتل بالسّر،وتنسق معه للإيقاع بالخصوم ، وتُزايد على محاربته في العلن.وسوف يكشف التاريخ هذه الأطياف وبالأسماء. هذا المشهد العام في العاصمة. وعليّ أن أكون وسطه وبحذر! كان لدي أكثر من خيار ..أولها الخيار المطعون، التقيت السيد حسين الشهرستاني قبل أن يتسلم أي منصب حكومي رأيته في المدخل المؤدي الى المنطقة الخصراء .تجاذبنا على عجالة أحاديث شتى ،خصوصاً وهو يعمل في منظمة لحقوق الأنسان ، وأنا ناشط في هذا المجال، والشيخ رائد كان رئيس جمعية الشهداء السياسين معنا. قال متفائلاً ان وزارة حقوق الأنسان سنشغلها ونّرد الحيف للضحايا. تبادلنا العناويين على أمل ان نعمل سويةَ . قلت للشيخ الذي كان معي هذا الرجل لا تأمن منه شيئ ، ولو أني اعرفه من السجن .. قال الشيخ الذي تلازمنا معاً لفترة طويلة فيما بعد ، يمكن الدكتور يحتاجنا للعمل معه. قلت سأروي لك حقيقة هي( ان الشرستاني تخلى عن شخص أقرب مني ومنك له هو السيد علي عريان الذي أنقذه من السجن ، وجازف بحياته عندما هرّب الدكتور من وسط السجن الى ايران، ادار له ظهره وتركه في طهران وحيداً . بينما الدكتور كان صاحب حظوة عند الأيرانيين ). رينأ صديقي وصاحبي علي عريان بمحض الصدفة وحدثني بكل تفاصيل عملية هروب الوزير الحالي للنفط العراقي من سجن أبي غريب / الحكام الخاصة للمرة الثانية بعد أن اقام في سوريا . والسيد علي حالياً يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. أخبرنا بقصة الدكتور وخذلانه له . قال الشيخ بحسن نيّة الأيام القادمة ستكون حاسمة حيث ستتعين حكومة عراقية وسنرى الأقوال ونعرف الأفعال عن كثب .. بعد أشهر اصبح الشرستاني نائب رئيس البرلمان العراقي السيد الحسني . وكان جميعهم تعيّن بالمحاصصة , الشهرستاني كان بالقائمة 555 يعني متحزب الرجل. كنت أرى الشيخ رائد باستمرار لأن نشاطاتنا متشابهة ، حيث كنت نشطاً بالعمل بمنظمات المجتمع المدني . عرفت ان جلسة برلمانية تعقد والسيد الشهرستاني حاضر بها . اصطحبت الشيخ وأرسلت ورقة صغيرة للدكتور كتبت عليها :د.نريد أن نلتقيك في وقت فراغك اذا أمكن ومهرتها بأسمي . أرسل من حمايته شخصين بعد دقائق وقال أحدهم ان الدكتور يخصك السلام وسوف يتصل بك اترك رقم هاتفك وفعلاً تركته مصدقاً .. ذهب الوعد وتبخرت الأقوال . ولم أرى الشهرستاني بعد ولحّد هذه اللحظة.قبل قدومي للعراق كنت أعمل في منظنات المجتمع المدني ،وهو عمل تطوعي ، وفي نفس الوقت أشغل( رئيس جمعية العراق الأجتماعية) التي تأسست أواسط 2003 في عاصمة فنلندا يشاركني أشخاص يهتمون بهذا العمل . وقتها قد أعددتُ دراسة علمية متواضعة عن نشأة وتطور مؤسسات المجتمع المدني في العالم ، وكانت جُل مصادري في الدراسة هي الأعتماد على بحوث أُقرت علمياً ونُشرت في المجلات البحثية في قسم العلوم السياسية لجامعة هلسنكي باللغة الأنكليزية.أوجزتها بثمانية محاضرات . كنت أحتفظ بها الى أن يحين وقتها. اضافة الى مشاريع آخرى منتجة ..أهمها الذي أقرته الحكومة الفنلندية هو اقامة مشروع لمعهد زراعي في العراق كمساهمة مشروطة في اعادة البناء لأن فنلندا من دول الأتحاد الأوربي .حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسؤولة عن اعادة الأعمار بالعراق مع حليفاتها الأوروبيات (بريطانيا، اسبانيا،بولندا).أما الدول الأوروبية الآخرى ظلت تبحث عن دور في العراق الذي يمتلك أحد أكبر احتياطات النفط في العالم، في حالة استقرار العراق سيكون سوق مهم للبضائع الأوربية.لكن أمريكا عاقبت الدول التي لم تشارك معها بالعمليات العسكرية بحرمانها من الكعكة العراقية.أخيراً تحت الضغط السياسي الأوروبي ، وتعثر دور الولايات الأمريكية في اعادة البناء ،سمحت الى دول الأتحاد الأوربي بالمساهمة المشروطة. هي مجال التعليم والتدريب والخدمات . وأُقرت ميزانية المشاركة للأتحاد الأوربي في اجتماع اسبانيا . فكانت حصة جمهورية فنلندا تقريباً 65 مليون أيرو.أتصلو بنا كجمعية لأننا مسجلين رسمياً لمناقشة هذا المشروع . أنا كنت من المتحمسين لهذا المشروع .. قمت مع الآخرين بزيارة المؤسسة التي ستقوم بالتنفيذ .جلسنا لساعات طويلة الى ان اختمرت الفكرة تماماً. عرضوا علي خارطة العراق وقالو يمكن للمشروع ان يقام في هذه المحافظات ـ الكوت، بابل، ميسان ـ أخذت مخطط الفكرة معي وذهبت للعراق.خصوصاً ان الموسسة التي ستقوم بتنفيذ هذا المشروع لديها تجارب سابقة في مصر وغانا . أصبحت هذه المشاريع منتجة خلال الأربع سنوات الأولى، وأصبح لديها ريع ووظفت أكثر من 700شخص بين دارس وعامل . استثمرت أراضي شاسعة وحولتها الى أرض زراعية ورعوية. سبق وأن طرحت فكرة المشروع على ألأصدقاء وهو ابن عمي السيد حمزة كاظم بأعتباره متخصص بالزراعة . شرحت الفكرة والجوانب الأدارية . وسألته هل ينجح مثل هذا المشروع في الحلة ؟ قال أي مشروع زراعي ناجح وبدأ يعدد لي أسباب النجاح وبالأدلة الفنية والعلمية. كلفته بأعداد دراسة مع زملائه المتخصصين ..تتضمن الدراسة كل متخصص يكتب صفحتين مختصرة في مجال عمله الأكاديمي مثل ،التربة ، المحاصيل، الوقاية، البستنة الخ.. تأخر الوقت بسبب التزامات الأصدقاء بمشاغلهم الرئيسية بالعيش. ثم انتقلت أنا الى بغداد . وجدت في بريدي الليكتروني رسالة تستفسر عن الأجوبة حول استمرار المشروع الزراعي . طلبت منهم اسبوعين آخرين . لأن المشروع ضروري انجازه وعلينا أن نجد جهة لديها امكانات تدعم الفكرة. ظننت الفرصة مؤاتية الآن .. حصل تعاون مع المعهد الديمقراطي لحقوق الأنسان الذي تدعمه وزارة المجتمع المدني بقوة ( بحكم العشيرة). واتفقت مع الأخوة بأن احاضر في أحد الفنادق التي تم تخصيصها لهذا الغرض . وفعلاً وجهت الوزارة الدعاوى للمعنيين بالحضور وكان عددهم 16 شخص . بعد اليوم الثالث انفجرت سيارة مفخخة امام باب الفندق الذي كنا نقيم المحتضرات به .وكان فندق السدير وسط بغداد.انقطعت المحاضرات بعد الأنفجار ولم أرى الآخرين ثانية. قلت للأداري المنسق بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدني لدينا مشروع يمكن تجييرهُ للوزارة على اعتباره باكورة عمل ممتازة .وشرحت له الفكرة .. قال امهلني يومين وستلتقي بنفسك السيد وزير الدولة لشئون المجتمع المدني السيد (علاء حبيب الصافي) وتشرح له الفكرة . بعد يومين جئت الى المنطقة الخصراء وكان ينتظرني في قاعة الأستقبال شخص حسب الموعد المقرر بيننا، واصطحبني لبناية رئاسة الوزراء في الطابق الرابع . جلست برهة ثم اصطحبني مدير مكتبه الى لقاء الوزير . تركنا المدير بعد ان تصافحنا. كان شاب وليس له علاقة بالمجتمع المدني اطلاقاً هذا الأنطباع تولد عندي في اللحظة الأولى للقاء ، وكان خريج معهد . وهو مفروض محاصصاتياً على الوزارة هذا ماعرفته عنه فيما بعد .بعد أن شرحت له الفكرة اكاديماً وبالأرقام انبهر وقال نُقيمه بمحافظة ميسان . فهمت المطلوب وقلت استاذ المكان يتعين من قبل الأختصاصيين . قال دعنا ندرس الفكرة واترك المخطط هنا لدراسته . وانشالله بعد اسبوع اخبرك! ذهب مع الريح أيضا وتبخر المشروع برمته.عدت للبيت في البياع وتفرغت الى مشروع زواجي الذي كان قيد المداولة. لم يكن اختيار العائلة التي سأقترن بكريمتهم خياري رغم القرابة.حيث لم أعرف والد الفتاة في عمري، إلا صور باهتة يوم كنت طفلا وهو كان طالباً .. رحل الى بغداد واصبح ضابط في الجيش وكان بعثياً ووصل الى رتبة عسكرية عالية .. سمعت عنه التكلف والتكبرالفارغ لكني لم المس ذلك، خلال وجودي منه بدايو الأمر أو ربما بسبب بعدي عنه .ظننت ان هؤلاء يريدون تشويه سلوكه . عندما سقط البعث وهرب رئيسهم . أراد ان يحتمي بجهة من الأنتقام الذي كان يتوقعه. أما زوجته لها قصص رهيبة سوف أشرحها بالتفصيل في الجزء السادس من هذه المناكدات.أصبح التقارب قاب قوسين أو أدنى . رأيت البنت وكانت فيها صفات الزوجة التي احتاجها أنا . ثم لدي خيار عندما تسيئ العلاقة مع أهلها وهذا اقصى ماأصل إليه،يمكن أن أصحبها الى فنلندا معي . أخبرت الفتاة وأهلها بكل مايتعلق بحياتي الزوجية السابقة ،لدي طفلين ،وقلت لهم أنا اعمل بحقول المعرفة وليس أفهم بالتجارة ولا الأموال وليس من أصحاب الأرصدة.كانوا راضين ومتفهمّين أيضاً. وفعلاً كنت نموذجاً مستقيماً لرب الأسرة . كانت لدي شبه علاقة مع فتاة من مدينتي الحلة وكانت قريبة مني من حيث الوعي والأدراك والعمر والمشتركات , وعلى قسط من الجمال,وانها استاذة جامعية ،وتدرك الأمور وتريد ان تعيش معي حتى بالخارج . وكانت تشعرتي انها مضطهدة بقيود المجتمع ،وتريد التحرر من هذه القيود .. بدأت أتحسس من هذه القفزات التي تريدها. كان لدي الخيار بين هذين الفتاتين . حسمت الأمر واخترت الثانية القريبة مني عائلياً. وأعتذرت من الأستاذة بأدب وانتهت العلاقة . تمت عملية الخطوبة وبدأت اقترب من الخطيبة وكانت على درجة عالية من الأتزان والهدوء ،والأدب لدرجة شعرت اني سأكون سعيد جداً في هذا الزواج ،ولا أعتقد ستكون هناك مناكدات في حياتي بعد . لكن المشكلة أن أي قرار لا يتم إلا عبر الوسيط وهي والدتها . كنت أقدر ذلك بسبب خجلها مني .. الفتاة بدأت تتأثر بي بدون الأعلان عن ذلك . وانا أشعر بهذا التأثر . هي الاخرى تشعر بأنني جاد وصادق في رغبتي وسلوكي وفعلي معها. في شهرـ ديسمبرـ كانت حفلة الزفاف . كنت ألح على تأجيل الزفاف الى أشهر آخرى ، لكن والدتها تصّر بشكل غير طبيعي على العجلة بأجراء مراسيم الزفاف. المشكلة ان مراسيم الزواح بالعراق فيها تقليد يشعر الأنسان الواعي فيه بأنه صغير وتافه .حيث المراءات ، وعدد الحضور،ومكان الزفاف، ونوع الأكل الذي يُقدم ، والملابس التي يرتديها الحضور،وطريقة الصرف ، وشكل السيارة التي يصعدها المرء, ونوع الذهب الذي تتحلى وتتزين المرأة به, وكميات الذهب التي يتفننّ النساء بطريقة استعراضهن التي تشبة طريقة الراقصات الغجريات.بالحقيقة حفلة الزفاف ليس لخق المتعة والتواصل, بل مهرجان رخيص للعرض الذي يعبر عن هزيمة مؤلمة نتيجة العوز.أن التمثيل بالسلوك الأنساني ،والمراءات الفارغة ، والتقمص لفعل غريب هو بالحقيقة تعبير عن مركب نقص،ودليل على مرض نفسي وإجتماعي، وعدم معافاة روحية للمرء المُتقمّص . حقيقة الأمر ان هذا السلوك يعبر ويدلل على وضاعة أصل،وتعويض واضح عشّعش في الذهن منذ الطفولة نتيجة فهم مغلوط للقيم الاجتماعية التي تّعود عليها وألفها هذا الأنسان .
وأنا جالس على منصة الأحتفال بالزفاف وبجانبي العروس ،كنت أسمع سرف الدبابات المدويّة التي تقوم بالدوريات في شوارع بغداد وتحديداً في المنصور حيث قاعة الأحتفال.وكذلك أسمع أصوات الأنفجارات بين الحين والحين. داخل قاعة الأحتفال تعالت الزغاريد وأشعر بها انها زغاريد مبحوحة، والحناخر تصدح مشحرجةً،لان على مقربة من مكان الفرح سيارة انتحارية قضت على أرواح بريئة قبل برهة ،فحولت أجواء الفرح الى دهشة وانبهار على وجوه الحضور .. شعرت ان هذا فأل غير محمود ينذر بتعثر الحياة من البداية. لان مشهد الحزن اصبح طاغِ ويفرض نفسه في كل شارع وساحة ،ومنطقة خارج قاعة الحفلة. شعرت تماماً ان الفرح لايستقيم ولايكتمل السرور وهذه المشاهد تحيط بيوم فرحي . ادركت تماماً ان هذا الفرح غير مستوفي شرطه الموضوعي وهو الأمان ،خصوصاً زمن الأحتفال تقيد بساعتين ونصف بسبب حضر التجوال .قررنا العودة الى البيت خشية من أن يتمدد احتفال الفرح الى ساعات الغسق الأولى ونبقى وحيدين في ظلمة المدينة. لأن بعد مغيب الشمس تبدأ حركة الناس والدواب بالفتور والسكون فيزاحفون للمهاجع وسط عتمة الظلام ،وقتها تُفرغ الشوارع الأسفلتية زوارها المعتادين ، حيث يبدأ زوار الليل بآلياتهم المدوية تخدش وجه الأسفلت الحزين .وصلنا البيت على ضوء شاحب يأتي من ـ مولدات الديزل ـ التي تنفذ غازها العادم الملوث. غادر الأقرباء على عجل.شعرت ببؤس تلك الليلة،لأن الفرح لو تأجل الى ظرف أفضل، قد يكون أجمل لكن والدة الزوجة كانت تلح على الزفاف وتريده ان يتم . بعد اسبوع ذهبت للبحث عن عمل يغطي تكاليف المعيشة .. لأني لاعرف طريقة العيش ـ بالكوبون ـ أو مايسمى مفردات البطاقة التموينية التي ابتكرها الأقتصاديين للعمل بها في الأوقات الكارثية مثل الحرب، الوباء، الفيضانات الهائلة، الأعاصير المدمرة الخ.. أما في العراق يعمل بها منذ بداية التسعينات من القرن الماضي والى ماشاالله ،ولايحصل المواطن حتى على عُشر الحصة المقررة.. يعني العمل بالبطاقة التموينية يشبه العمل بالدستور المؤقت الذي كان يُعمل به في العراق بلا طائل ولا جدوى . أستأجرت بيت بالقرب من أهل الزوجة مباشرةً في بغداد لكن العمل هو الأهم. وجدت اعلان في صحيفة (العراق الآن)مكتوب باللغة الأنكليزية بأن شركة ـ تايتن ـ تحتاج الى توظيف مترجمين وبراتب مجزي ،وهي شركة مدنية. اتصلت على رقم الهاتف الموجود بالأعلان .. قال المتحدث عليك الحضور للمنطقة الخضراء لأجراء الأختبار والمقابلة وعين المكان المخصص للدخول لهذا الغرض.دخلت المكان وبدأت اجراءات الأمتحان بسرعة . المشرف على الأمتحان يشرح قائلاً :هذا الأمتحان معتمد في جامعة ـ ميتشغان ـ الأمريكية يستغرق ثلاثة ، الفصل الأول كذا الثاني كذا الخ... بالحقيقة لم أجد صعوبة بالأجتياز ،لاني سبق وأن أديت امتحان مثل هذا من قبل.قال المشرف النتائج غدا . اعترض أحد المتقدمين على ذلك بسبب خطورة الدخول الى المنطقة الخضراء والأجراءات الروتينية التي تصاحب الدخول. انضممت له على الفور .. قال مسؤول التوظيف بالشركة ,إذن عليكم الأنتظار ساعتين أو أكثر حتى تأخذون نتيجة الأمتحان النظري ،ثم المرحلة الثانية من الأختبار وهي العملي للبرهنة على مهارات المتقدم اللغوية. من أصل 36 شخص كنت الثاني على الدفعة ، قال المشرف على الأمتحان لايحتاج هذا الرجل امتحان عملي لأني تكلمت معه وكان مُجيد للغة .بدأت الفحوصات الأمنية ،عينات ، وصور الى بؤبئ العين، وبصمات اليّد.. حقيقة أصبح الأمر جدي .. جاء وقت التوقيع .. تريثت بقليل من الحذر ،لاني لم أخبر زوجتي وأنا حديث الزواج .. قالوا هذا العمل مع القوات الأمريكية في مكاتب ثابتة للذين يجيدون اللغة أحسن وأفصل من الآخرين. ترددت كثيراً للعمل .. لكن دافع الفضول لمعرفة مايدور في الكواليس ، والحاجة المادية ، والفرصة التي أطمح إليها. عدت للبيت اسهبت بالحديث مع زوجتي مستعرضاً جوانب الخطورة ،والفائدة. وقلت سوف أقوم بهذة التجربة .أذا رايتها لم تلبي الطموح ،لدينا خيار السفر. رجعت الى مقر الشركة بعد يومين ..قال أحدهم اليوم تذهب من هذا الشخص بالطائرة الهليكوبتر الى قاعدة (مايكل) تقع جنوب بغداد بثلاثين كيلومتر الساعة الرابعة عصراً اقلعت الطائرة من مطار واشنطن الأسم الرمزي لمطار القصر الجمهوري ..بعد دقائق هبطت الطائرة قرب (قضاء المحمودية) كنت لأول مرة اسافر بالطائرة الهليكوبتر ..كانت تحدث صوت رهيب ، خصوصاً عندما تهبط على أرض ترابية تتطايركميات هائلة من التراب بفعل الضغط الذي تحدثه محركات الطائرة. التقيت ثانيةً مع ضابط أمن المعسكر سألني أسئلة عابرة وقال هذه لغرض الأمن والصيانة للمعسكر ولك ايضاً. والحقيقة هو أراد معرفة مستوى اللغة حتى يتحدد شكل وطبيعة العمل . فعلياً حياة المترجم أكثر بؤساً من حياة الجندي فضلاً عن المترجم الذي جاء من أمريكا. العراقي يسمى لوكل يعني محلي ـ والعراقي الأمريكي يسمى ـ ستزن ـ يعني اصلي ابن البلد، حتى بالأجور المحلي اجوره 1000دولار والعراقي الأمريكي 10000دولار يعني عشر أضعاف أكثر .لاأعرف أي شيئ عن طبيعة العسكر، ولا أحد يسأل عن عمل الآخر. تعمل وكأنك في الأمن العامة السيئة الصيت . قررت كسر هذه السرية, لأنني لأأخسر شيئ اذا فقدت هذا العمل. وجدت شخصية المترجم العراقي بالعموم شخصية هزيلة وأنبطاحية ، وممالقة، ومطيعة ، وخائفة ، ومهزومة.. وسبب تركي العمل بعد 5 أشهر هو وشاية بتقرير من مترجم ضدي .بأنني أكره الأمريكان وأتعامل مع الأرهابين .. والحال خلاف هذا الدعاء، حيث كنا نتناقش على طبيعة الأحتلال . لأنه ليس لدي تحفظ من أن أُبدي وجهة نظري حتى أمام الأمريكان أنفسهم. خصوصاً المتعلمين منهم .. كثير منهم ينتقد السياسة الأمريكة في العراق والممارسات اللأانسانية على الأرض. أحد الضباط الأمريكان جاء للتّو من واجب خارج المعسكر وكان حانقاً على المترجم الذي كان معه لانه لم يُوصّل مايريده الضابظ اثناء اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين المحليين.قال مفردة سخيقة عممها علينا جميعاً باللهجة العامية الأنكليزية. انتفضت بوجهه أمام جمع من المترجمين وتصاعدنا بالمهاترة والمنابزة ..هددني بالطرد .. قلت له أتحداك اذا فعلت ذلك.. أستدعاني المسؤول الكبير في المعسكر ،وكنت مطمئن لأن لدي من الشهود العراقيين لأعتدائه وسخريته منا كعراقيين جميعاً .عندما طلبت الشهود ..لم يأتي أحدهم بالمرة . قلت للمسؤول ضروري ان تمهلني من الوقت لجلب أحدهم ..ذهبت وإذا .... الكل تخلى قائلاً أنا أريد العيش !! شعرت بأن الأستمراربالعمل في هذه الأجواء لايمكن لأنها أجواء عقيمة مليئة بالمكائد. قال المسؤول أنت غير مطيع وتحرض على عرقلة العمل .. سنجد لك مكان خارج المعسكر .. يعني نطردك.. قلت قبل أن تطردني أنا أغادر وبكرامة ولااحتاج لكم. الكل لايعرف ان نصف حياتي أمضيتها بالغرب وأعرف قيمة الأنسان وكرامته .. تدخل ضابط المقاولات في المعسكر . قائلاً أنا احتاج لخدماته لانه يجيد اللغة الأنكليزية. فعلاً انتقلت الى قسم المقاولات .. كونت علاقة ممتازة مع المجموعة لأننا متقاربين بالعمر وأحياناً بالتجارب. فأبتعدت عن محيط النفاق البائس.والعمل هنا نوعي هو ترجمة عقود المقاولات والمشاريع التي تتعلق بالمنطقة وأطرافها. للتأريخ لم أرى أو أتعامل مع أي شخص من الطائفة الشيعية بهذا المضمار، لأن المنطقة محرمة عليهم تماماً.وكل الذين يتعاملون مع الأمريكان في هذه المنطقة من الطائفة السنية تحديداً. ليس الغرض من هذا الطعن وانما للحقيقة . أكيد يوجد مقاولين يتعاملون مع الأمريكان من الطائفة الشيعية في مناطق آخرى من العراق.كنت أذهب اسبوع اجازة عن كل شهر عمل لخطورة الخروج .أثناء الأيجازة كان يأتيني أخ زوجتي ووالدته في سيارتي ،أذهب معهم فور وصولهم قرب باب المعسكر. سئمت الوضع بسبب هذه المخاطر والمجازفات. قررت مصارحة رئيس القسم بأن هذا العمل غير مجدي ولايأتي علي بالنفع يُّمكنني أن أبني مستقبلي. اقترحت عليه أن يعطيني بعض المقاولات لربحها وانا أتبنى ادارتها أو أعطيها الى أشخاص آخرين لغرض الأستفادة . قال لايمكن أن تجمع وظيفتين في آن واحد . قلت صحيح .. فأردف عليك ترك الترجمة والعمل كمقاول.قائلاً يوجد مشروع صغير ابدأ به وهو ترميم جدار طويل من( الثرمستون) . عمل الجدار يستغرق خمسة أيام وفيه ربح يعادل اجوري كمترجم لثلاثة أشهر. حاولت من خلال علاقات أهل زوجتي ومعارفي .. لكن لم أجد من يستطيع المجيئ للمعسكر لأن المنطقة خطرة. غلقت الموضوع برمته . لكن ساعدني هذا الرجل بكميات من الخشب المستعمل وبعض الأدوات التي أعطاها لي كهبة استفاد من ريعها . كان أهل زوجتي هم المستفيدين من المواد . فأنا لاأعرف اسعار السوق ولم أكن موجود اثناء البيع ، ام زوجتي وأولادها وزوجها الذي كان يحسب كميات الخشب ويدون أنواعها واشكالها وفي يده الورقة والقلم. كان هذا المشهد أمامي في احدى الأجازات . اما الذي ينقلها اخوة الزوجة وبعض العمال . بعد شهر عندما أأتي بالأجازة يقولون المبلغ كذا واشعر المبلغ غير صحيح رقمه، وأكده لي ابن اختي حيث كان قريب منهم ويزورني مع الأولاد للمعسكر لنقل الخشب .. أعتقد حتى زوجتي لاتعرف اطلاقاً المبالغ التي تُباع بها البضاعة .. كنت أثق بأم الزوجة.كانت لديها الخبرة والعلاقات من خلال معارفها لأن الزوج كان عسكرياً وغير متواجد في البيت، فهي تتبنى شئون البيت وادارته.وذات مرة عملت لها صفقة تجهيز صغيرة لشراء مكيفات هواء وفعلاً أرسلتهنّ الى القاعدة مع أولادها. وكانت هذه القاسمة التي عرفت انها غير امينة وغير نزيهة وتتلاعب بالأسعار رغم قلتها . عندها تركت هذه الأعمال معها لأني لاأستفيد منها بشيئ . كنت أخشى الأصطدام بها ومواجهتها . خشية الوشاية والوقيعة بي وبالتالي أتعرض للموت. وفعلتها بي (بسرقة الباج من بيتي بالتعاون مع زوجها بتسهيل زوجتي ابنتهما أثر خلاف تافه مع والدها وهذا الباج وثيقة صادرة من الأمريكان تؤكد عملي معهم كمترجم) والأغرب أن عمها بيده أعطى تقرير بخط زوجة اخيه ـ أي ام زوجتي ـ الباج واجازة حمل السلاح لمقر جيش المهدي مستغلاً العداء والمواجهات بين الأمريكان من جهة وجيش المهدي من جهة آخرى ، في المكان الذي يسكن في الحلة يوم 13/8/2007 وكنت أتررد على هذه المنطقة بـأستمرار . وأعطت ام الزوجة هذه الوثائق الى جيش المهدي في بغداد بعد سنة ونصف من تركي العمل كمترجم ووزعت صوراً لي على مجموعة من مكاتب جيش المهدي في الشعلة، والبياع، ومدينة الشرطة الخامسة. وفعلاً عرضتني للموت بأغرب قصة اغتيال ، سأروي تفاصيلها في الجزء السادس! هكذا طبائع البشر....!!!



#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 3/6
- مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 2/6
- ((المجد لشهداء الطبقة العاملة بعيدهم الأغّر))
- المفاوضات السرية العراقية أصبحت علنية في مطارهلسينكي..
- فضيّحة (عراق ﮔيت) أسقطت رئيسة وزراء فنلندا وآخرين..
- الغيّب .. ينبّوع الجهل الإجتماعي
- الغيّب .. ينبوع الجهل الإجتماعي
- لماذا الحرية عند الغير إبداع ،وعندنا إنكفاء ؟
- مهّام تحتاج الى تفعيل!
- الذكرى 74 للحزب الشيوعي العراقي تمر بهدوء...
- الفساد بمجموعه ..آفة بمجمله والرشوة أم الشرور...
- دراسة لمناقشة استحقاقات (السجين السياسي) أخلاقيا وقانونياً.
- الى روح أمل دنقل
- رؤية في قبوُ رمادي
- الأنسان أهم من الجغرافيا والتأريخ والأرض
- ((التكثيف المُلغّم في قصص حمزة الجناحي))
- محاصّصة التوظيّف في الدولة العراقية الجديدة ودور العشيرة....
- حقوق الإنسان بين دولة القانون وقانونّية الدولة
- الأيزيدية .. طائفة مضطهدة مركباً..!
- أدب السجون السياسية (3)


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريفي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 4/6