أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن كاظم زيارة - الاناسة اوعلم تالاجتماع















المزيد.....



الاناسة اوعلم تالاجتماع


عبد الرحمن كاظم زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 2260 - 2008 / 4 / 23 - 06:08
المحور: الادب والفن
    


(1) مدخل
ينصرف علم الاناسة الى دراسة القرابة والزواج والأسرة وقواعد المصاهرة والنسب والمماراسات الدينية والطقوس والانظمة الاجتماعية والاقتصادية والإرث، كما تشير الدراسات التي تصدر تحت عنوانه . ان معالجة هذه القطائع معالجة بنيوية لابد ان تتركز في البحث عن العلاقات الداخلية لكل نظام ، بعد ان يتم الالمام بعناصره . واذا كان علم الاناسة ـ دراسة القرابة على سبيل الحصر ـ منيعا نسبيا من التأويلات التي من شأنها مجانبة الحقائق الامبريقية لتعامله مع وقائع لايمكن اختزالها او تمويهها او تقديم تصورات وهمية حولها ، فأنه في الوقت نفسه يقع تحت طائلة محاولات تكييف المفاهيم البنيوية الى معالجاته. بل ان علم الاناسة ينطوي على مشكلة من نمط آخر: تتمثل في تلك التماثلات المفتعلة مع علم اللسان ،بدعوى ان كلا منهما يؤديان وظيفة اتصالية ، وان الكلمات يمكن ان تحل محل العناصرالاجتماعية عند المعالجة التحليلية . فعلم اللغة ( اللسان ) كما قدمه سوسور انطوى على منهجية وصفت فيما بعد بالبنيوية . ويبدو انه كان من العسير استكناه ،ومن ثم ، تقعيد تلك المنهجية ، فبقيت في ذهن الدارسين ملتبسة بعلم اللغة السوسري . ولهذا السبب اتت الدراسات البنيوية ـ في حقول اخرى ليست لغوية ــ محايثة للدرس السوسوري ومنقادة اليه بطريقة المحاكاة . بل ان الدرس اللغوي السوسري أُريد له ان يكون الاصل وما عداه تابعا له . وهذه سقطة لاتغتفر من وجهة نظر علمية .
واحدة من المبررات المساقة لتبرير ألسنة أركان القرابة: الاب ، الام ، البنت ، ألابن ، العم ، الخال ، ... بالنظر اليها على أنها حقا " كلمات من الانشاء " . وعلى مستوى الادلة نعثر على ذات المبرر في قطاعات الموضة او وجبات الطعام ، فهي ايضا كلمات من الانشاء . ولكن مهما يكن الامر مقاربا للبحث الالسني فاننا لن نحصل في النهاية سوى على نتائج دراسة ألسنية محضة . وفي تقديرنا لايصح عد اللغة وسيطا لبنينة القرابة. إذ عوضا عن وساطة اللغة بالمعنى الذي أرصنه سوسور يمكن الاتكاء على ترميزات دالة على متغيرات وثوابت البنية والعلاقة الداخلية فيها . وبرغم اعتباطية الرمز الا انه لابد ان يحمل محتوى يعبر عن وظيفته او عن كونه.

(2) بنينة الانظمة الساسية
مالذي يرمي اليه علم الاناسة ؟ ان البنى التي يعالجها علم الاناسة مألوفة ومعاشة ، وتمثل انماطا قد تكيفت المجتمعات معها ، ومن الصعوبة اجراء تغييرات جوهرية عليها . الا اذا تعرضت لخروقات جذرية ليس للمجتمع دوراو رغبة فيها . عدا تلك الثورات التي تتخذ من العنف الثوري اسلوبا لتحقيق اهدافها ،فانها قادرة على احداث تغيرات شبه جوهرية الا انها لاتصمد طويلا امام النزعة المحافظة ، او بأزاء عوامل أخرى . واللافت للنظر ان النزعة المحافظة تنبثق من الوسط الاجتماعي الذي يعد وحسب التصورات الايدولوجية غاية التغييرواداتها . إذ اطاحت التجربة التاريخية بالفلسفة الماركسية بدأ بتمرد العمال البولنديين بزعامة ليخ فاونسا زعيم نقابة التضامن . وقبل ذلك ، افصحت التجربة الرأسمالية الاحتكارية في الولايات المتحدة خطل النبوءات الماركسية القائلة بحتمية تحول المجتمع الرأسمالي الى الاشتراكية بعد ان تستغرق كامل دورتها التاريخية . بل ان التجربة الرأسمالية وبرغم وصولها الى مراحلها النهائية انتجت آليات القمع الذاتي ، ما انتج بالتالي (( مجتمعا مقفلا )) حسب تعبير هربرت ماركوز (1) ، الذي يسوق ادلته على صحة تصوره بالقول ( هنالك نتيجتان لهذا المجتمع تتميزان بالأهمية : هضم القوى والمصالح التضادية في نظام كانت آنفا تعارضه في المراحل السابقة للرأسمالية ، وادارة الغرائز البشرية وتجنيدها بطريقة منهجية ، وهذا مايجعل بعض العناصر المتفجرة والضد اجتماعية في اللاوعي تُدار وتستخدم اجتماعيا . إن قوة السلبية ، التي كانت غير مراقبة في مراحل النمو السابق للمجتمع ، اصبحت مضبوطة وصارت عامل تضامن وإثبات . وأحسن مما في أي وقت مضى يتجاوب الافراد والطبقات مع الكبت المفروض . لأن نسق الضم يجري ، في جوهره ، بدون ارهاب ظاهر : إن الديمقراطية تدعم السيطرة بشكل اقوى من الحكم المطلق ، وهكذا تصير الحرية المدارة والكبت الغريزي مصدرين دائمي التجدد للانتاجية ) .
وبرغم حس المرارة الذي عبر عنه ماركوز بسبب الاحباط الذي يعانيه ورفاقه الاخرون في الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة ،المتأتي من خيبة الأمل في إنفاذ التحليل الماركسي في المجتمع الامريكي ، الا انه من جهة اخرى افصح عن نكوصه صوب المتاريس التي وضعتها الآليات الرأسمالية تجاه كل تغيير اشتراكي من خلال إحكام بنية المجتمع الامريكي . وما تعبيره : " المجتمع المقفل" سوى اعتراف بفاعلية المتاريس المذكورة ، وهي اشارة واضحة لصفة علاقات الانتاج المغلقة طبقا للتصور البنيوي . والحق ان اعادة بناء أي مجتمع وفقا لنموذج البنية سينتج عنه مجتمعا مقفلا ، غير قابل للتطور، بمعنى ان علاقاته الانتاجية ومن ثم الاجتماعية والسياسية لايطالها التغيير . وان كل ما يحدث خاضع لخاصية الاغلاق التي تحمي النظام من كل عملية تغيير جذرية . في مجتمع الولايات المتحدة ينقسم المجتمع الى طبقتين : الرأسمالية التي تمتلك وسائل الانتاج ، ومن ثم ،تمتلك ناصية الحكم والادارة ( العنصر A ) . والعمال المأجورين الذين لايملكون سوى قوة العمل والمهارات التي تصب في خدمة الرأسماليين ( العنصر المضاد A ــ ) . اما العلاقة المغلقة فهي علاقة الانتاج . وبشئ من التأمل الذي يستند الى معطيات الواقع الاجتماعي والاقتصادي نجد ان العلاقة بين هاتين الطبقتين إبداليتين ، كما انهما تتصفان بالخاصية التجميعية . وثمة عنصر محايد يتمثل في الناتج الصفري الذي يترتب على هضم القوى المتضادة .
ومن الامثلة المكتملة في استخدام المنهج البنيوي لانشاء مجتمعات سياسية مقفلة ، هي تجربة النظام السياسي اللبناني ، اذ لم تكن الرؤية الفرنسية لهذا البلد ، سوى الرؤية البنيوية في جانبها التطبيقي السئ . وكذلك ما آلت اليه اوضاع العراق السياسية التي ظهرت فيها وبسبب الاحتلال الامريكي ، امكانية ( إعادة الاعمار ) كما يسميها المحتل ، وهي في حقيقة الامر ليست إلا إعادة بناء المجتمع السياسي على نحو مقفل تلعب فيه القواعد الديمقراطية الشكلية دور يؤبّد لعلاقات تتفاوت فيه حدة الصراع والتعاون بين كتل أُفرِزت طائفيا وعرقيا ، لاتستطيع بالتالي سوى الاستمرار باللعبة ضمانا لمستقبلها وليس مستقبل الشعب . وهذا موضوع تطبيقي راهن يبين كيفية استخدام المنهج البنيوي لاغراض تدميرية . وفي كلا النموذجين ثمة امكانية لاعادة بناء حقيقية يرى فيها الشعبان مصلحتيهما لتحقيق السلام الاجتماعي ، واستنفار امكانات التنمية الاقتصادية والبشرية وممارسة الحقوق والواجبات على اساس المواطنة وليس على اسس طائفية وعرقية مقيتة .
ان سياسات التفتيت تتجه بصفة دائمة ، الى أختزال المجتمع السياسي الى ثلاثة مكونات ، تجد نفسها تتداول الحصص بالتوافق . وتشكل نظاما سياسيا ينطوي على عنصر وعنصر مضاد وعنصر ثالث محايد . وهذه الصفات الثلاثة هي الاخرى تداولية بحسب الظروف والمواقف . وفي كل الاحوال والاوقات لابد لمكونين أثنين من التشاجر ، فيما يقف الطرف الثالث ليجد مصالحه في هذا التشاجر وما سيفيض عنه من توافق ، إنه العنصر المحايد عند تلك الاحوال والاوقات . وهكذا تدور اللعبة التداولية للديمقراطية لتفرز بنية سياسية فوقية ، هي في المقام الاول صياغة طائفية أو عرقية منعزلة عن البنية الاجتماعية الشاملة . ويبدو أن ان هذا التصور ينطوي على تناقض ، ولكنه ليس كذلك . إذ من الصحيح أن المجتمع يشكل الكتلة الشاملة التي تنبثق عنها الاحزاب الطائفية ، فهي منه بمثابة العصب الغريزي ، محفزا بالتبلور والتبلور المضاد . فهذه الاحزاب أحدها ينتج طائفية الآخر . إلا أن المجتمع ذاته وبصفته الكلية يقع ضحية وتحت طائلة ديكتاتوريات طائفية مقيتة ، تنشغل بحصصها التي تختزل المصالح العامة بمصالحها الحزبية الضيقة .
وبناءا على ما تقدم أن النظامين السياسيين الراهنين في لبنان والعراق أعتى الانظمة الديكتاتورية في التارخ . وأكثر أشكال الحكم تخلفا ، وتتناقض كلية مع روح الديانات السماوية والقيم الانسانية المشتركة . وتنسف أساس الديمقراطية وتزهق روحها .
أن مظاهر أنظمة الحكم المتبنية ، هي ظواهر مشتركة : فساد مالي وإداري ، سيادة المليشيات ، علاقات دولية تعقدها الاحزاب الطائفية بمعزل عن ارادة الدولة ، الاستقطاب الاقليمي للاحزاب الطائفية ، تخلف الخدمات وضياع مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية ، انخفاض القدرة الشرائية وتراجع قيمة العملة المحلية ، ضعف ارتباط الفرد بالدولة ، إحلال الولاء الطائفي محل الولاء الوطني ، أنقياد الافراد للمرجعيات والرموز الدينية في الشؤون السياسية والعامة ، صراعات طائفية مرشحة لأن تكون دموية دائما ، تدخل دولي وأقليمي في الشؤون الداخلية ، شلل القرار السياسي الوطني ، حرية الصحافة الحزبية والقنوات الفضائية المماثلة ، غياب لفاعيلة النقابات والمنظمات الجماهيرية والمهنية ، تهميش الكفاءات والمثقفين والفنانين والمفكرين في الحياة العامة وغيرها .
عندما تشاد الانظمة السياسية طائفيا تضحى الممارسة الانتخابية ، مجرد جوابا على سؤال محدد على الناخب أن يجيب عليه : من أي طائفة أنت ؟ وبهذا المعنى فقط تكون عملية الادلاء بالاصوات هو الافصاح عن الهوية الطائفية ، متجسدة في المرشح المزعوم عن الطائفة ، وأسوأ طريقة لأحصاء الكتل الطائفية في المجتمع .
والمدهش في هذه الممارسة ، إنها قابلة للتكرار في كل جولة انتخابية ، من حيث طبيعة الممارسة ونتائجها ،برغم أنين الجمهور من نظام المحاصصة الطائفية .
بل أن الامر يتعدى للاطاحة بكل تنظيم وطني أو مهني أو نقابي يحاول الانفلات من قبضة الاستقطاب الطائفي .
والأمّر من ذلك ، أن كثيرا من الاحزاب التي تطرح نفسها بديلا وطنيا عن أحزاب المحاصصة الطائفية ، سرعان ما تنكمش وترتد الى البيئة الطائفية أو العرقية لأكثرية قياديها أو لرمزها القيادي الاول . ومن الامثلة الحية لهذه الظاهرة الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي في لبنان . أما في العراق فأن الحزب الشيوعي يمثل حالة مفردة من بين الاحزاب التي أخذت بممارسة الحياة السياسية في ظل الاحتلال ، فكلها أحزاب طائفية ، كما أخذ الحزب الشيوعي يصنف على أنه حزبا شيعيا ، بحسب البيئة الطائفية لقياديه وكذلك تنظيماته فهي لم تخرج عن بيئة تلك الطائفة .
أن صفة الاغلاق التي للانظمة السياسية المتبنية طائفيا ، تكسبها عوامل الاستمرار ، كما تكتسب القدرة على أكتساح الساحة السياسية وتزعمها على مستوى الطائفة ، أنها اقطاعيات وراثية في الاغلب وهي اقطاعيات طائفية في مطلق الاحوال .
ولكن لماذا تؤول هذه الانظمة المغلقة الى نظام لابد أن يتألف من مكونات ثلاثة ؟ قد يبدو أن هذه التصور ليس دقيقا في النموذج اللبناني . وكأنه يشير فقط الى النموذج العراقي لوضوح المكونات الثلاثة بحسب ما أراد له خبير الارهاب الامريكي بول بريمر .
أن أهم ميزة للنظام السياسي المغلق التوافقي ، تحولاته الداخلية المستمرة . إلا أنه يظل يحتفظ ببنيته ضمن أليات التضاد التي تفرزها علاقة المحاصصة التوافقية . في فترات سابقة كان النظام السياسي اللبناني يتألف من أحزاب طائفية وعلمانية ( مفهوم العلمانية هنا يعني وطنية وغير طائفية ) ، ثم أختزل الى المسيحيين والسنة والشيعة وما زال النظام يتألف منها ، برغم الاصطفافات الجهوية التي عرفت بالمعارضة والموالات . فهذه أصطفافات ظرفية قابلة للتبدل ، إلا أنها لاتنفلت من تلك المكونات الثلاثة .
ربما يتولد الانطباع البشع للبنيوية في تطبيقاتها السياسية ، لكن هذا الانطباع ، ربما يتحول الى الضد اذا ما أحسن إعادة بناء النظام السياسي بالاتفاق الشعبي ( عندما يعيد الشعب دوره ) على منع الاحزاب التي تقوم على أسس طائفية أو عرقية ضيقة . أن العناصر الطائفية لاتصلح لاعادة البناء فهي رمز لتاريخ التفتيت عبر اللعبة الانتخابية ، ووديمقراية تداول الحصص بالتوافق .
(3) الأناسة وعلم الاجتماع
( مقاربة بنيوية )
ان تحليل الانظمة الاجتماعية تنصرف الى تحديد العلاقة الداخلية لكل بنية اجتماعية : قرابة ، قبائل ، شعوب ، اسر ، ناهيك عن تحديد مماثل لعناصرها . ويمكن القول ان تحليل القرابة في مجتمع انساني معين ، يبلغ من البساطة بمكان يُظهر التحليل فقيرا في كشوفاته، فكل ما يكتشف هو بحكم المألوف . وفي هذا المجال تضيق مساحة التأويلات والادعات لتقترب من العدم ، لأن الباحثين يتعاملون مع وقائع مدركة ومحسوسة ومعاشة. والثابت ان لكل مجتمع انظمته الخاصة ولايوجد في تقديرنا علم اجتماع يستوعب كليات وجزيئات كل المجتمعات الانسانية . ففي كل مرحلة وفي كل منطقة جغرافية ثمة امكانية لدراسة حالة المجتمع المعني . حتى مناهج البحث العلمي تخضع لهذه الملاحظة ولايمكن عدها قابلة للتعميم ، انما المعطيات والنتائج مختلفة من مجتمع لآخر ، ومن فترة لآخرى . والمنهج البنيوي يضيف ابعادا منهجية تضيف تعقيدات واشكالات الى مناهج علم الاجتماع . ولكنه من جانب آخر يدعم تلك المناهج بتقنينها ويمنحها دقة التعيين .
وثمة مشكلة منهجية تتعلق بالاصطلاح على العلم الذي نناقشه . فمنافسات علم الاناسة كثيرة ، منها : علم القرابة ، علم الاقوام ، علم الانام ، علم طبائع البشر . ناهيك عن صلة أو أو إدعاء انقطاع الصلة بين تلك المنافسات وعلم الاجتماع . وكل هذه الاصطلاحات تختلط مع مناولات علم الاجتماع. الا ان الفرق الجوهري في تقديرنا بين علم الاناسة ومنافساته من جهة وعلم الاجتماع من جهة أخرى ، هو ان الاولى وليدة التماثل المزعوم مع علم اللسان السوسوري ، او في الاقل محايثة لعلم اللسان السوسري ، وهي نتاج لما سمي بألسنة علم الاجتماع . في حين نجد لعلم الاجتماع تنوع في نظرياته المنفصلة عن بعضها ، فكل نظرية أجتماعية تنكر فضل الاخريات، او تخالفها في الاقل . مثل البنائية الوظيفية كما نظّر لها (تولكوت بارسونز ) و ( روبرت ميرتون ) ، والنسق الاجتماعي ( ماريون ليفي ) ، ونظرية الفعل والنسق الاجتماعي ( بارسونز ايضا ) ، ونظرية الصراع ( كوزر وَزيميل وآخرون ) ، ونظرية التحليل الاجتماعي (ماركس ـ فيبر) ، والظاهراتية (ادموند هسرل ) ، وعلم اجتماع المعرفة ( كونت وَ دوركايم ) ، والفلسفة الانثروبولوجية ( شيلر ) ، ونظرية التفاعل الذاتي ( الفريد شوتز ) ، والمنهجية الأثنية ( كارفينكيل ) ، والتفاعل الرمزي (إيرفنج جوفمان وَ هيربرت بلومر وآخرون ) ، وفلسفة ( هيربرت ميد ) الجدلية ، ونظرية التبادل الاجتماعي (جورج س . هومانز ) ، والتبادل والقوة ( بيتر بلاو ) وغيرها من النظريات المعاصرة . وان الاختلاف الرئيسي بالاجمال بين نظرية وأخرى يكمن فيما تراه من عناصر او متغيرات او عوامل مختلفة تصف المجتمع وتفسر ظواهره وتطوراته وحيواته .
تزخر كتب التراث العربي بمساهمات غنية في علم الاجتماع مثل نظريات بن خلدون والجاحظ و الطبري وغيرهم . والمرء اذ تتلبسه الحيرة في العثور على نظرية في علم الاجتماع تحظى بأجماع علماء الاجتماع انفسهم ، الامر الذي يجعل فسحة الاجتهاد في هذا العلم والأحكام القبلية سمتان بارزتان في اعمال هؤلاء العلماء . وهذا لايصب في صلب اهتمام هذه المقالة ، بل يهمنا منها حضور او عدم حضور المنهج البنيوي فيها ومدى فاعليته في الحصول على نتائج محكمة علميا . على اننا نلمس غاية المشتغلين فيما سمي بعلم الاناسة ومنافساته ، الرامية الى تجنب الاعتراضات المبنية على اسس منطقية مشوبة بالارضية الايديـولوجية لاعمالهم . والحق ان هذا المسعى مكشوف لاول وهلة فهو يقع بوضوح تحت طائلة التحيز الايديولوجي . ولايسلم البحث البنيوي ، برغم المسحة التجريدية فيه من التصورات القبلية . فما أن يختار الباحث البنيوي عناصر المجتمع ،سرعان ما يقع تحت طائلة الاحكام الايدولوجية المسبقة . فأختيار الاساس الطبقي مثلا ، اساسا للتحليل الاجتماعي سيقود الباحث الى احد الجانبين : الرأسمالي او الاشتراكي . وقل مثل ذلك عندما يكون اساس التحليل إثنيا ، او دينيا ، او قبائليا ، او ( الأنا والغير) وهكذا ، لدرجة ان التلفيقات "العلمية " تهيمن على النتائج لتحيلها مصطنعة (2). وفي تقديري ان المنهج البنيوي لايقدم شيئا لعلم الاجتماع يُنتفع به سوى وصف للبنى الاجتماعية المختارة وبمنظار ضيق . وان هذا المنهج سيكون فعالا ،كما يبدو ،عندما يوجه لدراسة مجتمعات منعزلة ، تكثر فيها الفروق المعيشية والثقافية والاسرية ، عن البيئة الاجتماعية للباحث . بمعنى انه يقدم تصورا فولكلوريا بالمعنى الدقيق للكلمة . ولكن اذا ما وُجه هذا المنهج في أطار علم الهندسة الاجتماعية فسيكون نافعا ، لكن بمعيار ايديولوجي ما .
هل يمكن الزعم ان علماء الاجتماع ، او بعضهم ، قد افادوا من المنهج البنيوي ؟ ان تساؤلنا يضمر الاشارة الى مدى الافادة من الدرس " البنيوي" كما قدمه سوسور في علم اللغة . كل ما ذكرنا من العلماء او جلهم في اقل تقدير قد جاءت اعمالهم بعد الحقبة السوسرية اذا صح التعبير ، وان فرصة الاطلاع على علم اللغة العام من قبل هؤلاء امر مرجح ان لم يكن مؤكدا . ومع ذلك فاننا لانركن الى الاستنتاج الظني . ودعنا اذن نعرض نظريات علم الاجتماع التي افادت من التصور البنيوي في الاقل ، او من منهجيته في الاكثر .
في مؤلفه ( بناء المجتمع ) يفرز (ماريون ليفي) ، في اطار تصوره الوظيفي لبناءات المجتمع وظيفتين : الوظيفة الايجابية والوظيفة السلبية . كذلك البناء الايجابي والبناء السلبي ، محددا اياها بضوء النفع او الضرر الاجتماعيين . وهنا نلتقي بفكرة العنصر ونظيره في اطار ما اسماه بالنسق ( النظام ) الاجتماعي ، ولكن دون ان يستطرد لاستغراق كامل التحليل البنيوي . الا ان ( ميرتون ) اخذ على عاتقه مراجعة هذا التصورـ الاجتماعي ــ ولكن دون ان يذكر فكرة العنصر ونظيره ، معتقدا بأن العناصر ـ الاجتماعية ـ قد تكون وظيفية بالنسبة لبعض الجماعات والافراد ، ولا وظيفية بالنسبة للاخرين ، ما يوجب وضع سلسلة من الوحدات تنعكس عليها آثار او نتائج عنصر من العناصر : الافراد والمكانات المختلفة والجماعات الفرعية والنسق الاجتماعي والأنساق الثقافية . ويميز ( كاسيان ) ثلاثة توجهات أساسية، أو ثلاثة نماذج اساسية للتحليل من تشكيلة مكتظة من الاتجاهات الوظيفية . تفصح عن الاهتمام بالربط بين الجزء الواحد من المجتمع او النسق الاجتماعي وبين جزء آخر أو بعض جوانب الكل الاجتماعي . وهذه التوجهات كما يبدو تُسلّم بوظيفة كل البنى الاجتماعية( الرئيسية ! ) في صيانة واستمرار النسق الاجتماعي الاكبر وتكيفه ، وهذا ما يدعى بالاتجاه التقليدي . اما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه السيوسلوجي الذي وضعه (كنجزلي دافيز ) والذي قاد الى وصف دقيق وبحث عن العلاقات المحددة بين المتغيرات السيوسلوجية ذات الدلالة . اما الاتجاه الثالث ( السيبرنطيقي ) الذي يستند الى نموذج التنظيم الذاتي وألأنساق التوازنية ، وهو نموذج على غرار النموذج الرياضياتي . الا أن ( هاريس ) يضع تحليلا تجريديا هو الاقرب الى التحليل البنيوي لا لأنه ينطوي على صفة التجريد ، بل لأنه حدد عنصر ( ر ) وعنصر مضاد ( نظير ) يعوّق العنصر (ر) ، واردفهما بما اسماه بالميكانزمات التعويضية ، كتابو تحريم لحوم البقر لدى الهندوس في الهند.
يصنف ( بيتر بلاو ) البنيات الاجتماعية الى بنيات صغرى تتكون من الاعضاء الفرديين ، وبنيات كبرى تكونها البناءات الاجتماعية ، وكلا البنيات يندرجان تحت مفهوم البنيات المركبة . والاساس الذي افضى الى هذا التصنيف هو عدم امكانية حصول التفاعل المباشر بين افراد. المجتمع فلابد من ميكانزمات للتوسط وهي بناءات العلاقات الاجتماعية بينهم ( وهذا الإجماع يوفره الميكانزم الوسيط ) . وان التحليل الملائم لديه للعلاقات على المستوى الاجتماعي الاكبر (ينبغي ان يهتم بأنماط القوة ) . ان افكار بلاو قابلة للنمذجة الرياضياتية على مستوى البنية ، الا انها تتطلب عملا شاقا ينصب على التحديد الدقيق للبنيات الصغرى والكبرى . ان العلاقة التركيبية ينبغي في تقديرنا ان تكون منطلقا يبدأ معه هذا العمل . ويجيب على تساؤلات مفصلة ، مثل : أي نوع هي العلاقات الداخلية بين الافراد ،والتي يمكن لها ان تكون مواءمة في البنيات الكبرى ؟ والسؤال هنا يقصد تحديدا العلاقات الاجتماعية ( العلاقة مع الآخر ) . ومن ثم ، ما هي طبيعة العلاقة بين الافراد منفردين او مجتمعين بالبنيات الكبرى ؟ هنا سنحصل على سلاسل توزيعية لعلاقتين مركبتين طرفاها البنيات الصغرى والبنيات الكبرى . ايضا ينبغي تفحص امكانية توزيع العلاقتين على الاخرى ، وبالتالي فأننا سنحصل على بنية تحتوي على علاقتين في آن واحد ، تسمى الحلقة وأخرى تسمى الحقل . واذا ، وعلى وجه الدقة العلاقة التركيبية فان التطبيق سيكون المفهوم الملائم لها وكما يلي :
الافراد يكونون منطلق التطبيق وفق قاعدة العلاقة ـ تلك القاعدة التي يمكن الوقوف عندها على وجه التحديد الا انها ليس وحيدة ، زواج ، صداقة ، توافق عقيدي ، صراع طبقي ، ... ـ بينما يكون الاخرون مستقر التطبيق ، ثم ، ان الافراد المكونين لمستقر التطبيق عبر قاعدة العلاقة سيمثلون ــ في علاقتهم بالبنيات الكبرى حسب بلاو ـ منطلقا للعلاقة والبنيات الكبرى مستقرا ويمكن تصوير ذلك بالمخطط الاتي :

منطلق مستقر
منطلق مستقر



ويضع ( دارندوف ) في تحليله ، الذي تضمن نقدا لافكار كارل ماركس ، مفهوما ، ربما لم يقصد حرفيته الرياضياتية ، وهو مفهوم شبه البنية . وهي بنية مزودة بعلاقة داخلية مغلقة ، تتصف بأنها تجميعية . ومع ذلك فأننا نتحفظ على تقديرنا لما قصد اليه دارندوف ولا نريد تحميل تحليله ما لايحتمل ، وعذرنا في ذلك إنّا نتفحص كل ما له صلة بالتحليل البنيوي كما عرضنا له . فهو يتحدث عن أشباه طبقات : أولئك الذين يأمرون ويقودون من اصحاب المرتبات البيروقراطية ، وأولئك الذين يقبعون خارج التراتب البيروقراطي . هذه الفكرة توحي بضرورة التحول صوب الاكتمال الطبقي في المجتمع الرأسمالي في ظل صراع طبقي يفترضه غير ناضج على ما يبدو .
يذكر (جورج .س. هومانز) في مقدمة كتابه (( العواطف والنشاطات )) ، انه قد تحول الى طرحه الخاص لنظرية التبادل لعدم اقتناعه بالنظرية الوظيفية . ويبني هومانز تصوراته من قناعته الشخصية والتي مؤداها ( أن المبادئ التفسيرية النهائية في الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ لم تكن مبادئ بنائية او وظيفية بل سيكلوجية ، أنها افتراضات حول سلوك البشر بوصفهم بشرا) وحسب ارفيج زايلين فأن هذه النتيجة قد وجهت فكر هومانز وأدت به إلى فهم السلوك ألاجتماعي بوصفه تبادلا Exchange . كما أنه يستند في تفسيره للسلوك الاجتماعي ألأولي الى اطارين : علم النفس السلوكي ، ومبادئ الاقتصاد .. ويفهم كلاهما تبادل النشاطات الإنسانية في ضوء المكافأة والتكلفة ، ويفسر كرهما تلك النشاطات من خلال المقارنة بين تكلفة افعال معينة والمكاسب التي تتحقق من ورائها بالنسبة للفاعل .إلاّ ان بيتر بلاو رأى رأيا آخر، اختلف فيه مع هومانز إذ ( رد العمليات الاجتماعية التي تحكم البنيات المعقدة للجماعات والمجتمعات واشتقاقها من أبسط العمليات التي تتخلل التواصل اليومي بين الافراد وعلاقاتهم الشخصية ) .
ومن نظريات علم الاجتماع ( نظرية الصراع الاجتماعي ) التي أخذ بها ونظر لها العديد من علماء الاجتماع : ابن خلون ، وميافيللي ، وبودان ، وهوبز وفيرجسون ، وسمث ، ومالثوس وآخرون . ما يفصح عن تعددية وجهات النظر التي تصرح بأنتمائها الى هذه النظرية . وان المصطلحات التقليدية للقوة والسيطرة وصراع المصالح تعبر عن هذه النظرية بصورة مباشرة . وجل المناقشات النظرية التي تدور حول مفهوم الصراع الاجتماعي يتم تناوله من وجهة نظر وظيفية إيجابية أو سلبية .
تعود نظرية ( الظاهراتية ) بجذورها الى الفيلسوف ( هسرل ) الذي بدأ حياته العلمية بالرياضيات والفيزياء ، وقد تأثر بأعمال علماء عاصروه فمال الى الامبريقية . ففي كتابه الاول فلسفة الرياضيات 1891 م حاول ان يتوصل الى مفاهيم رياضياتية أساسية من أحداث سيكلوجية . وقد ادعى ان علم النفس الامبريقي يزودنا بالأساس المعرفي للرياضيات ! ونشأ جراء ذلك بحسب ما نرى خلطا بين الظاهراتية والسيكلجية . ويعتقد هسرل بأن الظاهرة ليست وحدة مادية ، فليس لها خصائص حقيقية وهي لاتعرف اجزاء الحقيقة أو تغيرات حقيقية او سببية . ويضع ثنائية نمطية تتصف نوعا ما بالحدية بين الطبيعي والفيزيقي . ودعا الى اتخاذ الحدس وحده طريقا للكشف عن الظواهر مستبعدا كلا من الاستدلال والاستقراء في البحث . لذك فأن ( سميث) يعد الظاهراتية عملا تأمليا .
ولا تبرء نظريات علم الاجتماع من إقامة التماثلات بين البنى الاجتماعية والموضوعات أو الوقائع الفيزيقية او الحيوية . كما لدى الوظيفين عندما يشبهون نظرائهم في العلوم البيلوجية والفيزيائية . وان دوركايم استند أكثر من غيره على التماثلات العضوية . كما ادرك بارسونز ثنائية تتطابق بصورة أولية مع العلم الطبيعي والعلم الروحي . كم ان هذه النظريات تستند في اغلبها الى ما يدعى بالثنائيات (3).
نخلص من العرض المختصر جدا لنظريات علم الاجتماع ، الى جملة من الاستناجات والملاحظات :
1ــ انها تولي اهتماما خاصا بالعناصر الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ، ولكن عناصر دون عناصر وعلاقات دون علاقات ، كل بحسب منظوره .ويهمنا هنا من المشتركات المجردة ، واعني بها العناصر والعلاقات وكيفية استخدامهما لبناء تصور بنيوي لكل نظرية من نظريات علم الاجتماع . خاصة وان امكانية التجريد لاتنفي ، او لاتتناقض مع الاسلوب الامبريقي ( الواقعي ) للمعالجات العلمية للمجتمع .
2ــ انها تولي اهتماما بخواص معينة للعلاقات كالثنائية والتبادل والتطبيق . تلك المقولات وغيرها هي من صلب البحث البنيوي .
3ــ الخاصية التعددية لنظريات علم الاجتماع ليست موضع خلاف جوهري من وجهة نظر بنيوية ، وبرغم ذلك فهي مصدر إثراء للبحث البنيوي ، بمكان تسمح بضبط انواع متعددة للبنى مع خواصها الجبرية المجردة . كالبنى الدائرية مثلا . كما تسمح ايضا بتوسعة البحث البنيوي ليشمل بنى مزودة بعمليتين ( علاقتين ) قد تكون من خواصها إحدى الخاصيتين: التجميعية و التوزيعية ، أو كليهما. ومن هذه الامكانية بالضبط يمكن إثراء البحث الاجتماعي على نحو علمي رصين . فيكون لدينا بنى اجتماعية من نوع الزمرة او من نوع الحلقة او من نوع الحقل ، او بنى متشاكلة او متماثلة وغيرها كثير .
ان العلم في تقديرنا ، هو حصيلة التجربة المحكمة وبالتالي فهو ينطوي على مقولات حقيقية نسبية . فلا يعيب اذن علم الاجتماع ان يُعالج معالجة تجريدية بعيدا عن التصورات الفلسفية و القبلية و الايديولوجية ، شريطة ان تكون تلك المقولات لاتتناقض مع الوقائع الاجتماعية الملموسة . كما لايضير هذا العلم ان ينظر الى المجتمع نظرات متعددة : طبقية ، سلوكية ، وظيفية ، ظاهراتية ، شكلانية ، فعلية ، مادية، مثالية ،.. طالما ان ذلك ممكنا على مستوى التحليل الامبريقي ، انما المهم وهذا هو الاساس في تقديرنا ان يجمع كل زوايا النظر هذه في منهجية معينة قادرة على استقطاب كل هذه الرؤى في اطارها . وان التعددية تسلتزم الاعتراف بتباين اوزان او تأثير العوامل التي يفصح عنها التحليل من أي نوع من الانواع المذكورة ( طبقية ، وظيفية ،..) . ما نقوله هنا لايعني اقصاء الأثراء الفكري من علم الاجتماع وتلك التعابير التي يأنس اليها الباحث العلمي والقارئ المثقف ،والتي قد تسبغ على اطروحاته البلاغة اللغوية او فرادة الفكرة او الصياغات الجذابة ومن ثم احالة البحث الاجتماعي الى اشياء مجردة تسوقها الاعداد والمقادير والمقاييس وما الى ذلك . بل ان تلك الصياغات البلاغية والافكار المتفردة ينبغي لها ان تولد ولادة تضمن حيوتها وبقاءها وصمودها امام التجربة ومتغيراتها .
ان التطور السريع للعلم في المجال الطبيعي ، يعود الى المنهجيات المجردة والكمية . والى ذلك يعود ايضا متانة نظامها وانساقها العلمية . يقابل ذلك تخلف منظور للعلوم الاجتماعية خاصة والعلوم الانسانية عامة .وواحدة من تجليات تخلف العلوم الاجتماعية تتمثل في انزواء ( منتجها العلمي ) في غرف البحث العلمي والكتب المؤلفة دون ان تؤثر قيد انملة على تغيير مسار مجتمع او تنفخ فيه حوافز التطور والتحديث او تخلصه من امراضه ومعاناته بالمعنى الاجتماعي . والحقيقة أن هذه العلوم تفتقد المنجز الواقعي لا النظري على خلاف العلوم الطبيعية التي لايمكن التفريق في الغالب بين معطياتها النظرية ومنجزاتها على الارض . ان تخلف العلوم الاجتماعية يسنده عامل آخر ، هو ان الانسان نفسه جزء غير منفصل عن موضوعاتها ، في حين انه منفصل عن موضوعات العلوم الطبيعية . وثمة دعوات متكررة لابقاء البحث في مجال علم الاجتماع بعيدا عن موضوعه الانساني ، كما لو انه يلاحظ سكان كوكب آخر لم يألف حياتهم وطريقة معيشتهم . الا ان هذا ليس بكاف على اية حال ، انما ينبغي ان يردفه توفر منهج يستوعب التجارب المبحوثة ويجند له المقاييس الكمية . واذا ما توفر مثل هذا المنهج فليس للباحث الا ان يتذكر ــ وعليه ذلك ــ انه جزء من موضوعه لأن ذلك سيقدم له معرفة من داخل الموضوع وهذه مزية لاتتوفر للباحث في المجال الطبيعي . ولا نقصد بالمقايس تلك التي تعتمد في استطلاعات الرأي او الشبيهة بها ، بل ان الجبر المجرد وفروع الرياضيات الاخرى كفيلة بتزويد الباحث بما هو ضروري من ادوات البحث العلمي ويجنبه المحاكاة والتقليد والتماثل المزعوع بين قطاعات علمية مختلفة . وربما يعترض ملاحظتنا هذه القول بتجريبية علم الاقتصاد وهو علم من العلوم الانسانية وهذا قول مردود لأن هذا العلم قد توفرت له الامكانات المنهجية التي خرجت به الى واقع ملموس فاستخدمت القياس والمعادلة والمنطق وما الى ذلك . ويلي علم الاقتصاد من حيث نفعه النسبي في تحقيق المنجز في مجاله ، علم النفس . فهو الاخر قد استطاع ان يغير من موضوعاته التي يخضعها الى البحث ولكن من اهم معوقاته ركونه الى الافكار المثالية والفلسفية وكثيرا ما يتجنب المشتغلون في هذا المضمار محاولة تشئ البنية النفسية والتعبير عنها بطرق مدركة اومحسوسة اذا صح التعبير.
كثيرا من الامور غيرالدقيقة ، بل والمجانبة للحقيقة ، اكتست (الشرعية ) جراء تداولها على نطاق واسع في الدراسات البنيوية . وتصادفنا امثلة كثيرة حول هذه الظاهرة . ففي اشارة لـ (رولان بارث ) ، مثلا ،عدّ تسمية التعارض كأطلاق على الترتيب الداخلي لألفاظ حقل التداعي اللفظي في اللسنيات ، بأنها ليست بالتسمية الجيدة ،الا انه يستدرك مؤكدا احتفاظه بهذا المصطلح (أي التعارض ) لا لسبب وجيه ، بل لأنه اصطلاح شائع كما قال (4) .
ولقد توج(كلود ليفي شترواس) مبدع الدراسات البنيوية ، ايضا لا لسبب وجيه سوى تداول هذه الاشاعة من قبل كتاب كثيرون هم في الاغلب كتاب الصحافة الثقافية الذين يلهثون وراء الموضة والموجة . وما كان شترواس في ( البنى الاولية للقرابة ) سوى سمكة سوسورية . ويأتي إقرار هذا الاعتقاد من اعتراف له جاء في قوله : ( إن ظواهر القرابة ، على مستوى آخر من الواقع ، هي ظواهر من نمط واحد مع الظواهر الالسنية . فهل يمكن لعالم الاجتماع باستعمال طريقة مماثلة (و إلا فمضمونا ) لتلك التي ادخلتها الصواتية ، ان يدفع علمه في تقدم مماثل لذلك الذي تحقق في العلوم الالسنية ) (5) . وقد اجاب عن تساؤله بأن طبّق منهج سوسور في علم اللسان في اعماله .
(4) مراجعة أناسة شترواس
وسنجعل مناقشتنا لنماذج قدمها شترواس في مجال علم الاناسة ، هدفا اساسيا من اهداف هذه الفقرة مناقشة تقريظية نوضح فيها مدى شرعية المفاهيم والاصطلاحات والاساليب المتبعة من قبله .
ففي كتابه المذكور يفرز نوعين من بنى القرابة :النوع الاول ، البنى الاولية للقرابة ، ويقصد بها تكون انظمة القرابة التي يحدد فيها أختيار القرين سلفا بكامله تبعا للموقع المتبادل بين شريكين في عملية التبادل. اما النوع الثاني فهو البنى المركبة ، ويقصد بها تكون الأنظمة التي تتدخل فيها معايير أخرى غير الوظيفة الخاصة ، منها : النبل والغنى . ويذكر جان كويزينيه ، بهذا الصدد ( بان التنوع يصل الى اقصاه في أنظمة النسق الاول ، فبعضها لايتتالى اتجاه زيجاته (؟) : رجال الذرية Aيتزوجون جيلا بعد جيل نساء الذرية B ، النساء B يصبحن إذن ، منذ الجيل الثاني ، بنات اخوة امهات الآباء A . يقال في هذه الحالة ان الزواج يحصل في طبقة ( كذا !) بنات العم الفارقات حوبة ، من قبل الام ، . اذا بالاضافة الى ذلك اتخذ الرجالB من النساء A زوجات لهم فان النساء B سيجدن انفسهن ايضا بنات لاخوات آباء الرجال . أي بنات عم فارقات عصبية ، من جهة الأب ، فيقال ان الزواج يحصل هنا إذا مع بنات العم الفارقات عصبية وحوبة ) (6) وبنفس السياق اذا ما اتسع تبادل النساء ليشمل ثلاثة سلالات ، وطالما ان الزواج قابل لتبادل الزواج فان الفعلين : يأخذ زوجته ، ويعطي نساءه هما اوجه علاقة الاقتران . وهنا يمكن ان نصنف التبادل الى العلاقتين المذكورتين : الأخذ والعطاء . ولكن دعنا ندون ما قاله كوزينيه ( ربما نقلا عن كلود ليفي شترواس كما يبدو من سياق العرض الذي قدمه ) ، ومن ثم نفرغ المحتوى في عبارات رياضياتية لنتبين نوع العلاقة تماما ( .. إذا أخذ A زوجته من C ولكن أعطى نساءه الى B بينما B أخذ من A ولكن أعطى الى C وC أخذ من B وأعطى الى A ) . ان النص السابق يمكن وضعه في احد مجموعتي اوجه العلاقة :

1) علاقة يأخذ زوجته من
A يأخذ زوجته من C  (A,C)
B يأخذ زوجته من A (B,A) 
C يأخذ زوجته من B (C,B) 
2) علاقة يمنح نساءه الى
A يعطي نساءه الى B  (A,B)
B يعطي نساءه الى C  (B,C)
C يعطي نساءه الى A  (C,A)
( هذه الازواج المرتبة المحصورة بين قوسين تقرأ من اليسار الى اليمن).
هنا لانعثر على علاقة تبادل ، فأية عبارة من المجموعة الاولى هي صياغة ثانية للعبارة المساوية لها من حيث الاقتران في المجوعة الثانية . فالتبادل ينبغي وجوده في احد المجموعتين فقط . مثلا لكي تكون العلاقة بين A و C علاقة تبادلية فهذا يعني وجود الكائنين ( (A,C و(C,A) في احد العلاقتين: ( يأخذ زوجته من ) او ( يعطي نساءه الى ) وليس فيهما معا . إذن العلاقة هنا لو قرأت من احد وجهيها ــ الاتجاه ــ
هي علاقة توافق . ان العلاقة التوافقية بين A,B,C يوضحها البيان التالي : (A,B),(A,C),(C,B) . وبغض النظر عن الترتيب . حيث ان (A,B) و (B,A )هما توافق واحد . بينما العلاقة التبادلية تتطلب الكائنين معا ، ففي التبادل A,B) )و B,A)) يمثلان كائنين مختلفين بمعيار العلاقة . لذا فأن ما ذهب اليه كوزينيه مغلوطا من اساسه . الا اذا وضعنا اصطلاح توافق عوضا عن تبادل . علما ان عبارتي :(يأخذ من) و (يعطي الى) لهما ذات الاثر ولكن باتجاهين متعاكسين تماما ، والتعاكس هنا ليس له موضع خلافي . وان ايا واحد من A,B,C اما ان يعطي لاحد الآخريَن فقط أو ان يأخذ منه فقط ، أي ان العلاقة بأتجاه واحد في كلا الحالتين . هذا النوع من البنى الاولية ليس فيه خروقات للتفاوت الطبقي فهو يتم داخل الطبقة الاجتماعية ـ الاقتصادية ، المتجانسة فيما بين أفرادها سواء اكانوا من الطبقة الفقيرة او من الطبقة الغنية .
إلا ان البنى المركبة للزواج تنطوي على خروقات ، فيحصل تداخل محسوب بين طبقتين متباينتين بحيث تتشكل البنى الجديدة ــ المركبة ــ من علاقات هما : تبادل الزيجات المتضمن لتبادل الزيجات بين مستويات طبقية متفاوتة. كما يذكر كوزينيه في مقالته ثلاثة نماذج أخرى للعلاقات القرابية المتأتية من علاقات القران : (مجتمع كاتشين) ، و(نظام كارييرا) و(نظام آراندا )
ان نموذج (المجتمع كاتشين ) يوضح أن اعضاء سلالات الأمراء والنبلاء وعامة الشعب يتزوجون كل على التوالي في ذريته . أي ثمة فصل بين نطاقين مفروزين طبقيا سلفا . ( ولكن حيث المجتمع ناشط في حركة مزدوجة ، صعودا وهبوطا ، يعتبر المعطون في هذا المجتمع متفوقون على الآخرين . وهكذا يحاول كل واحد ان يأخذ امرأة من دائرة أعلى منه مباشرة من تلك التي له علاقات تداول متبادلة فيها . وكما ان الزيجات ألأمومية هي أيضا تعاقدات أقتصادية باتجاه معكوس ، فهنالك بالتالي دفق من النساء هابط ودفق للثراء صاعد ) (7) .




هذه الدوائر هي تعبير شكلي لثلاثة طبقات اجتماعية : كل منها تعقد زيجات تبادلية داخل افراد الطبقة ــ باتجاه واحد ــ كما ان كل طبقة دنيا نسبيا تتطلب النساء من الطبقة الاعلى منها نسبيا ، وباتجاه واحد ايضا .
ان نموذج المجتمع كاتشين إذن ، هو نموذج( لتبادل) الزواج من جهة و(لتبادل) الثراء من جهة اخرى . وفي كلتا الحالتين انما يفصح عن عمليتين وصفها كوزينيه بعلاقة التبادل وهذه ليست بالتسمية الصائبة مرة اخرى.كما ان تسمية الدوائر او عملية تبادل النساء ( الهابط ) وعملية تبادل الثراء ( الصاعد ) بالحلقات أمر يحيلنا الى مفهوم رياضياتي بنيوي له تعريفه المميز له ذات الاسم ، الا ان شروطه هنا غير واضحة كما ورد في الشروحات المنقولة من قبل كوزينيه .
إذن : إذا ما سلمنا بوجود فعلي لمثل هذا النموذج فأن عملية الثراء تتوزع على عملية الزواج فهو نموذج توزيعي.
ومن زاوية نظر أخرى فأن كل دائرة تمثل بنية مزودة بعملية ثنائية مغلقة ، بمعنى ان الولادات سيكونون من ذات المستوى الطبقي للأبوين . وان عملية طلب النساء من الدوائر الارقى من شأنه ان يشكل بنى جديدة مختلفة عن البنى الاساسية التي تمثلها الدوائر مستقلة . وهذا الامر يستوعبه التطبيق من مجموعة بنية الى مجموعة بنية أخرى .
ومـن زاويـة نظر ثالثـة فأن عمليتي الاقتران بالنساء والأثراء تشكل نظامـا ثلاثيـا يتضمن دعامـة البنية (الازواج والزوجات ) ومزودة بعملتين .
فلو رمزنا لأعضاء الدوائر الثلاثة مجتمعين وهم يمثلون المجموعة الشاملة بالرمز س ، ولعملية الاقتران بالنساء بالرمز  ، ولعملية ألأثراء ــ عن طريق الاقتران بنساء الطبقة الاعلى ـ بالرمز . فأن النظام الثلاثي المرتب سيعبر عنه كما يلي : ( س ،  ، ) .
وبأعتبار كل من : أ ، ب ، جـ عناصر من الطبقات الثلاثة المختلفة فأن الشرطين اللازمين لانفاذ النظام المذكور ، هما : أ ( ب  جـ ) = ( أ  ب )  ( أ  جـ )
أ  ( ب  جـ ) = ( أ  ب )  ( أ  جـ )
ففي الشرط الاول ان عملية الاقتران تتوزع على عملية الثراء ، وفي الشرط الثاني ان عملية الثراء تتوزع على عملية الاقتران .
ان تعديل الوضع الطبقي جراء الزواج من النساء الثريات لا يقف حائلا دون احتفاظ الطبقات الثرية او الفقيرة بأوضاعها الطبقية طبقا لعلاقـة القران داخل الطبقة الواحدة . إلا ان الحراك الاجتماعي مدفوعا بأسباب ذاتية في الاغلب ، وأخرى موضوعية بدرجة أقل من شأنه ان يحقق الاثراء .
وإذا كان الزوج المرتب ( س ،  ) يمثل زمرة تبديلية في النظام الثلاثي ( س ،  ، ) ، وأن الثراء  يتوزع على عملية الاقتران بالنساء  وبالعكس . فأن النظام الثلاثي المذكور يمثل حلقة . وهذا متحقق من الناحية الافتراضية في النظام المذكور :
أ من الطبقة الفقيرة ، ب من الطبقة المتوسطة ، جـ من الطبقة الثرية:
1) فان أ يأخذ نساءا من ب ( ثراء صاعد ) ، وان ب يأخذ نساءا من أ ( تبادل نساء هابط )، أي ان :
أ  ب = ب أ ( الطرف الايسر ان أ يتزوج من ب والطرف الايمن ب يتزوج من أ )
2) وان ب يأخذ نساءا من جـ ( ثراء صاعد ) ، وان جـ يأخذ نساءا من ب ( تبادل نساء هابط )، أي ان :
ب  جـ = جـ  ب بنفس المعنى السابق
3) وان أ يأخذ نساءا من جـ (ثراء صاعد ) ، وان جـ يأخذ نساءا من أ ( تبادل نساء هابط ) ، أي ان :
أ  جـ = جـ  أ بنفس المعنى السابق
ان الحقائق الثلاثة المذكورة تفصح عن وجود علاقة ابدالية بين طبقتين من الطبقات الثلاثة الافتلراضية .
وللبنية الزمرية شرطا آخر هو الخاصية التجميعية ، لنرَ اذا كانت متحققة ام لا ؟ : لكي تكون الخاصية التجميعية متوفرة فيجب ان يتحقق الشرط أ ) ب جـ ) = ( أ  ب)  جـ والذي يعني ان أ يأخذ نساءه من الجيل الاول من الاقتران ب جـ وكذلك الجيل الاول من الاقتران أ ب يأخذ نساءا من جـ .
وواضح ايضا وهذا شرط آخر للبنية الزمرية ان كل عنصر(رجل )من اية طبقة دنيا يقترن بعنص(أمرأة )من الطبقة الاعلى . أي ان البنية تتضمن عناصر وقد توفرت لها نظائرها بمعيار علاقة الاقتران . وهذا يحيلنا الى البحث عن وجود العنصر المحايد . فكل عنصرين نظيرين يسفران عبر علاقة الاقتران عن مولود محايد طبقيا بين طبقة والده الادنى وطبقة والدته الاعلى . ثم ان علاقة الاقتران هي عملية ثنائية مغلقة لاتولد سوى عناصر تنتمي الى الابوين بدلالة علاقة الاقتران وليس بدلالة علاقة الاثراء .
اما نظام كارييرا المفترض ايضا فهو يقدم نموذجا قابل للتعميم على اية علاقات تعويض مصطنعة هي الاخرى . ويتلخص هذا النظام بأفتراض سكان فرنسا موزعين على عائلتين هما الدوبون والدوران .والاولاد المولودون يأخذون دائما كنية أمهم فيما يحملون اسم محل السكن لأبيهم وهي تمثل احدى المدينتين : باريس وبوردو. فان التراكيب التي ينقلها كوزينيه عبارة عن ثلاثة اعمدة ، أثنان منها توضح عائلة ومحل سكن الزوج والزوجة على الترتيب ، وهما يشكلان المعطيات في تقديرنا ، اما العمود الثالث فيمثل كنيتهم ومحل السكن وهو ما يمثل النتائج المحتملة للمعطيات . وكل هذه الاعمدة مرتبة في صفوف ثلاثة :
إذا رجل تزوج امرأة يكون الاولاد
دوران دو باريس دوبون دو بوردو دوبون دو باريس دوران دو بوردو دوبون دو باريس دوبون دو بوردو دوبون دو باريس دوران دو بوردو دوران دو باريس
دوبون دو بوردو دوران دو باريس دوران دو بوردو
ولا يقدم هذا العرض سوى نتائج حسابية وفق مبدأ العد ، وهو متطابق تماما مع وصف عدد طرق ارتداء قميصين مع بنطالين كلا منهما مختلفة الالوان . وينص مبدأ العد على ان عدد طرق اختيار م من الاشياء وعدد طرق ن من الاشياء مأخوذة سوية، يساوي م  ن . وان التوسع في عدد المعطيات : عائلتان واربعة محلات سكنية ، على سبيل المثال ، لايغير من الامر إلا في الناتج الحسابي ، فوفقا لمبدأ العد تكون الالقاب المختلفة ــ غير المتطابقة في كنية الام ومحل سكن الوالد في آن واحد ــ يساوي 2  4 = 8 . ولايحتاج الامر لوصف النتائج سوى ان تأخذ من المعطى لقب الام وان تأخذ من الوالد محل سكنه .
وذات النموذج يقدم باسم مغاير هو ( البنية آراندا) ( مميزة باربعة مجموعات أ ، ب ، جـ ، د ، وتعاقب توليد 1 و2 ) (8) . وهذا ( النموذج ) يستحق منا التعقيب والمناقشة لأنه يستخدم وعلى نحو يقترب من دقة المفاهيم المستخدمة فيه : البنية ، العناصر المولدة ، كلاهما يحيلان الى مفهوم يحويهما وهو مفهوم البنية المولدة..
ان المجموعات الاربعة ـ الحروف ـ تشير الى محلات سكن الازوج الرجال والعددين 1 و2يشيران الى عائلتي الزوجات . ودعنا اولا نفترض صحة اطلاق مفردة بنية على هذه المجموعات ، اذا ما اعتبرنا ان الزواج هو العلاقة الداخلية بينها . ولابد هنا من التنويه حول مفهوم ( الطبقة ) الذي يكرره كوزينيه خلال عرضه الذي ينقله عن ليفي شترواس . ان هذا المفهوم يختلط بالغنى والفقر من جهة وبالتركيبات المحتملة لعقد الزيجات بين عناصر بنية آراندة من جهة اخرى . أننا نأخذ بالمعنى الاول للمفهوم ـ الغنى والفقر ـ لأن معناها الثاني لاموضع له حقيقة في التركيبات المحتملة المذكورة . حيث انه يذكر في تقديمه لهذه البنية بالقول ( ويزيد نظام آراندا تعقيدا أضافيا : لم يعد هنالك أربعة طبقات ولكن ثمانية مقاسم فرعية يشغلها .. ) (9) . واضح ان الطبقات التي يشير اليها ليست إلا التركيبات كما في المثال السابق ، وهي وان انطوت على تغير طبقي بالمعنى الاقتصادي بسبب عقد الزيجات ، إلا انه عنى التركيبات تحديدا ، كما هو واضح في قوله ، ومقارنة مع المقاسم الفرعية التي اوردها. والى ذلك تأخذ بعض الدراسات البنيوية بتعريف مبهم للبنية على انه ( نسق طبقات ) . وهذا التعريف مرفوض من قبلنا ، حيث وإن كان التنسيق مفهوما يكافئ مفهوم االنظام ، والاخير قريبا من مفهوم البنية ، إلا انه وبرغم ذلك لايستقيم والمفهوم الدقيق للبنية . ان معطيات نظام آراندا تتمثل بقاعدتين افتراضيتين : نقل اسم العائلة عبر الحوبة (الفرع الامومي )واسم السكن عبر العصبية ( الفرع الابوي ) . نصفان لأسماء العائلة ، واربع طبقات لأسماء محل الاقامة حسب تعبير كوزينيه . إن هاتين القاعدتين تشكلان معا النظام وليس البنية ، قاعدتان توجهان العلاقة الداخلية للبنية . وفي حال ان سكان فرنسا موزعون على اربعة مدن هي ، مع رموزها المفترضة : أ =كاين ، ب = ليون ، ج = ليل ، د = ليون .
وان العوائل موزعة على عائلتين هما : 1 = دوران ، 2 = دوبون . وبأستخدام هذه الرموز ، فأن المقاسم الفرعية الثمانية التي يشغلها النظام ، هي :
العمود الاول العمود الثاني العمود الثالث
الصف الاول أ1 ب1 د2
الصف الثاني أ2 ب2 د1
الصف الثالث ب1 أ1 ج1
الصف الرابع ب2 أ 2 ج2
الصف الخامس ج1 د 1 ب1
الصف السادس ج2 د 2 ب2
الصف السابع د1 ج1 ب2
الصف الثامن د2 ج2 أ 1

ان العمود الاول دون شك يمثل المقاسم الفرعية ، والعمودين الآخرين كذلك يمثلانها . ولكن ما الفرق بين عمود وعمود ؟ ولم ثلاثة اعمدة تحديدا . ان شُرّاح هذا النظام لايقدمون لنا اجوبة على هذين السؤالين . ولكن قرائتنا للاعمدة الثلاثة تشير الى انها تمثل تبديلات مختارة دونما سبب ، ولا تستغرق كامل التبديلات . كما ان قرائتها افقيا لاتقدم أي معنى من معاني التبديل . فكل صف لايحتوي على كامل العناصر.
ان الاقترانات الممكنة طبقا لعلاقة الزواج بين المجموعتين يمثلها العمود الاول او أي من الاعمدة الاخرى ، وهي ناتجة عن التقابل الديكارتي ــ الضرب الديكارتي ـ والتي يمكن وصفها على النحو الاتي :
{ أ،ب،ج،د}  { 1،2} = {(أ،1)،(أ،2)،(ب،1)،(ب،2)،(ج،1)،(ج،2)،(د،1)،(د،2)}
ثمانية ازواج ، وهي مرتبة ، بمعنى ان الرجل يطلب يد المرأة للزواج ولا يصح العكس . وان التباديل الممكن بينها يساوي 8! = 20320 تبديل وليس ثلاثة . اما اذا اعتبرنا كل زوجين مرتبين يشيران الى السكن ( اشارة الى الرجل ) فتكون لدينا اربعة عناصر لأغراض التبديل ويساوي عندئذ 4! = 24 تبديل على طريقة التنوع الذي يصفه كل عمود ، وليس ثلاثة . ولانكاد نعثر هنا على أثر للتبديل أو الابدالات سوى عند العلاقات المستقلة بين أي رجل ، مشار اليه برمز السكن ، مع ألأمرأتين المشار اليهما برمزي العائلتين . وتبديلات مختارة ايضا دونما سبب واضح بين المقاسم ( أي العناصر الثمانية ) انطلاقا من ترتيب العمود الاول . والتي جاءت على اساس افتراضي مستل من النظام ذاته : ( .. لنفرض ان اولاد رجل (س) ينتمون الى الطبقة قس .. )(10) . والمقصود هنا بالرمز س ليس الرجال بل اولاده اذ يستمدون انتمائهم من عائلة أمهم . وهو ما يدعوه بالابدال ق ويتألف من العمود الاول وعمود آخر بعد اجراء الابدالات بين كل عنصرين متجاورين متشابهين في رمز السكن للرجل ومختلفين في الاقتران بزوجة من احدى العائلتين .

الطبقة قس

أ1 ب1
أ2 ب2
ب1 أ1
ب2 أ 2
ج1 د 1
ج2 د 2
د1 ج1
د2 ج2

وبفرض ان الإبدال ف ، بحيث ان زوجة رجل ( س ) تنمي الى الطبقة فس :

الطبقة فس

أ1 ب1
أ2 د 2
ب1 أ1
ب2 ج2
ج1 د 1
ج2 ب2
د1 ج1
د2 أ2
حتى يخلص الى ما عده استنتاجا : بأن الابدال ( م) بحيث ان اولاد امرأة من ( س) ينتمون الى الطبقة مس يساوي : م = ق  ف ــ 1

الطبقة مس

أ1 ب2
أ2 د 1
ب1 أ2
ب2 ج1
ج1 د2
ج2 ب2
د1 ج2
د2 أ1
والنظام محدد بأكمله حسب إبدالين : حين نعرف الإبدالية يمكن ان نحسب الثالث . هذا النموذج ينتمي بذاته الى طائفة النماذج ، يدل الرياضيون على انها تبدي بعض الخصائص المميزة (11) .
بالاضافة الى ملاحظاتنا النقدية السلفة الذكر ، نضيف هنا الملاحظات التالية :
1. ان العناصر المولدة لبنية ما يرمز لها عادة بحرف ما اختياري مرفوع الى قوة معينة . وحيث ان ليفي شترواس ، يقرر ان العنصرين 1 ، 2 وبالنظر الى دلاليتهما في نظام آراندة ، هما اللذان يجري توليدهما . واتساقا مع هذا القول فأن الرمز ينبغي ان يصحح ويكتب على النحو 1أ ، 1ب ، 1جـ ، 1د . وبمثل يكون تصحيح الرموز المتضمنة للعنصر.
2. ان الترميزات المذكورة في النظام لاتميز فيما يتعلق بذرية الطبقة الاولى او الطبقات البادئة بين الذكور والاناث ، فتضيع معاني الابدلات : فهل هي داخل العائلة الواحدة 1 أو 2 وليس كلاهما في وقت واحد ، أم بين العائلتين والعناصر الاربعة المشيرة الى سكن الآباء ؟
3. جميع الابدالات المذكورة لاتغطي في حقيقة الامر كل الابدالات الممكنة . وان قصرها على امثلة لايغني في الامر شئ ، بل يجعل جوانب النظام مشوهة المعالم والاركان .
4. المعادلة الحسابية م = ق  ف ــ 1 غير ملائمة لحساب هذا النوع من الابدالات . وقد عرضنا طرق حساب الابدالات من زواية نظر متنوعة .

(5) بين الاناسة وعلم الاجتماع
من العرض المختصر السابق لنظريات مختارة من علم الاجتماع ونماذج مختارة من علم الاناسة ، بوصف المجموعتين تمثلان سوية عينة جيدة التمثيل لكلا العلمين ، ما هي اهم الاستنتاجات والملاحظات التي يمكن ان تقال بصدد الاختلافات بينهما وداخل كل مجموعة ايضا؟

ان نظريات علم الاجتماع تقدم ـ في معظمها على الاقل ـ تصورات نظرية حول ابنية المجتمع بعناصره المختلفة باختلاف كل نظرية . وهي تتأرجح في ميلها نحو التأملات من جهة ونحو التجريد من جهة أخرى . وتختلط فيها الايدولوجية والفلسفة والى حد ما علم النفس مع استعارات خجولة من علم المنطق ، واستخدام متأرجح بين الندرة والكثرة لعلم الاحصاء خاصة في بحوث القيم والميول والاتجاهات . وكل هذه النظريات بقيت حبيسة الاجتهاد الشخصي ، وان اشترك في وضعها اكثر من متأمل او منظر. ولم تلامس عمق البنى الاجتماعية ، كما انها لم تقدم تفسيرات مقنعة لظواهر او حقائق او ابنية اجتماعية مشتركة في صفة ما ومختلفة في التاريخ والموارد والعوامل الاخرى . ومما يسجل عليها ايضا ما يشوبها من احكام قبلية او قسرية احيانا وتعمد تزييف النتائج الامبريقية احيانا اخرى ، ولاسباب شتى : عنصرية ، ايدولوجية ، ..
وفي المقابل استعار علم الاناسة والذي قدم نفسه بديلا عن علم الاجتماع ، بصيغ تجريدية كثير ما تزيف الوقائع او تصطنعها . الا ان المزية المحمودة فيه انه كشف عن امكانية استخدام المنطق والرياضيات في معالجة قضايا اجتماعية مبنينة . ولكن المسار الذي اتبع في مثل هذا الاستخدام انطوى على تجاوزات فظة على المفاهيم البنيوية الاصيلة وبتجليات مختلفة ، منها الاستخدام المزاجي لهذه المفاهيم والاطلاقات الجزافية التي تملئ الكثير من الدراسات البنيوية بما في ذلك الدراسات الرائدة .
ان الاحتفاظ بتعبير ( علم الاجتماع ) يمثل احد المداخل الاولية لاعادة التركيب المنهجي لكل ( العلوم ) التي تتناول الشأن الاجتماعي . وان وجود علوم تتناول الشأن ذاته بأوجهه المختلفة وتحت مسميات مختلفة هي الاخرى ، يضيّع من وحدة موضوعها الذي هو واحد دون شك ، ويخلط ــ بحدود التسمية في الاقل ـ بين الموضوع والمنهج . ومعروف ان الاطلاقات المتمثلة بـ : علم الاناسة ، علم الانام ، علم القرابة ، هي وليدة توظيف المنهج البنيوي في ميدان علم الاجتماع . وتمثل مرحلة محددة بحداثة المنهج ليس غير ، او انها اقترنت به حسب . ان اية واقعة ، وفي أي موضوع كان ، يمكن النظر اليها من زوايا متعددة في وقت واحد ، فدراستها تحتمل التعددية المنهجية دون شك . لذلك ان حصرا دقيقا لنظريات علم الاجتماع ، وحصرا مماثلا للمفاهيم البنيوية كما وردت في بيئتها الرياضياتية ، ومفاهيم أخر كالذي يحويها علم المنطق الصوري ، وتلك التي تمثل نظريات او مبرهنات رياضياتية ، يُمكّن تاليا من وضع قواعد منهجية رصينة لعلم الاجتماع تحشد فيه كل المعطيات العلمية النافعة. ان الظواهر والمعطيات والبناءات والوقائع الاجتماعية في تغير دائم ، إلا انه تغير بطئ وليس فيه من المفاجآت بصفة عامة . فأذن يمكن الحديث عن موضوع يمتلك الاستقرار النسبي والى درجة كافية جدا لدراسته على مهل وتؤدة . الا ان الملاحظ بأزاء الاستقرار النسبي للابنية والظواهروالوقائع الاجتماعية ، ثمة تغير دائم في النظريات والمناهج التي تتناول الشأن الاجتماعي . وهذا يمثل احد الاسباب التي تدعونا ان لانركن مطمئنين الى ما أُنجز من نظريات علم الاجتماع . بل ان هذه الظاهرة ايضا هي شأن اجتماعي ينبغي التوجه لدراستها علميا ، وباسئلة محددة : لماذا هذا التغير السريع في نظريات ومنهجيات علم الاجتماع ؟ وكيف تولد هذه النظريات ، وتحت أي ظرف شخصي او موضوعي ؟ ولماذا لاتوجد نظرية او بكلمة ادق منهجية قادرة على تفسير الظواهر والوقائع والبناءات الاجتماعية للمجتمع الانساني ؟ ما هي صلة التاريخ بعلم الاجتماع ، الجغرافية ، الكوارث الطبيعية ، الحروب الشاملة او المحلية ، الاقتصاد ؟ ما هي الموضاعات التي تخص علم الاجتماع تحديدا ؟
والخلاصة ،يمكن لعلم الاجتماع ان يمتلك منهجية عامة تتضمن جملة من القواعد دون ان يصطدم بالفروقات القومية والحضارية والمحلية للمجتمعات البشرية .كما يمكن الافادة من معطيات ما يسمى بعلم الاجتماع وعلم الاناسة ، لوضع قواعد منهجية رصينة بعد تحديد مسؤولية علم الاجتماع .
ان دراسات توضح اثار مثل تلك المحاولات هي بلا شك دراسات قمينة بأن تنجز وتأخذ على محمل الجد من قبل المخططين والقادة ومراكز البحوث .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع : هربرت ماركوز ( الانسان ذو البعد الواحد ) ــ باريس 1968 م ــ ص227
( وجدير بالملاحظة ان هربرت كان يُعد الأب الروحي لثورة الطلبة في اوربا وامريكا في نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي ) .
(2 ) للاطلاع على تزييف المعطيات والنتائج العلمية في مجال علم الاجتماع راجع ( علم الاحياء والايدولوجية والطبيعة البشرية ) ، لـ (ستيفن روز وآخرون ) ، الكويت ــ سلسلة عالم المعرفة ــ 1990 م .
(3) حول تفاصيل هذه النظريات ، راجع إرفنج زايتلن ــ النظرية المعاصرة في علم الاجتماع ــ ( م . س. ذ)
(4) رولان بارث ــ مبادئ في علم الادلة ــ ( م .س.ذ ) : 114
(5) C.Levi- Strauss:Anthropologie Structurale(plon,paris,19580
(6 ) جان كوزينيه ( م.س.ذ ) : 52
(7) دان سبيربر ( البنيوية في علم الاناسة ) ، ورد في كويزينيه ص 52ـ 53 ( م .س.ذ)
(8) جان كوزينيه : 54
(9) المصدر السابق 53
(10)، (11) المصدر السابق :45
(12 ) عبد الرحمن كاظم زيارة ــ مقابسة المقابسات ـ التعريفات والمباحث الفلسفية لمقابسات ابي حيان التوحيدي ص 232 ( تحت الطبع )
(13) د. فؤاد زكريا ـ التفكير العلمي ـ المجلس الوطني للثقافة في الكويت .

لايسمح باعادة نشر هذا البحث من قبل الصحف والمجلات والدوريات كما لايسمح بترجمته الا بموافقة الكاتب



#عبد_الرحمن_كاظم_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التباديل واحصاءات البنية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن كاظم زيارة - الاناسة اوعلم تالاجتماع