أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ليث الحمداني - سقوط الكذبة الكبيرة















المزيد.....

سقوط الكذبة الكبيرة


ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)


الحوار المتمدن-العدد: 692 - 2003 / 12 / 24 - 08:07
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


على مدى ثلاثة عقود من الزمن كان صدام حسين يكذب. في موقعه الثاني في الحزب والدولة كذب على قواعد حزبه وأوهمهم بأنه (مستقبل) الحزب، وأن البكر هو (ماضي) العشيرة والعسكر وأنه لا يملك رؤية للغد الذي يسعى هو لصناعته، فمشى وراءه من مشى من خيرة كوادر الحزب، ثم دفعوا رؤوسهم ثمنا لتلك المسيرة حين تصدر هو الموقع الأول.
وفي موقعه الجديد مارس الكذب بشكل أوسع وأكبر. أوهم العرب بأنه البديل الحي لجمال عبد الناصر، وأنه سيعمل لتحقيق الوحدة العربية، وأنه سيبني العراق من أجل العرب، وأنه (حارس البوابة الشرقية)، ولم يحقق طوال سنوات حكمه سوى الحروب والأزمات وتعميق الصراعات العربية – العربية. أما على الصعيد المحلي، فقد أضاع ثروات النفط الهائلة على حروبه المجنونة وآلة الكذب الإعلامية التي (تخترع) له الألقاب والصفات. فانتهت الطبقة المتوسطة العراقية وازداد الفقراء فقرا، وأصبح في كل بيت أرملة أو أرامل. والذين شاهدوا مدن العراق إبان الاجتياح الأمريكي لمسوا مدى الحرمان والجوع واليأس التي كان يعيشها الشعب العراقي في ظل الدكتاتورية. ومن يراجع (خطب) الدكتاتور و (تصريحاته) يحار في أية مرحلة من مراحل (الكذابين) يضعه.
ورغم ذلك كان هنالك من يصدقه، ويرفض أن يصدق شعبه الذي عرفه جيدا.
وجاء احتلال الكويت ليكشف لمن ظل مخدوعا به، ومنهم كويتيون ظلوا يصفقون لجنونه ويهللون لحماقاته بأنه كذاب. ولكن ولأنه احترف ذلك استطاع، وبدعم ملايين الفورة النفطية، أن يجعل آخرين يصدقونه في عدائه المصطنع للولايات المتحدة، أو (يكذبون) هم أيضا عليه ويتوجونه (بطلا للعروبة) التي تبحث عن بطل منذ قرون.
وهكذا استمرت دائرة الكذب تكبر..
صدام حسين يكذب على الجميع.. وهناك من يكذب عليه.. داخل الوطن كان هناك كذابون من أنواع مختلفة.. كذابون يكيلون له المديح ساعات النهار، ويدبجون المقالات عن (نضالاته) و (بطولاته) و (إنسانيته) و (إسلامه)، وحين يجن الليل ويتجمعون حول (كأس ) الهروب والنسيان، يشتمونه أكثر مما كان يشتمه معارضوه. وكذابون يصورون له معجزات تحققت على أيديهم تجعل العراق (قوة عظمى). أذكر في الثمانينات أن أي مهندس يجري تجربة مختبرية قرأ عنها في مجلة علمية أو كتاب أكاديمي، يسرع ليكذب على رؤسائه ويحولها إلى (منجز عبقري) ينفرد به العراق. فطورا نسمع عن (القنبلة الفراغية)، وطورا عن (مقاومة غير تقليدية للطائرات)، وكلها أوهام وأكاذيب جعلته (ينتفخ) غرورا، فيكذب على نفسه ويقنعها بأنه بلغ الكمال.
وأذكر نكته كان العقل الجمعي العراقي يتداولها في نهاية الثمانينات وهي واحدة من مئات النكات التي كانت متداولة حول (التصنيع العسكري). تروي النكته أن حسين كامل أبلغ (الرئيس القائد) بأن مبدعي التصنيع اخترعوا جهازا يمكنه أن يعيد للمرء شبابه، وأنهم يهدون اختراعهم للرئيس لتجربته. فيقرر صدام تجربة الجهاز بنفسه، ويصطحب معه نائباه طه الجزراوي وعزت الدوري، ويطلب من عزت أن يكون الأول في الصعود إلى الجهاز. وفعلا ينفذ الأمر ويدخل الجهاز فيضغط صدام حسين على الأزراز طالبا من الجهاز إعادة الدوري إلى عمر 25 عاما. وفعلا يدور الجهاز عدة دورات ثم يتوقف ليهبط الدوري مرتديا دشداشة، وحاملا قالبا من الثلج. ويأتي الدور على طه الجزراوي الذي يدور الجهاز به عدة دورات ثم يهبط مرتديا بدلة نائب ضابط في الإعاشة. عندها يقرر صدام حسين أن يجرب بنفسه، ويطلب منهم إعادته أربعين عاما إلى الوراء. يصعد صدام ثم يدار الجهاز ويستمر في الدوران. يحاول المهندسون إيقافه، فينطق الجهاز وبلهجة بغدادية: (لا تصد?ون أو?ف قبل ما أرجعه إلى ......................أمه)
هذه النكتة وغيرها نتاج المبالغات اليومية، ولكن هذا لا يعني أبدا عدم وجود كفاءات عراقية أكاديمية مبدعة عملت في مؤسسات النظام، يقف في مقدمتها الدكتور جعفرضياء جعفر والدكتور عامر السعدي والمئات غيرهما. وهؤلاء كانوا أول ضحايا الكذب من الجهة الثانية التي احتلت العراق والتي حملتهم مسؤوليات لم يكونوا طرفا فيها بعد سقوط نظام صدام حسين.
عربيا، الذين صدقوا أكاذيب صدام حسين حتى النهاية كثيرون. أيضا في مقدمتهم حركات سياسية قومية وإسلامية تناست تماما أن صدام حسين كان مهندس ذبح القوى القومية في السبعينات ويشهد بذلك من بقي حيا من (ضيوف قصر النهاية)  ثم ألحق بها القوى الإسلامية واليسار العراقي على مدى سنوات حكمه، أحيانا كانت حالة اليأس التي تعيشها الأمة العربية جراء الهزائم المتكررة أمام المشاريع الاستعمارية التي استهدفت المنطقة  دون أن تحاول هذه الحركات أن تقيم أسباب الهزائم والتي هي بالأساس تغييب الشعوب وقمع الحريات والحكم بالحديد والنار. وأحيانا أخرى كانت أموال النفط اللعينة !! أو أنهم صدقوا أكبر أكاذيبه، وهي معاداته للإمبريالية الأمريكية. وحتى الحرب الأخيرة واحتلال العراق، ظل هناك من يصدق أن صدام حسين سيقاوم وسيدحر الأمريكان. وتناسى هؤلاء أن صدام حسين قاتل وليس بطلا، ولا يمكن لمن ذبح شعبه أن يدافع عن أرضه. والبعض الآخر راهن على القوى العسكرية والأمنية التي تحيطه وتناسى أيضا أن قادة تلك القوى تنظر للوطن على أنه امتيازات، هدفهم المحافظة عليها حتى ولو كان الثمن هو الوطن نفسه. وهذا ما أثبتته الأيام..
لقد سقط صدام حسين وسقطت الكذبة الكبيرة أمام العالم كله. والمطلوب الآن أن يطرد العراقيون الكذب من حياتهم تماما، وأن يمسحوا آثار تلك الكذبة الكبيرة التي ضللت حياتهم، وأن يتمسكوا بحقيقة واحدة هي أنهم كانوا قبل صدام حسين ونظامه الدموي شعبا واحدا متماسكا ويعودوا كما كانوا..
إن إعادة المصداقية لأي نشاط سياسي في العراق يتطلب إدراكا حقيقيا من القوى السياسية العراقية بأن الطريق لبناء العراق الجديد يمر عبر قرارات تتخذ في البصرة والعمارة والنجف وكربلاء وبغداد والموصل وأربيل وكركوك والسليمانية، وليس في واشنطن أو طهران أو الرياض أو دمشق أن عمان أو أنقرة.. وأن هذه القرارات يجب أن تنظر للعراق كوطن موحد للجميع بصدق، وليس بالشعارات، وأن توقف اللعبة القذرة التي يحاول البعض إغراق الوطن فيها من خلال (تطييف) الحياة السياسية، فالعراقي هو العراقي شيعيا كان أو سنيا، مسلما أو مسيحيا أو صابئيا أو يزيديا، كرديا أو عربيا أو تركمانيا أو أشوريا أو أرمنيا، وأن اختياره يجب أن يكون لكفاءته لا لقوميته أو مذهبيته أو دينه..
إن العراق الجديد الذي حلم به العراقيون هو عراق آمن مستقر يحترم أبناءه ويعطيهم الفرصة بالتكافؤ. أما عراق الطوائف والأعراق فهو ذلك المسخ الذي بذر الكذاب الأول صدام حسين بذرته الأولى والذي تروج له الآن دول الاحتلال ودول الجوار، ودون أن يسقط دوره في القضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والأكراد تحت ذريعة مواقف (بعض العروبيين) المعادية لطموحات الشعب العراقي للإطاحة بالدكتاتورية في المرحلة السابقة.
فهل تنتهي مرحلة الكذب التاريخية لنرى عراقا جديدا موحدا لا فرق فيه بين عربي أو كردي مسلم أو مسيحي أو صابئي أو يزيدي، ولكل فرد فيه الحق حسب كفاءته وحسب انتمائه العراقي؟ عراق يستعيد مكانته العربية والدولية دون وأن تكون لها الأسبقية على قضاياه الوطنية.



#ليث_الحمداني (هاشتاغ)       Laith_AL_Hamdani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التخصيص بين (صديق الرئيس فولي) وصديقنا - يعقوب
- بعيدا عن أحاديث الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان ما زال ف ...
- دفاعا عن فضائية أبو ظبي محاولة لفهم العمل الإعلامي وظروفه بع ...
- اتحاد الصحفيين العرب البيان المتأخر.. والتغيير المطلوب!
- مواقع الإنترنت العراقية ´- مطلوب قطع الطريق أمام الراقصين في ...
- ملاحظات حول مستقبل العمل الصحفي في العراق
- البحث في أعماق الزمن عن زعامات نظيفة اليد
- موسيقى الأغنياء التي تذبح الفقراء
- العراقيون يكرهون الدكتاتورية، ولكنهم يكرهون الاحتلال أكثر


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ليث الحمداني - سقوط الكذبة الكبيرة