ثلاث (زعقات)*

محمد سحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 08:16
المحور: الادب والفن
    

هدأ صوت المحركات ، توقفت الطائرة ، اقترب السلم من الباب ، خف الضجيج القادم من الخارج.
أرسل الكابتن عبر المايكروفون تهاني مقتضبة بصوت مشوش ، تعالى الضجيج من الداخل تدريجياً ، تداخلت أعقاب الكلمات ، ارتفعت وتيرة الحركة إلى أن فتح الباب ، تدافع الجميع فيما فضّلت الجلوس ، بعد لحظات من المراقبة قامت واتجهت صوب الباب بخطوات هادئة ثم توقفت عند قمة السلم ، ألقت نظرة نصف دائرية، أدارت رأسها من اليمين إلى اليسار متفحصة بهدوء ساحة المطار والمباني المجاورة مع نصف ابتسامة تصاعدت أكثر من مرة لتصبح ابتسامة كاملة .
---

توقفت عند كابينة الجوازات في آخر الطابور ، بعد لحظات توقفت أمام الشباك ، تأخرت في مد جواز السفر لتلفت الانتباه فيما كانت تضمر تحية وابتسامة لرجل الأمن المنغرس خلف شاشة فوق مقعد ، سرعان ما ألغت الفكرة ومدت جواز السفر بعد أن (زعق) رجل الأمن :
الجواز يا أخت.
ثم عادت لتفتعل ابتسامة معكرة بارتباك ظاهر ، قالت : مرحباً .......... بعد لحظات من اللا جواب سمعت :-
كمْ.......(صوت ارتطام وجه الختم بأرضية الجواز الورقية المثبتة على الطاولة) .....اللي بعده : صرخ رجل الأمن.
---

استلت جواز السفر وتوجهت صوب صالة انتظار الأمتعة ، الابتسامة السابقة أخف مما كانت تعكرها لمسة ارتباك واضحة ، داخل الصالة هرج ومرج ، كومة من الناس ، صراخ أطفال ، أحاديث صاخبة ، أعقاب سجائر على الأرض ، سحب دخان عالقة في نصف الصالة العلوي ، رائحة عرق وروائح كريهة أخرى ممزوجة بعطور رديئة متداخلة.
وقفت في آخر الكومة البشرية تنتظر حقيبتها الوحيدة ، تحرك سير عرض الحقائب ، تدافع الناس باتجاهه ، تراجعت إلى الخلف ، خلف التدافع ، إلى أن خف تدريجياً ، شاهدت حقيبتها تمر أكثر من أربع مرات لترجع ثم تعود للظهور من جديد ، بعد لحظات خف الزحام استطاعت التقاط الحقيبة الشبه وحيدة على سير عرض الحقائب.
جرّت الحقيبة على الأرض ، إلى خارج الصالة ، الشمس ساطعة الحرارة مرتفعة ، سيارة أجرة واحدة متبقية يمتطيها سائق يحمل رباعية أسنان ذهبية (زعق) من على مقعده : تاكسي يا أخت .
تنهدت بعمق ، الارتباك يسيطر على تقاسيم وجهها فيما نصف الابتسامة السابقة عالقة على سلم الطائرة .
_______________________
* زعق تعنى صرخ

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل