أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سحيم - الجرذان















المزيد.....

الجرذان


محمد سحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 09:30
المحور: الادب والفن
    



إنهم كُثُر ، يعيشون معنا ، نراهم في كل مكان في الشوارع في الحارات في الأزقة و في معظم الأماكن العامة ، نتقاسم الحياة معهم ونقسمها بيننا و بينهم .
ندّعي أنهم بشر وأبناء آدم كما نحن و كأي واحدٍ منا معشر المتشابهين ، لكن مشاعرنا تجاههم وتصرفاتنا معهم نفرزهم بها عن المجموعة ونوغل بها جراحهم ونصب بها الزيت على محرقة آدميتهم ونصلبهم بها على عامود اللا إنسانيه، وندعي أننا لا نقصد الأذى لهم ولا لذاته أي ( الأذى ).
كم هو مزعج ادعاء الجاني أن لا نية له ولا قصد مبيت للأذى وكم هو رخيص هذا التحايل والشطارة سيئة الصنع و الادعاء.
أولئك الذين لا يقصدون كل ما يفعلونه ولا يقصدون الأذى ولا يقصدون جرح مشاعر الجرذان ، ترتجف أجسادهم السوية إذا عرفوا أنهم يقتلون جرذاً مع كل كلمة شفقة أو سخرية يطلقونها صوب روح الجرذ..
أما أعزائي الجرذان فهم يعرفون ذاك الشيطان الذي يسكن كل واحدٍ منا كذا يئنون تحت وطأة جرمهم اللا مغفور تلك أللعنة التي أصابتهم بغير ذنب ، وكأني بهم يقولون :
دعونا بقربكم نحيا بسكون ريثما يقتلعنا الموت لنرتاح من ثقل الحياة ، فقط دعونا نحيا بسلام وبجمود كما عهدتمونا.
جرذاني الأعزاء
يذرعون الشوارع ، يمرون بالساحات ، يركبون وسائل النقل العامة والخاصة ، صامتون إلى حافة الجمود لا يُجيدون غير الإسراع والصمت والشعور بالإحراج والحزن ، لا يجرؤون على إبداء مشاعرهم لأحد سوى في ألأحلام وبصمت ، بصمت وعند حافة اللا شيء حتى لا يسمعهم أحد .
تسير الفتاة منهم بجوار الجدار مطأطئةً رأسها تعاقِب ذاتها على تشوهٍ لم تكن يوماً إلهاً لتتسبب به ولم تكن قد اختارته إطلاقاً أو لجأت إليه من ترف العيش ، هي كذلك وجدت نفسها مختلفة عن باقي البشر إنسان بلا آدمية يعامل إما بالشفقة أو السخرية و منهما تذبح ويذبحون.
تسرع في خطواتها تُصِر على النظر إلى أسفل تحني رأسها ، لا تحاول ولو لمرة واحدة أن تلقي نظرة خجولة على وجه شاب أي شاب ، هي هكذا تُصِر على النظر إلى أسفل حيث الأحذية والأرض وحفر الجرذان.
هكذا تحيا عزيزتي الجرذة ريثما يقتلعها الموت ، تسرع في المسير تدرك أنها ليست بحاجة للتباطؤ تعرف أنها لن تضيّع فرصة لقاء فارس الأحلام إذا ما أسرعت ففارسها لم يخلق بعد ، أو أنه خلق بدون حصانه الأبيض وهو هناك بعيداً عنها يعبر الجبال و السموات على رجليه ولن يصل إلا بعد 50 ألف سنة ، هذه أكثر أفكار الجرذة تفاؤلاً بخصوص الحب .
تدعوا الله قبل أن تخرج من مخبئها أن لا تصادف فضولياً يدقق في وجهها ، كما ترجوه أيضاً أن يقنع عباده بالصيام ولو ليوم واحد عن السخرية أو الشفقة فهما أسوء ما قد يقابلها خارج المخبأ .
بعد ساعة تعود لمخبئها من جديد بعد أن أدركت خلال الساعة المنصرمة أن الله لم يجب طلبها وأن عباده كعادتهم مارسوا سلوكهم الآدمي و وحشيتهم و بذلوا قصارى جهدهم في ذبحها وتعليقها على صليب الآدمية.
تغلق بابها وترتمي على الأرض في وحدتِها بعد أن قفزت منهم إلى عزلتها الدائمة ، تنسكب دموعها ككل يوم وككل لحظة ، تنحدر قطرت الدموع المالحة على جلد وجهها المشوه ترفع عينها الواحدة إلى السماء ثم تعود وتحني رأسها كما تفعل دائماً ، لتبدأ في جَلد ذاتها و تأنيب نفسها وتشترك مع باقي المجتمع في إدانة نفسها البريئة على جرم لم تفعل منه ما يستوجب كل هذه السخرية أو الشفقة.
كلهم هكذا ، أقصد أعزائي الجرذان ، كلهم هكذا يجلدون ذواتهم كهذه الفتاة متشابهون كذا قصصهم متشابهة كل آلامهم مربوطة بحبل يشد كل الناس وثاقه كذا يوغلون في غرس أنيابهم في أعناق الجرذان اللطيفة ويتنادمون ويضحكون وكلنا تسيل من على شفتيه قطرات دم الجرذان .
أما عن عزيزي المسكين ، فقد مرت بجانبه فتاة حسناء وكان سوء الحظ حاضراً كعادته يتربص به فتباطأت اللحظات وأساءت الريح التصرف فبعثرت شعر الفتاة فلامس خد صديقي الجرذ فأحس بنعومته وهو يمر من على خده ، أحس بنوعٍ من الدوار بعد أن داعب شعر الحسناء خده ، كأي إنسان أحس بالحب واستشعره ضل واجماً ينظر إلى الفتاة وإلى حسنها أحس بها وقد سكنت كل خلايا جسمه عاش عاشقاً للحظات ريثما انتبه له أحد الآدميين .
طأطأ الجرذ رأسه وزفر بدل أن يتنهد كعادة العشاق وقال :
كيف لجرذٍ مثلي أن يحب هذه الآدمية الحسناء!؟
سمع مقالته أحد الآدميين فضحك بشدة ، ضحك وأخذ سكينه وساق الجرذ إلى مذبح آلهة الجمال وسخر منه وحز عروق مشاعره وسقى غروره من دم الجرذ وانتصر لقاعدة (الآدمي لا يعشق جرذا و الجرذ لا يعشق آدمياً).
سارع عزيزي الجرذ من مكان الجزر حيث استبيحت كرامته كالعادة ، انسحب وترك ذاك الآدمي يضحك ويخبر من حوله من مصاصي الدماء بأن هذا الجرذ الوقح حاول أن يُعجَب بتلك الحسناء الآدمية ، تركهم وانسحب ودمائه تسيل من على أنيابهم تلطخ وجوههم وصدورهم .
تراجع وطأطأ رأسه وأكمل مسيره وضل صامداً وهو يتلقى ركلات الشفقة ولكمات السخرية كان كل المجتمع يوجه الضربات لقلبه ولجسمه النحيل والمشوه ، ضل صامداً ومعتدلاً في مشيته دون أن يلتفت إلى من يمر بهم و هم يتواقحون ويدققون في وجهه ويتهامسون أمامه دون أي مراعاة لمشاعره.
كعادة أي جرذٍ مجروح يطبق على نفسه باب مخبئه ويأخذ في جلد ذاته وتسيل دموعه على وجهه المسكين الغير مطابق لمواصفاتنا الآدمية ويرفع رأسه إلى السماء ثم يرمي نفسه على الأرض.

أيها الآدمي يا عاشق دماء الجرذان ويا أيها الساعي لإدانتهم بأي طريقة :
بعها بدينار أو بربعه أو بخمسة قروش أو حتى استبدلها بحذاء بالي أو بروث حمار أو برجلٍ مقطوعة من جيفة كلب متعفنة ، استغني عنها لأي ذئب فهي لا تخصك ولا تعنيك إن كنت تدعي أنك إنسان .
إن آدميتك وخلقتك السوية التي تجعلك تغرس أنيابك في عنق أحد جرذاني الأعزاء لهي أسوء من أن تفتخر أو تغتر بها ، أدعوك إلى أن تشم رائحتها وأنت تمارسها على جرذٍ مسكين فهي أسوء من أن تُشَم أو أن أصفها لك فهي لا تساوي ما ستستبدلها به ولو كان أسوء ما تعرف من القبيح.
يكفيك أن تدع أي جرذ يمر بجانبك أن يكمل مسيره بسلام بدون أن تسخر منه أو تتصدق عليه بشفقتك .
دعه يمر كيفما شاء أن يكون وكيفما بدا وجهه أو مظهره و عامله على أنه شيء أي شيء في غنى عن السخرية والشفقة يحب الحياة يحب المطر يحب الورود يعشق الجمال ينتظر أن ندعه يعيش بسلام بسلام
فليحيا جرذاني الأعزاء
محمد سحيم
بنغازي / ليبيا
البريد الإلكتروني :- [email protected]






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسة قروش ...العدل أساس الملك ..!!


المزيد.....




- الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت ...
- الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت ...
- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سحيم - الجرذان